المرفق دال

بيان المدير العام

 

 

السيد رئيس المؤتمر،

السيد الرئيس المستقل للمجلس،

أصحاب المعالي،

أصحاب السعادة،

السيدات والسادة،

 

          عُقدت هذه الدورة الخاصة للمؤتمر من أجل التعجيل بتنفيذ القرارات التي اتخذتها الدول الأعضاء بعد النظر في توصيات التقييم الخارجي المستقل لمنظمة الأغذية والزراعة.

 

(إصلاح المنظمة)

 

          إنّ الدول الأعضاء في المنظمة وإدارتها والموظفين فيها يتشاطرون الرؤية المتمثلة في بناء عالم خالٍ من الجوع وسوء التغذية. ويجب أن تساهم الأغذية والزراعة في تحسين مستوى معيشة الجميع، وفي طليعتهم الفقراء، وفي تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

 

          وفي ظلّ الظروف الاقتصادية والمناخية التي تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، يجدر بالمنظمة أن تتكيّف مع الأوضاع القائمة كي تلبي تطلّعات دولها الأعضاء. وعلينا لذلك أن نبني "منظمة جديدة". وذلك يقتضي منا جميعاً التسلح بروح التفاني والتصميم والصدق والثقة المتبادلة والعمل الحثيث.

 

          ولقد كان من حسن طالع المنظمة أن خضعت لتقييم مستقل معمّق لجهاز الحوكمة فيها ولبرامجها، وأولوياتها، ونظمها الإدارية، وهيئة إدارتها، ونظم الإشراف المتبعة فيها، فضلا عن هيكلها التنظيمي. وقد جرى هذا العمل تحت إشراف أجهزتها الرئاسية وبتمويل مباشر من الدول الأعضاء.

 

          وكما جاء في التقييم، فإنّ العالم لا ينفك يواجه "تحديات تظهر باستمرار لا تستطيع أن تتصدى لها بشرعية ونفوذ سوى منظمة عالمية لها اختصاصات منظمة الأغذية والزراعة وخبراتها". وعلينا اليوم أن نضاعف جهودنا إذا ما أردنا التصدي للتحديات التي تواجهنا.

 

          وإني أقدّر الالتزام غير العادي الذي أبدته البلدان الأعضاء لإعداد تقرير لجنة المؤتمر. وأخصّ بالشكر رئيس لجنة المؤتمر البروفيسور Noori-Naeini، ونواب الرئيس السيدةVan Ardenne  والسيد Ngirwa. فقد تكللت هذه العملية الصعبة بالنجاح بفضل قيادتهم لها، وهي عملية احتاجت إلى عقد 90 اجتماعاً رسمياً خلال هذا العام. كما أودّ أن أحيي الجهود الحثيثة التي بذلها رؤساء مجموعات العمل والرؤساء المشاركون ونوابهم. وأود في النهاية التوجّه بالشكر لكم جميعاً، أنتم ممثلو الدول الأعضاء، على العمل المشترك الذي قمتم به بروح من التوافق. فإنّ ما أنجزتموه هو حدث فريد في تاريخ الأمم المتحدة، وإني لأشعر بالفخر لرؤيتي منظمة الأغذية والزراعة وقد أصبحت، لذلك، قدوة للآخرين على طريق الامتياز.

 

          ولقد أسفرت هذه الجهود المكثفة التي بذلناها هذه السنة عن وضع خطة عمل فورية هي بمثابة خارطة طريق طموحة لتجديد المنظمة. وحددت هذه الخطة رؤية للمنظمة ولأولوياتها وبرامجها. كما أنها تحدد جهازها المختص بالحوكمة ونظمها الإدارية. وهي ستفضي إلى تغيير الثقافة وإلى إعادة هيكلة تنظيمية فيها. وقد شارك موظفو المنظمة بصورة نشطة في مختلف مراحل العملية. فاسمحوا لي أن أشكر جميع موظفي الأمانة الذين أتاحوا، بجهودهم ومثابرتهم، التوصل إلى هذه النتيجة الإيجابية.

