الفاو في سورية

الريّ أولوية قصوى للزراعة

FAO/Mazen Haffar
02/02/2023

منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة تعيد مياه الري إلى 11 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في الرستن 

تسببت الأزمة على مدار 11 عاماً بأضرار جسيمة لأنظمة الري في الجمهورية العربية السورية، فقد على إثرها أكثر من نصف الأراضي المروية إمكانية الحصول على المياه. بلغت تكلفة الأضرار التي طالت الأنظمة والبنى التحتية للزراعة والريّ 3.2 مليار دولار أمريكي وفق تقييم أجرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في عام 2017، مع آثار سلبية مباشرة على أكثر من 60 بالمئة من المزارعين السوريين الذي يعتمدون على زراعة المحاصيل المروية.  يقول مايك روبسون، ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في الجمهورية العربية السورية: "يعدّ الريّ أولوية قصوى للزراعة، إذ تعاني الجمهورية العربية السورية من الإجهاد المائي، ويشكّل الريّ 85 بالمئة من استهلاك الماء فيها. لذا تعمل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع إعادة التأهيل لمنشآت الري، وتقدّم الدعم الفني والاستشاري لكافة الجهات المعنية. ونظراً لحاجة المزيد من الأراضي للمياه، هنالك حاجة للاستمرار بإعادة تأهيل أنظمة الري وتعريف المزارعين على تقنيات ري مستدامة وذات كفاءة وصديقة للبيئة".

نجح برنامج دعم صغر الحائزين التابع لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والمموَّل من الاتحاد الأوروبي في إعادة تأهيل شبكة الري في منطقة الرستن بريف حمص، ليعيد بذلك مياه الري إلى 11 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. وكان لذلك أثرُ إيجابيّ واضح في المنطقة، حيث انعكس بفائدة مباشرة على 20 ألف اسرة زراعية متوزعة ضمن 20 قرية، كما ساهم في استقرار الإنتاج الزراعي وتشجيع عودة العديد من العائلات النازحة إلى المنطقة.

وعملت المنظمة، منذ اكتمال أعمال إعادة التأهيل في عام 2020، على تنفيذ دراسة شاملة متعددة الأبعاد لتقييم آثار إعادة التأهيل على الزراعة والموارد الطبيعية والأوضاع الاجتماعية الاقتصادية في المجتمعات المستهدفة.

يقول وائل سيف، رئيس الفريق المسؤول عن الموارد المائية ومشاريع الري لدى المنظمة في الجمهورية العربية السورية، أن الدراسة أظهرت مدى تأثير المشروع على نوعية الحياة في منطقة الرستن، والتي تعدّ إحدى المناطق الزراعية الرئيسية في محافظة حمص، حيث يشرح آلية الدراسة قائلاً: "امتدّت الدراسة على موسمين زراعيين (موسم شتوي وآخر صيفي)، واستمدّت بياناتها من المقابلات والمجموعات المركّزة التي أجريت في المجتمعات المحلية، ومصادر المعلومات والخبراء الرئيسيين، بالإضافة إلى البيانات المستمدة من التحليلات على الأرض ومن أدوات الاستشعار عن بعد".

إنتاج أفضل

أتاح توفر مياه الري إمكانية زيادة المزارعين لمساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الصيفية في الرستن (ومنها دوار الشمس والذرة والسمسم والخضروات) بنسبة 23.9 بالمئة، ما زاد متوسط الإنتاج الكلي للخضار الصيفية من 357 كيلوغرام للدونم قبل إعادة التأهيل إلى 1090 كيلوغرام للدونم بعدها. كما قدّرت نتائج بيانات الاستشعار عن بعد زيادة مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الشتوية (ومنها القمح والشعير والبقوليات) بنسبة 20 بالمئة.

تمكّن المزارعون بعد عودة مياه الريّ من جسر الفجوة بين المحاصيل الصيفية والشتوية من خلال زراعة محاصيل مروية أخرى كدوار الشمس والبقول والبطاطا، والتي كانت اقتصرت زراعتها سابقاً على بعض المناطق التي تتوفر فيها مياه الري. أظهرت بيانات الاستشعار عن بعد زيادة مجمل إنتاج الكتلة الحيوية من 178 إلى 852 كيلوغرام للهكتار في الأراضي التي عادت إليها مياه الري، كما زاد مؤشر مساحة الأوراق بما يقارب الضعف من 0.25 متر مربع للمتر المربع إلى 0.45، ما يعكس تحسّناً في صحة النباتات وزيادة إجماليةً في الإنتاج.

