Food and Agriculture Organization of the United NationsFood and Agriculture Organization of the United Nations
AR

الأعمال التجارية المراعية للبيئة من أجل التنوع البيولوجي والعمل المناخي


ساحل المحيط الهادئ في كولومبيا: نقطة التقاء بين الطبيعة والسلام والثقافة

Share on Facebook Share on X Share on Linkedin

تعمل منظمة الأغذية والزراعة على تعزيز فهم الترابط بين التنوع الثقافي والبيولوجي من خلال مشروع Pacífico Biocultural المموّل من مرفق البيئة العالمية. ©FAO/Felipe Rodríguez

21/11/2024

عند بزوغ الفجر، تغادر السيدة Magnolia Ordoñez على متن قارب صغير يقوده زوجها، القبطان، برفقة زميلاتها وجميعهن من النساء. وتتمثل مهمتهن في العثور على المحار من صنف pianguas وجمعه، وهو نوع من محار المياه المالحة الذي يعيش مغمورًا داخل جذور أشجار المانغروف في منطقة المحيط الهادئ في كولومبيا.

وليس الوصول إلى المحار من صنف pianguas بالأمر الهيّن؛ إذ يجب عليهم أن يعثروا أولًا على المكان المناسب لإرساء القارب، والذي يجب أن يكون دائمًا مختلفًا عن آخر مكان جمعوا منه المحار لضمان استدامة الأنواع. ثمّ تقفز السيدة Magnolia من القارب وتتسلّق جدارًا من الطين وتتقدّم قدر الإمكان داخل غابة المانغروف، قافزة بين الجذور الطويلة شاقّة طريقها بينها. وها هي تُشعل البخور لإبعاد البعوض وتأخذ بعض الوقت لتُغنّي لأشجار المانغروف، شاكرة إيّاها على الغذاء الذي توفره. ثم تخوض في الوحل الذي يتجاوز ركبتيها أحيانًا لاستخراج المحار بعناية. وهي تتحقق من حجم كلّ قطعة محار وتأخذ الناضجة منها فقط. وتُمثّل هذه العملية التي تتطلب جهدًا مكثّفًا سباقًا ضدّ ارتفاع المدّ.

وبعد ساعات من الحصاد الشاق، تعود السيدة Magnolia إلى الشاطئ. لقد حان الوقت لتنظيف المحار، وترك جزء منه لبيعه في السوق وتسليم ما تبقى لأخواتها في المطبخ.

ويشتهر المحار من صنف pianguas بطعمه الفريد ويُستخدم في مجموعة متنوعة من الوصفات التقليدية، مثل السيفيتشي وحساء جوز الهند وأطباق الأرزّ. وهو يُعتبر من الأطعمة المميزة في المنطقة ويحظى بتقدير سائر المناطق في كولومبيا. ولا يُهدر أيّ جزء منه: فحتى الأصداف تُستخدم لصنع الحرف اليدوية.

وتُقدّم هذه الأطباق بعد طهيها في المطاعم المجتمعية، ما يُشكّل سلسلة عمل قائمة على النساء. فهنّ جزء من جمعية Raíces del Manglar (جذور المانغروف)، وجميعهن من ضحايا الصراع الذي شهدته كولومبيا لأكثر من 50 عامًا.

وكما تقول السيدة Magnolia: إنّ البحر وأشجار المانغروف هي عماد حياتنا. فمنها نستمدّ غذاءنا، ويجب أن نعتني بها لأنها تعتني بنا. ونحن جميعًا مرتبطون بها وبالكائنات التي تأوِيها".

وتُعدّ جمعيتها إحدى الأعمال التجارية والمبادرات الأربعين المراعية للبيئة التي تدعمها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ووزارة البيئة والتنمية المستدامة في كولومبيا والشركاء، من خلال مشروع Pacífico Biocultural المموّل من مرفق البيئة العالمية.

ويعمل هذا المشروع على الحفاظ على التنوع البيولوجي والممارسات التي تتميّز بها منطقة المحيط الهادئ في كولومبيا من خلال تمكين المجتمعات المحلية ودعم الحوكمة البيئية في المناطق المحمية. ومن خلال مبادرات الاستصلاح والتدريب وبناء القدرات وتوفير الموارد وتبادل المعارف، تقوم منظمة الأغذية والزراعة وشركاؤها بحماية البيئة وبناء سبل العيش القادرة على الصمود، مع الإقرار في الوقت نفسه بالترابط الوثيق بين الطبيعة والثقافة في منطقة المحيط الهادئ في كولومبيا.

وتتجلّى هذه الصلة بشكل خاص في ساحل المحيط الهادئ في كولومبيا حيث تلتقي الغابات المطيرة الزمرّديّة بشواطئ الرمل السوداء، وحيث يزخر كلّ من السماء والبحر بالحياة، من الطيور المهيبة إلى مصبّات الأنهار الجارية. ولا تأوِي أشجار المانغروف المتشابكة حول الجزر الصغيرة فقط المحار من صنف pianguas، بل أيضًا أنواعًا مختلفة من مصادر الأغذية المهمة تجاريًا وتغذويًا، مثل الأسماك وسرطان البحر والرخويات الأخرى.

وتُؤدي هذه السواحل ذات المناظر البريّة دورًا حاسمًا في مكافحة تغير المناخ، فضلًا عن جمالها الخلاب. إذ تحتجز الغابات وأشجار المانغروف الشاسعة الكربون وتحمي السواحل من التآكل بفعل المياه. وهي أيضًا منطقة ذات تراث ثقافي رائع، وموطن لمجتمعات منحدرة من أفريقيا ومن السكان الأصليين، والتي تعكس تقاليدها ارتباطًا عميقًا بالأرض. ومع ذلك، تواجه هذه المجتمعات المحلية تحديات مستمرة بسبب الفقر والنزاعات والأنشطة غير القانونية الت يتهدد كلّها نمط حياتها وسلامة النظام الإيكولوجي.

ويوضح السيد Feder Angulo، وهو منسّق مشروع تابع لمنظمة الأغذية والزراعة في نارينيو في كولومبيا: "تعمل المجتمعات المنحدرة من أصول أفريقية ومن السكان الأصليين والمجتمعات الريفية معنا بشكل فاعل لحماية البيئة واستصلاحها وتعزيز الحوكمة المحلية. وهذا العمل بالغ الأهمية لبناء السلام، وهو مبدأ جوهري من مبادئ المشروع. والسلام لا يعني إلقاء الأسلحة فحسب، بل يعني أيضًا أن يشعر الأشخاص بالأمن والأمان وبالقدرة على بناء حياة أفضل".

AR
AR

يتم جمع بذور أشجار المانغروف وزراعتها في مشاتل في القرى، ثم تُنقل بالقوارب إلى المواقع التي يتعين استصلاحها بعد إزالة الغابات غير القانونية أو الكوارث الطبيعية. ©FAO/Felipe Rodriguez

ردّ الجميل إلى أشجار المانغروف

يدعم المشروع هذه المجتمعات المحلية لاستصلاح أكثر من 240 هكتارًا من الغابات، ولا سيما أشجار المانغروف، وذلك بقيادة المجلس البلدي لمنطقتي باخو ميرا وفرونتيرا ومجتمع Resguardo El Gran Sábalo.

وتتصدّى تلك المجتمعات المحلية للتحدي المشترك المتمثّل في فقدان أشجار المانغروف. فسنوات الاستغلال والتأثير المتزايد لتغير المناخ يؤديان إلى تدهور أشجار المانغروف التي تُعتبر الحارس الحيوي للسواحل. ويدعم مشروع Pacífico Biocultural هذه الجهات لزيادة الوعي بهذه التهديدات ويُقدّم التدريب في مجال بناء القدرات ويُوفّر الحوافز لأنشطة التشجير.

ويقول السيد Angulo: "إنها بداية مسيرة ذاتية طويلة لاستصلاح أشجار المانغروف باستخدام الأنواع المحلية. وتُساهم أشجار المانغروف الحمراء، أو أشجار المانغروف الأطلسية (mora oleifera)، في تحقيق الأمن الغذائي وإدرار الدخل والحفاظ على أشكال الحياة".

وهذه هي الأنواع التي تبيّن أنّها الأكثر قدرة على تحمّل الفيضانات وتغير الملوحة على حدٍّ سواء، ما يجعلها أداة رئيسية للتكيف مع تغيّر المناخ أيضًا.

وتوضح السيدة Pamela Quiñones: "إنّ عملية الاستصلاح تُفيد مجتمعنا المحلي بشكل كبير. فقد قُطعت أشجار الغابات وتراجعت أعداد الحيوانات وتضاءلت سُبل العيش. ولم يعد بإمكاننا العثور على المحار من صنف pianguas كما في الماضي. وكلّما كانت أشجار المانغروف أكبر، كلّما شكّلت درعًا أقوى. فهي تمنع المياه من اجتياح منزلنا".

AR

باتت المجتمعات المحلية، التي تأثرت تاريخيًا بالصراع، متّحدة الآن من خلال الإشراف على ممر لمراقبة الطيور. وهي تعمل على تعزيز السياحة الطبيعية وسبل العيش القائمة على المجتمعات المحلية. ©FAO/Felipe Rodríguez

بناء السلام من خلال الأعمال التجارية المراعية للبيئة

يدعم مشروع Pacífico Biocultural أيضًا المجتمعات المحلية لبناء السلام من خلال الأعمال التجارية المراعية للبيئة والجهود المستدامة، مثل مراقبة الطيور والسياحة الطبيعية. ويربط ممر مراقبة الطيور Bird-Mi ستة مجتمعات محلية وهو يمتدّ من سفوح جبال الأنديز إلى ساحل توماكو.

وفي إطار هذا الممر، يعمل السكان الأصليون آوا (Awá) الذين ينتمون إلى مجتمع Resguardo El Gran Sábalo على تعزيز الرصد البيئي وقاموا باستحداث المحمية الطبيعية "La Nutria" حيث يستقطب أكثر من 420 نوعًا من أنواع الطيور الزوّار وعشّاق الطيور، فيعزز نجاح المحمية هذا التنوع البيولوجي الثريّ لهذا الممر.

وفي المنطقة المجاورة، يتألّف مجتمع El Pinde المتعدد الأعراق في الغالب من الأمهات العازبات اللاتي فقدن أزواجهنّ بفعل الصراع. ويعمل السكان على استصلاح ضفاف النهر ومساراته الطبيعية لاستقطاب مجموعة متنوعة من أشكال الحياة البرية وتعزيز ممر رصد الطيور Bird-Mi. ويوفر استصلاح ضفاف النهر سبل عيش بديلة ويعزز عملية بناء السلام من خلال السياحة الطبيعية القائمة على المجتمعات المحلية.

وفي الوقت نفسه، في إطار المشروع التجاري المراعي للبيئة Procacao Tumatay، يتم تحويل أراضي زراعة الكاكاو السابقة التي ساهمت في الأنشطة غير المشروعة إلى حقول للكاكاو تدعم سبل العيش الزراعية. ويقوم المزارعون بزراعة الكاكاو وتوسيع سلسلة القيمة الخاصة به من خلال تجهيز منتجات الشوكولاتة العالية الجودة وتسويقها.

وتعمل كلّ هذه المبادرات، التي استفادت من التدريب في مجال بناء القدرات ومن الدعم الإداري والمالي من مشروع Pacífico Biocultural، على تمكين المجتمعات المحلية وتعزيز السلام وتحقيق الاستقرار الاقتصادي من أجل بناء مستقبل أفضل للإقليم ولكوكب الأرض.

هذه القصة هي جزء من سلسلة من ثلاثة أجزاء عن المناخ والتنوع البيولوجي والحلول الخاصة بالأراضي في كولومبيا. من المناظر الطبيعية القاحلة في لا غواخيرا حيث يدعم برنامج SCALA التابع لمنظمة الأغذية والزراعة القدرة على التكيف مع المناخ والأمن الغذائي إلى غابات الأمازون المطيرة الخصبة، حيث يتصدى مشروع صندوق المناخ الأخضر التابع لمنظمة الأغذية والزراعة لإزالة الغابات

روابط تتعلق بالموضوع

للمزيد من المعلومات: