بعد تحديد التكاليف المستترة على المستوى الوطني للنظم الغذائية والزراعية العالمية، تتمثل الخطوة التالية لنهج حساب التكاليف الحقيقية، على النحو المقترح في تقرير حالة الأغذية والزراعة 2023، في الانخراط مع أصحاب المصلحة على المستوى القطري. وهذه فرصة للمصادقة على التكاليف المستترة المحدّدة كمّيًا، والاعتراف بالثغرات في البيانات ووسدّها بشكل محتمل، ووضع التحديات في سياقها لمعالجة التكاليف المستترة والحلول الممكنة للقيام بذلك على أساس الأولويات والالتزامات الوطنية. وتُعتبر هذه المشاركة مع أصحاب المصلحة بالغة الأهمية إذا نجحت عمليات التقييم المستهدفة في توجيه الإجراءات السياساتية القائمة على حساب التكاليف الحقيقة. وتُظهر دراسة حالة كلّف بإجرائها كورقة معلومات أساسية لهذا التقرير فائدة الجمع بين السيناريوهات بناءً على المشاورات مع أصحاب المصلحة وحساب التكاليف الحقيقية لتقييم الآثار المترتبة عن التكاليف الوطنية المستترة.
وأجرى هذه الدراسة اتحاد الأغذية والزراعة والتنوع البيولوجي واستخدام الأراضي والطاقة، وهو شبكة عالمية من منظمات وطنية للبحوث تعمل على وضع استراتيجيات للأغذية واستخدام الأراضي على المستوى الوطني بما يتوافق مع الأهداف الوطنية والعالمية. وفي ما يخص هذه الدراسة، صادق الاتحاد على نتائج حالة الأغذية والزراعة 2023 وأجرى مشاورات مع أصحاب المصلحة لتحديد النتائج المرغوبة ذات الصلة على المستوى الوطني لزيادة استدامة نظمهم الغذائية والزراعية. وقدّرت مجموعة من السيناريوهات المستقبلية كفاءة كل نتيجة متوخاة في معالجة التكاليف المستترة في البلدان التالية: إثيوبيا وأستراليا والبرازيل وكولومبيا والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية والهند.
وتضمنت النتائج المنشودة التي تم تحديدها تحسينات في إنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية، وتدني معدلات التخزين (كثافة المجترات) في المراعي، وانخفاض خسائر ما بعد الحصاد في جميع البلدان. وفي معظم البلدان، يرد منع إزالة الغابات بعد عام 2030 وزيادة التحريج للوفاء بالالتزامات الرسمية لتحدي بون (إثيوبيا والبرازيل وكولومبيا والهند) أو الأهداف الوطنية الأخرى (أستراليا والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية والهند) ضمن الالتزامات الوطنية وسيناريوهات الاستدامة العالمية. وتُعتبر أيضًا التغييرات الغذائية من أجل أنماط استهلاك أكثر صحة أساسية في هذه البلدان – باستثناء إثيوبيا، وهو متوقع، ذلك أنّ التكاليف المستترة الصحية تمثّل فقط حصة صغيرة (13 في المائة) من إجمالي التكاليف المستترة لديها، حيث تطغى عليها التكاليف المستترة الاجتماعية (46 في المائة).54 وأدرج عدد قليل من البلدان فقط نتائج شأن زيادة استخدام الممارسات الزراعية الإيكولوجية والري، والتغيّرات في التجارة، والطلب على الوقود الحيوي، والنمو السكاني.
وتم تقييم ثلاثة سيناريوهات في كل بلد: (1) يمثّل سيناريو التوجّهات الحالية رؤية منخفضة الطموح للإجراءات الممكنة لتحقيق الاستدامة البيئية، ويعتمد بشدة على التوجّهات التاريخية والسياسات الحالية؛ (2) ويعكس سيناريو الالتزامات الوطنية الإجراءات اللازمة للوفاء بالالتزامات والأهداف الوطنية القائمة؛ (3) ويتوافق سيناريو الاستدامة العالمية مع الجهود التي تتماشى مع تحقيق أهداف الاستدامة العالمية.ط ونظرًا إلى العدد الكبير من النتائج المرغوبة المدرجة في كل سيناريو، أجرى الاتحاد تقييمًا منفصلًا لكل منها لتحديد أي منها سيكون الأكثر تأثيرًا في خفض التكاليف المستترة للنظم الغذائية والزراعية.
ويتم التعبير عن المؤشرات الغذائية الناتجة من هذه السيناريوهات من حيث التغيّرات في توافر المجموعات الغذائية، التي يجب تحويلها إلى متناول غذائي لربطها بعوامل خطر الأمراض غير المعدية الغذائية، التي يتم حساب تكاليفها كتكاليف مستترة صحية. وهذا الارتباط ليس بسيطًا، لأن الطريقة التي تُستهلك بها المجموعات الغذائية (وتحديدًا الأغذية الطازجة أو المجهّزة أو العالية التجهيز) لها انعكاسات جسيمة على المخاطر الغذائية ونتائج الأمراض غير المعدية، فضلًا عن آثارها البيئية.55 وللتغلّب على هذه القيود، تمّ استخدام نموذج للتعلّم الآلي لإثبات العلاقة بين توافر الغذاء (نتائج نموذج الاتحاد) والمخاطر الغذائية (المرتبطة بسنوات العمر المعدّلة مراعاة لعامل العجز بسبب الأمراض غير المعدية في بيانات العبء العالمي للأمراض) لتحديد انعكاسات السيناريوهات على التكاليف المستترة الصحية (الإطار 7).
الإطار 7وصف عملية التعلّم الآلي لربط توافر الأغذية بالمتناول منها
توفّر معظم النماذج المستخدمة لتحليل السيناريوهات معلومات عن كميات السلع المختلفة المنتجة أو المستوردة أو المصدّرة فقط كل عام في كل بلد في ظل سيناريوهات مختلفة. إلّا أنّ ما يؤثّر على صحة المستهلكين ليس توافر الأغذية، بل المتناول الفعلي منها، الذي قد يكون له ترابط غير واضح لأسباب متعدّدة.
وإقرارًا بهذه المشكلة، أجرى تقرير حالة الأغذية والزراعة 2024 تقديرًا للمخرجات الصحية المرتبطة بنتائج عمليات المحاكاة لاتحاد الأغذية والزراعة والتنوع البيولوجي واستخدام الأراضي والطاقة باستخدام نموذج التعلّم الآلي. وبعد المصادقة الشاملة من جانب فريق حالة الأغذية والزراعة ومؤلفي وثيقة المعلومات الأساسية، جاءت هيكلية النموذج المختارة عبارة عن نموذج مختلط يستخدم XGBoost، وهو أسلوب يعتمد على أشجار القرار مع أداء تجريبي جيّد في العديد من المجالات، بالإضافة إلى نموذج مستقيم.
وقد استُخدم نموذج التعلّم الآلي في التعامل مع المخاطر الغذائية التي لا يسهل ربطها بفئة غذائية معينة في إحصاءات توافر الأغذية في قاعدة بيانات منظمة الأغذية والزراعة. فعلى سبيل المثال، من الصعب ربط الاستهلاك المفرط للصوديوم بأي مجموعة غذائية رئيسية. لذلك، تم تقدير الروابط بين توافر الأغذية والمتناول منها باستخدام نموذج التعلّم الآلي لمثل هذه المجموعات الغذائية والمغذّيات. وقد تم تدريب النموذج على البيانات المتعلقة بتوافر الأغذية من قاعدة بيانات منظمة الأغذية والزراعة وبيانات المتناول الغذائي من قاعدة بيانات العبء العالمي للأمراض، بما يمكّن من معرفة أنماط العلاقة التاريخية بين الكميتين. كما تم استخدام مؤشرات مراقبة أخرى توازن العلاقة بين توافر الغذاء واستهلاكه (شأن مبيعات الأغذية والمشروبات الفائقة التجهيز بحسب البلد، ما يمثّل الطريقة التي يتم بواسطتها تجهيز الأغذية المتاحة).
