CCP: ME 04/2
نيسان / ابريل 2004




لجنة مشكلات السلع

الجماعة الحكومية الدولية المختصة باللحوم ومنتجات الألبان

الدورة العشرون

وينيبيغ، كندا، 17-20/6/2004

تأثير الزيادات الحادة في الواردات: نتائج دراسات الحالة القطرية

أولاً – مقدمة

1- شهدت التجارة الدولية في الأغذية الأساسية بنوع خاص نمواً ملحوظاً في العقد المنصرم. وظهر هذا الاتجاه تحديداً بالنسبة إلى منتجات اللحوم التي كانت من بين السلع الأساسية الأسرع نمواً في التجارة العالمية بالمنتجات الزراعية بعدما بلغت أرباحها السنوية 7 في المائة في حقبة التسعينات. ومن المتوقع أن يتواصل نمو التجارة في السنوات المقبلة مع ما يستتبع ذلك من انعكاسات إيجابية وسلبية على الأمن الغذائي، خاصة في بعض البلدان المتدنية الدخل والمنعدمة الأمن الغذائي. وكانت إحدى النقاط المثيرة للقلق ورود العديد من التقارير من الكثير من البلدان النامية ومن المنظمات الأهلية تفيد أنّ الزيادات الحادة في الواردات الغذائية تتسبب فى اضطرابات داخل الأسواق المحلية، مع تأثيرات سلبية على الأسعار والإنتاج والأمن الغذائي في المناطق الريفية.

2- ولا يوجد تعريف واحد للزيادة الحادة في الواردات. وتشير اتفاقات منظمة التجارة العالمية بشأن تدابير المواجهة التجارية العامة (أي مكافحة إغراق السوق والتعويض والضمانات الطارئة) إلى مفهوم الزيادة الحادة في الواردات بوجه عام. فقد عرّفت المادة 2 مثلاً من اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الضمانات المفهوم المذكور كما يلي: "عندما يتمّ استيراد منتج ما إلى بلد معيّن بهذه الكميات الإضافية الهائلة، بالحجم المطلق أو النسبي قياساً إلى الإنتاج المحلي، وضمن شروط من شأنها أن تلحق أو أن تهدد بإلحاق ضرر كبير في الصناعة المحلية التي تنتج منتجات مشابهة أو تنافسها مباشرة". هذا يعني أنّ الزيادة الحادة تترافق مع ما يشبه "الحالة غير الاعتيادية" أي مع انحراف ظاهر عن الاتجاه المعتاد. لكنّ الاتفاق بشأن الزراعة (المادة 5) يتضمّن تعريفاً كمياً محدداً للمفهوم عندما ينحرف حجم وسعر الواردات الراهن عن القيم المحددة للفترة المرجعية.

3- وفي عام 2003، قدّمت الأمانة ورقة إلى الدورة الرابعة والستين للجنة مشكلات السلع تبحث في طبيعة ومدى الزيادات الحادة في الواردات لمجموعة من السلع الأساسية في أسواق البلدان النامية1. وعرّفت الدراسة الزيادة الحادة في الواردات على أنها "انحراف (إيجابي) بنسبة 20 في المائة عن متوسط متحرك خلال خمس سنوات". وأظهرت، استناداً إلى البيانات التجارية على المستوى القطري في قاعدة البيانات الإحصائية في المنظمة، أنّ تواتر الزيادات الحادة كان أعلى نسبياً في بعض مجموعات المنتجات، لا سيما بعض أنواع اللحوم والزيوت النباتية.

4- وأوصت بالتالي لجنة مشكلات السلع بإجراء المزيد من البحث المعمّق على مستوى كل بلد من البلدان التي أشارت إلى ازدياد الواردات فيها بشكل حاد من أجل: (1) تحديد المنشأ الذي تم منه استيراد المنتجات المسببة للزيادة الحادة وبأي شروط؛ (2) تحليل تأثير الزيادات الحادة في الواردات على الزراعة المحلية في البلدان النامية؛ (3) تقييم قدرة البلدان النامية على مواجهة الزيادات الحادة في الواردات، بما في ذلك البحث عن آليات مؤسسية بديلة تمكّنها من تطبيق الضمانات المناسبة.

5- والغرض من هذه الورقة هو التوصل إلى فهم أوسع لتأثير الزيادات الحادة في الواردات على الأسواق المحلية. ولا تركّز الدراسة على تحليل إحصائي صارم للبيانات التجارية من أجل التحقق من حالات الزيادات الحادة؛ بل اختير بلدان هما تنزانيا والسنغال على ضوء المخاوف المعبّر عنها بشأن تأثير التغيرات في واردات منتجات الدواجن ومنتجات الألبان على السوق المحلية. وتشير الورقة إلى المستجدات في استيراد هذه المنتجات وتنظر في تطلعات مختلف أصحاب الشأن وتستعرض ردّ الحكومتين على مستوى السياسات. كما أنها تبحث في تأثير الزيادة الحادة/الاتجاه السائد في الواردات على الصناعات المحلية. وقام استشاريون قطريون بجمع المعلومات للدراستين في الفترة من سبتمبر/أيلول 2003 إلى فبراير/شباط 2004. وأخذت البيانات من مصادر حكومية متعددة ومن عمليات المسح للأسعار في السوق ومن مقابلات مباشرة مع المشاركين من الحكومات والباحثين والصناعة والسوق.

ثانياً – دراسة الحالة في السنغال

6- تسارع عموما ارتفاع واردات الأغذية في السنغال. وازدادت القيمة الإجمالية إلى ثلاثة مرات تقريباً من 88 مليار فرنك أفريقي في عام 1992 إلى 250 مليار فرنك أفريقي في عام 19992. وتأتي هذه الاتجاهات نتيجة عوامل متعددة، كما سيظهر عند التطرّق إلى منتجات الدواجن ومنتجات الألبان. وقد أعربت حكومة السنغال وعدد من أصحاب الشأن عن قلقهم بين الحين والحين إزاء هذه الاتجاهات والزيادات الحادة من وقت إلى آخر لما قد يترتّب عنها من انعكاسات سلبية على قطاعات الإنتاج المحلي الضعيفة.

7- ومن أسباب نمو الواردات إزالة الحواجز أمام الاستيراد تدريجياً في موازاة تطبيق مختلف برامج التكييف. وقد أصبح الاقتصاد أكثر انفتاحاً في أعقاب الموافقة على البنية التعريفية في الاتحاد النقدي والاقتصادي لغرب أفريقيا3 والتعريفة الخارجية الموحدة. وقد جرى تخفيض التعريفات تدريجياً على لحوم الدواجن في إطار اتفاق الاتحاد النقدي والاقتصادي لغرب أفريقيا. فقبل أبريل/نيسان 1998، كانت التعريفات المطبّقة على قِطع الدواجن 55 في المائة خفّضت تدريجياً إلى 30 في المائة في عام 1999 ثمّ إلى 25 في المائة في عام 2000 وأخيراً إلى 20 في المائة في يوليو/تموز 2002. وتطبّق السنغال تعريفة تفرضها منظمة التجارة العالمية وقدرها 30 في المائة على اللحوم ومنتجات الألبان وقد احتفظت بحقها في تطبيق نسبة قد تصل إلى 150 في المائة في إطار "رسوم أو أعباء أخرى".

8- وانطلاقاً من المخاوف بشأن الزيادات الحادة في الواردات، طلبت السنغال إلى منظمة التجارة العالمية في ديسمبر/كانون الأول 2000 الحصول على إعفاء خاص يمكّنها من الإبقاء على نظام يقوم على حد أدنى من الأسعار المرجعية4 يسري على أكثر من 29 منتجاً، من بينها الدواجن واللبن المجفف والمركّز. واستند الطلب إلى نقاط تتعلق بالتنافسية وبضيق السوق المحلية وبعدم وجود بنية أساسية فعالة وبارتفاع تكاليف عوامل الإنتاج والافتقار إلى القدرة على الاستعانة بالضمانات العامة في منظمة التجارة العالمية5. وتمّ النزول عند هذه الرغبة في عام 2002 إلا أنّ منظمة التجارة العالمية أزالت اللبن المجفف من قائمة المنتجات النهائية الموافق عليها.

ألف – اتجاهات الواردات ومصادرها – منتجات الدواجن

9- شهدت واردات منتجات الدواجن في السنغال نمواً ملحوظاً في العقد المنصرم حيث ارتفعت من 506 أطنان في عام 1996 إلى 16600 طن في عام 2002. وهذا النمو الذي ترافق مع انخفاض الإنتاج المحلي، أدى إلى زيادة حصة الواردات من الاستهلاك المحلي من 1 في المائة فقط في عام 2000 إلى 19 في المائة تقريباً في عام 2002 (الشكل 1). وتتألف هذه الواردات بشكل رئيسي من القطع المجلّدة (86 في المائة)، تضاف إليها الذبائح المجلدة (13 في المائة) واللحوم الطازجة (1 في المائة). وكانت هولندا وبلجيكا مصدر نحو 62 في المائة تقريباً من هذه الواردات. وفي المقابل، زادت البرازيل بسرعة حصتها في السوق إلى 24 في المائة، في حين انخفضت حصــة الولايات المتحدة وكندا من 15 إلى 2 في المائة بين عامي 2000 و2003. أما تكاليف هذه الواردات التي تقدّر قيمتها بنحو 10 مليار فرنك أفريقي في عام 2003 (18 مليون دولار أمريكي)، فتوازي على الأرجح رقم مبيعات الإنتاج المحلي من دجاج الشواء. وتستحوذ بالفعل الصناعة التجارية لدجاج الشواء على 20 في المائة تقريبــــاً من اجمالى إنتاج الدواجن فـــــي السنغال أو ما يعـــادل 3.7 مليون طير.

اجمالى واردات الدواجن فـــــي السنغال ومصادرها

10- وأعطيت عدة تفسيرات للنمو الملحوظ في الواردات بعدما تخطى نسبة 50 في المائة في السنة منذ عام 2000. ومن التفسيرات على ذلك: (1) ازدياد طلب المستهلكين نتيجة ارتفــــاع الدخل، خاصة فــي المناطـــق الحضرية؛ (2) التحرير السريع نسبياً للقيود على الاستيراد في إطار برامج تكييف مختلفة ومنظمة التجارة العالمية وبالأخصّ التكامل الإقليمي داخل الاتحاد النقدي والاقتصادي لغرب أفريقيا؛ (3) توافر قطع دجاج غير مكلفة في السوق العالمية.

باء – اتجاهات الواردات ومصادرها – منتجات الألبان

11- على خلاف منتجات الدواجن، كان استيراد منتجات الألبان مرتفعاً للغاية وبشكل مستدام لعدة سنوات، إلا في السنتين اللتين أعقبتا تخفيض قيمة الفرنك الأفريقي (1994 و1995). غير أنّ الواردات ارتفعت إلى مستوى قياسي تقريباً في عام 2002 حيث بلغت 000 240 طن (بما يعادلها من اللبن) أي ضعف الإنتاج القطري من اللبن. ويمثل اللبن المجفف (000 30 طن) 75 في المائة من قيمة واردات الألبان؛ وتمثل الأجبان 10 في المائة منها واللبن السائل 8 في المائة والزبد 5 في المائة. والقيمة الإجمالية لواردات الألبان، المقدّرة بحدود 31 مليار فرنك أفريقي (59 مليون دولار أمريكي) تفوق بثلاثة أضعاف قيمة واردات الدواجن. وفرنسا هي المصدّر الرئيسي للبن المجفف إلى السنغال بنسبة 42 في المائة من مجموع الواردات. وقد ساهم الاتحاد الأوروبي بنحو أربعة أخماس مجموع واردات اللبن المجفف.

12- وفي ظل وجود هذا القدر من الواردات قياساً إلى الإنتاج المحلي، يتوقع أن يكون لها تأثير ملحوظ على الإنتاج المحلي للبن. غير أنّ المقابلات مع مختلف أصحاب الشأن وتحليل ما توافر من بيانات أظهرت خلاف ذلك. والسبب الرئيسي فى ذلك كان استفادة وحدات تجهيز الألبان الصغيرة الحجم من اللبن المجفف كمادة أولية لإنتاج اللبن السائل الموجه إلى السوق في دكار وبعض الأسواق الهامة الأخرى في المناطق الحضرية. وفي موازاة ذلك، ونظراً إلى ارتفاع تكاليف النقل وإلى عدم سهولة نقل اللبن الطازج، تتم على الأرجح تجزئة أسواق اللبن المحلية، الأمر الذي يحد كثيراً من تأثير المنافسة مع اللبن المجفف المستورد.

جيم – التأثير في السوق وملاحظات عامة

13- يختلف تأثير الواردات في السوق على الصناعات المحلية بين قطاع الدواجن الفرعي وقطاع الألبان الفرعي. وفي الحالة الأخيرة، كان للزيادات الكبيرة في الواردات في السنوات القليلة الماضية تأثير بالغ على الإنتاج المحلي لدجاج الشواء. ودفع احتدام التنافس مع قطع الدواجن المنخفضة الأسعار المنتجين إلى الخروج من الصناعة أو إلى التحوّل إلى إنتاج الدجاج البيّاض. ومن جهة أخرى في قطاع الألبان، بقيت الواردات مرتفعة جداً في العقد الماضي ولا يبدو بالتالي أنها تعيق نموّ صناعة اللبن المحلية الناشئة. وبقي إنتاج اللبن في السنغال مستقراً نسبياً بمعدل 000 130 طن تقريباً خلال التسعينات. وكان بالإمكان أن ينمو الإنتاج المحلي في غياب الواردات لكن من الصعب جداً التحقق من هذه النظرية.

