Food and Agriculture Organization of the United NationsFood and Agriculture Organization of the United Nations

تراث زراعي لاذع: يحمل الوسابي بين ثناياه أكثر ممّا نتصور


كيف يستخدم المزارعون اليابانيون الأساليب التقليدية لزراعة البهار المحبوب جدًا

Share on Facebook Share on X Share on Linkedin

يستخدم مزارعو الوسابي في شيزوكا، في اليابان، أساليب شبيهة لتلك التي كان يعتمدها آباؤهم وأجدادهم من قبلهم، فالزراعة المستدامة تعتبر هنا جزءًا من تراثهم. © جمعية شيزوكا وسابي للنهوض بنظم التراث الزراعي المهمة

01/04/2021

ظلّ الوسابي (Eutrema japonicum)، بفضل ما يتّسم به من لون أخضر مميز ونكهة لاذعة وحارة، يحظى بقيمة كبيرة في اليابان لقرون عدة. فقد أماطت أعمال مكتوبة اللثام عن أن الرهبان البوذيين كانوا يتناولون "حساء الوسابي البارد" منذ القرن الثاني عشر. وبحلول القرن الرابع عشر، بدأوا يتناولون الساشيمي مغطى بخلّ الوسابي، ومذاك بدأ الوسابي يشق طريقه في وجبات العامة من الناس. واليوم، بات يستهلك في مختلف أصقاع الأرض.

والجدير بالذكر أن نبات الوسابي الأصلي ينحدر من منطقة شيزوكا في اليابان، حيث بدأت زراعته قبل 400 سنة تقريبًا. ومنذ ذلك الحين، ظلّ مزارعو الوسابي يجوّدون أساليب إنتاجهم التي بلغت ذروتها في النظام المذهل الذي يستفيد
إلى أقصى حد من الموارد الطبيعية التي تنعم بها المنطقة لإيجاد أسلوب الزراعة العملي المستدام المعتمد اليوم.
وفي عام 2018، اعتبرت المنظمة، اعترافًا منها بما تتمتع به المنطقة من تقاليد زراعية وأهمية ثقافية، مزارع الوسابي في منطقة شيزوكا من نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية.

مشروع أسري

Kichie Shioya هو مزارع من مزراعي الوسابي في شيزوكا، تمامًا كما كان والده وجدّه وجدّه الأكبر قبله. إنه مشروع أسري يتوارث أبًا عن جدّ. واليوم، أصبح مدير اتحاد نقابة الوسابي في شيزوكا وملمًا جدًا بخصوصيات النظام
الذي يجعل زراعة الوسابي ذات طابع خاص للغاية.

ويوضّح Kichie قائلًا "إن الوسابي نبات ذو طابع خاص. إذ يحتمل أن تتعرض جذوره للتعفن في حال أصبحت المياه موحلة. لذلك، يجب أن تحتوي المياه على الدوام على كميات كبيرة من الأكسجين".

ولهذا السبب، يعتبر تنظيم المياه جزءًا حاسم الأهمية من النظام الزراعي في شيزوكا. وتجدر الإشارة إلى زراعة الأراضي تتم على طريقة تاتامييشي (Tatamiishi التي طُورت في أواخر القرن التاسع عشر. وطبقًا لهذه الطريقة، تُحوَّل الأراضي المنحدرة إلى سلسلة من المدرجات والصخور الكبيرة والحجارة والرمال التي تشكل مصفاة طبيعية للكميات الكبيرة جدًا من مياه الينابيع التي تتدفق فوق حقول الوسابي. وتسمح طريقة تاتامييشي للمياه بدخول التربة دون ركود، مما يؤدي بشكل طبيعي إلى تنظيم تدفق المياه وتصريف الفائض منها. وتجدر الإشارة إلى أن مياه الينابيع الوفيرة التي تزخر بها المنطقة مستقرة عند قرابة 13 درجة مئوية على مدار السنة، مما يسفر عن تسخين الوسابي أو تبريده لإبقائه عند درجة حرارة ملائمة لنموه.

ويعرب Kichie قائلًا "تتدفق المياه إلى أسفل وتتسرب إلى التربة التي يزرع فيها الوسابي، مما يسمح بامتصاص المياه الصافية. وشيئًا فشيئًا، تصبح المياه أكثر صفاءً. ونظرًا إلى أنه يوجد في منطقتنا الكثير من أحجار الخفاف المصنوعة
من الرماد البركاني التي تمتص المياه بشكل جيد، فإن المياه الجوفية وفيرة".

يزرع الوسابي في المنطقة على طريقة تاتامييشي التقليدية التي تتمتع بنظامها البارع لإدارة المياه. ©جمعية شيزوكا واسابي للنهوض بنظم التراث الزراعي المهمة

الحماية من الكوارث الطبيعية

منطقة شيزوكا منطقة تتعرض للكوارث الطبيعية، وهو ما ألحق أضرارًا بمزارعي الوسابي لعقود من الزمان. فقد شهد عام 1958 أعاصير خلّفت وراءها دمارًا كبيرًا، أتت على الأخضر واليابس، ولم يسلم من دمارها سوى خمسة بالمائة فحسب من محاصيل حقول الوسابي. وشكّل ذلك نقطة تحوّل وأدّى إلى إعادة بناء النظام الزراعي برمته لجعله أكثر قدرة
على الصمود أمام أضرار الفيضانات في المستقبل.

وتمكّن القطاع، منذ ذلك الحين، من استرداد عافيته ببطء، واتخذ إجراءات حيوية للاحتماء من الأحوال الجوية القاسية. فقد تم بناء مسارات للمياه وإنشاء بنية تحتية على ضفاف الأنهار. ويساعد نظام تنظيم المياه الطبيعية
على طريقة تاتامييشي أيضًا على زيادة قدرة صمود نبات الوسابي أمام الفيضانات والأحوال الجوية السيئة من خلال الحدّ من تدفق المياه. وتعتبر هذه العمليات الوقائية لإدارة المياه من أهم أجزاء زراعة الوسابي. 

وثمة خطر طبيعي آخر تتعرض له زراعة الوسابي يتمثل في ارتفاع درجات الحرارة جراء تغير المناخ. إذ يجب حماية نبات الوسابي من أشعة الشمس المباشرة خلال الفترة الممتدة بين فصل الربيع وفصل الخريف. وتحقيقًا لهذ الغاية، تزرع أشجار النغت (Alder) لشرق آسيا التي يعود موطنها إلى هذه المنطقة في حقول الوسابي لخلق الظلّ.

ويصرّح Kichie قائلًا "يشكل الاحترار العالمي أحد التحديات التي تعترض سبيلنا. ففصول الصيف الحارة جدًا تلحق أضررًا أكبر بإنتاجنا. ويتطلب نمو الوسابي سنة ونصف السنة تقريبًا. ويتعين علينا توخي أقصى درجات الحذر- خاصة
في المرحلة المبكرة من زارعة النبات- لكي لا يتعرض لهجوم الآفات أو يتضرر من الحرارة وأشعة الشمس القوية".

ويحترم مزارعو الوسابي النظام الإيكولوجي برمته، ويدركون أن كلّ جزء، من الأشجار إلى التنوع البيولوجي في المنطقة، يؤدي دورًا في حماية نبات الوسابي. وواقع الأمر أن النظام الزراعي التقليدي هو موئل طبيعي للكثير من أنواع الحيوانات والنباتات المستوطنة.

ويشير Kichie قائلًا "إن استخدام مبيدات الآفات محدود للغاية لأنها تتسرب إلى المياه التي تتدفق في الأنهار المحلية. ولهذا، فأنا فخور بالطبيعة الغنية التي تزخر بها منطقتنا، إضافة إلى المياه النظيفة وذات الجودة العالية. فنحن لدينا الكثير من الحشرات والأسماك. وستجدون أيضًا يراعات".

يقوم المزارعون بحماية نبات الوسابي من أشعة الشمس ودرجة الحرارة الزائدة عن طريق زرع أشجار النغت (Alder) التي توفر ظلًا طبيعيًا. © جمعية شيزوكا واسابي للنهوض بنظم التراث الزراعي المهمة

التكيف مع الأوضاع الجديدة

لقد كان وقع جائحة كوفيد-19 أشدّ على الكثيرين في القطاع الزراعي. والأمر ذاته ينسحب على قطاع الوسابي.

ويوضّح Kichie قائلًا "بعد أن اعتبرت منطقة شيزوكا من نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، شهد الطلب زيادة، ونحن نعرب عن امتنانا لذلك. غير أن جائحة كوفيد-19 أثرت بشكل كبير على قطاع الأغذية، وسجلت مبيعات الوسابي للشركات الكبرى، التي تعد بالنسبة إلينا العملاء الرئيسيين للوسابي الحقيقي، تراجعًا كبيرًا".

وفي ظلّ إغلاق المطاعم، قام مزارعو الوسابي بتوجيه مبيعاتهم نحو كبار تجار البيع بالتجزئة ومحلات السوبر ماركت، وكلهم أمل في الوصول إلى عدد أكبر من الخواص.

"فقد قمنا بالتكيف مع الوضع السائد من خلال تحويل المبيعات إلى كبار تجار البيع بالتجزئة نظرًا إلى ارتفاع إنفاق فرادى المستهلكين، إلى حدّ ما".

ومهما كان التحدي الماثل، سواء أتعلق الأمر بالاحترار العالمي أو بجائحة من الجائحات، فإن مزارعي الوسابي في شيزوكا يتمتعون بقدرة رائعة على تكييف نظمهم والاستمرار في كسب عيشهم.

ويفتخر المنتجون بحقول الوسابي التي يملكونها ويعتبرونها إرثًا لا يقدر بثمن موروثًا عن أجدادهم. وإن تقنيات زراعة الوسابي ضاربة بجذورها في تاريخ المجتمع المحلي، والمزارعون يعملون جنبًا إلى جنب للحفاظ على سلامتها. وبفضل مبادرة نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، تحظى مواقع، مثل منطقة شيزوكا التي تنتج الوسابي، بالاعتراف والدعم حتى تستمر هذه الأساليب الزراعية الفريدة من نوعها ليس فقط في الانتقال من خلال الأسر ولكن أيضًا في تشكيل نموذج يحتذي به الآخرون.

روابط تتعلق بالموضوع

للمزيد من المعلومات:

الموقع الإلكتروني: نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية: زراعة الوسابي التقليدية في شيزوكا، اليابان

قصة: حان الوقت الآن لإصلاح نظمنا الإيكولوجية!