NAPC) التابع لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بمساعدة مشروع منظمة الأغذية والزراعة GCP/SYR/006/ITA الممول من قبل الحكومة الإيطالية في دمشق خلال الفترة 6-7 كانون الأول 2003 . وقد ركزت المناقشات على الحاجة إلى المشاركة في التجارب وتطوير الإمكانات المؤسسية في مجال السياسات الغذائية والزراعية على المستوى القطري وتحديد النقاط المشتركة ومجالات التكامل مع مساعي التعاون الإقليمي والدولي . وتعرض هذه الوثيقة نتائج المناقشات التي تمت في ورشة العمل والأوراق المعدة من أجلها . وتشمل تلك الأوراق الواقع الحالي وقضايا وآفاق السياسات الغذائية والزراعية في منطقة الشرق الأدنى واستعراضاً لأدبيات وتجارب المتطلبات المؤسسية والمنهجيات المتبعة في مجال تحليل السياسات بما فيها تطوير الإمكانات . وأخيراً تم التعرض بالتفصيل إلى المركز الوطني للسياسات الزراعية كمثال حي للبناء المؤسسي وتطوير الإمكانات . ونأمل أن تتم متابعة القضايا التي تم طرحها والتوصيات التي تم التوصل إليها ضمن إطار شبكة السياسات الزراعية لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا (NENARNAP) التي تم إنشاؤها مؤخراً . ">

الصفحة السابقة بيان المحتويات الصفحة التالية


5-2 تطور تحليل السياسات الغذائية والزراعية: استعراض المتطلبات المؤسسية والمنهجيات


القسم الأول – البحوث والسياسات : الروابط والتبعية –

لوكا سالفاتيشي10

 

ملخص

1-

مقدمة

2-

أبحاث العلوم الاجتماعية في مجال الزراعة ذات العلاقة بالسياسات

3-

تحليل السياسات : الحوافز والأداء

ملخص

تسعى هذه الورقة إلى التوصل إلى فهم مشترك لما يعنيه تعبير تحليل السياسات وذلك من خلال طرح الإطار العام للتخطيط وتقييم انعكاساته من حيث تأثيره على عملية صنع السياسات وتقديم فهم مشترك حول تطوير المهارات في مجال تحليل السياسات الغذائية والزراعية . وتستعرض الورقة الأدبيات المتوفرة وتجارب منطقة الشرق الأدنى وكذلك التجارب من خلال الإجابات على الاستبيان الذي تم توزيعه على المشاركين في ورشة العمل من خلال استبيان تم توزيعه عليهم (المرفق 2) وكذلك من التجربة العالمية .

بالرغم من عدم وجود علاقة بسيطة بين التحليل والقرار ، فحسب مايراه العديد من الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية فإن التأثير على صانعي القرار يشكل نتيجة مقصودة أو متوقعة من أبحاثهم. وهناك الكثير من الأدبيات المتاحة التي تعالج طبيعة العمليات المتعلقة بالسياسات وحول ما إذا كانت الأبحاث تقدم المعلومات حول السياسات العامة . وقد تم الإطلاع على الأدبيات الرئيسية المتعلقة باستخدام المعرفة في عملية صنع القرار و كذلك الأطر التي تفسر كيفية حدوث تغيرات السياسات . ويبدو أن للمفاهيم المختلفة لعملية صنع السياسات انعكاسات مختلفة على مدى قدرة الأبحاث على التأثير على السياسات وعلى كيفية تصميم الأبحاث لتتمكن من التأثير على تلك السياسات . وعلاوةً على ذلك فإن لكل من هذه المفاهيم انعكاسات مختلفة على من يشار إليهم بصانعي القرار في المجتمع و / أو من يجب أن يتم توجيه الأبحاث إليهم . فعلى سبيل المثال توجه بعض الانتقادات للنظرة التقليدية "لوظيفة الإيحاء" التي تقوم بها الأبحاث وذلك من قبل من يتساءلون ما إذا كانت المؤسسات البحثية تؤثر بشكل فعلي على السياسات أو ما إذا كانت الأبحاث تستخدم فقط من أجل التبرير .