14- لم يؤثر على ما يبدو ارتفاع الواردات على قطاع الدواجن التقليدي الذي يتميّز بالأعمال السرية لصغار المنتجين الذين يبيعون الدجاج الحي في الأسواق المحلية. ويمكن تفسير عدم إمكانية الاستعاضة المتبادلة ظاهرياً بين دجاج الشواء الذي يربى تجارياً والدجاج المربى في المزارع بالتطورات التي شهدتها الأسعار في السوقين الصناعية والمحلية. وقد انخفضت أسعار التجزئة للحوم دجاج الشواء في دكار بسرعة رداً على النمو على أربع مراحل في واردات الدجاج منذ عام 2000 (الشكل 2). ويتعارض هذا مع أسعار التجزئة لدجاج المزرعة الذي تواصل نموه في الفترة نفسها. وتشير المقابلات مع العملاء في السوق ومع ربات المنازل إلى أنّ المستهلكين يلاحظون وجود اختلاف بين المنتجَين.

15- وفي المقابل، لوحظ أنّ النمو السريع لاستيراد قطع الدجاج أثّر سلباً على الإنتاج القطري لدجاج الشواء، خاصة قطاع إنتاج دجاج الشواء التجاري في المناطق المحيطة بدكار وفي بعض الأسواق الثانوية. وتفيد منظمات المنتجين عن إقفال 70 في المائة تقريباً من المنشآت الخاصة بتنمية دجاج الشواء. وإذ لا يمكن التحقق من هذا استناداً إلى الأرقام الرسمية لإنتاج الدواجن الصادرة عن الحكومة، فإنّ البيانات المتوافرة عن عدد الكتاكيت المطروحة في الأسواق على اعتبارها مدخلات لأنشطة إنتاج دجاج الشواء تشير إلى أنّ عدد كتاكيت الشواء التي تربى في المزارع المحلية انخفض بحدود 30 في المائة بين عامي 2001 و2003 (الشكل 3).

المصدر: بيانات صناعة الدواجن في السنغال.

16- جرى تخفيف التأثير الاقتصادي الإجمالي على قطاع الواردات المتزايدة بشكل حاد من قطع الدجاج المنخفضة الأسعار؛ ويرجع السبب في ذلك جزئيا إلى تحوّل بعض العمليات الخاصة بدجاج الشواء إلى العمليات الخاصة بالدجاج البيّاض التي يشتري فيها المنتجون دجاجاً بياضاً لإنتاج البيض المخصص للاستهلاك. ويمكن مشاهدة تأثير هذه التحولات على الإنتاج في الصورة 3 حيث تضاعف تقريباً عدد الدجاج البيّاض المخصص لإنتاج البيض بين عامي 1999 و2002. وأصبح قطاع البيض نشطاً للغاية ويمثل رقم مبيعاته ضعف رقم مبيعات إنتاج دجاج الشواء. وتجدر الإشارة بالنسبة إلى تنمية هذا القطاع الى أهمية القرار الذي اتخذته حكومة السنغال في منتصف عام 2002 والقاضي بالحد من واردات البيض لأسباب صحية تتعلق باستيراد البيض المجلّد. وفي موازاة ذلك، أوقفت الحكومة الاستيراد بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2002 رداً على المخاوف الصحية المتعلقة بلحوم الدواجن المجلدة. لكن استيراد لحوم الدواجن استؤنف في نوفمبر/تشرين الثاني بضغط من التجار المستوردين ومن سلطات سياسية أخرى.

17- ولفتت الأزمة نظر الجمهور العريض إلى صناعة دجاج الشواء غير المتطورة وغير التنافسية وإلى الحاجة إلى وجود صناعة فعالة أكثر ومحترفة لدجاج الشواء في السنغال قادرة على إنتاج منتجات عالية الجودة. ومن العناصر الهامة أيضاً أن الأزمة أدت إلى قيام مؤسسة هامة هي الاتحاد الوطني لمربي الدواجن في عام 2001 والتي نجحت جهودها فى توحيد منظمات المنتجين بتحويل قطاع الدواجن إلى إحدى القطاعات الأكثر تنظيماً في السنغال.

18- وفي حين يعتبر في معظم الأحيان تدني الأسعار الدولية عاملاً مسبباً للزيادات الحادة في الواردات، اختلف الوضع في السنغال. فلا يفيد الشكل 4 مثلا عن وجود علاقة من هذا النوع بين أحجام الاستيراد الشهرية للحوم الدواجن وقيمة التصدير لكل وحدة من قطع الدجاج الأمريكي وهو السعر الدولي المرجعي الأكثر استخداماً بالنسبة إلى قطع الدجاج. وفي هذه الأثناء، لا يزال متوسط قيمة التصدير لكل وحدة بالنسبة إلى الدواجن في السنغال أعلى من متوسط السعر الدولي لقطع الدجاج، مما يعني حدوث تغيرات في تركيبة الواردات (القطع في مقابل الطيور الكاملة) وفي تكاليف النقل. ولا يظهر هذا التحليل وجود ارتباط مباشر بين الواردات واللجوء إلى دعم الصادرات. وفي حين أنّ الاتحاد الأوروبي هو مصدر القسم الأكبر من واردات الدواجن إلى السنغال، ألغى الاتحاد الأوروبي في عام 1998 التعويضات للطيور الكاملة المخصصة لأفريقيا في حين لم يسمح بمنح إعانات لقطع الدجاج إلا لفترتين وجيزتين منذ عام 19996.

19- وبناء على ذلك، يمكن القول بأن انخفاض الأسعار العالمية ودعم الصادرات لم يلعبا على ما يبدو أي دور في النمو السريع للواردات في السنغال، وعلى الأقل ليس بشكل مباشر. أما من الناحية غير المباشرة، فحتى الإعانات للصادرات الموجهة إلى أقاليم أخرى قد يكون لها بعض الأثر على هذا الإقليم، مثلاً من خلال التحوّل إلى عمليات أخرى أو من خلال احتواء الزيادات في الأسعار العالمية. ولا يشمل نطاق البحث في هذه الورقة تحليل هذه العلاقات.

20- ومن العوامل الهامة التي تؤثر على الواردات، التغيرات في سعر الصرف. فالارتفاع الثابت في قيمة الفرنك الأفريقي مقابل الدولار الأمريكي، اعتباراً من الربع الأول من عام 2002، قد يكون على الأرجح عاملاً مساهماً في حدوث زيادات حادة في الواردات. وتشير البيانات إلى أنّ سعر صرف الفرنك الأفريقي مقابل الدولار الأمريكي كان مستقراً نوعاً ما حتى بداية عام 2002 وبلغ متوسط سعر صرفه 733 فرنكاً أفريقياً للدولار الواحد في الفترة 2000-2001. وبالمقارنة، كان سعر الصرف 560 فرنكاً أفريقياً للدولار الواحد في الربع الأخير من عام 2003، أي بتحسّن في القيمة قدره 22 في المائة7. وفي ظل الإبقاء على معدل التعريفة على حاله، أفاد تحسّن قيمة العملة أنّ هناك تآكلاً ملحوظاً في الهامش الحمائي السابق يؤدي إلى خلق حوافز قوية للاستيراد.

