الفاو في سورية

تدريب نبتة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة يشجّع رؤى على نشر أفكار صديقة للبيئة في ريف الحسكة

صورة من الأرشيف
20/10/2022

"أنا اخترت إنتاج سماد الكومبوست لأنني أحب الزراعة العضوية، والأثر الإيجابي الذي تصنعه في بيئتنا." رؤى حميد، رائدة أعمال شابة من محافظة الحسكة.

قد تكون رحلة رؤى في عالم ريادة الأعمال حديثةً نسبياً، لكنّ المشروع الذي قامت بتأسيسه قد أسفر عن أثر إيجابيّ يطال مجتمعها الريفيّ بأكمله، إذ استطاعت هذه الشابة المختصة بالهندسة الزراعية ذات 27 عاماً من تحويل مشروع إنتاج الكومبوست الذي أسسته إلى مبادرة اجتماعية فريدة.

تلقّت رؤى في عام 2021 الدعم والتدريب التخصصيّ فور انضمامها لبرنامج "نبتة"، برنامج ريادة الأعمال الزراعية لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وذلك إلى جانب 22 من أقرانها من الشباب الطموحين الذين تعرفواعلى مبادئ تأسيس الأعمال والتسويق وصناعة العلامة التجارية وتوليد الأفكار وغيرها، كما تلقّوا الدعم اللازم للإنطلاق بنجاح في عالم ريادة الأعمال الزراعية.

الجدير بالذكر أن منظمة الأغذية والزراعة قد دعمت حتى اليوم أكثر من 120 رائد أعمال في محافظات حمص وحلب ودرعا ودير الزور والحسكة عبر تقديم المنح لهم ، ودرّبت بالمجمل أكثر من 2000 شخص عن مبادئ ريادة الأعمال الزراعية. وتستمرّ المنظمة بتقديم التدريب في مواقع جديدة ضمن هذه المحافظات ليستفيد المزيد من الشباب من الدعم بعد تقديمهم لمقترحات مشاريع ناجحة.

الجود من الموجود

أولت رؤى اهتماماً بالبيئة واتجهت نحو إنتاج سماد الكومبوست، حيث أجرت رؤى قبل انضمامها لبرنامج "نبتة" تجربة ناجحة بإنتاجها كميات صغيرة من الكومبوست لم تتجاوز الـ 500 كغ، أثبتت بذلك  قدرتها على الإنتاج ضمن نطاق أوسع. انضمّت رؤى بعد ذلك إلى تدريب "نبتة" وتقدّمت في مراحله لتصبح في النهاية مؤهلة لتلقّي منحة البرنامج التي زوّدتها بألواح شمسية وخزانات وموازين حرارة، وغيرها من المعدّات اللازمة لإنتاج الكومبوست الجاف والسائل.

واجه المشروع بعض التحديات في البداية، فالمواد الأولية اللازمة لصناعة الكومبوست هي البقايا النباتية وروث الحيوانات، وخاصةً الأبقار، فعلى الرغم من إمكانية شراء البقايا النباتية ونشارة الخشب من المزارعين المحليين، إلا أن التقييم الأولي للمنطقة أوجدت أن الأهالي يعتمدون على  تربية الخراف بشكل أساسي، ما جعل تأمين روث الأبقار أمراً صعباً، فما كان منها إلا أن عملت على تكييف طريقة الإنتاج لتلائم استخدام روث الخراف عوضاً عن ذلك.

ومع تنامي زخم الإنتاج تمكّنت رؤى من توسيع فريق العمل ليضمّ أربعة عمال، وزيادة إنتاجها ليصل إلى حوالي 20 طن من سماد الكومبوست، ما يكفي لتسميد 10 إلى 20 هكتار من الأراضي الزراعية. على الرغم من كون رؤى المزوّد الوحيد للكومبوست في القرى المجاورة، إلا أن الطلب كان قليلاً في البداية، ولكنّ رؤى استجابت بسرعة لهذه الحاجة لترويج منتجاتها.

