مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا

إطلاق العنان للإمكانات الزراعية: انتاج علف قادر على الصمود في وجه التأثيرات السلبية في جنوب العراق


Share on Facebook Share on X Share on Linkedin
28/05/2024

وسط الظروف الصعبة التي تعيشها مناطق جنوب العراق، حيث تتبدى بوضوح تأثيرات التغير المناخي وغيرها من التأثيرات التي تطال التنوع الحيوي، تسطع منارة أمل بضوئها المشرق.

فبفضل الجهود الرائدة التي تبذلها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) تعمُّ موجة من الابتكار الزراعي المؤثر أنحاء المنطقة وتتجلى في زراعة مختلف أصناف محاصيل العلف القادرة على الصمود أمام هذه التأثيرات.

التغلب على الشدائد: التحديات أمام سبل العيش في أهوار جنوب العراق

قبل أن تشرع منظمة الأغذية والزراعة في تدخلاتها التحويلية، كان المزارعون ومربو الجاموس في جنوب العراق يواجهون بيئة مليئة بالتحديات. وفي مواجهة تضاؤل موارد المياه وتباين ملوحة التربة والمياه وارتفاع تكاليف العلف، كانوا يعتمدون على ممارسات علف الحيوانات التقليدية التي لم تكن تلبي في الغالب الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية لماشيتهم. فقد كانت الحبوب، وخاصة القمح والشعير، تشكل العمود الفقري للنظام الغذائي للماشية، تكمّلها كميات ضئيلة من الأعلاف المتوفرة محلياً مثل أعواد القصب ونبات البردي. إلا أنه ثبت عدم كفاية هذه الممارسات في الحفاظ على صحة الماشية وانتاجيتها، مما فاقم ضعف المجتمعات التي هي بالفعل على حافة انعدام الأمن الغذائي المعيشي.

زراعة المحاصيل القادرة على الصمود: ابتكارات المنظمة في جنوب العراق 

استجابة للتحديات الصعبة التي تواجهها تلك المجتمعات، أطلقت المنظمة في مبادرة متعددة الأوجه تهدف إلى تعزيز قدرة المجتمعات الريفية والنظم الإيكولوجية على الصمود. وتتمحور استراتيجية المنظمة للتدخل على تبني نهج شامل ينطوي على بناء القدرات، وتوفير أصناف محاصيل العلف القادرة على الصمود، وإدخال ممارسات الري الذكية مناخياً والمصممة خصيصا لتتناسب مع القيود البيئية الفريدة للمنطقة، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الأعلاف المحلية.

ومن أهم النقاط في جهود المنظمة التحويلية، إدخال أصناف محاصيل العلف القادرة على الصمود، والتي تم اختيارها بعناية وتكييفها لتزدهر في الظروف المناخية القاسية السائدة في جنوب العراق. ومن بين تلك المحاصيل عشب الجاودار، وهو محصول علفي موسمي معروف بنموه السريع وانتاجيته الاستثنائية. وتم زرع عشب الجاودار في أواخر الصيف وحتى أوائل الخريف، وجرى ريه بالتنقيط، ليوفر للمزارعين مصدراً موثوقاً لتغذية مواشيهم. وقد أثبت عشب الجاودار فعاليته في تحسين صحة الماشية وانتاجيتها حيث أمكن قطعه عدة مرات في الموسم الواحد، وتراوحت إنتاجية هذا العلف الأخضر ما بين 25 و30 طناَ للدونم الواحد (100 إلى 120 طناَ/هكتار).

إن أهمية عشب الجاودار كمصدر علف لا جدال فيها. فهو يوفر التغذية الأساسية للماشية خلال الفترات الحرجة مثل الرضاعة، وليس ذلك فحسب، بل إنها تعزز أيضاً النمو وصحة الحيوان، وتحسن الخصوبة، وكل ذلك بأقل تكلفة على المزارعين. وباستفادتهم من قوة عشب الجاودار، سجّل المزارعون زيادة ملموسة في إنتاج الحليب (37% للجاموس والأبقار) وارتفاعاً في الجودة، مما أدى إلى زيادة ربحية في تصنيع الجبن ومنتجات الألبان.

ومن الأمثلة الجلية على إنتاجية عشب الجاودار عند تطبيق ممارسات الزراعة المثلى، قصة النجاح التي حققها المزارع عبد الأمير سلمان عيسى من قرية نهر السبع (قضاء المدينة محافظة البصرة) والذي يزرع لأول مرة عشب الجاودار.  فقد تمكن 

هذا المزارع من انتاج محصول أولي قدره 2730 كيلوغراماً لكل متر مربع. وبعد خمس مرات حصاد في المتوسط، تمكّن هذا المزارع من الوصول إلى اجمالي إنتاج إجمالي قدره 34 طناَ من هذا العلف الأخضر، باستخدام نظام الري بالتنقيط الذي يسمح له بالمحافظة على المياه واستخدمها بكفاءة دون التسبب في أي آثار بيئية ضارة.

ويوفر له هذا الحصاد الوفير طعاماً لماشيته (35 جاموسًا و4 أبقار)، وليس ذلك فحسب، بل يتيح له كذلك بيع كميات إضافية تعود عليه بإيرادات تبلغ حوالي 2000 دولار أمريكي في الموسم، وهو عائد رائع على الاستثمار يؤكد الإمكانات التحويلية لمحاصيل العلف القادرة على الصمود.

وكذلك حققت دوله عبد الأمير سعيد نتائج مذهلة. فهي مزارعة من قرية الصماد (مديرية كرمة بني سعيد، محافظة ذي قار)، اكتشفت كذلك إمكانات وانتاجية الذرة الرفيعة السودانية، التي تعتبر محصولاً علفياً آخر مقاوم لتأثيرات المناخ ويزدهر في ظروف جنوب العراق الصعبة.

تشتهر الذرة الرفيعة السودانية بنموها الكثيف وإمكاناتها الإنتاجية العالية، وتوفر للمزارعين مصدراً وفيراً للأعلاف الخضراء حيث يمكن قطعها أكثر من أربع إلى سبع مرات بإنتاج 300 طن للهكتار. وهي قادرة على الصمود أمام ملوحة التربة وتستخدم في زراعتها كميات منخفضة من المياه، كما أنها غنية بالطاقة والألياف، مما يجعلها لا تُقدر بثمن في الحفاظ على الثروة الحيوانية وتعزيز القدرة على الصمود الزراعي. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع إنتاج حيوانات دوله (8 جاموس، و4 أبقار) من الحليب بنسبة 13 في المائة وذلك بفضل استخدام الذرة الرفيعة في نظامها الغذائي. وبفضل الكميات العالية المنتجة من الذرة الرفيعة، تمكنت دوله من بيع الكمية الإضافية بحوالي 275 دولاراً خلال الموسم الماضي 

ومن خلال مبادرات بناء القدرات الاستراتيجية وبرامج نقل المعرفة، تمكنت منظمة الأغذية والزراعة من تزويد عدد كبير من المزارعين في جنوب العراق بالأدوات والتقنيات اللازمة للتكيّف مع ضغوطات التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها. وقد أدى اعتماد الممارسات الزراعية الذكية مناخياَ في تلك المنطقة، بما في ذلك أساليب الري الفعالة وتقنيات تناوب المحاصيل، إلى تعزيز الإنتاجية الزراعية والقدرة على الصمود في مواجهة الشدائد.

وبفضل تبني المزارعين ومربي الجواميس في جنوب العراق ممارسات زراعية مبتكرة، والاستفادة من إمكانات أصناف المحاصيل القادرة على الصمود، فقد شهدوا زيادة ملموسة في إنتاج الحليب، وتحسّن عمليات معالجة الجبن وصحة الماشية. بالإضافة إلى ذلك، فإن زراعة محاصيل الأعلاف القادرة على الصمود أمّنت سبل العيش المستدامة لمجتمعات الأهوار وساعدت أيضاً في الحفاظ على صحة النظام البيئي والتنوع البيولوجي في المنطقة.

وبالتعاون مع أصحاب المصلحة والشركاء المحليين، تواصل المنظمة قيادة الجهود الرامية إلى استعادة وتعزيز مرونة النظم الغذائية الزراعية في جنوب العراق. وتستمر المنظمة في التزامها الثابت ببناء مستقبل أكثر إشراقًا وقدرة على الصمود للجميع، وذلك من خلال تمكين المجتمعات وتزويدها بالمعرفة والموارد.

وبعد أن شهدت وزارة الزراعة العراقية التأثير المهم والإيجابي لتدخلات المنظمة على إنتاج الأعلاف المحلية، قامت بتشجيع إنشاء برنامج يهدف إلى تعزيز إنتاج البذور والأعلاف محلياً. وهذه الشراكة بين المنظمة والوزارة ما هي إلا تأكيد على الإرث الدائم لمبادرات المنظمة التي تؤدي ليس فقط إلى تحويل سبل العيش على المستوى الشعبي، بل تحفز أيضاً على ادخال تغييرات منهجية أوسع في الممارسات والسياسات الزراعية. 

وبفضل الدعم المستمر الذي تقدمه المنظمة، والتزام أصحاب المصلحة المحليين، فقد أصبحت هذه الرحلة نحو تعزيز القدرة على الصمود في الزراعة في جنوب العراق، رحلة أمل وابتكار وتقدم مستدام. ومعاً نسير قدماً نحو مستقبل تزدهر فيه المجتمعات في انسجام مع بيئتها للمحافظة على سبل العيش والنظم البيئية للأجيال القادمة.