علامة منظمة الصحة العالمية علامة  منظمة الأغذية والزراعة

الصفحة التالية المنتدى العالمي للمسؤولين عن سلامة الأغذية
المرفق السابع:
خطاب الافتتاح:"زيادة الكفاءة والشفافية في نظم سلامة الأغذية – اقتسام الخبرات"
قضايا سلامة الأغذية، اهتمام عالمي
بقلم د. ممدوح جبر
أستاذ أمراض الأطفال، جامعة القاهرة، مصر
الرئيس السابق للاتحاد الدولي لعلوم الأغذية،
والرئيس السابق للاتحاد الدولي لطب الأطفال
بيان المحتويات
الصفحة السابقة

(GF/CRD1)

مقدمة

ظلت سلامة الأغذية تحظى باهتمام بالغ من جانب الإنسان منذ الحضارة المبكرة. فقد عرفت الحضارتان المصرية والصينية عملية التخمير، وهى طريقة بدائية للمحافظة على سلامة الأغذية مازالت تمارس حتى الآن. ثم ظهرت نظم متطورة لتخزين الأغذية، مثل "صوامع" الحبوب. والمثير أنه في غياب المعرفة العلمية، استطاع قدماء المصريين عندما بنوا هذه "الصوامع" أن يتحكموا في الرطوبة وأن يتحاشوا أي تلوث يسببه الإنسان أو الحيوان، عن طريق استخدام فتحه في الجزء الأسفل من "الصومعة" لسحب الحبوب التي تتدفق من أعلى الى أسفل.

وفى التاريخ الحديث، ومع اكتشاف الكائنات الدقيقة، والتوسع في استخدام المبيدات والأسمدة، استلزمت التطورات فى الصناعات الغذائية، والزيادة السريعة في التجارة العالمية بالأغذية، وضع تدابير عديدة لضمان سلامة الأغذية.

فقد فطنت منظومة الأمم المتحدة الى الدور الحاسم لسلامة الأغذية وما يترتب عليه من نتائج صحية واقتصادية. وفى عام 1963 تم تشكيل هيئة الدستور الغذائي بهدف حماية صحة المستهلكين، وضمان الأساليب السليمة في تجارة الأغذية. وتم تشكيل العديد من اللجان واللجان الفرعية في هذا المجال. كما أبرمت اتفاقيات دولية وصدرت إعلانات في نفس المجال. وظهرت مناهج وقاية مبتكرة لضمان سلامة الأغذية. وأشهر هذه المناهج إطار تحليل المخاطر، ومنهج تحليل مخاطر نقطة المراقبة الحرجة. ورغم هذه الجهود، فان التقديرات تشير الى أن ثلث سكان البلدان المتقدمة يعانون في كل سنة من أمراض ناجمة عن الأغذية. أما الموقف بالنسبة للبلدان النامية فهو أسوأ، حيث لا تشير التقارير إلا إلى نسبة ضئيلة من هذه الأمراض. فالإسهال الناجم عن تلوث المياه والأغذية يقتل في كل سنة ما يقرب من ثلاثة ملايين نسمة. كما أن نسبة تتراوح بين 2 و3 في المائة من الأمراض الناجمة عن الأغذية تؤدى إلى اعتلال الصحة لفترات طويلة.

وهناك العديد من التحديات التي تواجهنا. وستظهر تحديات أخرى فى المستقبل. وسوف أشير فيما يلي باختصار إلى بعض هذه التحديات.

منهج التقدير الكمى للأخطار

كان تقييم سلامة الأغذية في الماضي يعتمد على الكيف لا على الكم. وكان الكثير من القرارات يقوم على الملاحظة والتقييم غير الموضوعيين. ولكن التطورات العلمية أسفرت عن محاولات لتقدير المخاطر المرتبطة بالأغذية كميا. وعند تحديد الأولويات، فان المنهج الذي يتبع هو منهج فعالية التكاليف عادة. واستخدام التقدير الكمي للأخطار يحتاج الى قاعدة علمية قوية، قد لا تتوافر أحيانا، لاسيما في البلدان النامية. وهناك عدد من تكاليف وعائدات قواعد سلامة الأغذية غير ملموس، ومن الصعب تحويله إلى مبالغ نقدية. كما أنه من الصعب في أغلب الأحيان عقد المقارنة بين المخاطر - التي يمكن التعبير عنها بصورة غير موضوعية، وبين العوائد التي يمكن التعبير عنها بصورة اقتصادية. فهل نستطيع أن نقيم مستوى المعيشة كميا، بل هل نستطيع حساب قيمة الحياة البشرية؟

ورغم أنه يتعين الإبقاء على فكرة منهج التقدير الكمي للأخطار، فانه يتعين أن تشمل هذه الفكرة اعتبارات ذاتية للمسائل التي لا يمكن تقديرها كميا، بالإضافة إلى العوامل المختلفة التي تؤثر على سلامة الأغذية.

وضع وتنفيذ قواعد لسلامة الأغذية

أيا كانت السياسة المتبعة بشأن سلامة الأغذية، فان المشكلة هى تنفيذ هذه السياسة وإعمال القوانين واللوائح المتعلقة بها. ولابد من تضييق الفجوة بين السياسات والواقع، أي بين النظرية والتطبيق. والانحياز عند تحديد الأولويات ليس بالأمر غير الشائع، إذ أن من يحددون هذه الأولويات هم ساسة يسعون الى الحصول على تأييد الرأي العام، أو هم وكالات أو مؤسسات علمية متنافسة. أما فى البلدان النامية فان الأمر أسوأ. فالبنية الأساسية قد لا تكون موجودة. وهناك أولويات أخرى صحية واجتماعية واقتصادية لها أهميتها. فكيف تقنع صاحب قرار فى بلد فقير بأن ينفق من ميزانية الصحة المحدودة على مكافحة تلوث الأغذية التي قد تسبب أمراض سرطانية فى المدى البعيد، عندما يكون أغلب السكان قد ماتوا لأسباب أخرى قبل أن يصابوا بالسرطان؟

وعلى المنظمات الدولية وعلماء العالم أن يساندوا البلدان النامية لكي تصبح لديها الإرادة ولكي تنمى مهاراتها من أجل تنفيذ مراقبة سلامة الأغذية، مع الأخذ في الاعتبار الحواجز والإمكانيات القائمة. وعلى هذه المنظمات والعلماء أن تساعد هذه البلدان على القيام بدراسات في علم الأوبئة بشأن انتشار الأمراض الناجمة عن الأغذية، وأن تحدث قوانينها ولوائحها المتعلقة بالأغذية، وأن تقيم مراكز قطرية أو إقليمية للتدريب، بالإضافة إلى إنشاء المختبرات المناسبة. وعلى منظمات الأمم المتحدة أن تثير اهتمام صناع السياسات لكي لا يعطوا القضايا الخاصة بسلامة الأغذية مرتبة متأخرة في سلسلة الأولويات.

الوعي العام

أصبح الرأي العام قوة دافعة تتزايد أهميتها في التأثير على القرارات الحكومية المتعلقة بسلامة الأغذية. ففي البلدان المتقدمة، تضغط الجماهير من أجل إجراءات أكثر تشددا، ليس لها مبرر علمي في أغلب الأحيان. فخوف الجماهير من تلوث الأغذية، هو النتيجة غير المطلوبة لزيادة المعرفة. فوسائل الإعلام تستغل هذه المخاوف في أغلب الأحيان أكثر مما تعطى تقييما للحقائق. وفى بعض الأحيان، تسئ الجماهير تفسير المداولات التي تدور في المجتمعات العلمية لتثير حالة من البلبلة.

فالمجتمع العلمى مسؤول عن وضع نظام عام للمعلومات يتميز بالدينامية والاستباق ويأتي في وقته المناسب، حتى يستطيع إبقاء الجمهور على وعى بالمعلومات العلمية السليمة فيما يتعلق بسلامة الأغذية ويقلل من المخاوف التي تكلف الكثير دون داع.

أما في كثير من البلدان النامية، فان الأمر على عكس ذلك. فالوعي العام بأخطار وتأثير الأغذية غير السليمة منخفض للغاية. فالناس تتصرف بعدم اكتراث بالنسبة لتدابير الرقابة على سلامة الأغذية. والعوامل الاجتماعية والثقافية، والفقر، والأمية، والمقاومة لبعض مسببات الأمراض المتوطنة الناجمة عن الأغذية من بين الأسباب التي تساهم في عدم الاكتراث هذا. وبسبب عوامل اقتصادية أو سياسية، قد يحجم صناع القرار عن اتخاذ أي إجراء لإثارة وعى الجماهير.

وعلى المجتمع العلمي أن يشن حملة إعلامية عامة للتغلب على هذه المشكلات، خاصة وأن له مصداقية أكبر مما لحكومات البلدان النامية.

التنسيق

بامكان وكالات الأمم المتحدة العاملة فى مجال سلامة الأغذية أن تلعب دورا أكبر في التغلب على المشكلات على المستويين الاقليمى والقطري دون التدخل في حرية مختلف الشركاء. وردود الفعل المتضاربة إزاء مرض جنون البقر هى أحد الأمثلة. والخلافات بين أوروبا والولايات المتحدة على اتخاذ مبدأ تحوطي، هو مثال آخر.

وعلى منظمات الأمم المتحدة أن تطبق "نهج التقارب التنظيمي" للتغلب على الخلافات الموجودة في لوائح السلامة فيما بين البلدان، وذلك من خلال عملية تنسيق، واعتراف أو توافق متبادلين. ولأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، فان مثل هذه المهمة ليست سهلة، لذا ينبغي أن توضع كهدف مطلوب تحقيقه خلال السنوات العشر المقبلة.

ولابد من تعزيز التنسيق بين التخصصات العلمية على المستوى القطري المحلى. ففي الولايات المتحدة تتوزع مسؤولية تنظيم سلامة إمدادات الأغذية على عدة وكالات (وزارة الزراعة الأمريكية، وإدارة الأغذية والعقاقير، ووكالة حماية البيئة وغيرها) مع حدوث خلافات لا داعي لها من حين إلى آخر. وبالنسبة للبلدان النامية، ينبغي أن تكون هناك لجنة قطرية للدستور الغذائي يوكل إليها تنسيق مسؤوليات الوزارات المختلفة العاملة في مجال الرقابة على سلامة الأغذية. ومن الشروط الأساسية في الاستراتيجيات التي توضع لمواجهة المخاطر، وجود نهج متعدد التخصصات ينطوي على تعاون وثيق بين جميع القطاعات العاملة في مجال مراقبة الأمراض الناجمة عن الأغذية والوقاية منها.

التجارة الدولية في الأغذية

أصبحت صادرات الأغذية تمثل نسبة كبيرة من الدخل الذي يحصل عليه الكثير من البلدان النامية المصدرة للأغذية. وأصبحت هناك أهمية اقتصادية كبيرة لتحقيق هذه البلدان الجودة والسلامة لأغذيتها على المستوى الدولي. ومن الناحية الأخرى، فان أي قيود لا داعي لها على سلامة الأغذية، لا تقوم على أسس علمية سليمة، قد تعوق صادرات الأغذية، لتعوق بالتالي التقدم الاقتصادي، وتزيد من انتشار الفقر. فالأولوية بالنسبة للفقراء الذين لا يستطيعون شراء الأغذية، هى توافر الأغذية لا سلامتها. فمحاربة الفقر فى البلدان المصدرة للأغذية سيساهم فى حد ذاته مساهمة كبيرة في إجراءات الرقابة على سلامة الأغذية، على المستويين المحلى والدولي. وقد عولجت هذه النقاط بشكل خاص في اتفاقيات الصحة والصحة النباتية والحواجز التقنية أمام التجارة. وقد سمح للبلدان بأن تطبق معايير مختلفة لسلامة الأغذية، بشرط أن يكون لها شواهد علمية تبررها، وألا تخلق حواجز تقنية لا داعي لها أمام التجارة الدولية. فكيف يمكن تحقيق هذا التوازن؟. فليس للجان هيئة الدستور الغذائي سلطة على أعضائها لترغمهم على تنفيذ مواصفات الدستور الغذائي. فبعد اتفاقية تدابير الصحة والصحة النباتية أصبحت مواصفات هيئة الدستور الغذائي تعتبر علامة أو أساس للاشتراطات القطرية. والأمر في حاجة إلى مزيد من المفاوضات الدولية التي تجعل توصيات لجنة الدستور الغذائي أكثر إلزاما، سواء تم ذلك بصورة طوعية أو إجبارية.

شركات الأغذية

يتزايد تطبيق الإدارات الحكومية المسؤولة عن الرقابة على الأغذية لتدابير مراقبة الصناعة للجودة الذاتية. وتتم عمليات الرصد بواسطة السلطات الحكومية المعنية بغرض التأكد من أن هذه الإجراءات تتفق مع اللوائح على المستوى القطري، وكذلك على مستوى عدة أقطار. وقد بدأ نصيب شركات الأغذية متعددة الجنسيات يتزايد بالنسبة لاستهلاك الأغذية. وأصبحت هذه الشركات حريصة على المحافظة على سمعتها، من خلال تقديمها لأغذية سليمة ذات جودة عالية. وقد أنشأ الكثير من هذه الشركات مصانع لتجهيز الأغذية في البلدان النامية حيث تكون إجراءات الرقابة على سلامة الأغذية أقل صرامة منها فى البلدان المتقدمة، وحيث تكون قدرة الحكومات على القيام بعمليات الرصد المناسبة محدودة. وعلى الشركات متعددة الجنسية أن تحافظ على أعلى مستوى تطبقه حيثما كان لها مصالح.

