الفاو في سورية

الإعاقة ليست عائقاً في مدارس المزارعين الحقلية

10/01/2024

"كانت مفاجأة بالنسبة للمربين في مدرسة المزارعين الحقلية رؤيتهم لرجل من ذوي الاحتياجات الخاصة يرغب بشدة في تعليمهم ممارسات زراعية جيدة ومفيدة لتحسين إنتاجهم الزراعي. لم يكن سهلاً عليّ تجاهل النظرات، ولكني لم استسلم وقررت الاستمرار بالعمل لإثبات قدراتي وتحقيق الفائدة للجميع." أحمد الناصر، ميسر في مدرسة المزارعين الحقلية لمنظمة الفاو في حماة، الجمهورية العربية السورية.

بدأ أحمد الناصر مرحلة جديدة ومهمة في مسيرته المهنية حيث تم اختياره كميسر في مدرسة المزارعين الحقلية التي تنفذها منظمة الأغذية والزراعة  للأمم المتحدة (الفاو)، بدعم من المملكة المتحدة، في قرية غور العاصي في محافظة حماة. 

يعاني أحمد منذ طفولته من شلل الأطفال، والتي جعلت منه شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة (ذوي الهمم)، أكمل تعليمه الفني في المعهد التقاني البيطري منذ 25 عاماً، واستمر بالدراسة بالتحاقه لدورة تدريبية حول تقنيات التلقيح الصناعي للأبقار عام 2000 استمرت لمدة عامين، ليحصل بعدها على شهادة تقني معتمد تخوله بمزاولة هذه المهمة.

بانضمام أحمد لإحدى مدارس المزارعين الحقلية لمنظمة الفاو، تمكن من الوصول إلى 25 مربي أبقار ومشاركة معارفه وخبراته وتقديم المعلومات الفنية اللازمة لتمكين مربيي الأبقار من تحسين إنتاجهم الزراعي والاستماع لتجاربهم ومناقشتها معهم، كما ويقوم بزيارات ميدانية  إلى مزارع المربّين للمتابعة وتقديم المشورة والتأكد من تطبيق المعلومات التي حصلوا عليها من المدارس بالشكل الصحيح.

وحول ذلك يقول أحمد:" يرتكز دوري كميسر على نقل الخبرة والمعلومات للمربين ومراقبة أدائهم في الإنتاج، حيث بدأ المربون بالفعل بتطبيق بعض الممارسات الزراعية الجيّدة التي تحقق زيادة في الانتاج والدخل، كتصنيع الشعير المستنبت والخلطات العلفية المدروسة، وأصبحوا مهتمين جداً بتصنيع الأجبان والألبان من منتجات الحليب لديهم، وهذا مايحقق دخلاً أعلى. لهم،" 

اختارت منظمة الفاو أحمد ليكون ميسراً ضمن مدارسها إيماناً منها بأهمية إفساح المجال للأشخاص من ذوي الهمم ليكون لهم دوراً فعالاً ضمن مجتمعاتهم الريفية ودمجهم فيها، حيث يتمحور مشروعها "بناء الصمود المحلي في سورية"، بدعم من المملكة المتحدة، على دعم الفئات المجتمعية المستضعفة والأكثر هشاشة ليكونوا أشخاصاً  منتجين وقادرين على الصمود والتكيّف في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها سورية.

تقول جمانة صالح العلي، وهي إحدى المستفيدات من المدرسة، عمرها 38 عاماً وأم لخمسة أولاد:"وجود الميسر أحمد كان الدافع الأساسي لاستمراري بهذه التجربة، بسبب تميّزه بإرادة وتصميم وهمّة عالية، بالإضافة إلى استخدامه أساليب مميزة لإيصال الأفكار من خلال المشاركة الفعالة والنقاشات المستمرة والإيجابية ومحاولته المستمرة لتصويب الأخطاء التي نقوم بها في مجال تربية الأبقار،".

ومع استمرار تواجده في المدرسة كميسر، أصبح أحمد شخصاً ملهمًا لمربّي الأبقار في المنطقة، وبدأوا بتحقيق نتائج رائعة وملموسة في أعمالهم الزراعية ورعاية الأبقار، وذلك بفضل الإرشادات والمعرفة التي حصلوا عليها من أحمد، وأصبحوا يؤمنون بقدرتهم على تحسين إنتاجهم الزراعي وسبل عيشهم رغم الصعوبات التي قد تواجههم.

يقول محمد حسن الشيخ، مربي أبقار وأحد المستفدين في المدرسة: "بعد التحاقي إلى المدرسة ووجود أحمد فيها كميسر، أحسست بتشاركنا نفس الظروف، كوني أعاني أيضاً من شلل الأطفال وأنا المعيل الوحيد لأسرتي المكوّنة من ستة أشخاص. تعلمت مع أحمد الثقة بالنفس والإرادة والتغلب على التحديات التي تواجهني، حيث بدأت مشروعي الخاص بتصنيع الأعلاف والشعير المستنبت بناء على المعلومات التي تلقتيها من المدارس الحقلية، والذي وفر لي المال من خلال توفير سعر العلف وبالتالي تحسين المستوى المعيشي لي ولعائلتي." 

يقول أحمد: " تعتبر هذه الخبرة تحولًا في حياتي، حيث أدركت أن لدي القوة والإرادة لتحقيق أحلامي وأهدافي بغض النظر عن ظروفي. أنا فخور لتغلبي على شلل الأطفال ولأصبح نموذجاً يحتذى به من قبل الأفراد الذين يواجهون التحديات، وأنا ممتنّ لمدرسة المزارعين الحقلية التي تقيمها منظمة الفاو  والتي ساعدتني على تحقيق ذلك."

تنفّذ منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في الجمهورية العربية السورية 370 مدرسة حقلية ضمن إطار مشروع بناء الصمود المحلّي في سورية، وترتكز على نهج التعلّم بالممارسة والمشاركة عبر تبادل المزارعين الأفكار والخبرات والتجارب في المزارع لتعزيز التعلّم من خلال الممارسة بهدف البناء على مهارات المزارعين ومربي الأبقار وتعزيز قدراتهم وإيجاد حلولٍ للتحديات التي تواجههم.

 وساهمت تلك المدارس حتى اليوم بتحسين المهارات الزراعية لأكثر من 9000 مزارع ومربي أبقار في خمس محافظات سورية وهي حلب ودير الزور وحماة وحمص وريف دمشق  مّمن يعتبرون أبطال الغذاء ما يساهمون في تحسين الأمن الغذائي وتنمية المجتمع المحلي، بما في ذلك المساواة بين الجنسين والإدماج الاجتماعي.