كوفيد-19: مجتمعاتنا الأكثر جوعاً وضعفاً تواجه "أزمة مضاعفة"

في البلدان التي تعاني أنظمتها الطبية من نقص الموارد، يمكن أن تتفاقم الأزمة الصحية بسبب أزمة الجوع وفقدان سبل العيش ما لم نقدم لها يد العون الآن

يسعى المزارعون إلى منع سرب من الجراد الصحراوي من التغذية على محاصيلهم، كينيا.

©Photo: ©FAO/Sven Torfinn

07/04/2020

في هذه المقابلة، يشرح دومينيك بيرجيون، مدير إدارة حالات الطوارئ وإعادة التأهيل ومسؤول البرنامج الاستراتيجي لبناء القدرة على الصمود في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، التحديات الخاصة التي يطرحها كوفيد-19 في المجتمعات الضعيفة التي تواجه حالياً مستويات عالية من الجوع بسبب الأزمات التي تعاني منها بالفعل - وكيف تستعد الفاو للمساعدة.

ما هي المجتمعات الأشد عرضة للتأثر بتداعيات الجائحة المحتملة على الأمن الغذائي وسبل العيش؟

حتى قبل جائحة كوفيد-19، فإن 135 مليون شخص على هذا الكوكب يعانون من انعدام الأمن الغذائي  بسبب الصدمات أو الأزمات التي تعاني منها مجتمعاتهم بالفعل. وهذا يعني أنهم على شفير الجوع، أي أنهم في حالة ضعف، وأقل استعداداً للتصدي للفيروس.

تعيش الغالبية العظمى من هؤلاء في المناطق الريفية، ويعتمدون على الإنتاج الزراعي، والوظائف الموسمية في الزراعة وصيد الأسماك أو الرعي. وفي حال إصابتهم بالمرض، أو تقييد حركتهم نتيجة القيود المفروضة على الحركة أو النشاط، فسيُمنعون من العمل في أراضيهم، أو رعاية حيواناتهم، أو الذهاب إلى الصيد، أو الوصول إلى الأسواق لبيع المنتجات أو شراء الطعام أو الحصول على البذور والإمدادات.

هؤلاء الناس لا يمتلكون سوى القليل الذي يمكن ان يعتمدوا عليه من الناحية المادية. وقد يجدون أنفسهم مجبرين على التخلي عن مصادر رزقهم. وما أعنيه بذلك، أنهم قد يضطرون إلى بيع حيواناتهم أو قوارب صيدهم من أجل الحصول على المال، أو أكل جميع بذورهم بدلاً من حفظ بعضها لإعادة زراعتها. وبمجرد أن تقوم أسرة زراعية ريفية بذلك، سيصبح من الصعب عليها للغاية أن تعتمد على نفسها مرة أخرى. وقد لا يكون لدى بعضها خيار سوى ترك مزارعهم بحثاً عن المساعدة.

هل حدث شيء كهذا من قبل؟

هناك بعض أوجه التشابه مع تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا عام 2014، والذي أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد في السوق الزراعية، وعدم تمكن العديد من المزارعين من زراعة أو بيع محاصيلهم. وأثر ذلك، بالإضافة إلى نقص العمالة الزراعية، على إنتاج الغذاء. ففي ليبيريا، لم يتمكن 47 في المائة من المزارعين من ممارسة الزراعة. وأدت القيود وإغلاق الأسواق إلى تعطيل تدفق المواد الغذائية وضروريات الحياة. وأدى النقص في السلع إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وكان من أهم أسباب التأثر الغذائي انخفاض القدرة على الوصول إلى الغذاء، مدفوعاً بانخفاض النشاط الاقتصادي الذي قلل من القوة الشرائية للأسر.

وبالنتيجة، أصيب الناس بالجوع. لذلك فإن الدروس المستفادة من تفشي مرض فيروس إيبولا في عام 2014 واضحة وهي أنه رغم أن الاحتياجات الصحية تشكل مصدر قلق ملح وأساسي، لا يمكننا إهمال سبل العيش أو جوانب الأمن الغذائي.

بالإضافة إلى هذا، عندما تتعطل سبل عيش السكان، يمكن أن يشعل ذلك التوترات والاضطرابات الاجتماعية.

كيف ذلك؟

حسناً، إذا تعطلت سلاسل الإمداد الغذائي وانقطعت سبل العيش، فمن المرجح أن يترك السكان الضعفاء سبل عيشهم وينتقلون إلى مناطق أخرى طلباً للمساعدة، كما قد يفعل أي منا، مع ما يصاحب ذلك من عواقب غير مقصودة تتمثل في احتمال زيادة انتشار الفيروس، وربما اندلاع توترات اجتماعية حادة.

وبالنسبة للرعاة، فقد يؤدي تعطيل مسارات الرعي التقليدية إلى توترات وحتى صراعات عنيفة بين المجتمعات المقيمة والمجتمعات الرعوية، مما يؤدي إلى النزوح المحلي وزيادة مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

أين يعيش السكان الأكثر عرضة للخطر؟

على سبيل المثال، في إثيوبيا وكينيا والصومال، وجد نحو 12 مليون شخص أنفسهم يعيشون ظروفاً قاسية نتيجة الجفاف الشديد المطوّل والمحاصيل الفاشلة المتتالية قبل أن تهاجم جحافل الجراد الصحراوي محاصيلهم ومراعيهم في أواخر ديسمبر/كانون الأول وأوائل يناير/كانون الثاني.

وفي أفريقيا، نشعر بالقلق أيضاً حيال الأزمات الغذائية في الساحل وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، على سبيل المثال لا الحصر. ولكن لا توجد قارة آمنة. فمن أفغانستان إلى هايتي ومن سوريا إلى ميانمار، يهدد كوفيد-19 بمفاقمة تأثير النزاعات والكوارث الطبيعية.

سنعمل في جميع الأماكن التي تحتاج مساعدتنا، ولكن استراتيجية الاستجابة لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ستمنح الأولوية للبلدان التي تواجه مسبقاً أزمات غذائية، استناداً إلى التقرير العالمي حول الأزمات الغذائية. وسيتكيف عملنا بحسب تطور الجائحة التي قد تسبب تزايد الاحتياجات في بلدان لا تعاني أي أزمات حالياً ولكنها معرضة بشدة لصدمة جديدة.

هل بدأت تأثيرات كوفيد-19 تظهر على الأمن الغذائي وسبل العيش في هذه المناطق؟

إن فهم البعد الصحي لهذه الجائحة هو من اختصاص منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الزميلة التي تعمل دون كلل أو ملل للتوصل إلى فهم أفضل في هذا المجال.

أما بالنسبة للفاو فإنها تركز على خطر أن يؤدي زيادة عدد الإصابات في الدول الضعيفة بين السكان الذي يعانون بالفعل من سوء التغذية والضعف والتعرض للمرض، إلى ظهور "ازمة مضاعفة" تفاقم فيها أزمة الجوع الأزمة الصحية. وسينتج عن ذلك دائرة مغلقة يصبح فيها الناس أكثر ضعفاً وأكثر عرضة للإصابة بالفيروس.

وفي كل يوم يتم الإبلاغ عن حالات جديدة في جميع البلدان التي نشعر بالقلق إزاءها. لذلك، فإن الحصول على فهم أفضل لتأثير المرض على الأمن الغذائي هو أولوية قصوى كي نتمكن من تطبيق الاستجابات الصحيحة وأن نستهدف تلك البلدان بسرعة لتلبية الاحتياجات.

هلا اخبرتنا المزيد عن الكيفية التي تخطط بها الفاو للاستجابة؟

نتجه حالياً لمواصلة برامج المنظمة لإنقاذ سبل العيش المهمة ثم توسيع نطاقها في البلدان التي تواجه أزمات طويلة الأمد أو مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي. وأطلقت منظومة الأمم المتحدة في 25 مارس/آذار نداء إنسانياً موحداً طلبت فيه الفاو من الدول المانحة 110 ملايين دولار لحماية الأمن الغذائي لسكان الريف الضعفاء.

وبالإضافة إلى تحسين جمع البيانات وتحليلها لتوجيه عملية صنع القرار، سنعمل على تحقيق الاستقرار في الدخل والوصول إلى الغذاء، بالإضافة إلى الحفاظ على سبل العيش. ويعني هذا تزويد صغار المزارعين والرعاة بالبذور والأدوات والأعلاف وغيرها من المدخلات، إلى جانب دعم صحة الحيوانات، حتى يتمكن هؤلاء من الاستمرار في إنتاج الغذاء لعائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية وتوليد الدخل. وسنقوم أيضاً بتوزيع البذار، ومجموعات البستنة المنزلية، وأنظمة تخزين الطعام، والدواجن وغيرها من المخزونات الصغيرة لتحسين التغذية المنزلية وتنويع الدخول. وسيتم القيام بأنشطة مماثلة في مخيمات اللاجئين والنازحين.

وستكون خطط الحماية الاجتماعية أداة في غاية الأهمية. ونحن نتشارك مع الحكومات والمنظمات المحلية وغيرها للنظر في الطرق التي يمكننا من خلالها توسيع نطاق الأنظمة الحالية، لا سيما في المناطق الريفية التي يصعب الوصول إليها. وتتمثل إحدى الطرق الرئيسية لتحقيق الاستقرار في القوة الشرائية للعائلات في ضخ النقود، حتى يتمكنوا من تلبية الاحتياجات المنزلية الأساسية دون بيع أصولهم.

وسنعمل كذلك على ضمان استمرارية سلسلة الإمداد الغذائي، بما في ذلك بين المناطق الريفية وشبه الحضرية والحضرية، من خلال دعم عمل أسواق الأغذية المحلية وسلاسل القيمة والأنظمة عبر نشاطات مختلفة.

وسنساعد في ضمان حماية الأشخاص على طول سلسلة الإمداد الغذائي من خطر انتقال كوفيد-19، من خلال رفع مستوى الوعي حول سلامة الأغذية والممارسات الصحية الفضلى. وفي سياق هذه الجهود، سنتعاون مع السلطات الوطنية ومنظمة الصحة العالمية، كما فعلنا في أزمة إيبولا.

كيف ستتمكن الفاو من إيصال المساعدات رغم القيود على السفر وغيرها من القيود؟

يمكن للتباطؤ أو الانخفاض في وتيرة إيصال المساعدات الإنسانية أن يكون كارثياً في الأزمات. لكن المجتمع الإنساني يتكيف بسرعة. ونحن نعمل حالياً بشكل وثيق مع شركاء الأمم المتحدة على المستوى القطري لضمان استمرار الأعمال والتخطيط للبرامج الحساسة. وتتشاور المكاتب القطرية للفاو مع شركاء محليين عملنا معهم لسنوات، وهم على معرفة وارتباط وثيقين بالمجتمعات التي نخدمها، ويجري تكييف الترتيبات التعاقدية المرنة لدمج القنوات اللوجستية لتوصيل المساعدات، وتقليل تعرض الموظفين والمستفيدين للمرض. ونتطلع أيضاً إلى الشراء المسبق للمدخلات (مثل البذور والأدوات) والتخزين المسبق لها، ودمج حزم المدخلات لتغطية الاحتياجات على المدى الطويل، وزيادة قدرات التخزين واللوجستيات.

تعاني العديد من الدول الغنية من انتشار كوفيد-19. هل سيؤثر ذلك على تمويل العمل الإنساني؟

إن هذا مصدر قلق مشروع. لكن هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن هذا لن يحدث. فالمانحون يستجيبون لنداء الأمم المتحدة، وتتعهد الدول بتقديم الدعم للدول الأخرى، رغم الصعوبات التي تواجهها. ونحن واثقون من أن هذه ستكون القاعدة وليس الاستثناء.

ولعل أحد الجوانب المشرقة لهذه الجائحة هو الإدراك المشترك بأننا جميعاً في مواجهة هذه المحنة معاً. وعلى الرغم من تركيزنا جميعاً- وهو أمر مفهوم - على ضمان رفاه عائلاتنا وجيراننا ودولنا، فقد أدركنا أيضاً أن هذا الفيروس لا يحترم الحدود. فإذا تغلبنا عليه في العالم المتقدم، ولكن سمحنا له بالانتشار في البلدان ذات الموارد الأقل التي تكافح أنظمتها الطبية للتكيف، وحيث يعاني الناس بالفعل من الجوع وهم أقل قدرة على تحمل المرض، فسوف يعود هذا الفيروس ليطاردنا جميعاً.

لماذا يجب أن تذهب الموارد إلى سبل العيش الزراعية والنظم الغذائية، بدلاً من المستشفيات؟

مما لا شك فيه أن الجانب المتعلق بالصحة الإنسانية مهم جداً، إلا أن المخاوف التي نشير إليها، والعمل الذي نهدف إلى القيام به سيكون حاسماً لتجاوز هذه المحنة وتخطيها دون حدوث مأساة إنسانية إضافية لا داعي لها. يجب ألا ننسى أن لدينا أكثر من 135 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهذا يعني أن هؤلاء الناس ضعفاء للغاية، وأن صدمة أخرى يمكن أن تدفعهم ليكونوا أقرب إلى المجاعة.

علاوة على ذلك، إذا سمحنا بأن تضيع سبل عيش الناس نتيجة لهذه الجائحة، فإننا سنواجه مشاكل كبيرة بمجرد أن تتلاشى أزمة الصحة الإنسانية. إن حماية وإدامة سبل العيش الآن هو أكثر إنسانية وأكثر ذكاءً استراتيجياً، من إعادة بنائها لاحقاً.

للاتصال

المكتب الإعلامي للمنظمة (روما) 0039657053625 [email protected]