21- ومن المرجّح أن تكون حركة سعر الصرف قد تسببت أيضاً فى زيادة الواردات من منتجات الألبان في عام 2002. غير أنّ الطبيعة المجزّأة للسوق حدّت من تأثير ذلك على الأسعار، جغرافياً وبين المنتجات على حد سواء. وعلى خلاف صناعة الدواجن، يبدو أنّ قطاع الألبان المحلي تكيّف بسهولة مع الواردات بعدما ازدادت واردات الألبان بشكل ثابت طيلة فترة زمنية أطول وتكيّفت الصناعة المحلية مع التغيّر الحاصل. وقد تفسّر تجزئة سوق المنتجات على اختلافها، إلى جانب قضايا الجودة، الاختلافات في أسعار المنتجات. كما أنّ بعض المنتجات المحلية قد تكون مكلفة أكثر من المنتجات المستوردة تبعاً لما يفضّله المستهلكون. وكانت التغطية الإعلامية وتصورات أصحاب الشأن بالنسبة إلى واردات منتجات اللبن محدودة مقارنة بالدواجن. غير أنّ مخاوف المنتجين والمجهزين المحليين أدّت في سبتمبر/أيلول 2003 إلى تأسيس الاتحاد الوطني للعاملين في صناعة اللبن في السنغال.

22- ويُستفاد مما تقدّم أنّ ثمة أسباب واضحة في السنغال لزيادة واردات لحوم الدواجن، لا سيما تخفيض القيود المفروضة على الاستيراد وتحسّن سعر الصرف. كما أظهرت الدراسة أنّ ازدياد الواردات كشف النقاب عن ضعف المزارع التجارية. ويتجلى هذا الضعف من خلال عدم قدرة الصناعة على المنافسة ولعدة أسباب منها ضعف الإدارة، قلّة فرص الحصول على قروض، عدم مواءمة البنية الأساسية الأمر الذي يؤدي إلى فساد المنتجات بدرجة أكبر، عدم التعرّف على كافة فرص التسويق المتاحة وعدم كفاية التنظيم في السوق المحلية. ومن ما زاد من تفاقم التأثير السلبي أن الصناعة غير مهيأة للمزيد من انفتاح الأسواق في إطار الاتفاقات التجارية الإقليمية.

ثالثاً – دراسة الحالة في تنزانيا

23- شهدت أسواق السلع الغذائية الأساسية تغيرات عميقة الأثر في تنزانيا منذ أن أدخلت البلاد في منتصف الثمانينات إصلاحات في السياسات موجهة نحو السوق. وقد أدّت الإصلاحات في نظام سعر الصرف وتحرير التجارة وإلغاء التحكّم بالأسعار إلى زيادة كميات السلع الغذائية الأساسية المستوردة وأنواعها، بما فيها منتجات الثروة الحيوانية. وترافقت أيضاً زيادة الواردات في منتصف التسعينات مع انفتاح الأسواق المحلية بقدر أكبر بعد تطبيق اتفاقات منظمة التجارة العالمية.

24- وكما في السنغال، أبدت الحكومة وغيرها من أصحاب الشأن تخوفها من أن يؤدي ازدياد الواردات من منتجات الألبان والدواجن إلى أن تحل هذه الواردات محلّ المنتجات المنتجة محلياً. ويظهر تخوف الحكومة من تأثير الواردات المنخفضة الأسعار على الصناعات المحلية في مختلف التدابير السياسية التي اتخذتها الحكومة (الجدول 1) والتي تكللت بإحالة قانون إلى الجمعية الوطنية في فبراير/شباط 2004 الغرض منه حماية الصناعة المحلية من إغراقها بمنتجات مستوردة زهيدة الثمن (وأدنى من المواصفات المطلوبة). ويشير مناصرو تحرير التجارة بقدر أكبر في حججهم المضادة إلى التأثيرات الطفيفة بفعل استيراد كميات محدودة جداً وتجزئة أسواق المنتجات المستوردة والمحلية.

الجدول 1: قرارات الحكومة بشأن السياسات الخاصة بمنتجات الثروة الحيوانية بالتسلسل الزمني

السنة العمل الحكومي
1999 خفّضت التعريفات على الواردات عملاً بالموجبات في منظمة التجارة العالمية؛ انخفضت التعريفات على منتجات الدواجن والألبان من 40 في المائة إلى 25 في المائة.
يوليو/تموز 1999 ألغت رسم الطابع على منتجات الثروة الحيوانية والمنتجات الزراعية.
2000 فرضت رسماً معلقاً قدره 25 في المائة على كافة منتجات اللبن المستوردة.
يوليو/تموز 2001 ألغت الضريبة على القيمة المضافة على مواد تعبئة اللبن.
يوليو/تموز 2002 خفّضت الرسم المعلق على كافة أنواع اللبن المستوردة من 25 في المائة إلى 20 في المائة؛ ألغت الرسم المعلق على منتجات اللبن مثل اللبن المجفف والأجبان واليوغورت وسواها.
يوليو/تموز 2003 خَفّضت الرسم المعلق على اللبن الطازج المستورد من 25 في المائة إلى 20 في المائة.
فبراير/شباط 2004 أحالت قانوناً إلى الجمعية الوطنية للحؤول دون استيراد منتجات زهيدة الثمن (وأدنى من المواصفات المطلوبة) وإغراق السوق بما يكفل حماية الصناعة المحلية.
فبراير/شباط 2004 عرض القانون الخاص بالمجلس الوطني لتنمية الألبان للمرة الأولى على الجمعية الوطنية ومن المقرر أن توافق عليه في دورتها في أبريل/نيسان.

25- وتنظر هذه الدراسة في هذا السياق في اتجاهات الاستيراد الراسخة والزيادات الحادة في الواردات من منتجات الدواجن والألبان. وكما في السنغال، تم جمع المعلومات لهذا التحليل في الفترة من سبتمبر/أيلول 2003 إلى فبراير/شباط 2004.

ألف – اتجاهات الواردات ومصادرها – منتجات الدواجن

26- ارتفعت بسرعة واردات لحوم الدواجن في تنزانيا في السنوات الست الماضية بحدود 81 ضعفاً من 6 أطنان في عام 1997 إلى 500 طن تقريباً في عام 2002 (الجدول 2)8. ومع أنّ مربي الدواجن ومجهزيها لا يشكلون سوى 1 في المائة من الإنتاج المحلي، إلا أنهم اشتكوا من أنّ ارتفاع الواردات أدّى إلى جمود أسعار الدجاج في السنوات الأخيرة. كما تواجه الصناعة المحلية مجموعة قيود من بينها ارتفاع تكاليف الإنتاج وتردي نوعية الأعلاف وارتفاع الضرائب (20 في المائة) على مدخلات الأعلاف. ومن القيود الهامة الأخرى عدم وجود منظمة تمثل قطاع الدواجن. وعلى خلاف صناعة الألبان، ليست هناك مجموعات مصالح نافِذة لمساندة قطاع الدواجن.

