شكلت المناهج السابقة إزاء الزراعة وما يتصل بها من استخدام الأراضي أدوات معقدة تساعد على تفهم ما تنطوي عليه المناطق الريفية من تعقيد وتنوع. ومنذ مؤتمر دن بوش عام 1991، ومؤتمر قمة ريو عام 1992، وضع المنادون "بالتنمية الزراعية والريفية المستدامة" نظرة شاملة للموضوعات تشمل الإرشاد والبحوث في الريف والعلم والتكنولوجيا، والبنية الأساسية، ورأس المال البشري وسبل العيش المستدام. وتشمل التنمية الزراعية والريفية المستدامة نطاقا واسعا من المسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ذات الصلة بالزراعة.
ويرتكز مفهوم الوظائف المتعددة على هذه المناهج السابقة من خلال:
وعلى ذلك، فإن المفهوم ييسر تفهم التفاعل المعقد بين الزراعة وما يتصل بها من استخدام الأراضي، والسلع والخدمات المتعددة (الغذائية وغير الغذائية) التي تنتجها الزراعة، والمساهمة التي تقدمها هذه السلع والخدمات لتحقيق الأهداف المجتمعية الأوسع نطاقا، ومن ثم على التأثيرات التي تلحق بالزراعة من المجالات البيئية والاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك الديموغرافيا وتزايد عولمة الأسواق والتجارة.
وعلى الرغم من أن الطابع متعدد الوظائف للزراعة هو طابع جوهري متأصل، فإن جدول أعمال الأغذية والزراعة لم يبدأ إلاّ منذ فترة وجيزة في التركيز على تحديات السياسات ذات الصلة بتعزيز مجموعة من هذه الوظائف.
وبعد نحو عقد من التركيز على جدول أعمال الزراعة المستدامة، حدث بعض التقدم في تحويل مفاهيم الزراعة المستدامة وأولوياتها إلى واقع عملي. غير أن مديري الموارد يحتاجون إلى حوافز ملائمة من أجل زيادة الاستفادة من الأساليب المستدامة. ويتعين أن يوفر هيكل الحوافز فرصا واهتمامات للمزارعين تتجاوز الزراعة والإنتاج المعيشي للأغذية. ويكمن تزايد تفهم الكثير من الفرص والقيود التي تؤثر في تحقيق النجاح في تحسين الاستدامة وراء الاهتمام الحالي بجدول أعمال السياسات الموسع للأغذية والزراعة.
كما ينبع توسيع نطاق جدول أعمال السياسات مما يتم الآن في الكثير من البلدان والأقاليم من إعادة تقييم لدور الزراعة في التنمية الاقتصادية. فهناك، ضمن سياقات شتى، ولأسباب مختلفة، إدراك متزايد من جانب السياسات بالدور المستمر للتنمية الزراعية والريفية في البلدان منخفضة الدخل ومرتفعة الدخل في جميع الأقاليم.
وثمة عوامل أخرى تثير الاهتمام بتوصيف الوظائف المتعددة للزراعة تتمثل في زيادة الفروق بين الأقاليم فيما يتعلق بالزراعة وما يرتبط بذلك من اختلافات في الأهداف والأولويات الإنمائية. وتبين عملية فحص لقواعد البيانات في مختلف المنتديات الدولية أن القيم والأهداف الخاصة بالزراعة وما يتصل بها من استخدام الأراضي ليست واحدة في مختلف الأقاليم أو حتى فيما بين البلدان داخل كل إقليم. ويظهر ذلك جليا في مختلف المفاوضات ذات الصلة بالتجارة الدولية.
وتوفر الوظائف المتعددة للزراعة والأراضي منافع نوعية مختلفة في السياقات والأقاليم المختلفة. وتؤدي أفضل تركيبة للوظائف إلى الإدارة المثلى للأغراض الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ففي الأقاليم التي تسود فيها الزراعة الرديئة منخفضة الإمكانيات في البلدان النامية حيث يتعذر، بصورة عامة، ضمان تجديد الموارد الطبيعية واستدامة النظم الإيكولوجية الزراعية وإن كان من المحتمل أن تظل الزراعة المعيشية النشاط الأساسي، تتمثل مزايا تركيبة الخيارات فيما يلي:
أما في أقاليم البلدان النامية حيث يسود اقتصاد السوق وإن كانت الظروف غير مواتية وحيث البيئة الطبيعية هشة، فإن التركيز على الوظائف المتعددة يمكن أن يكون له دور هام من خلال:
وفي المناطق التي تمارس فيها الزراعة المكثفة وإن كانت تعاني من مشكلات بيئية، يمكن أن يؤدي تأثير تجميع الوظائف إلى:
وفي أقاليم الزراعة "التقليدية" في البلدان المتقدمة حيث يعاني الإنتاج من مخاطر تناقص قدراته التنافسية، يمكن أن يحقق التركيز على الوظائف المتعددة ما يلي:
وفي المناطق الواقعة على حدود الزراعة في المناطق الحرجية أو حيث تتمتع البيئة بإمكانيات إنتاج عالية وحيث تترسخ الأسواق بسرعة، يمكن أن يسهم مفهوم الطابع متعدد الوظائف للزراعة والأراضي في:
ويتعين في كل حالة من هذه الحالات، تقييم قيمة وأهمية مختلف الوظائف قبل اتخاذ القرار بشأن أنسب أشكال العمل. ويخضع اختيار التدابير دائما للنقاش بين المجتمعات المحلية والحكومات المحلية وحكومات الولايات، والوكالات الفنية والشركاء الخارجيين. وتستند التدابير والإجراءات بعد ذلك إلى اتفاق وتقييم مشتركين للإنجازات وعمليات إعادة تقييم وتفاوض دورية.
الزراعة هي النشاط الذي يشغل أكبر نصيب من الأراضي "المستأنسة" في جميع البلدان، ومن ثم فهي تضطلع بدور كبير في عملية التحول التي تقوم بها البشرية في البيئة. وقد شكلت هذه التحولات شكل الأراضي والنظم الطبيعية في حياة الريف عبر القرون. وفي معظم البلدان، مازالت الزراعة تمثل القاعدة المباشرة وغير المباشرة لسبل العيش الاقتصادية لأكبر قطاع من السكان. ولذا فليس من الغريب أن الزراعة تسهم، بجانب الأغذية والألياف، بأشكال مختلفة في نشاطات المجتمعات. فالزراعة توفر السلع والخدمات التي يمكن وصفها بأنها "وظائف" متميزة، وبدلا من مجرد التمييز بين المنتجات الغذائية وغير الغذائية، فإن مفهوم الطابع متعدد الوظائف للزراعة والأراضي يعني الإنتاج المشترك والمتكامل للعديد من المنتجات التي قد تكون مهمة للمجتمع والبيئة.
والوظائف الرئيسية التي تسهم بها الزراعة هي كالآتي:
وتسهم التأثيرات المجتمعة للوظائف الأربعة في تحقيق التنمية الريفية.
يتوافر الأمن الغذائي عندما تتاح لجميع الناس في جميع الأوقات فرص الحصول ماديا واقتصاديا على ما يكفي من الأغذية السليمة والمغذية لتلبية احتياجاتهم التغذوية وأفضلياتهم الغذائية لممارسة حياة ملؤها النشاط والصحة (خطة عمل مؤتمر القمة العالمي للأغذية). ويترابط الأمن الغذائي مع مجموعة من العوامل من بينها الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية (الزراعة ومصايد الأسماك والغابات)، وزيادة الإنتاج، والسياسات على مختلف المستويات، والتجارة الدولية، والمحافظة على التنوع البيولوجي وحماية البيئة، والاستثمار، والسلام والأمن.
والتأييد السياسي لتحقيق الأمن الغذائي هو تأييد قوي مثلما يتبين من إصدار 112 رئيس أو نائب رئيس دولة وحكومة وأكثر من 70 ممثلا من المستويات العليا من بلدان أخرى، إعلان روما بشأن الأمن الغذائي العالمي وخطة عمل مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996.
الأمن الغذائي والبيئة
في كثير من أنحاء العالم، تؤدي السياسات والبرامج غير المستدامة أو غير الوافية والتكنولوجيات غير الملائمة، والبنيات الأساسية الريفية غير الكافية فضلا عن الآفات والأمراض إلى قصور وهدر الموارد الطبيعية والبشرية والمدخلات والمنتجات. وتتعرض قاعدة الموارد الخاصة بالأغذية والزراعة ومصايد الأسماك والغابات للإجهاد، وتهددها بعض المشكلات مثل التصحر، وإزالة الغابات، والإفراط في الصيد، وزيادة طاقات الصيد وإرتجاع الأسماك في المصايد، وتآكل التنوع البيولوجي فضلا من عدم كفاءة استخدام المياه، وتغير المناخ، واستنزاف طبقة الأوزون. وتهدد هذه التأثيرات السلبية بيئة الأمن الغذائي في المدى البعيد.
الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية
تعد التنمية الاقتصادية الاجتماعية للقطاع الريفي شرطا أساسيا مسبقا لتوفير الأمن الغذائي للجميع. فالفقر والجوع وسوء التغذية من الأسباب الرئيسية لتسارع وتيرة الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية في البلدان النامية. ولذا فإن استئصال الفقر هو عنصر أساسي لتحسين فرص الحصول على الأغذية، فالغالبية العظمى ممن يعانون من نقص الأغذية إما أنها لا تستطيع أن تنتج أو أن تشتري ما يكفي من الطعام. والمناطق الريفية في البلدان النامية غير مجهزة بصورة جيدة عموما من حيث الموارد الفنية والمالية أو البنية الأساسية التعليمية. وفي هذه الحالات، فإن انعدام فرص إدرار الدخل، وفشل المحاصيل والمحافظة على نظم الإنتاج وعدم كفاية السلع والمدخلات وشبكات توزيع السلع الاستهلاكية، وضعف فرص الحصول على الخدمات العامة، وتدني نوعية هذه الخدمات هي كلها من الجوانب الجديدة التي يتعين دراستها في سياق الأمن الغذائي الريفي.
وتعد زيادة الإنتاج في بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض، في كثير من الأحيان، من الوسائل الرئيسية لزيادة المتوافر من الأغذية والدخل لمصلحة أولئك الذين يعيشون في ظل الفقر. ويتعين تحقيق ذلك من خلال توفير فرص العمل والدخل مما يضاعف من الطلب الفعال في هذه المناطق، مما يؤدي بدوره إلى تشجيع الإنتاج، والتنويع الاقتصادي والتنمية الريفية ومن ثم الأمن الغذائي في المدى البعيد.
الأمن الغذائي والتجارة
التجارة عنصر رئيسي في تحقيق الأمن الغذائي العالمي. فالتجارة تخلق الاستخدام الفعال للموارد وتشجع النمو الاقتصادي الذي هو عنصر أساسي لتحسين الأمن الغذائي.والتجارة تتيح للاستهلاك أن يتجاوز الإنتاج في الأغذية، وتساعد على الحد من تقلبات الإنتاج والاستهلاك، وتخفف جزءا من أعباء الاحتفاظ بالمخزونات. كما أن للتجارة تأثيرا كبيرا على فرص الحصول على الأغذية من خلال تأثيراتها الإيجابية على النمو الاقتصادي، وعلى الدخل، وفرص العمل. وسوف تضمن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المحلية الملائمة بصورة أفضل استفادة الجميع، بما فيهم الفقراء، من النمو الاقتصادي. تكمل السياسات التجارية الملائمة هذه السياسات الرامية إلى تحقيق أهداف النمو المستدام والأمن الغذائي للجميع.
وما لم تعالج حكومات البلدان والمجتمع الدول الأسباب متعددة الجوانب الكامنة وراء انعدام الأمن الغذائي، سيظل عدد الجوعى وناقصي الأغذية مرتفعا للغاية في البلدان النامية، ولن يتحقق الأمن الغذائي المستدام. وللمجتمع الدولي دور رئيسي في دعم تطبيق السياسات القطرية المناسبة وحيثما يكون ذلك ضروريا وملائما، في توفير المساعدات الفنية والمالية لمعاونة البلدان النامية والبلدان التي تمر اقتصادياتها بمرحلة تحول لتعزيز الأمن الغذائي.
الأمن الغذائي والطابع متعدد الوظائف للزراعة والأراضي
من الواضح أن تحقيق الأمن الغذائي هو مهمة معقدة تحتاج إلى مناخ ملائم وسياسات تضمن السلام فضلا عن الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والعدالة. ويمكن لاجتماع الوظيفة الاقتصادية (الظروف المواتية للقروض والاستثمار والتجارة) والوظيفة الاجتماعية (الاهتمام بالخدمات العامة والموارد البشرية والمساواة) ذوي الصلة بالزراعة تحقيق هذا الهدف. وربما يوفر مفهوم الطابع متعدد الوظائف للزراعة والأراضي منظورا وأدوات مفيدة لتحديد الخيارات لصانعي القرار من أجل تحقيق الأمن الغذائي.
تضطلع البشرية، بوصفها عنصرا فاعلا وحارسا، بدور دينامي في المحافظة على أي نظام إيكولوجي وسلامته. وللبيئة دور حيوي في تدعيم جميع جوانب الحياة فضلا عن تلبية معظم الاحتياجات من الخدمات الجوهرية مثل إعادة دوران الهواء والماء، وتوفير المواد الأساسية، والطاقة وغيرها من الموارد، وغير ذلك من المجالات مثل المجالات الترويحية. فالزراعة المستدامة ونظم استخدام الأراضي تؤثر تأثيرا مباشرا في عناصر وعمليات الإيكولوجية المحلية. وعلى ذلك تحولت معظم النظم الإيكولوجية بإطراد إلى نظم تخضع للإدارة وإن كانت نتائج ذلك تتباين تباينا شاسعا.
ويمكن أن تحقق الزراعة وما يتصل بها من استخدام الأراضي تأثيرات مفيدة أو ضارة. فقد أصبحت تأثيرات النظم الزراعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالمسار العادي لمعظم النظم الإيكولوجية. فبوسع الزراعة أن تؤثر في كمية ونوعية إمدادات المياه المخصصة للصناعة والأغراض الحضرية من خلال المحافظة على مستجمعات المياه، والتسرب، ومستوى التقلبات العادي في مستوى الماء الأرضي. ويمكن أن تساعد في مكافحة التعرية ومن ثم وقف جريان المياه العنيف ذو التأثيرات السلبية عند المصب. وفي هذه الحالة الأخيرة، يكون التأثير الاقتصادي غير مباشر وممتدا عبر الوقت.
وتشمل المنافع البيئية المباشرة للزراعة ما يلي: الحد من التلوث من خلال إدارة التربة والغطاء النباتي، زيادة الكتلة الحيوية وتثبيت المغذيات من خلال المحاصيل المختلطة، واستخدام الأراضي واستعمال الأسمدة، وزيادة مقاومة النظام الأيكولوجي بتقنيات تحد من التعرية.
وقد يكون للزراعة أيضا تأثيرات سلبية على النظم الإيكولوجية وعلى تجدد الموارد الطبيعية. وتشمل الأمثلة على ذلك، أساليب الزراعة التي تفرط في استخدام المدخلات الكيماوية، الري والحراثة الميكانيكية. وفي معظم الحالات تكون هذه النظم عالية التخصص، وتستخدم نظم إنتاج متعددة الوظائف، وإن كان ذلك بمثالب كبيرة. وتتمثل التأثيرات السلبية الرئيسية في التلوث، وفقدان المقاومة والتنوع في النظم الإيكولوجية المزروعة، وعدم تجديد قوام التربة الذي يعرض الأراضي بدرجة كبيرة للصدمات الخارجية ويقلل من قدرتها على الانتعاش بعد الصدمة. وينطبق ذلك، مثلا، خلال الموسم الجاف عندما تفقد التربة قدرتها على خزن المياه أو عندما يكون للأمطار الغزيرة تأثير في تعرية التربة نتيجة لفقد استقرار القوام في التربة العلوية.
وتحظى التغييرات التي تتعرض لها البيئة بالاهتمام على كثير من المستويات. وأصبح التفاوض بشأن الاتفاقات الدولية وتنفيذها من الآليات الرئيسية التي تؤثر في أساليب استخدام وإدارة البيئة، ولسلسلة الاتفاقيات التي عقدت منذ قمة ريو وخاصة اتفاقية التنوع البيولوجي، ومكافحة التصحر، تأثيرات مباشرة على الزراعة. فهذه الاتفاقيات ترس الخطوط التوجيهية والأهداف الخاصة بصيانة بعض الموارد الرئيسية. وقد أسند اهتمام خاص لمخاطر انخفاض التنوع البيولوجي الذي يشكل خسارة قاطعة للموارد الوراثية، ولمستوى الانبعاثات التي يمكن أن تسهم في تغير المناخ العالمي.
ويتضمن الإطار التالي توضيحا لصلة مفهوم الطابع متعدد الوظائف للزراعة والأراضي بتمكين القطاع الزراعي من الاستجابة للمشكلات العالمية النوعية المتعلقة بتغير المناخ، والتصحر، والتنوع البيولوجي، ونوعية المياه، وتوافرها، والتلوث وتشجيع التأثيرات المفيدة، والحد من التأثيرات الصادرة على البيئة المحيطة، وزيادة الاعتماد على الموارد المتجددة ومراعاة التأثيرات التراكمية المحتملة.
ويمكن لمفهوم الطابع متعدد الوظائف للزراعة والأراضي أن يوجه، بالنسبة للوظيفة البيئية بأكملها، عملية الصلات المثلى بين الزراعة والخصائص البيولوجية والمادية للبيئة الطبيعية. كذلك فإن تعزيز قدرات المؤسسات المحلية لضمان الإدارة المستدامة للموارد المحلية هو أمر ضروري. وبغية تشجيع الاستثمار، والتخطيط طويل الأجل، يتعين غرس الثقة في صدور المزارعين بأن لهم حقوقا كافية في الملكية والحصول الهادف على الموارد أو غير ذلك من ترتيبات الحيازة، فعندما تكون حقوق الحصول على الموارد غير واضحة، أو عفا عليها الزمن أو حلت مكانها أشكال أخرى من الحقوق، أو لم تنفذ هذه الحقوق، سيستخدم المنتفعون الموارد لمصلحتهم المباشرة الخاصة. ولن تدار الموارد على أسس مستدامة أو يجرى تجديدها، وستصبح مستنفدة في نهاية المطاف. وينطبق ذلك، بنفس القدر، على الغابات وأراضي الرعي والمياه ومصايد الأسماك والحياة البرية. وتؤدي هذه الظروف بالقطع إلى إثارة المنازعات. وتتطلب الحلول الدائمة للنزاعات احترام القواعد سواء وضعت هذه القواعد في عقود جديدة تعقد فيما بين المنتفعين أنفسهم أو كانت ذات صلة بالدولة أو العناصر الفاعلة الأخرى. وفي جميع الحالات، يتعين وضع نظام للرصد وفرض العقوبات في حالة انتهاك القواعد.
تتمثل الوظيفة الرئيسية للزراعة والغابات في الإنتاج المادي للسلع. وهذه السلع هي أساسا المواد الغذائية اللازمة للاستهلاك البشري، من خلال التجارة (في شكل سلع). ويقدم الإنتاج الأساسي أيضا الأعلاف الجافة أو الخضراء اللازمة لاستهلاك الحيوانات والمواد الخام المخصصة للطاقة (مثل الإنتاج المشترك للحرارة والطاقة، باستخدام الكحول) والغـاز الحيـوي والـمواد الصيدليـة فضلا عـن المنتجـات الأخـرى اللازمـة للملبــس والمـــأوى وغـير ذلـــك مــن الاستخــدامات. [يرجــى الرجـوع إلى ورقة المعلومات الأساسية رقم 2: الطاقة البيولوجية، FAO/Netherlands 1999b].
وتظل الزراعة القوة الرئيسية الداعمة لعمل ونمو الاقتصاد بأكمله حتى في المجتمعات المتقدمة صناعيا التي لا تضم سوى أعداد قليلة من السكان الزراعيين. فالاستثمار أو النشاطات الجديدة المرتبطة، على سبيل المثال، بتنويع الإنتاج أو زيادة مستوى النشاط يمكن أن تحقق تأثيرات اقتصادية في مجالات ما قبل الإنتاج وما بعده في الزراعة وما يتصل بها من استخدام الأراضي. وعلى جانب الطلب، تحتاج الزراعة إلى مستلزمات في شكل يد عاملة وخدمات مختلفة ورأس مال مادي. وعلى جانب الإنتاج، تقدم الزراعة منتجات وخدمات يجرى تصنيعها ونقلها وتسويقها وتوزيعها. وهناك روابط متعددة مع القطاعات الأخرى. ويمكن تقدير جميع هذه التأثيرات الاقتصادية باستخدام المحاسبة القطرية والحسابات الاقتصادية.
ويتجاوز تقدير المنافع والتأثيرات الخاصة بالزراعة وظيفة الإنتاج الأولى بكثير. وتشمل عملية تقييم مختلف الوظائف توقعات المنافع في الآجال القصيرة والمتوسطة والطويلة. وتعد تعقيدات تطورات السوق واكتمالها من العناصر الجوهرية في الوظيفة الاقتصادية. كما أن مستوى التطور المؤسسي عنصر هام شأنه شأن إمكانيات قاعدة الموارد الطبيعية المستــدامة لإنتـاج السلع والخدمات.[يرجى الرجوع إلى ورقة المعلومات الأساسية رقم 4: التجارة FAO/Netherlands 1999d].
تشتمل الوظائف الاجتماعية للزراعة على شواغل تتسم بالأهمية لجميع الدول ابتداء من أكثرها تصنيعا إلى أقلها نموا. ويعترف الطابع متعدد الوظائف للزراعة والأراضي بالتأثيرات السلبية للممارسات الزراعية السائدة بمجرد اكتشافها وتمكين أصحاب الشأن من السعي إلى العثور على تدابير تتصدى لهذه الممارسات وتخفف من وقعها الاستفادة من إمكانيات التعاون في هذا الصدد. وتتمثل الأهداف المباشرة في زيادة سلامة المناطق الريفية، ومجتمعاتها المحلية، وتعزيز القيم الثقافية ذات الصلة بالزراعة والأراضي في كل من المجتمعات الحضرية والريفية. غير أن هذه الأهداف تتحقق بطرق عدة وتحقق نتائج شتى.
وترتبط المناطق الريفية ببعض الأفكار مثل "الثقافة" و "التقاليد" "والهوية". وينظر إلى هذه الأفكار على أنها جانب إيجابي بل وضروري. غير أن المجتمعات الزراعية تعرضت لتحولات جذرية. فعلى سبيل المثال، كان لهجرة اليد العاملة إلى المدن وصلاتها، بهذه المراكز تأثيرات كبرى على الدخل والموارد في الريف. فقد اصبح السكان المقيمون، في أكثر المناطق الزراعية تهميشا، يعتمدون على تبادل دائم مع الخارج، والتحويلات القادمة منه. وأصبحت الروابط مع الأسواق الحضرية، في كثير من الأحيان والدولية جانبا مستمرا من جوانب الاقتصاديات الريفية. ويمكن مراعاة الدينامية المتينة والصاعدة بين المناطق الريفية والحضرية لدى إجراء التحليلات المعتمدة على مفهوم الطابع متعدد الوظائف للزراعة والأراضي.
وينطوي هذا الطابع على ميزة عدم التركيز بصورة صارمة على الإنتاج بوصفه وظيفة الزراعة الوحيدة بل وحتى الأكثر أهمية بالضرورة للمجتمعات الريفية المعاصرة. فهذا المنهج يمتد نطاقه إلى مجموعة من النشاطات ذات صلة بالأراضي وقاعدة الموارد بما في ذلك رعاية الجوانب الطبيعية الهامة، وتدعيم النشاطات الثانوية أو التي من المرتبة الثالثة ذات الصلة بالزراعة والأراضي، والمحافظة على التراث التاريخي والثقافي، والنواحي الترويحية، وإعادة المهاجرين المتقاعدين. ويكمن تكامل الثقافات المحلية والتوعية، في كثير من الأحيان، في جذور منظومات المعتقدات والتفهم التي ظهرت بالتدريج في المناطق الريفية. وعلى ذلك فإن السلامة الاجتماعية لا تعتمد على "وظيفة الأغذية" وحدها.
وتصبح أهمية الوظيفة الاجتماعية واضحة جلية عند النظر إلى المناطق الريفية التي لا تنطوي إلاّ على أهمية متواضعة بالنسبة لفرص العمل والعائدات القومية. غير أن الوظائف الاجتماعية والثقافية للزراعة والأراضي تسرى بنفس القدر على كثير من البلدان من ذوي الدخل المتوسط فضلا عن المجتمعات الريفية الأخرى المرتبطة بالمناطق الحضرية أو بأشكال أخرى من النشاطات التي تدر عائدات. وينبغي أيضا دراسة الجوانب الاجتماعية للتوسع العمراني والهجرة إلى الخارج دون تكوين فكرة مسبقة عن المزايا أو المثالب النسبية لهذه العملية.
وثمة مجموعة كاملة أخرى من القضايا ترتبط بالمسائل ذات الصلة بالمستوى العام لمعيشة سكان الريف. ويمكن عند تناول هذه المسألة على مستويات وبأحجام متعددة أن يلمس المرء التباينات المحلية الكبيرة في الظروف الاجتماعية لضلا عن تحديد الصلات الهامة مع المستويات شبه الإقليمية وغيرها من المستويات. ويمكن لدى توثيق التجارب، مد نطاق التقييم ليشمل الأهمية ذات الصلة بالنوع والجنس، وتحديد الطبقات، والفئات الاجتماعية والعدالة والفرص المختلفة للحصول على الموارد والفرص النسبية. ويمكن استخدام نتائج التحليل في تقييم اتجاه التدخلات ذات الصلة بالزراعة في المستقبل والتأثيرات فيها مع مراعاة الحاجة إلى المحافظة على الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية اللازمة للإبقاء على جاذبية المناطق الريفية بالنسبة لأفراد المجتمع المحلي. ويشمل ذلك المدارس والمستوصفات وغير ذلك من الخدمات الصحية والأمن والمواصلات والطرق والنقل.
وقد يقع توفير المعلومات والتعليم ضمن الوظيفة الاجتماعية، وإن كانت هذه القضايا تشمل كامل منظور وظائف الزراعة. ومن الأمور ذات الأهمية الخاصة لتقييم المعارف المحلية، وإقامة علاقات بين المجتمعات المحلية والمصادر الخارجية للخبرة والمعلومات والمشورة. وتعتمد فعالية السياسات الخاصة بالمعلومات العامة على وجود تعبير بين الإدارة الجماعية للسكان المحليين لضمان قدرة مجتمعهم على مواصلة العيش بطريقة مستدامة. ويمكن التعبير عن هذه الإدارة بصورة صريحة إذا بلورتها القيادة المحلية أو بصورة ضمنية عندما يوفر نمو وتطور النشاطات المحلية حالة ذهنية إيجابية لدى المجتمع المحلي.