نشر ممارساتٍ صديقةٍ للبيئة

أبدى الجيل الأكبر من المزارعين تردداً في تقبل هذا الصنف الجديد من السماد لعدم اعتيادهم على استخداه لمزروعاتهم، ما أبطأ تسويقه في البداية. واجهت رؤى هذا التحدي لتسويق منتجها بروح مجتمعية مبادِرة عبر تنظيم جلسات أسبوعية لمناقشة فوائد استخدام الممارسات الزراعية الحديثة صديقة البيئة مع المزارعين المحليين، ولشرح التأثير الإيجابي لاستخدام الكومبوست على نمو النبات.

عمدت رؤى من خلال هذه الجلسات إلى نشر المعرفة بين المزارعين، كما ستنتقل هذه المعرفة عن طريقهم إلى العمال المُستقدمين للمساعدة في الحصاد والذين سيساهمون بدورهم في نشر هذه المعرفة. تقول رؤى: "أخذت زمام المبادرة لنشر ممارسات زراعية صديقة للبيئة من شأنها أن تساعد المزارعين في تحسين إنتاجهم باستخدام كومبوست صديق للبيئة. كما ستنتشر هذه المعلومات بين المزارعين والعمال الذين يتنقلون من مزرعة إلى أخرى للمساعدة، حاملين معهم المعارف التي شهدوها في المزارع الأخرى".

أثبتت الجلسات التعريفية نجاحها، حيث تلقّت رؤى طلبات لتقديمها في سبع قرىً أخرى، مع حضور لافت من المزارعين الذكور والإناث، الأمر الذي حفز رؤى لضم مهندسَين زراعيين للمساعدة في تقديم الجلسات، أحدهما كان من زملائها في تدريب نبتة.

شهدت الجلسات حضوراً من مختلف الأعمار، ما جعلها فرصة لتبادل المعارف بين الأجيال، يتعلّم ضمنها الشباب من خبرة الكبار في مكافحة الآفات الزراعية، ويعلّمونهم تقنيات الزراعة الحديثة كاستخدام الصواني لتنمية الشتول واستخدام سماد الكومبوست العضوي. بدأ أحد الحضور فعلاً باستخدام هذه الأساليب لزراعة البندورة (الطماطم) والخس بنجاح. وتأمل رؤى أن يجلب هذا النجاح الدعمَ لمبادرات مشابهة، حيث تقول: "آمل أن أتمكن من تأسيس مركز تدريبيّ وجعل هذه الجلسات متوفرةً للجميع".

التخطيط للمستقبل

زود برنامج "نبتة" المستفيدين الشباب بالمهارات وطرق تفكير مميزة تؤدي إلى النجاح والتأثير إيجاباً في المجتمع، الأمر الذي ينعكس بوضوح على طريقة إدارة رؤى لعملها، حيث تقول: "تعلمنا في برنامج "نبتة" قيادة مشاريعنا بنجاح والعمل الجماعي وأهمية إدارة الوقت والانضباط والعمل بمهنية وجدّية."

وقد أسّست رؤى سمعةً طيبةً كمزوّدٍ موثوق لمنتجاتها وتتلقّى الطلبات المستمرة لتزويد المزارعين بالكومبوست الجاف والسائل (شاي الكومبوست). إلا أنها لم تسمح لهذا النجاح بأن يدفعها للتراخي، وتعمل على الدوام لإدخال المزيد من التحسينات إلى مشروعها.

كما وتسعى رؤى، مع الدخول في دورة إنتاج جديدة، لشراء فرامة ومعالجة البقايا النباتية دون الاعتماد على الوسطاء اللازمين لتزويدها بهذه البقايا، لتوفّر بذلك التكاليف الإضافية. وتدلّ جميع المؤشرات أن رؤى على الطريق الصحيح لتحقيق النمو والنجاح على الصعيد الشخصي والمهني، والتأثير إيجاباً على حياتها ووضع عائلتها. كما وسيعكس هذا النجاح إيجاباً على مجتمعها بالكامل بفضل النشاط وحسّ المبادرة الكبير الذي تتحلى به.