الجدول 2: واردات منتجات الألبان ومنتجات الدواجن إلى تنزانيا (بالأطنان)
 

منتجات الألبان

الدواجن

1997 3 469 6
1998 3 869 32
1999 5 565 163
2000 4 876 139
2001 3 942 380
2002 4 354 490
12003/ 4 869192

1/ بيانات الجمارك، غير مكتملة عن عام 2003

27- تشكل جنوب أفريقيا المصدر الرئيسي لواردات الدواجن إلى تنزانيا (الشكل 5). غير أنّ الزيادة الحادة في المنتج التي سجّلت في عام 2001 كان مصدرها الاتحاد الأوروبي. ومؤخراً، زادت الإمارات العربية المتحدة بسرعة حصتها في السوق ومردّ ذلك إلى نقطة المرور الهامة للسلع الأساسية المتمثلة بمرفق دبي الحرّ. وبالنظر إلى أنواع الواردات، كانت الحصة الأكبر من واردات الدواجن للدجاج الكامل، تليه قطع الدجاج والديوك الحبشية. وعلى خلاف الألبان، تباع معظم منتجات الدواجن المستوردة في الأسواق الرئيسية في المناطق الحضرية وفي الأماكن السياحية التي تكثر فيها المحال التجارية الكبرى والفنادق السياحية.

28- يستهلك قسم كبير من المنتجات المستوردة في دار السلام وهي أكبر سوق في المناطق الحضرية. وعلى افتراض أنّ 70 في المائة من الدجاج المستورد (أي 350 طناً) يباع في دار السلام حيث يقدّر الإنتاج السنوي لدجاج الشواء من العمليات التجارية بواسطة سلالات محسنة من دجاج الشواء بنحو 510 أطنان في السنة9، تستحوذ منها الواردات على 70 في المائة تقريباً من هذه الحصة في السوق.

29- وأدّى الانفتاح العام للاقتصاد، بما في ذلك، فى اطار اتفاقات التجارة الإقليمية (الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي ومجموعة دول شرق أفريقيا)، إلى تحفيز الواردات بما في ذلك من الإقليم. كما جرى توثيق روابط التجارة الإقليمية من خلال زيادة الاستثمارات عبر الحدود في تنزانيا في أواخر التسعينات وبداية عام 2000 من جانب المحال التجارية الكبرى في جنوب أفريقيا والفنادق وشركات التنقيب والمؤسسات المالية. وتبلغ التعريفة الخاصة بالدولة الأولى بالرعاية على قطع الدواجن 25 في المائة تقريباً في معظم السنوات الأخيرة، علماً بأنّ المعدّل لمنتجات مجموعة دول شرق أفريقيا هو أقلّ بكثير ويبلغ 5 في المائة. وسيبدأ نفاذ رسوم تفضيلية مماثلة لبلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي اعتباراً من يوليو/تموز 2004. وقد ساهمت جميع هذه العوامل في زيادة تدفق المنتجات إلى تنزانيا من داخل الإقليم.

30- وفي بعض الحالات، تتبّع الفنادق المحلية سياسات تشدد على شراء الدجاج المحلي؛ غير أنّ الفحوص المخبرية التي أخضعت لها عيّنات من تلك المنتجات المحلية التي أرسلت إلى كينيا أثبتت انتشار استخدام المضادات الحيوية على نطاق واسع، الأمر الذي أدى إلى رفع ثمن الدواجن المنتجة محلياً. وأدّى الطلب المستدام من جانب الباعة بالتجزئة في المناطق الريفية، مصحوباً بالإنتاج الدوري المرتبط بموسم الأمطار، إلى ظهور نمط موسمي لواردات الدواجن يسجّل فيه أكبر حجم من الواردات في الأشهر الستة الأولى من السنة ويبلغ ذروته في يونيو/حزيران.

باء – اتجاهات الواردات – قطاع الألبان

31- ازدادت واردات منتجات الألبان في تنزانيا بنسبة 40 في المائة من 3469 طناً في عام 1997 إلى 4869 طناً في عام 2003. وقبل فرض رسم معلّق قدره 25 في المائة على اللبن المستورد (بالإضافة إلى تعريفة الاستيراد البالغة 25 في المائة)، بلغت واردات الألبان 5565 طناً في عام 1999. وأبرز منتجات الألبان المستوردة هي اللبن المجفف (الكامل والمنزوع الدسم) يليه اللبن المركّز المكثّف والطويل الحفظ (الشكل 6). كما يتمّ أيضاً استيراد الأجبان والزبد واليوغورت. وتنافس هذه المنتجات على الأرجح اللبن الطازج الذي يباع في السوق، خاصة في دار السلام وفي مراكز حضرية أخرى.

32- استناداً إلى الإحصاءات الجمركية، تم في عام 2003 استيراد منتجات الألبان من 27 بلداً كانت من بينها جنوب أفريقيا المصدر الأول لها (22 في المائة من المجموع)، تليها كينيا (21 في المائة)، هولندا (14 في المائة) وزمبابوي (8 في المائة). واستحوذ الاتحاد الأوروبي مجتمعاً على 20 في المائة من المجموع.

33- وانخفضت واردات منتجات الألبان في مطلع التسعينات بفعل التغييرات الهيكلية التي شهدها قطـــاع الألبان لا سيما بفعل خصخصة الشركات الحكومية. لكن الاتجاه إلى الانخفاض انعكس منذ عام 1997. واستناداً إلى بعض أصحاب الشأن، يشكل ازدياد حجم الواردات عاملاً مؤثراً على الأسعار المحلية لتلك المنتجات حيث شهدت جموداً أو هبوطاً.

جيم – التأثير في السوق وملاحظات عامة

34- إنّ واردات منتجات الدواجن والألبان في تنزانيا قليلة جداً مقارنة مع الحجم الإجمالي للإنتاج. إلا أنّ تحليلاً مقارناً لحصة الإنتاج المحلي المطروحة في أسواق مستهدفة في المناطق الحضرية وفي أسواق متخصصة تفيد أنّ حجم الواردات كبير وقد يكون لها أثر سلبي على نمو الإنتاج المحلي وعلى صناعات التجهيز.

35- وتنبع هذه المخاوف من أن تكاليف الإنتاج والتجهيز في تنزانيا أعلى نسبياً مما هي عليه في بعض البلدان التي هي شريك تجاري وفي بعض البلدان التي هي مصدر المنتجات المستوردة، بما في ذلك، تلك التي يستفيد فيها المزارعون من إعانات هامة. وتتفاقم المشكلة أحياناً بسبب تفضيل المستهلكين للمنتجات المستوردة على اعتبارها أفضل جودة. وعلى خلاف السنغال، لا يمكن تفسير نمو الواردات على أنه نتيجة التطورات في سعر الصرف؛ فقد شهد الشلن التنزاني انخفاضاً تدريجياً وثابتاً في قيمته في السنوات الست الماضية.

36- وبالنسبة إلى قطاع الدواجن الفرعي، ورغم الطبيعة الموسمية للتنافس والمؤشرات العامة التي تفيد أنّ للواردات تأثير طفيف على الأوضاع في السوق المحلية، يشتكي مجهزو الدجاج ومنتجو دجاج الشواء في المناطق الحضرية من أنّ المنتجات المستوردة تؤثر سلباً على الأسعار المحلية. وهم يعتبرون المنتجات المستوردة تهديداً لنمو صناعة التجهيز المحلية. غير أنّ الصناعة وأصحاب الشأن الحكوميين يشيرون إلى أنّ صغار مربي دجاج الشواء يجدون صعوبة في الوصول إلى الأسواق المتخصصة كالمحال الكبرى والفنادق السياحية نظراً إلى صعوبة احترام مواصفات السلامة والجودة. ورغم وجود ثلاثة مصانع صغيرة لتجهيز لحوم الدواجن (الصدور، الأجنحة، القوانص، الأفخاذ وغير ذلك)، ليست هناك منشآت لنزع العظام تمكّن من إنتاج أنواع لحوم أخرى مثل شرائح الدجاج وكباب الدجاج وسمبوسك الدجاج وغيرها التي تطلبها كل من الفنادق السياحية والمستهلكين ذوى الدخل المرتفع. ويمكّن الاستيراد من تلبية هذه الاحتياجات.

37- ويفضّل المستهلكون في تنزانيا عادة شراء الطيور كاملة أو دجاج الشواء حياً. ويبيع صغار الباعة بالتجزئة الدجاج الكامل الذي ينتجه مربو دجاج الشواء المحليون ويكون لديهم عادة ثلاجة أو اثنين لحفظه وهم يتلقون لحوم الدجاج الكاملة بانتظام من المربّين. أما المحال التجارية الكبرى، التي تعتبر ظاهرة جديدة نسبياً في تنزانيا، فتنافس صغار الباعة بالتجزئة الذين يستهدفون الأسر في المناطق السكنية الأكبر. وتستورد تلك المحال بالتالي كمية دجاج كامل تفوق كمية قطع الدجاج، بينما تستورد الفنادق العكس. ومما لا شك فيه أنّ نمو الواردات يسلط الضوء على الاختلالات في صناعة التجهيز المحلية. وبما أنّ دجاج الشواء التجاري يستحوذ تقريباً على نصف العدد الإجمالي من الدجاج في تنزانيا والبالغ 47 مليون دجاجة، فمن المرجّح حدوث بعض التحوّل مع ما يعقب ذلك من تأثير في السوق. غير أنّ البيانات اللازمة عن الأسعار وعن توافر الإنتاج من المناطق الحضرية مقارنة مع المناطق الريفية لم تكن متاحة لتقييم التأثير الحقيقي.

38- وفي قطاع الألبان الفرعي، تعتبر كمية اللبن المحلي الذي ينافس فعلياً المنتجات المستوردة مؤشراً هاماً لقياس التأثير المحتمل. وبلغ متوسط واردات كافة منتجات الألبان في تنزانيا 34 مليون لتر في السنة بما يعادلها من اللبن في السنوات الست الماضية؛ أي 18 في المائة من الإنتاج الإجمالي للبن في تنزانيا أو 188 مليون لتر في السنة. قد يبدو هذا الرقم منخفضاً قياساً بالإنتاج القومي، إلا أنّ المقارنة الأصحّ هي مع نسبة اللبن المحلي الذي ينافس المنتجات المستوردة. وعلى اعتبار الحجم المطروح في السوق (67 في المائة من الإنتاج) القاسم المشترك، ترتفع حصة الواردات إلى 27 في المائة. وتصبح الحصة 40 في المائة عند مقارنة الواردات مع مجموع اللبن المحلي الذي يمرّ عبر الأسواق الرسمية/المرخّص لها (27 في المائة). أخيراً، عند مقارنة الواردات مع كمية اللبن المجهّز محلياً من الإنتاج المحلي، ترتفع الحصة إلى 90 في المائة. وعلى اعتبار أنّ القسم الأكبر من المنتجات المستوردة تباع في أسواق المناطق الحضرية، خاصة في دار السلام (مع أنّ توزيع اللبن ومنتجات الألبان يتسع في أسواق المناطق الحضرية أيضاً)، يتضح أنّ حصة منتجات الألبان المستوردة في هذه السوق مرتفعة جداً.

39- ويشير تحليل موسمي لواردات الألبان إلى وجود ذروتين في أبريل/نيسان – مايو/أيار ثم في نوفمبر/تشرين الثاني - ديسمبر/كانون الأول، في حين تنخفض إلى أدنى مستوياتها في أغسطس/آب. ولا تتوافق أنماط الاستيراد تماماً مع الإنتاج المحلي الذي يبلغ أعلى مستوياته خلال موسم الأمطار من مارس/آذار إلى يونيو/حزيران. ويشكل اللبن المجفف الحصة الأكبر (71 في المائة في عام 2002) من بين المنتجات المستوردة وهو يستخدم في معظم الأحيان لإعادة تكوين اللبن السائل من جانب المجهزين المحليين. ومع أنّ إنتاج أجبان عالية الجودة محدود في البلاد، تنتج الزبد بسهولة محلياً، الأمر الذي ينبغى معه استبعاد مفهوم الأسواق المتخصصة بالزبد. ويبيع الباعة بالتجزئة كالمحال التجارية الكبرى والمتاجر والتجّار اللبن ومنتجات الألبان المنتجة محلياً والمستوردة جنباً إلى جنب، في علامة واضحة إلى المنافسة بينها. ونتيجة تغيير مسار بعض منتجات الألبان التي باتت تعبر المرافئ الحرّة مثل مرفأ دبي، بات من الصعب تحديد كافة مصادر منتجات الألبان التي تدخل إلى تنزانيا.

40- وفي ما يتعلق بالتأثير المحتمل على الأسر، وفي حين قد يحدّ ازدياد الواردات من تطوّر قطاع التجهيز، تشير بيانات المسح الأسري إلى أنّ نسبة مئوية صغيرة من أسر المزارعين في تنزانيا تعتمد على الحيوانات وعلى الدواجن كمصدر أساسي للدخل. وتشكل الدواجن كمعدّل أقل من 1 في المائة من دخل الأسر10؛ وتصل النسبة إلى 6 في المائة إذا أُخذت بعين الاعتبار كافة المنتجات الحيوانية بما فيها الألبان. وبما أنّ 20 في المائة فقط من أصل 47 مليون دجاجة في تنزانيا (منها 20 مليون دجاجة شواء تجارية) تطرح في أسواق المناطق الحضرية، فإنّ النفاذ المحدود لواردات الدواجن إلى الأسواق الثانوية يعني أنّ الزيادة في منتجات الدواجن المستوردة وجمود أسعار الدجاج لهما تأثير محدود على سبل عيش صغار المنتجين.