وحيثما أصبحت الزراعة عالية التخصص، ولجأت إلى الاستخدام المكثف الشديد للمدخلات التي تنتجها الصناعات الكيماوية، شهدت تضاريس الأرض تغييرا كبيرا، واصبح التلوث، في بعض الحالات، واسع الانتشار. وأبدى السكان في بعض المجتمعات، وخاصة عندما تكون هذه المجتمعات صناعية وعالية الدخل، تفضيلا تدريجيا لأشكال من الزراعة تحافظ، ولو جزئيا على الأقل، على التضاريس التاريخية وتقلل من التلوث. ويعبر عن الطلب بطرق مختلفة: فمن الناحية السياسية من خلال ظهور الأحزاب والمنابر "الخضراء"، ومجموعات أو اتحادات صيانة الطبيعة، ومن ناحية الأسواق، من خلال ظهور طلب على السياحة ذات الصلة بالزراعة والمنتجات رفيعة النوعية. وتنقل هذه المنتجات فكرة إيجابية - بل ورومانسية في كثير من الأحيان، عن تضاريس الأراضي، والثقافات في الريف. ويمكن إظهار هذا الطلب في شكل خاص وعام. فهناك طلب واضح باطراد على المنتجات الزراعية "التقليدية" والحرفية. ولتلبية هذا الطلب، يتعين اعتماد النوعية من خلال التحديد المحكم للمنشأ، والامتثال للمواصفات الفنية، والرقابة الفعالة على النوعية. وللحصول على هذه المنتجات، يبدي المستهلكون استعدادا لدفع أسعار أعلى من أسعار المنتجات القياسية المماثلة. ويتعين على المنتجين الالتزام بقواعد صارمة بالنسبة لبعض المنتجات (مثل في حالات رعاية وتغذية الحيوانات).
غير أنه لا يمكن دائما الإعراب عن المحافظة على التضاريس الطبيعية للأراضي والثقافة السائدة في الريف من خلال الطلب على منتجات الأرض. فهناك أيضا طلب يتميز بجميع جوانب الطلب العام: مثل المرافق الترويحية التي يحق لكل فرد الوصول إليها (دون استثناء) وينطبق ذلك على التضاريس الطبيعية في الريف. ويمكن التعبير عن بعض هذه المرافق في شكل طلب على السياحة وقضاء أوقات الفراغ (الفنادق والمطاعم وزيارة المتاحف، ودور الملاهي). وتتطلب المحافظة على الطلب، المحافظة على الجوانب المرئية من التضاريس الطبيعية الأصلية (الأعمال الترابية أو تضاريس ما قبل إقامة البنيات الأساسية والسدود وغرس الشجار والأراضي الحرجية، واستخدام الموارد المحلية في البناء والتقنيات، وغير ذلك). ويجري باطراد تعديل أكثر التضاريس تعرضا للتغيير وحيث تزداد الضغوط السكانية مثلما الحال في المناطق الساحلية والمناطق الأخرى المواجهة للمياه من أجل إعادة الطابع الأصلي لهذه التضاريس.
وأخيرا، يعد أصحاب الشأن العديدون - على مختلف المستويات وبشتى الأحجام - العنصر الرئيسي في مستقبل الزراعة والأراضي. والواقع أن أفضليات وإجراءات أصحاب الشأن فيما يتعلق بالسلع والخدمات يعبر عنها بصورة مباشرة من خلال الأسواق، وبصورة غير مباشرة من خلال المؤسسات العامة (المحلية والحكومية وغيرها من الوسطاء). وأصحاب الشأن يحتلون مكانا مركزيا فى المسائل المتعلقة بالقيادة الفعالة وصنع القرار والتمكين على المستوى المحلي على المستويين شبه الإقليمي والقطري. أما على المستوى المحلي، فإن أصحاب الشأن هم المزارعون والفئات الأخرى العاملة بصورة مباشرة في الإنتاج فضلا عن المجموعات في مجال الإدارة وحيازة الأراضي. كما تشارك في ذلك الخدمات الريفية غير الزراعية مثل الخدمات المصرفية والإدارة.