مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا

استعادة الازدهار الزراعي


قصة نجاح بحيرة بنزرت

Share on Facebook Share on X Share on Linkedin

© الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط/ HHAMZA

01/07/2024

تمثل بحيرة بنزرت، هذه البحيرة رائعة الجمال والواقعة على امتداد الساحل الشمالي لتونس، نظاماً إيكولوجياً مذهلاً يتميز بتنوعه ويزخر بالحياة البحرية والتراث الثقافي.

تتصل هذه البحيرة بيضاوية الشكل بالبحر الأبيض المتوسط ​​في الشمال الشرقي عبر منفذ طبيعي بطول 7 كم وقناة اصطناعية بطول 15 كم. وإلى الجنوب الغربي منها، ترتبط البحيرة بمواقع رامسار للأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية وبحيرة إشكل، محمية المحيط الحيوي التابعة لليونسكو، عبر وادي تينجة. ويزدهر النظام الإيكولوجي الغني والمتنوع لبنزرت بفضل وفرة المياه البحرية والعذبة التي تغذيها من مصادر مختلفة، بما في ذلك الهطولات المطرية المباشرة والجريان السطحي من الجداول. وتتغير ديناميكيات هذه المياه بمرور الوقت، حيث يبلغ متوسط ​​حجمها 910 متراً مكعباً، مع حجم تبادل يومي يبلغ حوالي 22 متراً مكعباً.

التحليل المكاني لبحيرة بنزرت، © الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط/ Raquel Lopez Martinez

يعيش في المنطقة المحيطة ببحيرة بنزرت، والتي تبلغ مشاحتها نحو 1,000 كيلومتر مربع، أكثر من 300,000 إنسان، مما يجعلها مركزاً للنشاط الاقتصادي والاجتماعي داخل ولاية بنزرت. لكن هذه المنطقة الجميلة تخفي في الواقع قصة من التدهور البيئي والتحديات الاجتماعية والاقتصادية. 

نظام إيكولوجي هش

على مر السنين، واجهت البحيرة العديد من التحديات التي أبطأت مسيرتها نحو التنمية المستدامة. كما أدى التحضر السريع والتصنيع وتأثيرات تغير المناخ إلى زيادة الضغوط على النظام الإيكولوجي للبحيرة. ومع ذلك، فإن هذه القضايا توفر فرصاً للحلول التعاونية. وتعتبر الجهود المبذولة لمعالجة التلوث الناجم عن المصادر الحضرية والصناعية والزراعية، إلى جانب إدارة ممارسات صيد الأسماك وحماية الموائل، ضرورية لتقوية هذا النظام الإيكولوجي الضعيف والحفاظ عليه للأجيال القادمة.

مع تطور التنوع البيولوجي للبحيرة بمرور الوقت، وصل عدد العوالق النباتية والنباتات القاعية التي تستوطن البحيرة الآن إلى 75 نوعاً، مما يوفر غطاءً نباتياً محدوداً، لا سيما على طول ضفافها وفي المناطق الضحلة. وفي عام 2020، كانت الحيوانات القاعية الكبيرة تتألف من 156 نوعاً من اللافقاريات. أما الفقاريات، وتحديداً الأسماك، فتتألف مما يقرب من 45 نوعاً، يحمل العديد منها أهمية خاصة لقطاع صيد الأسماك. وتعد وفرة الأنواع غير المحلية، التي يبلغ عددها حالياً 29 نوعاً، مؤشراً مهماً على تأثيرات تغير المناخ.

إن التأثيرات الناشئة لتغير المناخ في المنطقة لا تخفى على الرائي وتتجلى في ظواهر مختلفة، بما في ذلك التغيرات في أنماط الطقس، ومنها التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار. ويؤثر الارتفاع المتسارع في مستويات سطح البحر على المناطق البحرية والبحيرات. وتؤثر هذه التغيرات على النظم الإيكولوجية، مما يؤدي إلى اختلال التوازن في البحيرات والتنوع البيولوجي والمياه الجوفية والسطحية. وتشير التغيرات الإضافية المتوقعة في المناخ إلى انخفاض الهطولات السنوية للأمطار وارتفاع متوسط ​​درجات الحرارة، مع توقعات بحدوث ظواهر مناخية شديدة مثل الهطولات المطرية الغزيرة وموجات الجفاف الشديدة.

ويتأثر مجمع بحيرة بنزرت تأثراً كبيراً بهذه التغيرات، حيث يواجه مشكلات التملح، وارتفاع منسوب المياه، وارتفاع درجات حرارة المياه، والنظام الإيكولوجي الاستوائي، وزيادة تسرب المياه البحرية إلى إشكل. وتتكيف الممارسات الزراعية وصيد الأسماك ومزارع المحار مع هذه الظروف الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض التأثيرات على البنية التحتية والمرافق لكن العمل جارٍ على معالجتها. 

التأثير على سبل العيش

يلعب قطاع مصايد الأسماك في تونس دوراً رئيسياً في توفير فرص العمل وتلبية الاحتياجات الغذائية لسكانها. ومع وجود أكثر من 100,000 من العاملين في هذا القطاع، تساهم مصايد الأسماك بشكل كبير في اقتصاد البلاد. لكن، على الرغم من أهميتها، واجهت البحيرات الساحلية على مر السنين بعض التحديات الإنتاجية، مما أثر على قدرة البلاد على تلبية الطلب المتزايد على البروتين. ويبلغ إنتاج هذه البحيرات حالياً حوالي 450 طناً سنوياً، مما يعكس التحول في مستويات إنتاج مصايد الأسماك في البحيرات.

وقد تأثرت بحيرة بنزرت، التي تمتد على مساحة 12,800 هكتار بمتوسط ​​عمق 4,06 متر، بشكل خاص. وحتى ثمانينيات القرن الماضي، تسببت مياه الصرف الصحي الحضرية غير المعالجة في انخفاض الإنتاج من 1,000 طن سنوياً إلى حوالي 200 طن سنوياً. وقد سلط هذا الانخفاض الضوء على ضرورة اتخاذ إجراءات لتحسين نوعية المياه واستعادة التوازن الإيكولوجي للنظام الإيكولوجي المائي لبحيرة بنزرت.

وفي الفترة الممتدة بين عامي 1995 و2009، شهد إنتاج مصايد الأسماك الطبيعية في بحيرة بنزرت انخفاضاً من 203,198 كجم إلى 7,617 كجم. وبحلول عام 2010، بلغ الإنتاج 76.2 طن. وتؤكد هذه الاتجاهات على أهمية تنفيذ تدابير فعالة لإدارة مصايد الأسماك لدعم استعادة أعداد الأسماك وضمان الإنتاجية المستدامة للبحيرة.

© الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط/HHAMZA

تدخلات منظمة الأغذية والزراعة

وقد أدت مبادرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في بحيرة بنزرت إلى تحسينات كبيرة في مجال الصحة البيئية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وتشمل النتائج الرئيسية النجاح في إنشاء منطقة مخصصة لتربية الأحياء المائية ضمن التخطيط المكاني البحري لمزارع المحار. وقد نجحت هذه الجهود في تحقيق التوازن بين أهداف الحفظ والتنمية الاقتصادية من خلال تحديد مناطق مخصصة لتربية الأحياء المائية، وإعداد مخطط لإدارة الموارد المستدامة.

وإداراكاً منها للتفاعلات المعقدة بين أصحاب المصلحة، وخاصة الصيادين ومزارعي المحار، نفذت منظمة الأغذية والزراعة التخطيط المكاني البحري بفعالية. ومن خلال تحديد مناطق محددة لأنشطة الصيد ومناطق مخصصة لتربية الأحياء المائية، تم تقليل التناقضات بين الاستخدامات المختلفة، والتخفيف من الآثار البيئية المترتبة عليها. ويعزز هذا النهج النمو الأزرق المستدام والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما يتماشى مع خارطة طريق "التحول الأزرق" التي وضعتها المنظمة.

وقد أدى تركيز منظمة الأغذية والزراعة على تشجيع زراعة الأعشاب البحرية والمحاريات إلى الاستفادة من خدمات النظام الإيكولوجي التي تقدمها تلك الأحياء، لا سيما في بيئات البحيرات الشاطئية. وقد أدت هذه الممارسات إلى تحسين كبير في جودة المياه، كما وفرت مناطق حضانة حيوية لمختلف الأنواع. ومن خلال مشاريع مختلفة، وضعت منظمة الأغذية والزراعة خطط إدارة مخصصة وأدوات عملية لأصحاب المصلحة، بما في ذلك "خطة إدارة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الإقليمية ببحيرة بنزرت" ودليل حول أفضل الممارسات لاستزراع المحار. ومن خلال جمع البيانات البيئية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية واستخدامها، تساعد هذه الجهود في عمليات صنع القرار. علاوة على ذلك، روجت منظمة الأغذية والزراعة لتربية الأعشاب البحرية باعتبارها ممارسة مستدامة تعزز خدمات النظم الإيكولوجية، والتكيف مع تغير المناخ، وتوفر فرص العمل.

وسعياً منها لمعالجة قضية التدهور البيئي، دعمت منظمة الأغذية والزراعة مبادرات مثل "البرنامج المندمج لإزالة التلوث"، والذي يهدف إلى تحسين جودة المياه وصحة النظام البيئي من خلال معالجة التلوث الناجم عن المصادر الصناعية والحضرية والزراعية، ووضع الأساس للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة واستعادة النظام البيئي. ومن خلال هذه الجهود الشاملة، تلعب المنظمة دوراً حاسماً في إعادة إحياء بحيرة بنزرت وضمان استدامتها على المدى الطويل.