وبالنسبة إلى المجموعات الغذائية التي يمكن مطابقة إمداداتها (المعدّلة لأغراض التجارة والفاقد والمهدر الأغذية) بشكل مباشر مع المتناول منها، تم استخدام النموذج المستقيم. وعلى وجه التحديد، كان من المفترض أن تكون التغييرات في الإمدادات المتاحة من الفواكه والخضروات واللحوم الحمراء والحليب والبقوليات والزيوت النباتية والجوزيات والبذور متناسبة مع التغييرات في المتناول المستخدم في التنبؤ بشأن سنوات العمر المعدّلة مراعاة لعامل العجز. وافترض مثلًا أن تؤدي زيادة بنسبة 5 في المائة في إمدادات الخضروات (بعد التعديل لأغراض التجارة والفاقد والمهدر من الأغذية) إلى زيادة بنسبة 5 في المائة في المتناول منها.
وعلى الرغم من أن نموذج التعلم الآلي يوفّر حلقة ناقصة مهمة لتسهيل تحليل السيناريوهات بشأن آثار التغيير في الأنماط الغذائية، إلّا أن استخدامه محدود في الحالات التي تكون فيها البيانات التاريخية المستخدمة لتدريب النموذج (استنادًا إلى توجّهات سابقة) والسياق الذي يحتاج إليه لتقديم تنبؤات (سيناريو مستقبلي يكسر الأنماط التاريخية) متباينة بشكل ملحوظ. واتبعت البلدان تاريخيًا توجّهات محكمة (مثلًا، لا يزداد استهلاك الفواكه والخضروات وحسب، بل الأغذية الفائقة التجهيز أيضًا، مع تطوّرها). وعندما تبتعد السيناريوهات السياساتية المستهدفة بشكل لافت عن التوجّهات التاريخية في العلاقة بين إنتاج الأغذية والمتناول منها، من المهم الاعتراف بأن مجرد تغيير مزيج إنتاج الأغذية لا يكفي لتحقيق التحوّل. ومن الضروري إدماج أدوات أخرى تستهدف البيئات والسلوكيات الغذائية، كما نوقش في الفصل 4.
وتظهر النتائج تباينًا ملحوظًا من بلد إلى آخر من حيث النتائج الواردة في النماذج التي تتّسم فعالية أكبر في تقليل التكاليف المستترة المحدّدة كمّيًا للنظم الغذائية والزراعية (الجدول 1). ومع ذلك، وبالاعتماد على تصنيف النظم الزراعية والغذائية، يمكن ملاحظة نمط مثير للاهتمام. فبالنسبة إلى معظم النظم الزراعية والغذائية التي تمت دراستها في الفئات الصناعية وتلك هي في طور اكتساب طابع رسمي، لا يُعتبر تغيير الأنماط الغذائية الوسيلة الرئيسية لخفض التكاليف المستترة بسبب عبء المرض فحسب، بل هو أيضًا وسيلة فعالة للغاية للحدّ من التكاليف المستترة البيئية (بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والنيتروجين وتغيير استخدام الأراضي). ومن أصل 11 فئة فرعية للتكاليف المستترة الواردة في الجدول 1، يُعدّ التغيير في النمط الغذائي النتيجة الأكثر تأثيرًا في البرازيل والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية في ست فئات فرعية. وفي أستراليا، يُعتبر الأكثر تأثيرًا في أربع فئات فرعية (بالإضافة إلى المتناول من السعرات الحرارية)، بما في ذلك انبعاثات غاز الميثان والنيتروجين واستخدام المراعي. واتّضح أنّ التغيير في النمط الغذائي يزيد من التكاليف المستترة لاستخدام المياه الزرقاء، ما يسلّط الضوء على أهمية دمجها مع التحسينات في إنتاجية المحاصيل، والتخفيف من هدر الأغذية، التي بحثت في سيناريو الاستدامة العالمية.