الإطار 1: تصورات أصحاب الشأن في السنغال وفي تنزانيا
أصحاب الشأن
اتضح أنّ تصورات مختلف أصحاب الشأن في قطاعي الألبان والدواجن في البلدين مختلفة بالنسبة إلى التأثير على الزيادات الحادة في الواردات. ويعتبر مجهزو الألبان والدواجن المنتجة محلياً (وبقدر أقلّ المربون والحكومة والمنظمات غير الحكومية والباحثون) أنّ تحرير التجارة ومنظمة التجارة العالمية ألحقا أضراراً بالأسواق المحلية.

والباعة بالجملة (المستوردون) والباعة بالتجزئة والمجهزين للبن المعاد تركيبه ومنتجات الألبان لهم رأي مختلف. فهم يفضلون المحافظة على مناخ التجارة الحرة القائم. وهم استندوا في رأيهم هذا إلى سببين. أولاً، أن الكميات المستوردة صغيرة قياساً بالإنتاج المحلي وتأثيرها طفيف بالتالي على الأسعار المحلية. ونظراً إلى التقلّبات الموسمية في الإنتاج المحلي، خاصة في قطاع الألبان، من الضروري استيراد هذه المنتجات حرصاً على استمرار العمل في مصانع تجهيزها في موسم الكساد. ثانياً، إنّ أسواق المنتجات المستوردة والمحلية مجزأة وليس هناك تداخل جغرافي أو موسمي أو بحسب الشرائح السكانية. وتستهدف المنتجات المستوردة إما موسم الكساد للإنتاج المحلي أو الأسواق في المناطق الحضرية التي لا تكفي فيها الإمدادات من مناطق الإنتاج البعيدة/النائية و/أو المستهلكين ذوي الدخل العالي، بمن فيهم القاطنين في الخارج والفنادق السياحية حيث الأفضلية للمنتجات المتخصصة كالأجبان والزبد وقطع الدجاج غير المتوافرة محلياً بشكل مباشر.

ورأى عدد من المسؤولين الحكوميين والتجار في البلدين أنّ منتجي الدواجن غير تنافسيين لأكثر من سبب أبرزها – في إطار منافسة الواردات – عدم وجود قدرة فاعلة على التجهيز. فعدم القدرة على إنتاج منتجات مجهزة أكثر يشكل عائقاً هاماً لمنافسة الواردات. ومن العوامل الأخرى ضعف الإدارة وارتفاع تكاليف الأعلاف وغيرها من المدخلات. ومن المعوقات الأخرى للتنافس التقلّب الموسمي للإنتاج وصعوبة الوصول إلى الأسواق بما أنّ المسافة الفاصلة بين المنتجين والمستهلكين قد تكون كبيرة جداً. وتتمثل إحدى الاستراتيجيات لتخطي هذه المشكلة في تجهيز المنتجات بشكل يزيد مدة حفظها ويؤدي إلى تنويع المنتجات كي تصل إلى الشرائح المتنامية في السوق.

وهناك على ما يبدو إجماع على أنّ نمو واردات لحوم الدواجن يحد فعلاً من نمو صناعة التجهيز، الأمر الذي يقلّص الفرص في السوق. وأشار أحد أصحاب الشأن تحديداً إلى أنّ قطاع التجهيز الزراعي المحلي لا يزال في مراحله الأولى ويجب حمايته من منافسة المنتجات الزراعية المستوردة المنخفضة الأسعار.

ردّ الحكومتين
من الواضح بالنظر إلى التغيرات التي طرأت مؤخراً على السياسات وإلى المقابلات مع الرسميين، أنّ الحكومتين في البلدين تستجيبان للضغوط من أجل حماية التعريفات لما لحق من أضرار بالصناعات فيهما. وفي تنزانيا، نجحت صناعة الألبان في الضغط لزيادة التعريفات على اللبن ومنتجات اللبن. وتضمّ المجموعة بشكل أساسي مجهزي اللبن الطازج المحليين، في حين طالب مجهزو الألبان من اللبن المعاد تركيبه (بواسطة اللبن المجفف المستورد) بتخفيض التعريفات. وكانت الحكومة قد فرضت في عام 2000 رسماً معلقاً قدره 25 في المائة على جميع أنواع اللبن ومنتجات اللبن المستوردة حتى وصلت الرسوم الجمركية الإجمالية إلى 50 في المائة. وخفّضت الرسم المعلق بعد ذلك إلى 20 في المائة في يوليو/تموز 2003.

وفي السنغال، لم تُبرز وسائل الإعلام تأثير واردات الألبان على الإنتاج المحلي كما حصل بالنسبة إلى الدواجن. وأدى بروز مجموعة محترفة في صناعة الدواجن، والضغط الذي مارسته إلى فرض حظر لم يدم طويلاً على واردات الدواجن في أواخر عام 2002. ورُفع الحظر في مرحلة لاحقة، ومن الواضح أنّ هذا كان نتيجة تخوف الحكومة من قانونية قرارها بالنسبة إلى منظمة التجارة العالمية ومن خسارة العائدات الجمركية من واردات الدواجن. ويعادل مجموع العائدات الجمركية من المنتجات كافة قرابة 40 في المائة من مجموع العائدات الحكومية في السنغال؛ علماً بأنّ مساهمة واردات الدواجن ومنتجات الألبان كانت ملحوظة وبلغت 5 مليارات و12 مليار فرنك أفريقي على التوالي.

رابعاً – التقييم والانعكاسات على السياسات

ألف – التقييم

41- أبدت الكثير من البلدان النامية تخوفها من تكرار حالات الزيادة الحادة في واردات السلع الغذائية الأساسية، الأمر الذي غالباً ما يؤدي إلى اضطرابات في الأسواق المحلية وإلى تأثيرات سلبية على الإنتاج المحلي. وقد لقيت هذه القضية اهتماماً كبيراً في دراستي الحالة القطريتين الواردتين في هذه الورقة. وفي السنغال، طلبت الحكومة إلى منظمة التجارة العالمية الحصول على إعفاء حتى عام 2005 للإبقاء على الحد الأدنى من الأسعار المرجعية للواردات من مختلف المنتجات، لا سيما للأسباب المذكورة أعلاه. وأنّ منح هذا الإعفاء لدليل على تعاطف منظمة التجارة العالمية مع المشكلة. وفي تنزانيا أيضاً حظيت هذه القضية باهتمام واسع من جانب كافة أصحاب الشأن ومن بينهم الحكومة. واتضح بالفعل أنّ وكالتين اثنتين قد طلبتا إجراء تحليل لتأثير الزيادات الحادة في الواردات.