توافقت زيادة الإنتاج أيضاً مع زيادة في إنتاجية المواشي، حيث أفاد المزارعون في العينة المدروسة بزيادة في إنتاجية الأبقار والأغنام والماعز بنسبة تراوحت بين 22 و29 بالمئة.

بيئة أفضل

أُجبر المزارعون في ظل النقص الحاصل في مياه الريّ في الرستن على استخراج المياه الجوفية من الآبار، مستخدمين مضخات تعمل على وقود الديزل، الأمر الذي كان له آثار سلبية على توفر المياه الجوفية للاستخدام المنزلي، فضلاً عن تلوّث الهواء بنواتج احتراق الوقود، ومشكلة عدم توفّر الوقود بشكل منتظم.

ساهمت أعمال إعادة التأهيل في زيادة منسوب المياه الجوفية في المنطقة بمعدّل مترين، حيث خضعت هذه المياه لاختبارات أثبتت ملاءمتها للشرب والاستعمال المنزليّ إلى جانب استخدامها في الري. كما ساهمت أيضاً في توفير تكاليف الوقود الذي كان يحتاجه المزارعون لاستجرار المياه إلى أراضيهم.

إنتاج أفضل وحياة أفضل

وجدت الدراسة أن التحسن في إنتاجية المحاصيل والماشية في المنطقة قد ساهم في تقليص مجموعة الاستهلاك الغذائي الفقير بنسبة 4 بالمئة ومجموعة الاستهلاك الحديّ بنسبة 7 بالمئة، في حين زادت مجموعة الاستهلاك المقبول بنسبة 11 بالمئة، ما يعكس تحسن الأمن الغذائي في المنطقة بعد أعمال إعادة التأهيل إثر الزيادة في استهلاك السكان للأطعمة المغذية كالفواكه والخضروات واللحوم والحليب ومشتقاته.

كما ساهمت إمكانية الحصول على مياه الريّ الكافية في موعدها المناسب في زيادة نوعية استهلاك الغذاء وتحسّن سوية الأمن الغذائي في المنطقة. ووجدت الدراسة أن المزارعين الذين تمكّنوا من ريّ محاصيلهم في مواعيدها المحدّدة حققّوا نتائج استهلاك غذائي أفضل ممّن لم يتمكّنوا من الحصول على مياه الريّ في موعدها المحدّد أو بكمّيات ملائمة. فضلاً عن ذلك، ساهم التحسن في الأمن الغذائي وفي إمكانية تحقيق الأرباح من الزراعة في زيادة مستوى الاستقرار في المجتمع، ما كان له دور في تشجيع عودة أكثر من 4100 عائلة نازحة منذ إنجاز أعمال إعادة التأهيل (أي ما يقارب 24650 شخص). 

الاستدامة في المجتمع

حرصت منظمة الأغذية والزراعة على انخراط المجتمعات المحليات في عملية إدارة الموارد الموائية لتحقيق الكفاءة والاستدامة في أنظمة الريّ، ولذا عملت على دعم تشكيل جمعيات مستخدمي المياه في مناطق إعادة التأهيل. تتولى هذه الجمعيات عملية تشغيل وصيانة أنظمة الريّ وتحرص على التوزيع العادل للمياه بين المزارعين بما يتوافق مع برامج الريّ المتّفق عليها بينهم.

تمّ تشكيل ست جمعيات في الرستن لإدارة مياه الريّ الواصلة إلى 1523 هكتار من الأراضي الزراعية. وبناءً على النجاح الذي حقّقته هذه الجمعيات، هنالك 16 جمعية جديدة في طور التشكيل من شأنها إدارة وصول مياه الريّ إلى 4475 هكتار إضافيّ من الأراضي.

يضيف مايك روبسون: "نجحت المنظمة خلال الأعوام الأربعة الماضية في إعادة مياه الريّ إلى 100 ألف هكتار في مختلف أنحاء سورية، الأمر الذي عاد بالفائدة على نحو 100 ألف عائلة، أو ما يتراوح بين 500 إلى 600 ألف شخص من سكان المناطق الريفية. على الرغم من ذلك، ما يزال الكثيرون بحاجة للمساعدة ليتمكّنوا من تأمين الغذاء وغيره من متطلّبات الحياة".