الجدول 1 النتائج المرجوة الأكثر فعالية في خفض الفئات الفرعية من التكاليف المستترة بحسب البلدان في عام 2050

المصدر: FABLE. 2024. How to reduce agrifood systems› future hidden costs? A multi-country case study – Background paper for The State of Food and Agriculture 2024. Paris, Sustainable Development Solutions Network.
في كولومبيا، وعلى الرغم من اعتبار تحسين النظم الغذائية نتيجة منشودة مدرجة في السيناريوهات، إلّا أنّه يحقق الأثر الأكبر فقط لناحية تقليل التكاليف المستترة لانبعاثات أكسيد النيتروز (الأزوت) (بالإضافة إلى المتناول من السعرات الحرارية). ويبرز تحسين إنتاجية المحاصيل من خلال التكثيف المستدام للإنتاج باعتباره الأكثر تأثيرًا بالنسبة إلى خمس فئات فرعية للتكاليف المستترة، بما في ذلك خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين وتغيير استخدام الأراضي.
وقد أدرج التغيير في النمط الغذائي أيضًا في الهند، لا سيما الانتقال إلى نظام EAT–Lancet الغذائي إلى جانب زيادة المتناول من السعرات الحرارية للقضاء على نقص الوزن بحلول عام 2050. وكان التغيير في النمط الغذائي الأكثر تأثيرًا في خفض التكاليف المستترة في أربع فئات فرعية في البلاد، بما في ذلك من خلال تقليص انبعاثات الميثان (من الثروة الحيوانية والأرزّ) واستخدام المراعي والمياه الزرقاء. وبرز الحد من جريان النيتروجين على الأراضي الزراعية وإدارة التغيير في استخدام الأراضي من ضمن النتائج المحورية الأخرى المنشودة لخفض التكاليف المستترة في الهند.
ويبدو أنّ إثيوبيا، البلد الوحيد الذي لم يتم فيه تحديد التغيير في النمط الغذائي كنتيجة يمكن عرضها في نموذج خلال المشاورات مع أصحاب المصلحة، ستكون أكثر المستفيدين من تحسين إنتاجية الثروة الحيوانية والمحاصيل، والتحريج، والحد من التوسّع الزراعي في الأراضي الحرجية لخفض التكاليف البيئية المستترة. ولم تكن الإجراءات المحتملة لمعالجة التكاليف الاجتماعية المستترة الناجمة عن الفقر – وهي أكبر كلفة مستترة في إثيوبيا – ممثلة بصورة جيدة في النماذج المستخدمة في دراسة الحالة هذه.
في العموم، وباستثناء إثيوبيا، لا يمكن تمييز التكاليف المستترة التي تتحمّلها البلدان ضمن سيناريو الالتزامات الوطنية عن تلك الواردة في سيناريو التوجّهات الحالية عند مراعاة حالة انعدام اليقين، على الرغم من أنّ السيناريو الأول يكشف عن نسب انخفاض يسيرة في المتوسط. ويشير ذلك إلى ضرورة أن تتوخّى البلدان طموحًا أكبر، وأن تسعى جاهدة إلى تسجيل انخفاض في الآثار الاقتصادية المحتملة للنظم الغذائية والزراعية لديها، بما في ذلك أدوات التغيير في النمط الغذائي، التي تشكّل الرابط الأوضح للحد من التكاليف المستترة الشاملة عن طريق تحرير الأراضي وخفض واحتباس غازات الاحتباس الحراري والنيتروجين، بالإضافة إلى تحسين إمكانية الوصول إلى أنماط غذائية مستدامة ومغذّية للجميع.
وكان نموذج التعلّم الآلي المبتكر المطبّق على عمليات المحاكاة مفيدًا في تحليل المخاطر الغذائية المرتبطة بخفض التكاليف المستترة لتوجيه السياسات. وتسلّط النتائج الضوء على الاختلافات الصارخة بحسب فئة النظم الزراعية والغذائية. ويُعتبر انخفاض التكاليف الصحية المستترة بين سيناريو الاستدامة العالمية وسيناريو التوجّهات الحالية في البلدان الصناعية لافتًا، –60 في المائة في أستراليا و–42 في المائة في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية. وفي أستراليا، يرجع ذلك إلى زيادة استهلاك الجوزيات والبذور والفواكه والبقوليات والخضروات والانخفاض الملحوظ في الطلب على اللحوم المجهّزة واللحوم الحمراء والمشروبات المحلاّة بالسكر. وفي المملكة المتحدة، يعود ذلك بشكل رئيسي إلى انخفاض استهلاك اللحوم المجهّزة وزيادة استهلاك البقوليات. وتعدّ الاختلافات بين هذين السيناريوهين أقلّ نسبيًا في البلدان ذات الطابع الرسمي (البرازيل وكولومبيا)، حيث يفسّر التراجع في استهلاك اللحوم المجهّزة والحمراء والمشروبات المحلاّة بالسكر معظم حالات الانخفاض في التكاليف المستترة في البرازيل، في حين يفسّر التراجع في استهلاك اللحوم المجهّزة والمشروبات المحلاّة بالسكر، والزيادة في استهلاك البقوليات، انخفاض التكاليف المستترة في كولومبيا. وفي النظم الزراعية والغذائية التقليدية في الهند، تمثّل الأنماط الغذائية الصحية وتحاشي المسار الغذائي وفق النموذج الغربي من حيث الإفراط في استهلاك السكريات والملح والأغذية المجهّزة ما يناهز ثلثي التكاليف الصحية والبيئية المستترة التي يتم تلافيها. وفي إثيوبيا، المصنفة ضمن فئة الأزمات الطويلة الأمد، تتضاءل التغييرات في التكاليف الصحية المستترة مقابل تراجع التكاليف البيئية المستترة الناجمة عن تحسين ممارسات الإنتاج. وينبغي النظر في زيادة استهلاك الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة – مقارنة بالأنماط الغذائية الحالية الموضّحة هنا – لمواصلة خفض التكاليف الصحية المستترة بفعل الأمراض غير المعدية.
ويُعتبر دور المشاورات مع أصحاب المصلحة في تحديد مجموعات النتائج المنشودة ذات الصلة على المستوى الوطني التي ستُدرج في دراسة الحالة هذه حاسمًا لضمان كفاءة عمليات التقييم المصمَّمة لتوجيه عملية صنع القرار. وتشمل كذلك التوصيات العامة لدراسة الحالة هذه استخدام مجموعات البيانات الوطنية بشأن تغيير استخدام الأراضي وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري لإجراء عمليات تقييم مخصصة لحساب التكاليف الحقيقية. ومن شأن استخدام حدود دنيا خاصة بكل بلد للفقر والاحتياجات من استهلاك السعرات الحرارية أن يزيد أيضًا من أهمية التكاليف المستترة بالنسبة إلى السياق الوطني. وأدت المشاورات إلى رفع مستوى الوعي في صفوف أصحاب المصلحة وتحديد فجوات مهمة في البيانات، ما يشدّد على الحاجة إلى الاستثمار في جمع البيانات، على سبيل المثال، بشأن تطبيق النيتروجين وقيمة خدمات النظم الإيكولوجية في مواقع مختلفة. وأخيرًا، ألقي الضوء أيضًا على استخدام الإحصاءات دون الوطنية حيثما تتوافر هذه البيانات، باعتبار ذلك مهمًا لعمليات التقييم المستهدفة لحساب التكاليف الحقيقية من أجل تسهيل تصميم السياسات الفعالة، لا سيما في البلدان الشاسعة التي تضمّ مناطق زراعية إيكولوجية مختلفة، وتلك التي تسجّل مستويات عالية من عدم المساواة ضمنها على مستوى مؤشرات النتائج ذات الصلة (الإطار 8). إلّا أنّ أحد القيود على دراسة الحالة هذه يتمثّل في أنّ السيناريوهات التي تركز على النتائج المرجوة لا توضح بالتفصيل كيفية تحقيق هذه النتائج.
الإطار 8الحاجة إلى الانتقال إلى المستوى دون الوطني لإجراء عمليات تقييم لحساب التكاليف الحقيقية مخصصة على الصعيد القطري
تحدّد الخصائص الفيزيائية الحيوية والتنظيم المكاني للإقليم الإجراءات اللازمة لتحويل النظم الزراعية والغذائية من أجل تحقيق المزيد من الاستدامة. ومن المرجّح أن تؤدي النتائج على المستوى القطري المستندة إلى متوسط القيم الوطنية إلى المبالغة في أو التقليل من الحجم المقدّر للآثار على التكاليف المستترة. وعلى سبيل المثال، يجب أن يتمّ توسيع المساحة المزروعة لمحصول معيّن في ظل إمكانات زراعية أكثر رداءة، أو استهداف منطقة محدّدة لإصلاح النظام الإيكولوجي يمكن أن يؤدي إلى منافع تتجاوز المعدّل. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تغدو المشكلة محجوبة على المستوى الوطني، حيث تعوّض عنها مناطق أخرى في البلد نفسه. لذلك، واعتمادًا على توافر البيانات والموارد، ينبغي استكمال البيانات على المستوى الوطني بتحاليل مكانية لتمكين تقييم عدم التجانس في الآثار والمحفّزات الرئيسية للنظم الغذائية والزراعية.
ومن الأمثلة عن سياسة تختلف أهدافها عبر الأقاليم، مثال قانون الغابات في البرازيل. يعدّ هذا القانون أحد أهم السياسات النافذة لتنظيم التغيير المستقبلي في استخدام الأراضي، وبالتالي، تحديد ما إذا كانت كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون تنبعث أو تُحبس. وترعى القواعد كيفية التداول بالائتمان بين المزارع، والتعويض عن إزالة الغابات بما يفوق المستويات المسموح بها، مع تجنب الإزالة المباحة للغابات في أماكن أخرى، ولكنّها تحتاج إلى مراعاة التشابه في نوع الغابات والتنوع البيولوجي، من بين جملة أمور أخرى.
ومن شأن التمييز بين نظم الإنتاج الزراعي، على سبيل المثال، على أساس حجم المزرعة أو مستوى التكثيف، أن يوضح بشكل أفضل عدم التجانس بين نظم إنتاج الأغذية على المستوى دون الوطني. وقد يكون ذلك وثيق الصلة ببلدان مثل إثيوبيا تحديدًا، حيث يشكّل صغار المزارعين 75 في المائة من مجموع السكان، وتوفر المناطق الزراعية الإيكولوجية المتنوعة (من المناطق المرتفعة إلى المناطق القاحلة للغاية) إمكانات متباينة لخفض التكاليف المستترة.
وعندما تكون أوجه عدم المساواة ضمن بلد ما (على سبيل المثال، في الدخل والحصول على الأغذية الصحية والأنماط الغذائية والبنية التحتية) كبيرة، تغدو عمليات التقييم دون الوطنية ضرورية أكثر. على سبيل المثال، في المناطق النائية في أستراليا، تزيد كلفة السلّات الغذائية بنسبة 39 في المائة عما هي عليه في المحال الكبرى الرئيسية في العواصم.56 ويمكن أن يكون لأسعار السلع المرتفعة تأثير أكبر على السكان الذين يعتمدون على تربية الماشية الواسعة النطاق أو مصايد الكفاف في المناطق النائية.57 وفي الهند، يختلف انتشار نقص الوزن بين الأطفال (ما دون الخامسة من العمر) بشدّة بين الولايات - من 40 في المائة في بيهار إلى 12 في المائة في ميزورام.58 ونظرًا إلى أنّ كلفة عدم المساواة لا يتم حسابها بشكل منفصل وفق نهج حساب التكاليف الحقيقية المستخدم في هذه الدراسة، يمكن لعمليات التقييم لحساب التكاليف الحقيقية على المستوى الوطني أن تحجب أوجه عدم المساواة الرئيسية على الصعيد دون الوطني (مجموعات سكانية فرعية)، الذي يجب إدماجه بشكل صحيح في تصميم السياسات من خلال المشاورات مع المجتمع المدني على المستوى الوطني ودون الوطني من أجل التحوّل الشامل.