وبالاستفادة من الأدبيات المتاحة تناقش هذه الورقة بشكل مطول كيف و لمن يمكن تقديم تحليل السياسات . و. وفي هذا المنظور فتتعلق القضايا المتعلقة بتحليل السياسات وتقديمها بما يلي :

  • الهيكل الجماعي للمنظمات التي يمكنها المشاركة في تحليل السياسات الزراعية والغذائية (بشكل أولي على الأقل) : هل هناك موارد مالية وبشرية غير موجهة ؟
  • مصدر الموارد اللازمة للتحليل : هل هناك فرص للتمويل الخاص ؟
  • الدعم المؤسسي : ماهي أكثر الأشكال فعالية لتقديمه ؟
  • "واقع" مؤسسات تحليل السياسات : ما هي درجة الاستقلالية والاستقلالية المالية التي يجب أن تحظى بها ؟
  • التنظيم والإدارة : كيف يمكن توظيف الكادر المؤهل (والاحتفاظ به) ؟
  • قنوات الاتصال بين محللي السياسات وصانعيها : ماهي الاستراتيجيات الأكثر فعالية من أجل الربط بين السياسات والأبحاث ؟
  • المتابعة والتقييم : ماهي الآليات التي يمكن أن تحقق فائدة الأبحاث وجدوى استخدام الموارد العامة ؟

وبينما تركز الكثير من المناقشات (وكذلك الأدبيات) على عموميات التغيير المؤسسي فيتضمن القسم الثاني من هذه الورقة استكشافاً للتجارب الفعلية في مجال تطوير المقدرات في مجال تحليل السياسات .

 

يستعرض القسم الثاني القضايا المفاهيمية حول وظائف تحليل السياسات ويمثل حالات مختارة من مختلف المنهجيات في تطوير المقدرات في مؤسسات القطاع العام . وتتراوح مثل هذه المنهجيات بين البناء المؤسسي بهدف تعزيز أو إنشاء وحدات خاصة أو مؤسسات تحمل مهام تحليل السياسات إلى بناء المقدرات ذات التوجهات الخاصة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي . وتشير المنهجيات التي تم استعراضها والاستبيانات التي تم تنفيذها إلى النتائج الأولية القائلة بأن بناء المؤسسات وتطوير المهارات يقتضي عادةً بذل جهود حثيثة وطويلة المدى واهتماماً بفعالية كفاءة تشغيل الوحدات والمؤسسات المعنية بمهام تحليل السياسات . كما أنها تشير إلى أهمية الروابط بين مؤسسات القطاع العام والمؤسسات الأكاديمية / البحثية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وكذلك إنشاء شبكات عمل بين المؤسسات البحثية . وأخيراً يستكشف القسم الثاني ويستعرض مدى الرغبة بتنفيذ فعاليات تطوير المهارات الإقليمية والدولية في مجالات السياسات ذات العلاقة بمختلف الدول أو مجالات السياسات ذات الطبيعة الإقليمية .

القسم الأول – الأبحاث والسياسات : الروابط والتبعية
– لوكا سالفاتيشي

1- مقدمة










تعرض دور الدولة في الكثير من الدول النامية للتغير خلال السنوات الخمسة عشر الماضية . هناك العديد من العوامل التي أثرت على وضع الدولة ويبدو أنه من الجدير بالذكر الإشارة إلى أمرين : التكامل الإقليمي و مسألة السيادة – والانتقال إلى اقتصاد السوق والقوة المتزايدة لشركات القطاع الخاص والأفراد . يتزايد اهتمام الدولة بالمؤسسات والقوانين والأسواق والموارد بالإضافة إلى المهارات الإدارية للمزارعين . تتطلب عملية إنشاء الهيكل التنظيمي المرن الكثير من الحكومات مما يقتضي منها المباشرة بالفعاليات الجديدة والتخلي عن بعض الفعاليات التي كانت تقوم بها منذ القدم .

