الصفحة السابقة بيان المحتوياتلصفحة المقبلة

خامسا: أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة

عرض عام للإقليم

الاتجاهات على مستوى الاقتصاد الكلي وأداء الزراعة

سجلت اقتصاديات بلدان التحول نموا ملحوظا في 2001، وللعام الثالث على التوالي، على الرغم من انخفاض هذا النمو بصورة طفيفة عما تحقق في عام 2000.

أظهر الناتج الزراعي نموا كبيرا في عام 2001 لأول مرة بعد 10سنوات من الانخفاض والركود.

شهد عام 2001، وللسنة الثالثة على التوالي (98) ، نموا ملحوظا في اقتصاديات البلدان التي تمر بمرحلة تحول في أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة (99) . فقد زاد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لهذه البلدان بمعدل يبلغ 4.9 في المائة في 2001 على الرغم من أن هذا الرقم يقل عما تحقق في العام السابق (6.3 في المائة).

وكما حدث في العامين السابقين، سجل أقوى أداء في رابطة الدول المستقلة حيث يقدر النمو بنسبة 6.1 في المائة (5.8 في المائة في الاتحاد الروسي، و 6.8 في المائة في بقية بلدان الرابطة)، في حين يقدر النمو في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية بنسبة 3 في المائة. ويرجع الأداء الأضعف نسبيا إلى حد كبير إلى انخفاض معدلات النمو في بلدان الإقليم الرئيسية المنتجة للغاز والنفط- أذربيجان وكازاخستان والاتحاد الروسي وتركمنستان- فضلا عن تباطؤ النمو الاقتصادي في بولندا التي تمثل أكبر اقتصاد في أوروبا الوسطى والشرقية.

ومع ذلك، كانت البلدان المنتجة للنفط والغاز مثل أذربيجان وتركمنستان هي أسرع الاقتصاديات نموا في الإقليم في عام 2001.

وزاد الإنتاج الزراعي الصافي (المحاصيل والثروة الحيوانية) في اقتصاديات التحول بأكثر من الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2001 حيث بلغت نسبة هذه الزيادة 5.9 في المائة (100) .

وكانت المحاصيل المنخفضة التي تحققت في عام 2000 في معظم بلدان الإقليم ولاسيما أوروبا الوسطى والشرقية عاملا في هذا المجال. وحقق الإنتاج الزراعي في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق نموا إيجابيا في 2001 للعام الثالث على التوالي في حين واصل نمو الإنتاج في أوروبا الشرقية انخفاضه في 2001، وهو الانخفاض الذي ظل مستمرا طوال السنوات الثلاث السابقة. وزاد الإنتاج الزراعي الصافي بأسرع معدلاته في تركمنستان (38 في المائة) وأذربيجان (25 في المائة) والمجر (17 في المائة) ورومانيا (16 في المائة) وجورجيا (13في المائة).

الشكل 36

أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة: مؤشرات مختارة

 

وإذا نظر إلى هذا الأمر من منظور طويل الأجل، فإن معظم الاتجاهات الأخيرة في معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي، والإنتاج الزراعي الصافي، تبدو واعدة بصورة كبيرة. ففي غضون السنوات الثماني الماضية (1993-2001 ( تقلص الناتج المحلي الإجمالي والإنتاج الزراعي الصافي في اقتصاديات التحول بمعدل متوسط قدره 0.4 في المائة و 1.9 في المائة على التوالي في كل سنة. وبعد عدة سنوات من "الكساد المرحلي"، استأنف الناتج المحلي الإجمالي نموه الكبير في معظم بلدان التحول في 1999. غير أن الإنتاج الزراعي لم يحذ حذو هدا التحول حتى عام 2001. ويشير النمو الكبير في الإنتاج في 2001 إلى أول سنة من التوسع في الإقليم منذ بداية عملية الإصلاح الاقتصادي. وعلى الرغم من أن النمو قد كان، إلى حد ما، انتعاشا نسبيا بالقياس إلى المحاصيل المنخفضة التي تحققت في العام السابق، فإنه من الممكن اعتبار ذلك علامة على إمكانية خروج القطاع الزراعي في الإقليم من حالة الكساد الناجمة عن التكيف الهيكلي.

الجدول 30

معدلات النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة التي تمر بمرحلة تحول

الجدول 31

معدلات نمو الإنتاج الزراعي الصافي في أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة

الشكل 37

الأرقام الدليلية لصافي الإنتاج الزراعي في أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة

 

حالة الأراضي والمزارع في أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة خلال فترة التخطيط المركزي

عجزت زراعة ما قبل التحول عن تحقيق الزيادات المتوقعة في الإنتاجية نتيجة لنقص الحوافز وسيطرة الدولة واسعة النطاق.

إن الاتجاهات العامة الواردة تفاصيلها أعلاه لا تلمس التغييرات الأساسية الكبيرة التي تحققت خلال السنوات العشر السابقة في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة، كما أنها لا تعكس الفروق الضخمة في الأداء على مستوى البلدان. وتتناول الفقرات التالية أهم التغييرات المؤسسية التي حدثت في الإصلاح الزراعي بوصفها التغييرات الجوهرية التي شهدها القطاع الزراعي في الإقليم.

فقبيل 1989-1990، كان لبلدان أوروبا الشرقية ورابطة الدول المستقلة هياكل تنظيمية ومؤسسية متماثلة في الزراعة. وكان "النموذج السوفييتي" المتمثل في التخطيط الحكومي، والإمداد والتوريد في المزارع الجماعية والحكومية، هو النموذج السائد في هذه البلدان. وكانت الأراضي مملوكة أساسا للدولة، والمزارع منظمة على أساس قطاعين رئيسيين.

وكان القطاع الغالب هو القطاع الحكومي والجماعي الذي يتسم بالمزارع الكبيرة التي توفر فرص العمل لليد العاملة بأجر. وكانت هذه المزارع تحصل على المدخلات من مؤسسات التموين الحكومية وتسلم الإنتاج لمؤسسات التوريد الحكومية. وكانت أسعار السلع التي تسوقها المزارع الحكومية والجماعية موجهة من الدولة مثلها مثل أسعار المنتجات الغذائية المصنعة التي تباع في متاجر الدولة.

وكان القطاع الثاني هو القطاع الخاص الذي يتألف من رقع صغيرة (0.1-0.2 هكتار) يزرعها العاملون في المزارع الحكومية والجماعية بالفاكهة والخضر والبطاطس، ويربون الحيوانات للحصول على اللحم والألبان وذلك في غير أوقات العمل. وكان القطاع الخاص لا يسيطر إلا على جزء ضئيل للغاية من الأراضي، وكان معظم إنتاجه للاستهلاك الذاتي. أما المدخلات فكانت توزع عن طريق المزارع الجماعية الحكومية أو تؤخذ منها. وكان يسمح لعمال المزارع بتسويق فائض الإنتاج لديهم في الأسواق الحضرية حيث كانت الأسعار عادة أعلى مما هي في متاجر الدولة. غير أن القيود على حجم الحيازات من الرقع الخاصة كانت تحد من أنواع وكميات السلع التي يمكن إنتاجها.

وكان هذا النموذج السوفييتي المزدوج قد فرض في الأصل في الثلاثينات في الاتحاد السوفييتي السابق، وفي الخمسينات في أوروبا الشرقية باعتباره وسيلة "لعصر الزراعة" لضمان مصدر للغذاء بأسعار ثابتة للمدن الصناعية. غير أنه ابتداء من الستينات، تم، إلى حد كبير، التخلي عن سياسات الفترة الستالينية (101) لسببين: ركود النمو في الإنتاجية في القطاع (102) والحاجة إلى توفير منتجات حيوانية "فخمة". وأمكن تحقيق هذا المطلب الأخير من خلال تنمية قطاع حيواني صناعي باستثمارات ضخمة في المزارع وزيادة حوافز الإنتاج.

وفي حين كانت طبيعة النموذج السوفييتي في الزراعة آحذة في التغير في الاتحاد السوفييتي السابق وفي البلدان الأكثر تشددا في أوروبا الشرقية، قطعت البلدان الأخرى شوطا كبيرا في نبذ هذا النموذج تقريبا. وكانت جهود بولندا ويوغوسلافيا بعد الحرب في إقامة المزارع الجماعية محدودة نسبيا منذ البداية. وكانت الأراضي تزرع في الغالب بواسطة صغار المزارعين من القطاع الخاص. ورفضت المجر ويوغوسلافيا النموذج السوفييتي في الزراعة في الستينات، وجرى تحرير أسعار المنتجات الزراعية والغذائية بصورة جزئية، وتم التخلي عن التخطيط، وجرى تشجيع التعاونيات وليس المزارع الجماعية أو الحكومية.

غير أن هذه الإصلاحات الملموسة والجوهرية لم تغير ما كان يمكن رؤيته على أنه الجوانب الرئيسية للزراعة الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية. فأولا، أديرت جميع المزارع، حتى في بولندا ويوغوسلافيا حيث توجد ترتيبات للملكية الخاصة، في بيئة الأسعار الموجهة للمدخلات والسلع والضوابط الحكومية واسعة النطاق على التسويق وتوافر المدخلات. وكاد استمرار الحوافز الخاطئة وسيطرة الدولة من الأسباب الرئيسية لعدم نجاح إصلاح الزراعة الاشتراكية في أوروبا الشرقية في أحداث الزيادة الكبيرة المتوقعة في الإنتاجية. وثانيا، حتى التعاونيات الزراعية في المجر ويوغوسلافيا، أديرت في بيئة من معوقات ضعف الميزانية التي لا تعرف فيها كلمة الإفلاس تقريبا.

الإصلاح الزراعي وإصلاح المزارع في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة

حقوق حيازة الأراضي المضمونة والواضحة والقابلة للنقل عناصر جوهرية في الزراعة الخاصة باقتصاد السوق.

ثمة عنصر آخر هو كفاءة الملكية وهيكل الإدارة في المزارع.

لقد تبين أن الخصخصة لا تكفي بمفردها، و كان إنشاء المزارع الأسرية هدفا هاما من أهداف السياسات.

المزارع التجارية متوسطة الحجم ربما تسهم أيضا في بناء زراعة موجهة نحو السوق.

المقصود بالزراعة الموجهة نحو السوق في اقتصاديات ما بعد النظام الاشتراكي هو الاستعاضة عن الجوانب الرئيسية للزراعة الاشتراكية وإحلال البيئة والمؤسسات ذات الصلة باقتصاد السوق. وتشمل هذه المهمة أكثر من مجرد "تصويب وضع الأسعار" إذ يتعين الاستعاضة عن المؤسسات البيروقراطية القديمة وإحلال مؤسسات جديدة مكانها تستجيب بصورة مرنة لإشارات السوق، ومن ثم تكون عرضة للفشل إذا لم تتمتع بالقدرة على المنافسة. وينطوي ذلك على إجراء تغيير جوهري في العلاقة بين الدولة والمنتجين من حيث الدور الذي يمكن أن تضطلع به الدولة في الاقتصاد ومهام ومسؤوليات المنتجين.

وكانت هناك ثلاثة جوانب رئيسية في عملية الإصلاح الزراعي وإصلاح المزارع تكتسي أهمية خاصة في إقامة الزراعة الموجهة نحو السوق. أولها إرساء حقوق حيازة الأراضي المضمونة والواضحة والقابلة للنقل. ويمكن أن تشمل حيازة الأراضي المضمونة حق الانتفاع بالأراضي بصورة يراها المرء ملائمة دون تدخل من الدولة، وحق الحصول على عائدات الاستثمار في الأراضي دون فرض ضرائب تؤدي إلى المصادرة، وحق بيع وشراء الأراضي. ويمكن أن يضمن التطبيق القضائي الموثوق به للعقود، وتسجيل الملكية، حقوق الحيازة المضمونة التي تشكل أساس الأسواق العقارية والرأسمالية الواضحة التي تتسم بالكفاءة. كذلك، فإن حقوق حيازة الأراضي المضمونة علامة على أن العلاقة بين الدولة والمنتجين قد شهدت تغييرا جوهريا. والطريقة الثانية التي يمكن بها للإصلاح الزراعي وإصلاح المزارع أن يسهما في إقامة الزراعة الموجهة نحو السوق، هي من خلال ضمان الملكية المتسمة بالكفاءة وهيكل إدارة المزارع. فالملكية المتسمة بالكفاءة تقلل من تكاليف التحول وتحقق بوضوح حدود ملكية الأراضي والأصول الثابتة ودخل المزرعة. ويدعم هيكل الإدارة الذي يتسم بالكفاءة الإنتاج بأقل قدر من التكاليف.

وقد وصلت جميع بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، ومعظم بلدان رابطة الدول المستقلة إلى الإدراك بأن التعاونيات والمزارع الجماعية والحكومية التي كانت سائدة في الفترة الاشتراكية كانت تنطوي على هياكل ملكية غير كافية، وأخفقت في تشجيع الإنتاج بأقل قدر من التكاليف. وأدى هذا الإدراك إلى خصخصة المزارع باستثناء عدد قليل من بلدان رابطة الدول المستقلة. غير أنه كان هناك إدراك أيضا في أوروبا الوسطى والشرقية وفي منطقة القوقاز ومولدوفا في رابطة الدول المستقلة بأن الخصخصة في حد ذاتها لا تؤدي إلى إقامة مزارع- بهيكل ملكية واضح (ومن ثم يتسم بالكفاءة). واستمرت المزارع الخاصة التي تشكلت على أنقاض المزارع الحكومية والجماعية القديمة في كثير من الأحيان في العمل بنفس الطرق التي كانت سائدة في سابقتها. كما استمرت المزارع في تلقي الإعانات الحكومية التي كانت عادة تتم في شكل ائتمانات من المصرف الزراعي (نادرا ما كانت تسدد)، وتعمل بأعداد مفرطة من الموظفين. وباختصار، فإن خصخصة المزارع لا تحل بمفردها مشكلة "الميزانيات الضعيفة".

وأدى هذا الإدراك، مقترنا بالرغبة في إعادة الزراعة إلى المزارع الأسرية المملوكة للقطاع الخاص، إلى تشجيع معظم بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة على تصفية المزارع الكبيرة ذات الحجم الاشتراكي من خلال إعادة الأراضي إلى أصحابها السابقين أو توزيع الأراضي على العاملي في المزارع. وهكذا أصبحت إقامة الزراعة المعتمدة على المزارع الأسرية هدفا هاما من أهداف الإصلاح الزراعي في هذه البلدان.

غير أن المزارع الأسرية ليست هيكل الملكية والإدارة الوحيد الذي يطبق في مزارع اقتصاديات التحول. ففي كل من بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة، قد تشكل ملكية المزارع في صورة شركة مساهمة مشتركة أو شركة محدودة المسؤولية أو شراكة أو مزارع تديرها الأسرة (على أساس مالك وحيد). وكما يرد أدناه، لم يحقق الكثير من بلدان رابطة الدول المستقلة سوى نجاح محدود في تفعيل دور هذه الهياكل.

والطريقة الثالثة التي يمكن أن يساهم بها الإصلاح الزراعي في إقامة الزراعة الموجهة نحو السوق هي من خلال إقامة فئة من المزارع التجارية متوسطة الحجم. فهذه المزارع تكون كبيرة بصورة تكفي للمشاركة بنشاط في الأسواق، وتكون في نفس الوقت مربحة ومرنة بصورة تكفي للبقاء في بيئة الأسواق الدولية القائمة على المنافسة. وهذه المزارع أكبر من مزارع الكفاف "الصغيرة" إلا أنها أصغر بكثير من المزارع الكبيرة التي كانت قائمة في العصر الاشتراكي.

ومثلما الحال بالنسبة للمهمتين السابقتين، فإن إقامة فئة من المزارع التجارية متوسطة الحجم لا يتحقق عن طريق الخصخصة فحسب. فمزارع الكفاف لا تستخدم الأسواق، في حين تميل المزارع الكبيرة المخصخصة ذات الميزانيات الضعيفة إلى تشويه هذه الأسواق. ولذا، فإن من الضروري وضع قياسات استباقية تروج لتجميع الأراضي واستئجار الأراضي والأسواق العقارية فضلا عن تسوية المزارع الكبيرة المخصخصة التي تواجه معوقات الميزانية الضعيفة.

إرساء حقوق واضحة ومضمونة في حيازة الأراضي

اتبعت بلدان التحول استراتيجيات مختلفة لتحقيق خصخصة المزارع.

ثمة اتفاق واسع النطاق، حتى في بلدان رابطة الدول المستقلة، على ضرورة أن يتضمن الإصلاح الزراعي خصخصة المزارع وزيادة المساحة الخاضعة للحيازات الفردية. وهناك العديد من الأسباب لهذا الأمر. فالافتقار إلى الحوافز في المزارع الجماعية والحكومية كان مشكلة واضحة. وثانيا، فقد رؤي أن تصفية المزارع الجماعية في أوروبا الوسطى والشرقية يمثل وسيلة لإعادة دمج الزراعة في المسار الرئيسي لتطور الأسواق الغربية. وثالثا، فإن الإصلاح الزراعي في الصين (والمعروف بصورة أفضل على أنه الإصلاح الزراعي في العالم الاشتراكي في ذلك الوقت)، والذي يتضمن التوسع في الرقع المملوكة للقطاع الخاص وتأجير الأراضي لفترات طويلة، شجع نمو الإنتاج الزراعي بل والاقتصاد بأكمله. وأخيرا فإنه يبدو أن ارتفاع إنتاجية الرقع الخاصة بالمقارنة بالمزارع الجماعية والحكومية ذات النمط السوفييتي يقدم دليلا مقنعا على تفوق المزارع الخاصة (103) . وهناك تفضيل واسع النطاق للخصخصة في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة (أنظر الجدول رقم 32). والبلدان التي لم تسمح بعد بالملكية الخاصة للأراضي هي طاجيكستان وكازاخستان وأوزبكستان وبيلاروس.

إحدى المزارع الخاصة الصغيرة في المجر

هذا المزارع يملك جرارا ومساحة من الأرض تبلغ نحو خمسة هكتارات. وقد أصبحت أغلب الأراضي الزراعية في أوروبا الوسطى والشرقية مملوكة لمزارعين أفراد.

نجحت بعض البلدان أكثر من غيرها في وضع حقوق واضحة ومضمونة في حيازة الأراضي.

لا بد من التمييز بين مبدأ الخصخصة والاستراتيجية التي تتبع في تحقيقها. وقد طبقت استراتيجيات مختلفة في الخصخصة (104) . فقد اختارت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، باستثناء ألبانيا، إعادة الأراضي إلى أصحابها السابقين، أو الجمع بين إعادة الأراضي وتوزيعها. وفي رابطة الدول المستقلة، فإن البلدان التي اختارت استراتيجية مطلقة، اختارت توزيع الأراضي فيما بين أفراد المزرعة.

وقد استخدمت آليتان في توزيع الأراضي فيما بين أفراد المزرعة. ففي بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، وفي منطقة القوقاز ومولدوفا في رابطة الدول المستقلة، قسمت الأراضي والممتلكات إلى حيازات (رقع من الأراضي) ووزعت فيما بين الأفراد باعتبارها ممتلكات خاصة. أما في بقية بلدان رابطة الدول المستقلة، فقد قسمت الأراضي والممتلكات إلى حصص تمثل حقوق انتفاع في أجزاء مملوكة للدولة من مجموع الأراضي والأصول في المزرعة.

وعلى ذلك، فإن خصخصة المزارع والأراضي لم تنطو بالضرورة على إرساء حقوق للحيازة واضحة ومضمونة. ففي كثير من البلدان حيث خصصت الأراضي الزراعية في شكل أسهم بدلا من رقع مادية، فشلت الخصخصة في إرساء هذه الحقوق. ويبين العمودان 3 و 4 في الجدول رقم 32 هذه الفروق. ولا يستطيع أصحاب أسهم الأراضي في أوكرانيا والاتحاد الروسي تحويل أسهمهم الورقية بسهولة إلى رقع مادية، ومن المشكوك فيه أن يستطيعوا تداول هذه الأسهم (105) .

الجدول 32

خصائص حيازة الأراضي في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة التي تمر بمرحلة تحول

إقامة مزارع بهياكل ملكية وإدارة تتسم بالكفاءة

قامت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية وبعض بلدان رابطة الدول المستقلة بتصفية المزارع الكبيرة، واحتفظت بها بعض بلدان الرابطة الأخرى وإن كانت قد خصخصتها.

بعد أن أدركت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة أن الخصحصة وحدها لا تضمن وجود هيكل ملكية وإدارة يتسمان بالكفاءة، قامت بتصفية المزارع الكبيرة بإعادة الأراضي إلى أصحابها السابقين أو توزيعها فيما بين العاملين في المزارع. ولم يكن هناك اتفاق كبير في بقية بلدان رابطة الدول المستقلة على هيكل الإدارة الملائم للمزارع. وقد احتفظت هذه البلدان بالمزارع الكبيرة وإن كانت بملكية خاصة. وفي كثير من الحالات جرت خصخصة المزارع الجماعية بواسطة العناصر الداخلية مع تحول ملكية الأصول إلى الإدارة والعاملين. غير أن توزيع الأصول (بما في ذلك الأراضي) لم يخضع أبدا لتحديد واضح. وقد أتاح هذا الافتقار إلى التحديد الواضح للملكية، في كثير من الأحيان، استمرار هيكل الإدارة القائم. ويمكن تلخيص ذلك على النحو التالي:

وكان الاعتراض الرئيسي على تصفية المزارع الكبيرة ينبغ من الاعتقاد بأن هذه المزارع أكثر كفاءة من المزارع الصغيرة حيث أنها تتمتع باقتصاديات الحجم. غير أن الواقع يقول إنه لا حجم المزرعة ولا اقتصاديات الحجم هما القضيتان المطروحتان: فالأمر الأكثر أهمية هو كفاءة ملكية وإدارة المزارع مما يتطلب تحديدا واضحا لحقوق الملكية في الأراضي والأصول والدخل.

فبتقسيم المزارع إلى أسهم ملكية نظرية، لا يقوم "الخلفاء" في المزارع الجماعية المخصخصة بتحديد واضح لهذه الحقوق. فتحقيق ذلك بطريقة منصفة يتطلب تقسيم المباني والآلات والأصول العقارية إلى رقع أو قطع مادية كما تم في عمليات تصفية هذه المزارع. وبدلا، من ذلك، فإن هذه الخصخصة للحصة الداخلية لا تمثل سوى شكل آخر من أشكال الممتلكات الجماعية لكل ما تنطوي عليه من مشكلات.

وقد بذلت محاولات في عدد من بلدان رابطة الدول المستقلة لحل هذه المعضلة. فعلى سبيل المثال، سمح للشركات الكبيرة في كازاخستان والاتحاد الروسي وأوكرانيا باستئجار أو شراء الأسهم الوطنية في المزارع. وقد أسفر ذلك في كثير من الأحيان عن تحسين الإدارة وتوظيف استثمارات جديدة وزيادة الربحية. وقد تظهر هذه المزارع أن من قبيل المستحيلات إصلاح مزارع العهد الاشتراكي. فهي دائما أكبر، حتى من أكبر مزارع الشركات الكبرى في الولايات المتحدة، وتدار بطريقة مماثلة للأعمال التجارية. غير أن من الصعب القول ما إذا كانت هذه المزارع سوف تستمر في المدى البعيد.

وعلى العكس من ذلك، فإن تحويل المزارع إلى الملكية الفردية في شكل مزارع تديرها الأسر من القطاع الخاص، أدى إلى وضع مساحة كبيرة من الأراضي في المزارع الأسرية الفردية في معظم بلدان أوروبا الوسطى والشرقية (الجدول رقم 33). وبحلول عام 1997، كان لدى ألبانيا ولاتفيا وسلوفينيا قطاعات زراعية تضم حصصا من الأراضي في المزارع الفردية تماثل تلك الموجودة في اقتصاديات السوق المتقدمة. وينطبق نفس الشيء على أرمينيا وليتوانيا عام 2000.

الجدول 33

نسبة الأراضي الزراعية في الحيازة الفردية في أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة

إقامة المزارع التجارية متوسطة الحجم

حتى في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، لم تسفر الخصخصة فورا عن إقامة فئة كبيرة من المزارع متوسطة الحجم. ومضت عملية تكوين المزارع متوسطة الحجم بصور متباينة في مختلف بلدان التحول.

ثمة مجال ثالث يمكن فيه للإصلاح الزراعي أن يساعد في إقامة زراعة موجهة نحو السوق يتمثل في إقامة فئة من المزارع متوسطة الحجم. ويبدو أن تجربة البلدان المتقدمة الأخرى تتمثل في دعم طائفة معينة (أو بالأحرى واسعة) من أحجام المزارع الملائمة للزراعة التجارية الحديثة والقادرة على المنافسة. فالمزارع "الصغيرة" التي تقل عن 0.5 هكتار، تنتج أساسا لأصحابها، ومن تم فهي ليعست جزءا من الزراعة التجارية. ولم يكن النمط الاشتراكي الكبير للمزارع قابلا للاستدامة في البلدان الغربية. وبين هذين النقيضين يوجد ما يمكن أن يسمى "الفئة المتوسطة" من المزارع التي لا هي مزارع صغيرة ولا مزارع ضخمة على النمط الاشتراكي.

ومرة أخرى، فإن الخصخصة في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة لم تؤد فورا إلى تكوين فئة كبيرة من المزارع الأسرية متوسطة الحجم القادرة على المنافسة تجاريا. وعلى العكس من ذلك أدت إعادة الأراضي لأصحابها الأصليين وتوزيع الأراضي في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ومنطقة القوقاز ومولدوفا، في أول الأمر، إلى تكوير عدد كبير من المزارع التي تتألف عادة من العديد من الرقع المتناثرة من الأراضي. وهذه المزارع صغيرة في العادة بحيث لا يمكن اعتبارها وحدات إنتاج تجارية مهمة، ومع ذلك تساهم بإنتاجها في حركة السوق. أما في بقية بلدان رابطة الدول المستقلة، حيث تمت خصخصة المزارع ذات الحجم الاشتراكي، فإن هيكل الملكية (وفي بعض الأحيان الإدارة) هو هيكل جماعي بدلا من أن يستند إلى الأفراد والأسر.

وثمة مبرر للاعتقاد، في البلدان التي وضعت فيها حقوق الملكية المضمونة، بما في ذلك حق الشراء والبيع والإيجار، بأن الاختلالات الكبيرة التي مازالت قائمة في توزيع الأراضي قد تكون مؤقتة. فعندما يستأجر المزارع الناجح أو يشتري المزيد من الأراضي لدى بيع أصول المزارع المؤسسية غير الناجحة، فإن توزيع الأراضي يصبح بالتدريج أكثر عدالة، بتحويل ملكية الأرض وأصول المزرعة. وتؤيد مسوحات المزارع جزءا من هذا التطور، ذلك أن الكثير من الأراضي المملوكة في أوروبا الوسطى والشرقية قد أصبح مستأجرا الآن أكثر من الوحدات المملوكة. ويمكن أن تساعد السياسات الزراعية في هذا التحول من خلال تيسير عمل الأسواق العقارية والسماح للمنافسة بتغيير هيكل الزراعة بما في ذلك إتاحة الفرصة للمزارع الفردية أو المؤسسية غير الناجحة بإعلان فشلها. كما يمكن أن يساعد الدعم الحكومي العام في تجميع الرقع الصغيرة لإقامة هيكل مزارع أكثر قدرة على المنافسة.

وثمة قلق بالغ بشأن توزيع الأراضي إذ لم توضع بعض الحقوق المضمونة للحيازة، بما في ذلك إعادة هيكلة المزارع الصغيرة. فبدون الحقوق المضمونة في حيازة الأراضي، ومنها الحق في نقل الملكية، يستبعد حدوث تجميع لرقع الأراضي الصغيرة لتصبح مزارع متوسطة الحجم. والواقع أنه بدود توزيع حصص الأراضي في شكل رقع مادية، يستبعد تصفية المزارع المؤسسية. ولذا، فإن محصلة انعدام العدالة في توزيع الأراضي قد تكون انخفاض النمو في الدخل الزراعي في هذه البلدان على المدى الطويل (106) .

الاستنتاجات

يبدو أن بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ومنطقة القوقاز ومولدوفا قد حققت تقدما نحو توفير أساس سليم للزراعة الموجهة إلى اقتصاد السوق أكثر من بقية بلدان رابطة الدول المستقلة. فلم تنجح استراتيجيات التخصيص التي اختارتها البلدان الأخيرة في ضمان حقوق حيازة الأراضي المضمونة والواضحة والقابلة للنقل أو في إقامة هيكل يتسم بالكفاءة لملكية وإدارة المزارع. وعلى الرغم من أن جميع بلدان الإقليم قد زادت من حقوق الملكية الفردية والمزارع الأسرية، فما زال الأمر يتطلب المزيد من الإصلاحات الجوهرية في الكثير من البلدان وخاصة بلدان رابطة الدول المستقلة.

الجدول 34

نسبة الأراضي الزراعية ومتوسط مساحة المزارع الفردية في الولايات المتحدة وعشر دول في الاتحاد الأوروبي وبعض بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة

نساء في مزرعة خاصة يضعن البصل في أجولة لبيعه في أسواق بودابست

لا شك في أن إيجاد فئة من المزارع التجارية متوسطة الحجم هو إحدى الطرق الممتازة التي تساهم بها عمليات الإصلاح في إنشاء سوق زراعية.

لا تؤدي الخصخصة بمفردها إلى إقامة اقتصاد يتسم بالكفاءة للسوق الزراعية، كما أنها تحتاج إلى سياسات حكومية نشطة.

وبعبارة أخرى، فإن مهمة إقامة زراعة موجهة نحو السوق قادرة على المنافسة ومستدامة في اقتصاديات ما بعد النظام الاشتراكي تتألف من توفير بيئة للسياسات ومؤسسات لاقتصاد السوق وتعزيز المزارع التجارية الجديدة التي تستجيب بصورة مرنة لإشارات السوق وتنتج وتسوق بصورة تنافسية. ولم تنجح الخصخصة بمفردها في تحقيق هذه المهمة. بل إن التجربة قد أظهرت أن وضع حقوق واضحة لحيازة الأراضي وهياكل تتسم بالكفاءة للملكية والإدارة وإقامة فئة من المزارع التجارية متوسطة الحجم هي النتيجة المنطقية للسياسات الأكثر شمولا. ويشمل ذلك تدابير لنقل ملكية الأراضي وغير ذلك من الأصول الإنتاجية إلى الأفراد واتخاذ تدابير لتيسير قيام سوق تعمل بصورة جيدة لبيع الأراضي وتأجيرها، فضلا عن بيئة للسياسات تسمح للمزارع بالتكيف مع أوضاع السوق ولا تعزز الهياكل القديمة غير القادرة على المنافسة.

الهوامش

  الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحةلصفحة المقبلة