وهناك مسألة أخرى تثير القلق هى مسألة الترخيص. فطبقا للجوانب المتعلقة بالتجارة في اتفاق حقوق الملكية الفكرية، فان أغلب الشركات متعددة الجنسيات لديها ترخيص بشأن الأغذية المحورة وراثيا أو الأصناف النباتية المحورة وراثيا. وقد يجد المزارعون في البلدان النامية أنهم يدفعون رسوما الى الشركة المعنية قبل أن يعيدوا استخدام بذور محاصيلهم نفسها. الأمر الذي يضيف عبئا اقتصاديا على المزارعين، قد ينعكس على النظام القطري لسلامة الأغذية.

وهناك حاجة إلى تعزيز الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص على أساس خطوط توجيهية منصفة يتفق عليها الطرفان.

اتجاهات المستقبل

لا شك أن التطور الذي حدث في مجال النقل والتوسع السريع فى تجارة الأغذية سيستلزمان قواعد صارمة لنقل الأغذية والمنتجات الغذائية عبر الحدود. فأي مصدر واحد للتلوث قد تكون له نتائجه على العالم بأسره.

وسوف تستفيد الإجراءات الخاصة بسلامة الأغذية من التقدم الذي حصل فى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وذلك عن طريق تبادل البيانات بسرعة على المستوى العلمي والإداري. ولكن لا بد من اتخاذ تدابير التوعية العامة السليمة، بحيث لا يساهم تيسير حصول الجمهور على المعلومات في إحداث بلبلة عامة.

ومع استمرار حدوث الكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان، فلا بد من استمرار السعي لمحاولة الوصول ببرامج التغذية في حالة الطوارئ إلى حد يقرب من الكمال. فأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 المأساوية، أثارت قلقا عالميا بشأن احتمال التلوث البيولوجى أو الكيماوي أو الاشعاعى للأغذية. فلا بد من إدخال إجراءات وقائية مناسبة مع إجراءات للرصد والتدخل، وإدماجها في النظم الحالية لمراقبة سلامة الأغذية.

وربما شكلت مسألة تفضيل الأغذية الطازجة وتلك التي تمر بأقل قدر من عمليات التجهيز، تحديا للصناعة لكي تمارس قدرا أقل من عمليات التصنيع هذه، مما سيستلزم قدرا أكبر من الاهتمام بعمليات التحضير والتخزين.

احتياجات البحوث

يحتاج الأمر الى بحوث أساسية لتساير الأخطار التي ظهرت حديثا فى الأغذية، ومسببات الأمراض الجديدة، والأمراض الحيوانية، والعناصر السامة، ومخاطر الإشعاع، والآثار الجانبية المحتملة للأغذية المحورة وراثيا أو لأساليب التجهيز الجديدة للأغذية. كما أن الأمر سيحتاج إلى مزيد من البحوث للحكم على التأثيرات المحتملة لبعض ملوثات الأغذية على المدى الطويل من حيث تسببها في حدوث أورام أو تشوهات أو teratogenic.

الصفحة التالية
الى أعلى هذه الصفحة
الصفحة السابقة

والأمر معقود على أن يؤدى التقدم العلمي خلال السنوات القليلة القادمة إلى إجراءات أكثر فعالية فى الرقابة على سلامة الأغذية بحيث تقلل من الأعباء المفروضة على النشاط التجاري للأغذية. ولكن هناك مخاوف من أننا كلما تعلمنا المزيد، وضعنا تقنيات معقدة أكثر تكلفة لا تتحملها القدرات المالية لكثير من البلدان. وعلى البحوث التطبيقية أن تركز على وضع منهجيات دقيقة على أساس علمي، وتكون قابلة للتنفيذ ومحتملة التكاليف، وحساسة، وتستجيب بسرعة للمعرفة العلمية المتطورة.
وإننا نتطلع إلى مداولاتكم الحرة والقيمة التي ستتناول هذه الموضوعات وغيرها، والتي ستنهض بالتعاون الدولي من أجل حماية صحة البشر.