42- ومن الصعب قياس تأثير الزيادات الحادة في الواردات، إلا أنّ دراسات حالات بسيطة تكفي لتسليط الضوء على بعض القضايا الرئيسية فيها. فقد اتضح في دراستي الحالة في هذه الورقة وجود تفاوت كبير في التأثير تبعاً للظروف وللسلع المعنية. ففي حين برز بوضوح الأثر السلبي على صناعة دجاج الشواء في السنغال، لم تطرح الزيادات الحادة في الواردات أي مشكلة بالنسبة إلى منتجات الألبان. ذلك أنّ واردات الألبان، وإن كانت مرتفعة، ازدادت باستمرار في فترة زمنية أطول، مما اضطرّ الصناعة المحلية إلى التكيّف معها. أما في حالة تنزانيا، فقد لوحظت بعض التأثيرات السلبية على قطاع الألبان الفرعي وتأثيرات محدودة على الدواجن. وفي البلدين كليهما، كشف النمو السريع لواردات الدواجن ضعف صناعة التجهيز المحلية للتنافس مع المنتجات المستوردة، خاصة في الحالات التي شهدت نمواً سريعاً للطلب على منتجات عالية الجودة ومجهّزة أكثر من جانب المحال الكبرى والفنادق التي عجزت الصناعة المحلية عن تلبية طلباتها.

43- وفي دراستي الحالة، وباستثناء الألبان في السنغال، شكّلت الواردات حصة صغيرة نوعاً ما من إجمالي الإنتاج المحلي. وفي حين قد يُستنتج أنّ أي تأثير سيكون محدوداً هو الآخر، اتضح أنّ المنتجات المستوردة تباع بالدرجة الأولى في المدن حيث تكون حصص الواردات أعلى بكثير. ويبدو أنّ تجزئة الأسواق في المناطق الحضرية والريفية موضوع هام لتقييم التأثير وقد تكون عالية في أسواق تجارية محددة وبقدر أقلّ بكثير في المناطق الريفية. ويطرح هذا الواقع عدة تساؤلات بشأن تنافسية المنتجين المحليين لإمداد الأسواق النامية في المناطق الحضرية، خاصة بالنسبة إلى المنتجات المجهزة أكثر. وينبغي التحقق من هذه الملاحظة عن كثب بواسطة تقنيات القياس الاقتصادي.

44- وغالباً ما تُربط الزيادات الحادة في الواردات في المؤلفات بالممارسات التجارية غير العادلة، وفي طليعتها دعم الصادرات. وأشارت دراستا الحالة إلى أنّ هذا النوع من التعميم قد لا يكون مصيباً وإلى أنّ هناك عوامل أخرى هامة بنفس القدر أو أكثر، من بينها تخفيض التعريفات وحركة سعر الصرف. إلا أنّ دعم الصادرات قد يكون هاماً بلا شك. وأفادت البيانات التجارية أنّ السنغال وتنزانيا استوردتا في السنوات الأخيرة منتجات الدواجن واللبن المجفف من الاتحاد الأوروبي. وفى الحقيقة بالنسبة إلى منتجات الألبان، كان الاتحاد الأوروبي مصدر نحو 000 250 طن، أي نصف واردات اللبن المجفف في أفريقيا. وبلغ في 2003 معدل الإعانات للصادرات في الاتحاد الأوروبي 640 دولارا أمريكيا و1120 دولارا أمريكيا للطن الواحد من اللبن المجفف المنزوع والكامل الدسم على التوالي. وفي حين تستفيد كافة منتجات اللبن المجفف المصدّرة من الاتحاد الأوروبي من دعم الصادرات، لم تحظَ صادرات الدواجن إلى أفريقيا – الطيور الكاملة والقطع على حد سواء – بالقدر الكافي من الإعانات. وأفريقيا ليست أحد المناطق المستهدفة للتعويضات من الاتحاد الأوروبي، رغم إرسال شحنات منتظمة من القطع المستفيدة من الإعانات. ومن جهة أخرى، لم يتضح بعد مصدر المنتج الذي استوردته تنزانيا من الإمارات العربية المتحدة، والتي تتلقى صادرات الاتحاد الأوروبي المستفيدة من الإعانات. ولم تسرِ الإعانات الأمريكية للحوم الدواجن إلا بين الحين والآخر في السنوات العشر الأخيرة واستهدفت بوجه خاص صادرات الطيور الكاملة إلى بعض بلدان الشرق الأوسط.

45- وتبيّن أخيراً أنّ الحكومة وغيرها من أصحاب الشأن ليسوا بالضرورة جازمين بشأن اللجوء إلى الحواجز الجمركية في مواجهة الزيادات الحادة في الواردات واتجاهات الاستيراد الحازمة. ففي السنغال مثلاً، عانى قطاع دجاج الشواء الفرعي كثيراً من تخفيض التعريفات وازدياد الواردات، إلا أنّ الحكومة لم تفرض أية قيود تجارية. فكانت النتيجة حدوث تحوّل واضح عن دجاج الشواء إلى إنتاج الدجاج البيّاض. وأعقب ذلك نقاش لفت انتباه الجمهور إلى الحاجة إلى وجود صناعة حديثة ومحترفة وتنافسية لدجاج الشواء في السنغال. ويرحّب على ما يبدو بعض أصحاب الشأن، بمن فيهم الحكومة، بهذه الخطوة.

46- ويكمن التحدي بالنسبة إلى الحكومة في تحديد العوامل الكامنة وراء الزيادات الحادة في الواردات، وفي معرفة ما إذا كانت الأسباب بنيوية أو نتيجة صدمات قصيرة الأجل في السوق ناجمة عن التغيرات في الإنتاج المحلي أو صدمات في السوق الدولية. ثانياً، ينبغي تقييم تأثير الصدمة من خلال تقييم تنافسية مختلف القطاعات الفرعية قبل تحديد فترات التكيّف المناسبة وتنفيذ سياسات الدعم. وإنّ إجراءات المواجهة التجارية هي من حيث تصميمها ردّ على مشاكل مؤقتة بطبيعتها.

باء – الانعكاسات على السياسات

47- انطلاقاً من النتائج الرئيسية المبيّنة أعلاه، تختصر الانعكاسات على السياسات والانعكاسات الأخرى ضمن ثلاث فئات: السياسات القطرية؛ المفاوضات في منظمة التجارة العالمية؛ المجالات التي تحتاج إلى المزيد من التحليل.

السياسات القطرية

48- لن تختفي الزيادات الحادة في الواردات والصدمات المشابهة من الأسواق العالمية ما لم يتم القضاء على كافة أشكال الممارسات التجارية "غير العادلة" من خلال المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف، كما هي الحال بالنسبة إلى السلع غير الزراعية التي لا مجال فيها للعديد من التشوهات التي تجيزها قواعد منظمة التجارة العالمية في الزراعة. فلا بد إذاً من أن تعزز البلدان قدرتها على الاستجابة لهذا النوع من الصدمات. وفي هذا الإطار، تبدو التدابير التالية مناسبة للبلدان النامية بوجه عام، بما فيها السنغال وتنزانيا: