تقاليد عريقة تنبض بالحياة في المطبخ الصربي
دعم الحصول على علامة "المؤشرات الجغرافية للمنتجات" يُعزّز الجودة ويُحسّن الدخل
توت العلّيق الصربي Ariljska malina هو واحد من أكثر من 000 9 منتج غذائي في العالم محميّ بموجب علامات.
©FAO/ Stefan Stojanović
يُعدّ توت العلّيق من نوع Ariljska malina الكبير والزاهي اللون جوهرة من جواهر المطبخ الصربي.
وهذا التوت المحلي، الذي غالبًا ما يُسمّى "الذهب الأحمر"، هو غذاء شهي محبوب، يُمكن تناوله طازجًا أو مخبوزًا مع الكعك أو مغطى بالشوكولاتة، ويمكن تحويله إلى عصائر أو مربيات أو مأكولات شهية أخرى.
وقد طوّر المزارعون في المنطقة تقنية للزراعة والحصاد منذ عقود عدّة ويُطلق عليها اسم "طريقة أريلييه". وتساهم هذه الطريقة، إلى جانب المناخ المحلي للمنطقة، بنكهة توت العلّيق وجودته.
وتتضمن طريقة الإنتاج هذه زراعة الشجيرات على عرائش وإزالة الأغصان الأولى للسماح بكمية وافرة من أشعة الشمس ونضج الثمار جيّدًا. ويمكن تجميد ثمار التوت المقطوفة يدويًّا بعد تنظيفها مباشرة للاحتفاظ بها طازجة.
وقد وصل إنتاج توت العليّق إلى هذه المنطقة الواقعة في جنوب غرب صربيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكان من روّاده البروفيسور والكاتب المحلي Dobrilo Nenadic، الذي استثمر وقتًا وجهدًا كبيرين من أجل الترويج لهذه الفاكهة. وبدأ الناس بزراعة توت العلّيق على مساحات صغيرة، وبعد مدة وجيزة أصبح توت العليّق هو المنتج التجاري الوحيد في المنطقة، مما عزّز تنميتها الاقتصادية.
وتُنتج اليوم منطقة أريلييه نحو 000 25 طنّ من هذه الفاكهة سنويًّا، ويُصدّر معظم الإنتاج إلى أوروبا الشرقية.
ويُعدّ توت العلّيق من أريلييه واحدًا من أكثر من 000 9 منتج غذائي في العالم محميّ بموجب علامات المؤشرات الجغرافية، مما يجعل هذه الفاكهة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصربيا كارتباط جبنة بارميجيانو ريجيانو بإيطاليا وارتباط شاي دارجيلينغ بالهند.
تضمن علامة المؤشرات الجغرافية أن يكون المنتجون قادرين على زراعة الفاكهة بنفس الطريقة التي اتبعها أسلافهم، وتعطيهم في الوقت نفسه أفضلية في أسواق اليوم المزدحمة بالمنتجات. الجهة اليمنى إلى الأعلى: ©FAO/ STEFAN STOJANOVIĆ. الجهة اليسرى إلى الأسفل: ©FAO/ UROŠ ARSIĆ
من أساسيات المطبخ الصربي الأخرى الكرز الحامض الشهير ومصدره منطقة أوبلاجينا (oblačina) جنوب صربيا.
ويتميز كرز أوبلاجينا، الأصغر حجمًا وذو اللون الداكن أكثر من غيره من أنواع الكرز الأخرى، بتوازن بين الحلاوة والحموضة، وهو غني بالمغذيات وبالفيتامين C ومضادات الأكسدة.
وبحلول أواخر فصل الربيع، يتسم المشهد في هذه المنطقة بتدرجات اللون الأحمر بسبب الأشجار المحمّلة بثمار الكرز الناضجة التي تتساقط بمجرد تحريك الأغصان.
وتأتي جميع هذه الأشجار تقريبًا من بساتين صغيرة يديرها مزارعون أسريون توارثوا حبَّهم للكرز الحامض والخبرات الفنية جيلًا بعد جيل.
وحصلت منتجات توت العليّق (Ariljska malina) الصربية، إلى جانب صلصة الأجار (معجون الفلفل الأحمر) المنزلية الصُنع من ليسكوفاك (Leskovac) وجبن زلاتار وعسل زهور الزيزفون من فروشكا غورا (Fruska Gora)، على علامة المؤشرات الجغرافية الوطنية في العقد الأخير أو ما يقارب ذلك.
وتعمل علامة المؤشرات الجغرافية الرسمية هذه على ربط منتجات محددة ذات جودة عالية بمكان منشأها، مما يحمي سمعة المنتج وأصالته ويضمن للمستهلكين في الوقت نفسه جودة المنتج ومنشأه.
فمثلًا، يُسمح باستخدام الاسم المحمي بعلامة المؤشر الجغرافي (Ariljska malin) فقط لتوت العليّق الذي ينمو في ظروف المناخ المحلي في منطقة أريلييه ويتوافق مع المواصفات الصارمة لإنتاج توت العلّيق من أريلييه.
وتضمن علامة المؤشرات الجغرافية أيضًا أن المنتجين الحاليين والمستقبليين لتوت العلّيق من أريلييه والكرز الحامض سيكونون قادرين على زراعة هذه الفواكه وقطفها يدويًّا بنفس الطريقة التي اتبعها أسلافهم.
مساعدة المنتجين على اكتساب الأفضلية في الأسواق
بالنسبة إلى كلّ من توت العليّق (Ariljska malina) والكرز الحامض (Oblačinka)، كان هناك تعاون وثيق بين منظمة الأغذية والزراعة (المنظمة) والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير من جهة ووزارة الزراعة والغابات وإدارة المياه في صربيا ومكتب الملكية الفكرية لمساعدة المنتجين والمجهزين الصربيين من جهة أخرى لمساعدة المنتجين والمجهزين في صربيا على وضع مواصفات الإنتاج أو تسجيل الفواكه كمنتجات محمية بموجب علامات المؤشرات الجغرافية.
ويقدّم المشروع الذي يموله الاتحاد الأوروبي وحكومة إيطاليا في إطار مبادرة أوروبا الوسطى دعمًا يتراوح بين تعزيز منظمات المنتجين وتنظيم جولات دراسية وتبادل المشورة بشأن قوانين المؤشرات الجغرافية والأطر القانونية. وقدّمت أيضًا المنظمة والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير تدريبًا على إصدار شهادات المؤشرات الجغرافية والترويج لها، ومراقبة الجودة، والحماية من التقليد. ويضمن هذا التدريب قدرة المنتجات التي تحمل علامات المؤشرات الجغرافية على المنافسة في الأسواق المزدحمة بالمنتجات.
وكشفت دراسة مشتركة بين المنظمة والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، شملت تحليل تسعة منتجات، أن علامات الربط بالمنشأ يمكن أن تُترجم إلى علاوة في الأسعار تتراوح بين 20 و50 في المائة مقارنة بالمنتجات التي لا تحمل علامات المؤشرات الجغرافية.
حماية السمعة
يُعدّ الحصول على علامة المؤشرات الجغرافية إنجازًا كبيرًا – فهو ثمرة عملية طويلة ومعقدة. ولكنّ دوام نجاحها يعتمد على حملة قوية لحماية شهادات الفواكه والترويج لها.
ويساعد الدعم المقدم من المنظمة والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير للمنتجين على ضمان استمرار الترويج لهذه المنتجات وحمايتها، وإرساء حوكمة راسخة في الوقت ذاته.
فجمعية الكرز الحامض تساعد مثلًا على ضمان ضوابط الجودة الداخلية وإمكانية التتبع. وتعزّز أيضًا جهود الترويج والتسويق والقوة التفاوضية للمنتجين وعلاقاتهم بالموردين والبائعين.
وعلاوة على ذلك، تُشجّع المنتجين والمجهزين أيضًا على الابتكار وإنشاء خطوط إنتاج جديدة، مثل الكرز المجفف والكرز العضوي، في إطار علامة المؤشرات الجغرافية.
وفي سياق مماثل، يتعاون أعضاء جمعية توت العليّق (Ariljska malina) للعمل على حماية توت العليّق والترويج له، مما يساعد الشركات التي تعود ملكيتها إلى الأسر على تنويع منتجاتها والاستفادة من أسواق جديدة في الداخل والخارج.
حتّى أن إحدى الشركات تنتج مأكولات فاخرة مثل توت العليق المغلف بالشوكولاتة الفاخرة بعد تجفيفه بالتجميد، وتسعى إلى بيع التوت الطازج الذي يحمل علامة المؤشرات الجغرافية مباشرة إلى المتاجر الكبرى والمستهلكين.
ووفقًا للسيد Aleksandar Obradović، وهو مدير المبيعات لدى إحدى الشركات الأعضاء في الجمعية، فإن علامة المؤشرات الجغرافية هي علامة تصف باختصار الفاكهة التي تلبي جميع معايير السلامة وتضمن الجودة العالية باستمرار.
يمكن للمنتجات التي نجحت في الحصول على علامات المؤشرات الجغرافية أن تختبر حياة جديدة في المجتمعات المحلية الريفية، وأن تخلق فرص عمل، لا سيّما للشباب، وأن تُلهم المنتجين المحليين لحماية التنوع البيولوجي الزراعي الذي يجعل منتجاتهم متميزة. ©FAO/ UROŠ ARSIĆ
حماية الأغذية وتاريخها
تزداد العولمة في عالمنا اليوم. وتتغيّر العادات وأنماط الحياة، ولكنّ التقاليد الغذائية لا تزال قائمة.
ويشهد الطلب على الأغذية الصحيّة والمغذّية ارتفاعًا متزايدًا، وكذلك الطلب على الأغذية المحلية التقليدية.
وإدراكًا من البلدان لهذا الاتجاه الجاذب، تعمل على إرساء قطاعات السياحة الزراعية المستدامة - بدءًا من مسارات الأطباق المحلية إلى مهرجانات الأغذية - التي تحمي تقاليد مطابخها الفريدة وجمالها الطبيعي.
ويمكن للمنتجات التي نجحت في الحصول على علامات المؤشرات الجغرافية أن تختبر حياة جديدة في المجتمعات المحلية الريفية، وأن تخلق فرص عمل، لا سيّما للشباب، وأن تُلهم المنتجين المحليين لحماية التنوع البيولوجي الزراعي الذي يُضفي تميّزًا على منتجاتهم التي تحمل علامات المؤشرات الجغرافية.
وتعتبر منتجات توت العليّق (Ariljska malina) والكرز الحامض (Oblačinka) الصربية أمثلة شهية على كل ذلك وتذكرنا بأنّ إبقاء هذه التقاليد حيّة من أجل أجيال المستقبل هو أمر جدير بالاستثمار والجهد.