 

          وكنت، بمجرد صدور تقرير التقييم، قد اتخذت تدابير من أجل تنفيذ توصيات التقرير الواقعة ضمن نطاق صلاحياتي. فعلى صعيد الإدارة، جرى تفويض الصلاحيات في المقرّ الرئيسي وفي المكاتب الإقليمية، إلى جانب تبسيط الإجراءات. وكان لا بد أيضاً من توفير مبلغ 22 مليون دولار أمريكي من مكاسب الكفاءة في برنامج العمل والميزانية للفترة 2008-2009، وفقا لاستنتاجات المؤتمر في دورته الأخيرة. وتعهّدت، بعد ذلك، بخفض عدد الوظائف الدائمة من فئة مدير بنسبة الثلث في الأعوام 2008 و2009 و2010، وهي وظائف بلغ عددها 120 وظيفة في مطلع شهر يناير/كانون الثاني 2008. وفي إطار مبدأ "الإصلاح المصحوب بالنمو"، فإن الجزء الأكبر من الوفورات المحققة بفضل هذا الترشيد سيعاد استثماره في البرامج الفنية. وأخيراً، واستجابة للتركيز على النواحي النفسيّة، تم تكليف فريق، يضمّ موظفين من مختلف المستويات في المنظمة، سواء في المقر الرئيسي أو في المكاتب الإقليمية، بتعزيز عملية تغيير الثقافة.

 

          وسيكون من اللازم، بعد انتهاء هذه الدورة الخاصة للمؤتمر، الشروع بصورة حاسمة في تنفيذ خطة العمل الفورية في السنوات 2009 و2010 و2011. وأنا واثق من أننا سننجح، خلال هذه الفترة، في تحديد أهدافنا الاستراتيجية وأولوياتنا البرامجية على نحو أفضل. وقناعتي أن هذه الخطة ستسمح أيضاً بتحسين الحوكمة والرقابة من قِبل الدول الأعضاء، بما يكفل الشفافية في عمل المنظمة والفهم المتبادل.

 

          إضافة إلى ما تقدم، فإن خطة العمل الفورية تقضي بإعادة صياغة حقيقية لطرق عمل المنظمة ولا سيما عن طريق إصلاح عملياتها المالية وإعادة تنظيم هياكلها في المقر الرئيسي والمكاتب الميدانية. وسوف تفرض إجراء تعديلات في العلاقات التراتبية وفي إدارة الموارد البشرية. وستخصص سنة 2009 للأعمال التحضيرية لتنفيذ أنشطة الفترة المالية المقبلة. ومن المتوقع كذلك أن يجهز التقرير النهائي للاستعراض المفصل الذي يجريه حالياً استشاريون خارجيون في النصف الأول من عام 2009.

 

          وكان التقييم قد ذكّر بأنّ إحدى العوائق الرئيسية التي تعترض نجاح الإصلاح غالباً ما تكمن في "عدم تناسب الموارد المتاحة مع أهداف مفرطة في الطموح". وتنفيذ خطة العمل الفورية يستلزم تأمين الاستثمارات اللازمة في مجالات الحوكمة، والموارد البشرية، والإجراءات الإدارية، والإدارة، والبرمجة سواء في هياكل المقر الرئيسي أو في المكاتب الإقليمية. والموارد المالية اللازمة للتغيير في عام 2009 تبلغ 21.8 مليون دولار أمريكي. لذلك فمن الضروري تجنب تضييع الوقت. بل يجب المباشرة باتخاذ الإجراءات المختلفة بمجرد انتهاء هذا المؤتمر. وآمل أن تبدي الدول الأعضاء الإرادة السياسية والدعم الأكيد لهذه الإصلاحات من خلال إتاحة المساهمات الطوعية في أسرع وقت ممكن. فلا يجب أن يشك أحد في حجم المهمّة الكبيرة التي بانتظارنا.

 

          وقد أنشئ حساب أمانة لتلقي الاشتراكات الخارجة عن الميزانية والضرورية لتنفيذ خطة العمل الفورية في سنة 2009.

 

          وأود أن أؤكد لكم التزامي الشخصي والتزام جميع العاملين في المنظمة بتنفيذ التغييرات المقررة ودعم "الإصلاح المصحوب بالنمو" الذي قررتموه.

 

السيد الرئيس،

أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

 

          إلا أن هذه الدورة الخامسة والثلاثين لمؤتمرنا تنعقد في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات مهمة: أزمة مالية وأزمة اقتصادية وأزمة غذائية. وعلينا، في مواجهة هذه التحديات الكبرى، اتخاذ قرارات مهمة لتمكين المنظمة من الاضطلاع بمهمتها بالصورة المناسبة.

 

(حالة انعدام الأمن الغذائي العالمي)

 

          ولقد شهدت السنوات الثلاث الأخيرة ارتفاعاً سريعاً في أسعار المواد الغذائية. فقد ازداد مؤشر أسعار المواد الغذائية في المنظمة بنسبة 9 في المائة في بادئ الأمر بين عامي 2005 و2006، ثمّ بنسبة 24 في المائة خلال السنة التالية، وأخيراً بنسبة 40 في المائة في الأشهر الأولى من عام 2008. وفي شهر يوليو/تموز، أدّت توقعات الإنتاج العالمي المشجّعة إلى انخفاض أسعار الحبوب الأساسية. ومع أنّ أسعار الأغذية بدأت تتراجع بنسبة 14 في المائة. بيد أنه تجدر الإشارة إلى أنّ مؤشر أسعار الأغذية كان لا يزال في شهر سبتمبر/أيلول 2008 مرتفعاً حيث فاق بنسبة 51 في المائة ما كان عليه في سبتمبر/أيلول 2006. وزادت أسعار المدخلات بمقدار الضعف، أو ثلاثة أضعاف، حتى أنها لم تعد في متناول صغار المنتجين الزراعيين.

 

          وانخفاض أسعار المواد الغذائية لا يعني أنّ أزمة الغذاء قد انتهت. فهذا الانخفاض يُعزى إلى تراجع الطلب بفعل تباطؤ الاقتصاد العالمي أكثر مما يُعزى إلى حدوث ارتفاع كافٍ في العرض. وينبغي لذلك إعادة تجديد مخزونات الحبوب. فمعدل "المخزونات إلى استخدامها" بالنسبة إلى الحبوب هو عند ثاني أدنى مستوى له منذ ثلاثين سنة، إذ إنه يقتصر على 433 مليون طن بالنسبة لمخزونات أول المدة. وعلاوة على ذلك، من شأن تراجع الأسعار أن يؤدي إلى خفض إنتاج الأغذية في 2009/2010، مما قد يتسبب بدوره في أزمة غذائية أخرى.

 

          ونتيجةً لوجود أسعار مشجّعة بدرجة أكبر، فإن البلدان المتقدمة، التي تتمتع بقدر أكبر من المرونة في العرض بالنسبة للطلب، قد زادت إنتاجها من الحبوب بنسبة 11 في المائة. أما البلدان النامية، فلم تتعدَّ نسبة النمو فيها
0.9 في المائة. والواقع أنه يتبين أن إنتاج تلك البلدان قد انخفض في الواقع بنسبة 1.6 في المائة، إذا ما استُثنيت منها الصين والهند والبرازيل.

 

          وقد بلغت فاتورة الواردات الإجمالية من المواد الغذائية 827 مليار دولار أمريكي في عام 2007، ويمكن أن ترتفع أكثر لتبلغ 020 1 مليار دولار أمريكي في عام 2008. وهذا يمثل زيادة بنسبة 23 في المائة في تكاليف الواردات العالمية و35 في المائة بالنسبة إلى البلدان النامية.

 

          وللأزمة الغذائية نتائج مأساوية لا سيما بالنسبة إلى الأسر الفقيرة بل ولصغار المنتجين الذين باتوا عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الغذائية من إنتاجهم الخاص. وقد أدت أعمال الشغب التي تسبّب بها الجوع في نهاية سنة 2007 ومطلع سنة 2008 إلى قلاقل اجتماعية وسياسية في 20 بلداً في مختلف قارات العالم.

 

          وتفيد أحدث البيانات الصادرة عن المنظمة حول انعدام الأمن الغذائي العالمي أنّ عدد الجياع في العالم قد ازداد، في عام 2007 وحده، بمقدار 75 مليون نسمة، لا سيما بسبب ارتفاع أسعار الأغذية، عوض أن ينخفض بمقدار 43 مليون نسمة حتى يصل إلى العدد الذي التزم به مؤتمر القمة العالمي للأغذية في عام 1996.

 

          وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول 2008، كانت الإحصاءات تفيد بأنّ عدد البلدان التي تعاني من أزمة غذائية خطيرة تستدعي مساعدات طارئة يبلغ 36 بلداً؛ منها 21 بلداً في أفريقيا و12 بلداً في آسيا وثلاثة بلدان في أمريكا اللاتينية.

 


السيد الرئيس،

أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

 

(البرامج والمبادرات)

 

          إن التصدي لهذه التحديات لا يستوجب القضاء على الجوع الذي يعاني منه 923 مليون نسمة في العالم فحسب، بل يقتضي أيضا مضاعفة الإنتاج الغذائي. إذ يتعيّن في الواقع تأمين الغذاء لسكان العالم البالغ عددهم حالياً 6.5 مليار نسمة وهو عدد سيصل إلى 9 مليارات نسمة في عام 2050.

 

          وهناك بالفعل خطط وبرامج ومشروعات لحل مشكلة الأمن الغذائي في العالم، حتى وإن كانت قابلة للتحسين والتحديث.

 

          وقد نظمنا في الفترة من 3 إلى 5 يونيو/حزيران الماضي المؤتمر الرفيع المستوى بشأن الأمن الغذائي العالمي. وقد أكّد خلال المؤتمر مندوبو 181 بلدا – منهم 43 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 100 وزير – ضرورة زيادة الإنتاج، خاصة في بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض. والإعلان الذي صدر عن المؤتمر وأُقرّ بالترحيب العام، قد بيّن بوضوح أن الاستثمار في الإنتاج الزراعي هو أساس أي حلّ مستدام لأزمة الغذاء وأن من الضروري توفير الموارد المناسبة لهذا الغرض.

 

          وقد سمح مؤتمر قمة مجموعة الثمانية في هوكايدو والدورة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بمواصلة تبادل وجهات النظر بشأن أسباب الأزمة وكيفية التصدي لها.

 

          وقد عكفت المنظمة على العمل، في هذا الصدد، من خلال اتخاذ إجراءات مختلفة في إطار مبادرتها لمكافحة الارتفاع الحاد في أسعار السلع الغذائية التي أطلقتها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2007. وهكذا، تلقت المنظمة طلبات من 79 بلداً للمشاركة في هذا البرنامج. وقد بدأ بالفعل توزيع البذور والأسمدة أو أن من المقرر الشروع فيه في 76 بلدا من تلك البلدان. وعلى أية حالة، فإن هذا النوع من الأنشطة ليس بالجديد على المنظمة حيث أنها نفذت، خلال السنوات العشر الماضية، 022 1 مشروعا لتوزيع المدخلات بما قيمته 931 مليون دولار أمريكي.

 

          بيد أن عليَّ القول أيضا إن الوسائل المالية تُعدّ، مقارنة بتطلّعات البلدان، أقل بكثير من الاحتياجات. ورغم الحماس الذي ميَّز الخطابات والتعهدات المالية التي أعلنتها بلدان كثيرة، فقد جرى تسديد جزء بسيط جدا مما تم التعهد به في شهر يونيو/حزيران الماضي. فما جرى تسديه حتى الآن لا يتجاوز 10 في المائة من المبلغ المعلن عنه وهو 22 مليار دولار أمريكي وهي نسبة خصصت أساسا للمعونة الغذائية الطارئة.

 


السيد الرئيس،

أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

 

(مؤتمر القمة العالمي بشأن الأمن الغذائي)

 

          لقد بددت الأزمة المالية الأخيرة اليقين المزهو الذي اتسمت به إزالة ضوابط النظم الدولية للإدارة الاقتصادية. فلا عجب إذن في أن تقوم أعلى السلطات السياسية في العالم، بمبادرة من الرئيس Nicolas Sarkozy، بالدعوة إلى إعادة بناء النظام المالي الدولي على أسس جديدة. ويندرج مؤتمر قمة مجموعة العشرين الذي عُقد الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الإطار.

 

          وإنّ أزمة الغذاء تحتاج إلى نفس القدر من العناية. فهي، علاوة على أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، أبرزت بصورة جليّة المخاطر الكبرى التي تمثلها بالنسبة للسلم والأمن في العالم.

 

          لذلك فقد اقترحت تنظيم مؤتمر قمة عالمي بشأن الأمن الغذائي في النصف الأول من عام 2009 بقصد التوصل إلى اتفاق واسع في الرأي بشأن القضاء بصورة نهائية وسريعة على الجوع في العالم.

 

          ولقد طرحت هذه الفكرة خلال الاحتفال بيوم الأغذية العالمي في نيويورك، في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحضور الرئيس Clinton الذي وافق مشكوراً على المشاركة في هذا الاحتفال، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة. وتقدّمت بهذا الاقتراح للتوّ إلى الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية، السيد Barak Obama، في رسالة التهنئة التي بعثت بها إليه. كما عرضت الفكرة على رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء.

 

          وينبغي لمؤتمر القمة هذا أن يحقق درجة أكبر من الاتساق على صعيد الحوكمة المتصلة بالأمن الغذائي العالمي. ومن المتوقع أن يرسي الأساس لنظام جديد للتبادل الزراعي يتيح للمزارعين في البلدان المتقدمة والبلدان النامية إمكانية كسب عيشهم بكرامة. إذ يجدر تمكين هؤلاء من كسب مداخيل مماثلة لتلك التي يحصل عليها العاملون في القطاع الثانوي وقطاع الخدمات في بلدانهم كي يواصلوا عملهم في المناطق الريفية. فالأمر يتعلق بإعادة النظر في النظام الزراعي الدولي الذي أراد الرئيس Roosevelt والآباء المؤسسون أن يكون نظاما أكثر عدلا ومراعاة لمن يعانون سوء التغذية عندما أنشأوا منظمة الأغذية والزراعة. وعلينا، لهذه الغاية، التحلي بالذكاء والابتكار من أجل رسم سياسات للتنمية الزراعية ووضع قواعد وآليات تكفل التجارة الدولية الحرّة والعادلة أيضاً.

 

          وسيكون على المؤتمر أيضا أن يدِّبر 30 مليار دولار أمريكي سنويا لإقامة البنى الأساسية الريفية وزيادة الإنتاجية الزراعية في العالم النامي. إذ لا بدّ من إنقاذ البشرية من براثن الجوع في عالم خصص فيه مبلغ 365 مليار دولار أمريكي لدعم الزراعة في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في سنة 2007؛ عالم يُنفق فيه، في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، مبلغ 340 1 مليار دولار أمريكي سنويا على التسلح؛ عالم يُتاح فيه، في غضون أيام قليلة، أكثر من 000 3 مليار دولار أمريكي لمحاولة كبح جماح الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي التفكير في إنشاء "صندوق لتدخلات الطوارئ"، على الفور، لتوفير القدرة على إطلاق عجلة الإنتاج في البلدان ذات الدخل المنخفض والتي تستورد كميات كبيرة من السلع الغذائية. ويجدر بنا تجنب تكرار حالات كانت فيها طرق التصدي لهذه المشاكل غائبة وهي لا تزال غائبة، رغم الإنذارات المتكررة التي وجهتها المنظمة للتحذير من تدني الاستثمارات الزراعية في عام 2002 وارتفاع أسعار الأغذية والمدخلات في عام 2007 بصورة خاصة.

 

          ومنظمة الأغذية والزراعة، من جانبها، على استعداد لبذل قصارى جهدها للتعاون من أجل التحضير لمؤتمر القمة هذا وتنظيمه وإنجاحه، بما يمكّن جميع شعوب الأرض من التمتع "بالحق في الغذاء" الذي تقوم عليه جميع حقوق الإنسان.

 

(الحوكمة)

 

          وينبغي، في الواقع، تصحيح النظام الحالي الذي يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي العالمي نتيجة للتشوهات التي تلحق السوق العالمية من جراء دعم الزراعة، وفرض الرسوم الجمركية، والحواجز الفنية التي تعترض سبيل التجارة، فضلا عن التخفيض المحتمل لموارد المساعدات الإنمائية الرسمية.

 

          ويجب أيضاً تعزيز عملية مكافحة انعدام الأمن الغذائي على الصعيد الدولي بالاعتماد على البنى والبرامج القائمة بالفعل. ولا بد من التوصل إلى تصميم نظام عالمي أكثر تناسبا مع التحديات الجديدة التي يطرحها الأمن الغذائي.

 

          ولجنة الأمن الغذائي العالمي، التي أنشئت في أعقاب مؤتمر الأغذية العالمي لعام 1974 توفر منتدى لاستعراض ومتابعة السياسات والبرامج المتعلقة بالأمن الغذائي العالمي. وهذه اللجنة، التي أنيطت بها المسؤولية المباشرة عن رصد تنفيذ خطة عمل مؤتمر القمة العالمي للأغذية، تدرس أيضا المشكلات والقضايا الرئيسية التي تمس حالة الأغذية العالمية، وترصد المبادرات التي تنجزها الجهات المعنية، وتقترح التدابير الضرورية لتحقيق هدف الأمن الغذائي العالمي. واللجنة، بوصفها آلية دولية حكومية، لها أيضاً طابع عالمي. فأبوابها مفتوحة لكل الدول الأعضاء في منظمة الأغذية والزراعة وفي الأمم المتحدة، ولممثلي الوكالات الدولية الأخرى، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص.

 

          إلا أن وفاء اللجنة على أكمل وجه بالدور المنوط بها يقتضي تحسينها كنظام لحوكمة الأمن الغذائي العالمي. ومن اللازم تعزيز ما تتمتع به من خبرات وقدرة على التدخل.

 

          وهكذا، فإن إقامة شبكة عالمية من الخبراء رفيعي المستوى في ميدان الأغذية والزراعة من شأنها أن تفي بالحاجة إلى تعزيز خبرات اللجنة بتوفير تحليل عالمي يبرز الاحتياجات والمخاطر المقبلة. ويمكن إنشاء هذه الشبكة، التي تضم ما يتراوح بين 400 و500 خبير من العالم أجمع، خلال سنة 2009 وفقا لطرق تشغيل عملية مشابهة للطرق المعمول بها بالنسبة للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.

 

          وبتعزيز مهمة لجنة الأمن الغذائي العالمي بفضل "الشراكة العالمية في مجال الأمن الغذائي العالمي"، ستزداد مصداقيتها وفعاليتها وستحظى بالتالي بمزيد من الاعتراف نظرا لتزايد قدرتها على العمل. وينبغي لذلك إعطاءها صلاحيات جديدة وقدرات حقيقية على العمل تسّوغ تمتعها بمزيد من التأييد السياسي من قبل الدول الأعضاء.

 

          ويجب أن تصبح اللجنة مكانا للاستخلاص والتوجيه بالنسبة لرسم وتنفيذ السياسات الزراعية وتلك الخاصة بالأمن الغذائي على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. كما يجب أن تكون مكانا للمناقشة لتأمين اتساق النظام العالمي للأمن الغذائي: الإنتاج من أجل طلب متزايد ومقترن بالقدرة على الدفع ومن أجل مكافحة الجوع؛ والإنتاجية في مواجهة تغير المناخ وضرورة الحفاظ على البيئة؛ وسلاسل الإنتاج وسلامة الأغذية؛ وسوق دولية عادلة ودخول مجزية لجميع المزارعين؛ وتخصيص الموارد المالية التي تتيحها المساعدات الإنمائية الرسمية والاستثمارات الأجنبية المباشرة والميزانيات الوطنية المخصصة للزراعة.

 

السيد الرئيس،

أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

 

(الخلاصة)

 

          ينبغي إذن إصلاح المنظمة لتقوم بدور فعّال في تحقيق الأمن الغذائي العالمي. إلا أن من الضروري أيضا إنشاء نظام جديد للأمن الغذائي في العالم، بعد انقضاء أكثر من 60 عاما على إنشاء النظام الحالي.

 

          ولا بد بالتالي من التوصل إلى توافق سياسي في الآراء على الصعيد الدولي، ليس فقط لاستنباط وتطبيق الحلول الفنية والاقتصادية المناسبة للتحديات المتمثلة في الجوع وإطعام العالم، لكن أيضا لتجديد وتعزيز وتنسيق هياكل للتفكير واتخاذ القرارات لديها السلطة والوسائل اللازمة للعمل.

 

          وأنا على يقين من أنّ هذا المؤتمر الخاص سيتمكن من توجيه خطانا على طريق التجديد من أجل القضاء على الجوع في كوكبنا وإرساء الأسس للزراعة المحافظة على الموارد بما يمكّننا من إطعام البشرية جمعاء.

 

          وشكرا على حسن إصغائكم.


Table of contents Table of contents Table of contents