الفاو في سورية

مدارس المزارعين الحقلية تعمل على تمكين النساء في قرية نائية في دير الزور

FAO/Odai Heddawi
16/05/2024

تمكّنت مجموعة من النساء السوريات المقيمات في قرية الدوير، وهي قرية نائية على ضفة نهر الفرات في محافظة دير الزور، من إحداث تغيير إيجابيّ في حياتهن إثر مشاركتهنّ في مدرسة المزارعين الحقلية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة حول الإنتاج الحيواني، حيث نجحت المزارعات في تحسين ممارساتهن الزراعية غير المستدامة وتحويل معدلات إنتاجهن المتواضعة إلى عمل مربح، وذلك بفضل مساحة التعلم الودية والعملية التي توفرها المدرسة الحقلية، والدّعم الحثيث من ميسّرة المدرسة ذات الخبرة والنشاط.

تنفّذ منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مدرسة المزارعين الحقلية في الدوير إلى جانب 388 مدرسة أخرى ضمن إطار المرحلة الأولى من مشروع بناء الصمود المحلي في سورية بدعم مالي من المملكة المتحدة. تساهم هذه المدارس الحقلية في تعزيز الممارسات الزراعية الجيدة والزراعة الذكية مناخياً لأكثر من 9000 مزارع في محافظات حلب ودير الزور وحماة وحمص وريف دمشق في الجمهورية العربية السورية، وذلك بهدف تعزيز الإنتاجية والمرونة لدى المزارعين ورفع سوية معرفتهم بأفضل الممارسات الزراعية التي يحتاجون إليها لتبني الممارسات الزراعة الذكية مناخياً.

من العزلة إلى التمكين

تقول الميسّرة نيلي العبيّد واصفة التحديات التي واجهتها عندما تم تدريبها وتعيينها لتيسير جلسات مدرسة المزارعين الحقلية في الدوير: "اعتاد المزارعون في الدوير الاعتماد على أساليب زراعية غير مستدامة بسبب الموقع النائي للقرية الذي صعّب وصول الخبراء إليهم".

أدى السياق العام للمنطقة إلى انتشار الفقر في المجتمع المحليّ، ما أدى إلى وضع تعليم الفتيات في أسفل قائمة أولوياتهم، كما تشير نيلي: "اجتمع الفقر مع الطبيعة المحافظة للمجتمع المحلّي ليؤديا إلى حرمان الفتيات من حقهن في التعليم، ما يعني أن معظم النساء هنا أميات".

سعت نيلي للتغلب على مشكلة الأمية من خلال صنع لوحات ورسومات تعليمية ملونة والقيام بزيارات منتظمة خارج أيام اجتماع المدرسة للحديث مع المشاركات والإجابة على أي أسئلة قد تكون لديهن، كما كانت تشجع المشاركات على مشاركة تجاربهن وتبتكر أغنيات لا تنسى للتأكد من استيعابهن للمعلومات الجديدة.

الازدهار كوسيلةّ للتماسك

تضمّنت المجموعة الكبيرة من التحديات في القرية وجود خلاف قديم بين عشيرتين محليتين وصل في بعض الأحيان إلى حدّ العنف، لذا كان على نيلي أن تجد طريقة لإقناع المشاركات اللاتي ينتمين إلى هاتين العشيرتين بالجلوس سويةً والحوار تحت سقف واحد، فوجدت مكاناً محايداً استضافته إحدى المشاركات من عشيرة ثالثة ليس لها صلة بالخلاف تمكّنت النساء فيه أن يتناقشن ويتعلمن دون أي حواجز أو مخاوف.

وجدت نيلي في مكوّنات جلسات مدرسة المزارعين الحقلية، وبالتحديد "تحليل النظام البيئي الزراعي" و"ديناميكية المجموعة"، فرصة لتشجيع النساء على التحدث والتواصل. تعلّمت المشاركات على إثر نشاطات المدرسة الحقلية كيفية إطعام أبقارهن وقياس أوزانها بشكل صحيح، حيث لاحظن تغيراً إيجابياً في صحة أبقارهن وإنتاجيتها. توضّح نيلي: "كانت هذه القدرة الجديدة على التحكم في النظام الغذائي للأبقار وبيئتها للحفاظ على صحتها أمراً مشجعاً للغاية، خاصة وأن المشاركات لاحظن زيادة في الإنتاج. علمت من المشاركات أنهنّ بتن يجتمعن مع جيرانهن ليلاً بعد الجلسات لمشاركة المعارف والمهارات التي تعلمنها في المدرسة الحقلية".

شكّلت هذه التغيرات فرصة لنيلي تمكّنت من خلالها إعطاء الدافع للنساء لتعلم تقنيات صناعة مشتقات الحليب، وفهم الفوائد الاقتصادية التي تكمن في تحويلها إلى فرص أكثر قيمة لتحقيق الدخل، وتعلّم المهارات التجارية الأساسية اللازمة لدفع هذا النمو إلى الأمام.

يبلغ حجم المجموعة المستهدفة في المدرسة الحقلية حوالي 25 مشاركاً، كما تشجّع المدارس الضيوف على الحضور والاستفادة من المعلومات التي يتم تبادلها، الأمر الذي بدى واضحاً عندما وجد المشاركون أثراً إيجابياً على الإنتاج ووفراً مالياً كبيراً بعد أن تعلّموا كيفية صنع وتخزين العلف لأبقارهم، وإجراء الكشف المبكر عن أمراضها، وتحديد الوقت المناسب للتلقيح الاصطناعي. ومع قيام المشاركين بنشر معارفهم الجديدة وتأثيرها الإيجابي على إنتاجهم في المجتمع المحلي، وصل عدد الحضور في الجلسات الأخيرة من إلى 50 مربياً ومربية، وأصبحت المدرسة الحقلية في قرية الدوير بيئة تعليمية تعاونية تشجّع على التماسك والشمول جميع فئات المجتمع المحليّ.

أدّت المدرسة نتيجةً لذلك دوراً بنّاءً في مرحلة بناء السلام ما بعد النزاع، وساعدت بذلك على سد الفجوات بين النساء من مختلف العشائر، ما مكنهن من التركيز على تحسين مهاراتهن الزراعية وسبل العيش لديهنّ، كما تقول نيلي: "استطاعت النساء في المدرسة التوفيق بين خلافاتهن القبلية، وبتن الآن يزرن بعضهن البعض ويتواصلن دون قيود، على الرغم استمرار الخلاف ما بين أزواجهنّ".

إنجاز جماعي

وجدت النساء المشاركات في المدرسة حاجة جماعية لشراء مستلزمات تصنيع مشتقات الحليب، كآلة خض الزبدة، بعد أن تجاوز إنتاج الحليب احتياجاتهنّ المنزلية المباشرة، كما وجدن الدافع لإنشاء مجموعة ادّخار صغيرة فيما بينهن لشراء هذه الأدوات الضرورية. أدركت النساء لاحقاً إمكانية بيع الفائض من المنتجات وتحقيق الربح، ما سمح لهنّ بزيادة حجم الاستثمار وتوسيع نشاطات صناعة مشتقّات الحليب التي بدأنها.

تشرح نيلي مراحل تطوّر مشروع المشاركات في المدرسة الحقلية: " تحلّت المشاركات بالنشاط والتركيز. في البداية، بالكاد كان يسدّ الإنتاج حاجاتهنّ المنزلية. ومع مرور ثلاثة أشهر من الإنتاج الجيّد، تغيرت طريقة تفكيرهن، وأدركن أن لديهنّ فرصة لتحقيق المزيد من الدخل. عندما احتاجت المجموعة إلى مكان لتخزين منتجات الألبان وبيعها، عرضت إحداهنّ بالمجان غرفة في بيتها يمكن الوصول إليها مباشرة من الشارع، وافتتحن فيها متجراً لتسويق منتجاتهنّ. وفي غضون أسبوعين، عرض أحد الجيران الذي كان يسافر بانتظام إلى بلدة البوكمال البعيدة الواقعة على الحدود مع العراق أن يأخذ بعض منتجات الألبان لبيعها هناك، ولاقت المنتجات نجاحاً فورياً لدى السكان المحليين، مما وسّع نطاق عمل المجموعة".

كما حمل التمكين الماليّ آثاراً نفسية إيجابية على النساء. بعد أن كنّ خجولات جداً في البداية، اكتسبت المشاركات ثقةً بأنفسهنّ، وأصبح بإمكانهنّ أخذ زمام أمور حياتهنّ، كما توضح نيلي: "قالت لي إحدى النساء إنها بعد أن تمكنت من توسيع إنتاجها من الألبان وبيع منتجاتها لتوليد الدخل، أصبحت الآن صانعة قرار في بيتها. بعد أن أنهت ابنتها دراسة الصف السادس الابتدائي في عام 2020، اضطرت الأمّ إلى إخراجها من المدرسة لأن الأسرة لم تكن قادرة على تحمل تكاليف اللوازم المدرسية الأساسية كالأقلام والدفاتر. أما الآن، وبعد أن أصبحت الأم قادرة على توليد الدخل من إنتاج مشتقات الحليب، أصبحت لديها القدرة على تحقيق رغبة ابنتها في مواصلة تعليمها". تختتم نيلي قائلة: "قالت لي الأم أن ابنتها ستتقدم لامتحان الصف التاسع في وقت لاحق من هذا العام، وطموحها أن تصبح محامية للدفاع عن حقوق المرأة".