الفاو في سورية

الطبيبة البيطرية الوحيدة المؤهلة لإجراء التلقيح الصناعي للأبقار في سورية تعمل على تمكين السيدات الريفيات

FAO/Mazen Haffar
23/11/2023

"أذكر إحدى السيدات تطلب مني إنقاذ مولود بقرتها الجديد قائلةً ’رجاءً، ساعديني على إنقاذ هذا العجل مهما تطلب الأمر‘ وفعلت كلّ ما بوسعي لأنني أعلم مدى تأثيره على تحسين معيشتها". – فاتن جغالي، طبيبة بيطرية وفنية تلقيح صناعي من ريف حماة في سورية.

يأتي كلّ يومٍ حاملاً تحدياتٍ اقتصاديةً جديدة لمربّي المواشي والأبقار من صغار الحائزين في سبيل متابعة وتحسين ظروفهم المعيشية، لذا تضع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) هدفها بتمكين المزارعين للحفاظ على صحّة ثروتهم الحيوانية وجودة نسلها في مقدّمة أولوياتها ضمن حملتيّ الخدمات الطبية البيطرية والتلقيح الصناعي، والّتين تنفّذهما ضمن إطار مشروع بناء الصمود المحلّي في سورية المُموّل من المملكة المتّحدة.

يُعدّ الطبّ البيطري من المهن التي يهيمن عليه الرجال، ويُعزّز هذا الاعتقاد مربّو الأبقار ذاتهم نظراً للاعتقادات المتجذّرة لديهم حول النوع الاجتماعي والإمكانيات والخبرات لدى الرجال، الأمر الذي يضيف تحدياً آخراً للبيطريات اللاتي يقمن بمضاعفة جهودهنّ وإثبات إمكانياتهنّ في سبيل تحقيق النجاح، حالهنّ كحال فاتن، حيث عملت هذه الطبيبة البيطرية ذات 38 عاماً لتغيير المعتقدات الخاطئة لدى المجتمعات الريفية في محافظة حماة حول إمكانياتها الفنية.

الرحلة الشاقة

أتمت فاتن دراسة الطبّ البيطري في عام 2009، وكانت على وشك الحصول على درجة الماجستير في اختصاصها عندما اندلعت الأحداث في سورية عام 2011، ما منعها من الوصول إلى المختبر وإكمال البحث اللازم لإنهاء دراستها. بعد عدّة سنوات، خسرت فاتن زوجها نتيجة الأحداث العنيفة لتصبح وحدها مسؤولة عن تربية ابنتها الوحيدة ذات الأشهر الست. ولكن، وعلى الرغم من الظروف القاسية، استمرّت فاتن بالمثابرة ولم تقبل بالاستسلام.

عادت فاتن بنجاح لممارسة مهنة الطبّ البيطري، ولكنها كانت تضطر لطلب خدمات طبيب آخر كلّما احتاجت إحدى الأبقار للتلقيح الصناعي، الأمر الذي دفعها لتطوير مهاراتها وحضور دورة تأهيلية لتتمكّن من تقديم خدمات التلقيح الصناعي للأبقار بنفسها.

شغف المساعدة

تلخّص فاتن رحلتها قائلةً: "عملت بجدّ لأنال ثقة الناس. كان الجميع، بمن فيهم زملائي، متفاجئاً وشكوكاً حيال فكرة تنفيذ طبيبة بيطرية لعملية التلقيح الصناعي للأبقار،" أصبحت فاتن بعدها واحدةً من أبطال الغذاء الذين يعملون لدعم الفئات الهشة من المزارعين، والسيدات منهم على وجه الخصوص، لتحسين ممارسات الإنتاج الغذائي لديهم.

وتضيف فاتن: "أخبرني شخص من القرية المجاورة أنه لو لم يرَني بعينه لما صدّق أن بإمكاني تنفيذ عملية التلقيح الصناعي على الأبقار،".

شحنت هذه التحديات همّة فاتن لتصبح طبيبة بيطرية ماهرة ومحبّة لعملها، وتقدّم للمزارعين نصائح عديدة حول ممارسات تربية المواشي، إلى جانب الخدمات البيطرية التي تنفّذها.

تصف فاتن محبّتها لمساعدة الغير قائلةً: "أشعر بالسعادة العارمة لمساعدة العائلات المزارعة على علاج أبقارهم لتستعيد عافيتها عندما أرى مدى العناية التي تقدّمها تلك العائلات لحيواناتها، والتي تتعدّى كونها مجرّد مصدر للدّخل،".

صنعت فاتن لنفسها بذلك مسيرةً مهنيةً رائدة في ريف حماة، حيث أصبحت المرأة الوحيدة التي تقدّم الخدمات البيطرية في مجال التلقيح الصناعي في سورية.

العمل جنباً إلى جنب

تعمل منظمة الأغذية والزراعة للامم المتحدة مع فريق خبير من 66 طبيب وطبيبة بيطريّين لتقديم الخدمات الطبية البيطرية وخدمات التلقيح الصناعي لأكثر من 24000 عائلة من ذوي الحيازات الصغيرة للمواشي والأبقار ممّن تأثروا بالأزمة في محافظات حلب ودير الزور وحماة وحمص وريف دمشق، حيث تهدف المنظمة من خلال هذه الخدمات إحداث تحسّن هامٍّ في إنتاج المواشي من حيث نوعية النسل وزيادة إنتاج الحليب، ما يحسن بالتالي دخلهم المادي والمستوى المعيشي والصمود المحلّي لهذه العائلات.

قدّمت المنظمة مجموعةً مركّزة ومُوجّهة من المواضيع التدريبية للأطباء البيطريين، بما فيهم فاتن، تضمّنت العنايةَ بصحّة الأبقار قبل التلقيح وإدارة دورة الشبق لدى الأبقار وتخزين ونقل وتحضير قشات السائل المنوي لضمان فعالية عملية التلقيح، إلى جانب مواضيع التشريح والفيزيولوجيا التناسليين واضطرابات الخصوبة وعلاجها وغير ذلك.

تصف فاتن تجربتها مع التدريب قائلةً: "كان التدريب مثيراً للاهتمام، تعلّمنا الممارسات التقنية الأفضل لزيادة نسب الحمل لدى الأبقار وتقليل عدد محاولات التلقيح، كما أنعشنا معلوماتنا حول الممارسات الأفضل خلال عملية التلقيح الصناعي لمساعدتنا على زيادة احتمالات الحمل لدى الأبقار،".

تضيف فاتن: "أتاح لي العمل مع حملة منظمة الأغذية والزراعة مساعدة أكثر من 110 سيدة من الأسر الريفية الهشة عبر تقديم خدمات التلقيح الصناعي والخدمات البيطرية. وما زال هذا العدد متاحاً للزيادة مع استمرار الحملة، حيث تعاني تلك السيدات من صعوبات في الوصول للخدمات البيطرية بسبب نقص المعرفة لديهنّ. وجدت أن السيدات شعرن بالراحة للحديث مع طبيبة بيطرية وتعلّمن الكثير، فحصلت على فرصة مساعدة غيري من النساء ودعمهنّ بالنصائح اللازمة لتمكينهنّ وتحسين واقعهنّ المعيشي،".

يعدّ تمكين السيدات والمساواة من الأولويات الأساسية لعمل المنظمة، حيث تولي اهتماماً كبيراً أهمية كبيرة لمساعدة السيدات على مواجهة قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الاقتصادي تنفيذ خلال تنفيذ مشروع بناء الصمود المحلي في سورية، سعياً منها لصنع أثر إيجابي لتحقيق المساواة في المجتمعات الريفية.

تختتم فاتن حديثها بهذا الخصوص قائلةً: "أشجع السيدات اللآتي يواجهن ظروفاً صعبة على العمل بتصميم وجدّ، والتحلّي بالصبر والمثابرة لتحقيق أحلامهن،".