يتزايد اهتمام وزارات التجارة والصناعة ووزارات البيئة والجهات المستقلة بالسياسات الغذائية. وفي الواقع فإن مفهوم القطاع الزراعي أصبح أكثر اتساعاً وشمولية وذلك نظراً لزيادة أهمية التصنيع الزراعي وما يتعلق به من شبكات نقل و نظام التوزيع بأكمله (Timmer 2003) . وبالإضافة إلى ذلك فقد ظهر مفهوم التنمية الزراعية الذي يعني تنويع الاقتصاد المحلي . وأخيراً فقد ظهرت الاهتمامات البيئية لتكتسب المزيد من الأهمية ابتداءً من الحاجة إلى إدارة الموارد البيئية بشكل أفضل إلى التخلص من العديد من أنواع التلوث .

وقد ظهرت تحديات جديدة أدت إلى تغيرات في تنظيم السياسات الغذائية والزراعية . ويشكل الأمن الغذائي حالياً أحد الأهداف المتعددة بينما تتطلب العولمة والتطورات السريعة في مجال العلم والخصخصة والتحرير الاقتصادي وتحديات إدارة الموارد المستدامة والتنويع أموراً جديدة . وبالنسبة للدول النامية تشكل ندرة الخبرة والمعوقات المالية عقبة كبيرة نظراً لعدد القطاعات المعنية و مواجهة تكاليف هذه التحديات الجديدة ( Maxwellو Slater 2003) . ويجب أن يتم توجيه التحول باتجاه المزيد من الفعالية والكفاءة من خلال التحليل الموضوعي والتفكير الجماعي والتجارب السابقة والأفكار الجديدة والمبادرات الناجحة التي قام بها الآخرون.

ويتعلق هذا الجزء من هذه الوثيقة بالعلاقة بين البحث والسياسات ، وخاصةً حول كيفية تطوير أبحاث السياسات وكيفية استفادة السياسات من تلك الأبحاث . وبما أن أحد أهداف ورشة العمل يتمثل في تطوير المقدرات في مجال تحليل السياسات الغذائية والزراعية ، فقد يعتقد أن تلك العلاقة هي عبارة عن علاقة مباشرة حيث يتم تصميم البحث الجيد ليكون ذو علاقة بالسياسات ويتم تقديم نتائجه بطريقة قابلة للاستخدام من قبل صانعي السياسات وتعتمد عملية صنع السياسات الجيدة على نتائج الأبحاث المفيدة . وفي الواقع فإن هذا الأمر بعيد عما هو قائم فعلياً .

هناك الكثير من الأدبيات حول هذا الموضوع وفي العديد من نظم العلوم الاجتماعية مثل : العلوم السياسية وعلم الاجتماع وعلم الإنسان والإدارة على سبيل المثال . ونسعى هنا إلى مراجعة بعض هذه الأدبيات والاستفادة من إمكانية معالجة متطلبات تحليل السياسات . وبالتالي فتبدأ هذه الورقة (الفقرة 2) بمناقشة موجزة لسبب تنفيذ تحليل السياسات الغذائية والزراعية وماتتكون منه . ومن ثم نتعرض لمسألة قيمة تحليل السياسات .

وتناقش (الفقرة 3) من الورقة تبعية و آلية عمل مؤسسات تحليل السياسات . حيث يشكل موضوع من و لمن يتم تحليل السياسات المسألة الهامة في هذا المجال حيث أن نوع التحليل المنفذ غالباً ما يعتمد على نوع المؤسسة أو الجهة التي تنفذ البحث . وبعد ذلك سيتم البحث في مسألة كيفية تأثير البحث على السياسات و كيفية استفادة السياسات من الأبحاث . وأخيراً نتعرض لمسألة هامة هي تقييم الأداء : كيف يمكن تحديد ملاءمة وكفاءة وفعالية المؤسسة البحثية ؟ ويتم في الخاتمة (القسم 4) تجميع جميع هذه الخيوط مع بعضها البعض و طرح المواضيع اللازمة للمناقشة .

وتتم الإشارة قدر الإمكان إلى الإجابات على الاستبيان الذي تم إرساله للحصول على المعلومات المتعلقة بالإمكانيات المؤسسية في مجال تحليل السياسات الغذائية والزراعية12 . سوف يساعد استعراض الإمكانات المؤسسية المتاحة في مجال تحليل السياسات الزراعية والغذائية في مختلف الدول سيساعد كلاً من تلك الدول على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى وإنشاء العلاقات الإقليمية بين المؤسسات التي تقوم بتقديم الخدمات المشابهة للحكومات والدول المعنية ولتحسين قدرة المجتمع الدولي المانح على مساعدة تلك الدول عند الحاجة للتعديل والتطوير . ونستخدم نتائج الاستبيان للاستفادة من بعض العبر حول طريقة زيادة تأثير أبحاث السياسات الاقتصادية على قرارات السياسات .

وفي الواقع فإن النقاط الواجب دراستها قد تختلف من دولة إلى أخرى وكذلك تختلف الأهمية النسبية للمواضيع المختلفة . وبالتالي فليس هناك محاولة لتقييم المؤسسات المعنية حيث أن هذا سيتطلب أن نأخذ بعين الاعتبار الإطار الخاص الذي تعمل فيه كل من تلك المؤسسات : التاريخ السياسي ونظام التبعية الذي تخضع له المؤسسة - نوع الرابطة بين السياسات والأبحاث - نوع البحث المنفذ. وبالتالي فإن الحالات المشار إليها هي مجرد أمثلة وهي لا تمثل "الدليل" التجريبي الوحيد على الطريقة التي يتمثل فيها التغيير المؤسسي .

وأخيراً يجب الإشارة إلى أن القسم الأكبر من الأدبيات حول تحليل السياسات يعتمد على تجربة الدول المتقدمة . لذا فيمكن الإشارة إلى أن العديد من القضايا التي تطرحها تلك الأدبيات نادراً ماتكون ذات علاقة بمنطقة الشرق الأدنى . وبالرغم من أنه قد يكون من الصحيح أن بعض المخاوف التي تتم معالجتها بعيدة عن تجربة الكثير من الدول النامية فإننا نعتقد بوجود الفائدة من مقارنة كيفية أداء المؤسسات المختلفة للمهام ذاتها في البيئات المختلفة . فقد تشير المنهجيات المختلفة إلى وجود طرق أفضل لتنفيذ عمل تحليل السياسات حيث يسمح اتباع تلك الطرق للمؤسسة بإحداث تغييرات ذات معنى . وحتى اعتبرت القضايا المطروحة هنا على أنها قضايا تأشيرية فإنها قد توفر "سلة أفكار" يمكن للمشاركين في الورشة استخدامها للحصول على العبر المفيدة .

2- أبحاث العلوم الاجتماعية في مجال الزراعة ذات العلاقة بالسياسات

ناقشت الفقرة السابقة سبب ماهية تحليل السياسات الغذائية والزراعية ومكوناتها . وبعد السبب والمكونات يظهر سؤال ماهو كم مايجب دراسته وماهي قيمة تحليل السياسات ؟

تحليل السياسات بعض المفاهيم العامة

من ناحية عامة يمكن تعريف "صنع السياسات" بشكل واسع جداً حيث يضم أية مجموعات من العمليات والفعاليات والإجراءات التي تظهر في قرار . ويمكننا الإشارة إلى مجال واسع من صانعي القرار : ابتداءً من أرباب الأسر إلى صانعي السياسات الحكومية" Carden و Neilson 2002 – ص 3 . ولأغراض هذه الورقة ومع أن السياسات تعرف على أنها سياسات عامة بينما تحليل السياسات ينفذ بشكل مشترك من قبل مجموعة من الجهات حيث يتبع البعض منها للدولة أو يتلقى التفويض منها والبعض الآخر يعمل بمبادرته الشخصية مثل الأكاديميين والمجموعات المهتمة والصحافيين حيث أن الحكومات قد تصغي وقد تستجيب أيضاً للجهات المعنية الأخرى .

ويمكن الإشارة إلى مصطلح "تحليل السياسات" على أنه "مجموعة المنهجيات المخصصة لدراسة صنع السياسات . وعندئذ يتعلق تحليل السياسات بتطوير وتطبيق مجموعة من المفاهيم الاجتماعية والعلمية للمساعدة على حل المشكلات العامة من خلال تدخلات السياسات الحقيقية" (Hajer 2003 – ص 181)13 . وحسب هذا التعريف يصنف تحليل السياسات من ناحية من خلال إعداد المعرفة اللازمة للسياسات والتي تتصف بكونها علمية وليس سياسية ، ومن ناحية أخرى من خلال السلوك لتوجيه المشكلة الذي ينجم عنه مفاهيم تدخليه للسياسات اللازمة لتغيير مجرى أحداث معينة .

إن أية عملية تحليل السياسات تعتبر عملية وصفية وتنبؤية ، حيث يقوم المحلل بالوصف لأنه يخبرنا عن تغيرات السياسات اللازمة لتحقيق سلوكيات جديدة14 . كما يقوم المحلل بالتنبؤ لأنه يخبرنا أنه إذا ما تم تطبيق تغيرات خاصة في السياسات فسوف تطرأ سلوكيات جديدة . ولكن بالطبع فغالباً مايكون هناك خطأ في تشخيص المشكلات وبالتالي فيتوقع أن يكون هناك خطأ في الوصف والتنبؤ . ويجب أن يكون هناك آليات وإجراءات قادرة على تقييم نتائج السياسات الجديدة مقابل الأهداف المعلنة والسماح بالتصحيح والتعديل عند ظهور الاختلافات .

وحسب Barbero - 2000 فإن البحث والتحليل المطبق على السياسات الغذائية والزراعية "يمكن أن يوصف بشكل مناسب على أنه عملية إعداد المعلومات المتقدمة (مثل آثار السياسات الفعلية أو المتوقعة) وذلك من خلال استخدام المعلومات الأساسية . ويفهم الأمر الأخير حالياً على أنه يتكون من المعلومات الثانوية : أي البيانات التي تقوم بتجميعها وتوفيرها مكاتب ومديريات الإحصاء ، وكذلك من البيانات الأولية : أي البيانات التي يتم تجميعها مباشرةً من قبل مركز البحث لأغراضه الخاصة . لذا فمن الواضح أن كمية ونوعية المعلومات الأساسية تلعب دوراً هاماً في أي عمل بحثي وأنه يجب إيلاء الاهتمام الخاص لفعاليات تقصي الحقائق" (ص 8) .

ومن خصائص كفاءة النظام هو ما إذا كان النظام مصمماً بشكل يمكنه من توفير المعلومات الإدارية بنفسه . وفي حالة السياسات الغذائية والزراعية ، فإن المعلومات اللازمة لاتقتصر على تقييم عمل نظام تقديم السياسات و إنما على توفير الملاحظات لمستشاري السياسات وصانعيها ، أي كمدخل لعملية صنع السياسات الديناميكية . وعلى سبيل المثال ، إذا كان هناك مجال للاعتقاد بأن فعالية السياسات الحالية غير كافية ، فيجب تقديم التوصيات لتحسين عمل النظام . وفي حالات أخرى ، فقد ترغب الحكومة في تغيير أدوات السياسات لأغراض لاتتعلق بكفاءة السياسات الفعلية (مثلاً من أجل التوافق مع التزامات منظمة التجارة العالمية) : وبالتالي فسيكون من الهام معرفة ماإذا كان هناك أدوات أخرى يمكن استخدامها.

ضمن هذا المنظور فإن المنهج الاقتصادي مناسب بشكل خاص لتحليل بدائل ونتائج السياسات . ويستخدم الاقتصاد أكثر من أي علم أو نظام آخر الأطر التحليلية المصممة لتقييم البدائل والتكاليف والفوائد . وعلاوةً على ذلك فإن هذه الأطر مرنة بما يكفي لاستيعاب مجموعة واسعة من اهتمامات السياسات وأهدافها .

وكما هو معروف فإن القسم الأكبر من السياسات يعتمد على القضايا الاجتماعية والاقتصادية أكثر منها اقتصادية . وحتى في هذا الحال فلا يمكن استخدام هذا الأمر كعذر لتجنب ملاءمة تحليل السياسات : ويكمن جزء هام من الشفافية على معرفة وفهم تكاليف الفرص البديلة لقرارات السياسات العامة . ويحتاج صانعوا السياسات وغيرهم لمعرفة تكاليف الفرصة البديلة للقرارات حتى ولو تمت التضحية بالأهداف الاقتصادية من أجل الأهداف السياسية والاجتماعية .

 

يتضمن الاستبيان سؤالاً (4-5) حول مجالات السياسات الرئيسية الخاصة بالمؤسسات المعنية بتحليل السياسات في كل بلد . وتشكل الزراعة أكثر القضايا أهميةً حيث يصل وسطي حصتها إلى 45% . ويعتبر الأمن الغذائي و التنمية الريفية المجالين الإضافيين اللذين تمت الإشارة إليهما ولكن بحصص أقل بكثير (13% و 10% على التوالي) . أما المواضيع الممكنة الأخرى مثل الحراج – الري – البيئة – الخدمات المالية الريفية – فهي نادراً ماتذكر . ومن الجدير بالملاحظة أن مجال السياسات الذي يتمتع بالأهمية الكبرى في القسم الأكبر من الدول المتقدمة مثل الأمن الغذائي لم يذكر في برامج عمل المؤسسات المعنية . ومن المؤشرات المفيدة الأخرى ماتظهره حقيقة أن السياسات في مجالات التجارة و الصناعة غالباً ماتكون ولو جزئياً على الأقل خارج نطاق عمل المؤسسات العاملة في مجال تحليل السياسات الزراعية (السؤال 4-6) .

وبالإشارة على القطاع الزراعي الذي يعمل ضمن إطار اقتصادي واجتماعي ومؤسسي معين ، فيجب أن يساعد تحليل السياسات على تشكيل استراتيجية تتضمن الرؤية حول الشكل الذي يجب أن يظهر عليه القطاع في المستقبل و خطة عمل تظهر كيفية تحقيق تلك الرؤية . وهناك عدة طرق يمكن لتحليل السياسات من خلالها أن تساعد على وضع وتبني استراتيجية التنمية في القطاع الزراعي15 وذلك ضمن إطار عمل السياسات الذي حدد مسبقاً طبيعة وترتيب الأهداف الاقتصادية الاجتماعية العامة

1- تحديد أهداف السياسات الغذائية والزراعية المتناسبة والفعالة والتي يجب أن تساهم في تحقيق الأهداف العالمية الشاملة لكي تتمكن الدولة من تحقيق التكامل في تداخلاتها .

2- تحديد وتقييم الخصائص القطاعية الهيكلية الرئيسية وتحديد العوامل التي تمثل الفرص التنموية والمعوقات وإعداد مراجعات نقدية حول انعكاسات السياسات الغذائية والزراعية .

3- تحليل وتقييم البدائل المتاحة لصياغة السياسات البديلة وآليات التدخل في قطاع الأغذية والزراعة وكذلك في المناطق الريفية . وضمن هذا الإطار فقد يكون من المفيد تذكر أن نتائج تحليل السياسات تتراوح بين الحلول البديلة المرتبة بشكل بسيط بين مجموعة من السياسات والمؤسسات إلى تحديد المخطط التفصيلي للسياسات الواجب تطبيقها والمؤسسات الواجب بناؤها .

4- تمكين الدولة من الدخول في الحوار العالمي من أجل أن تلعب الأولويات الوطنية دور الموجه للمفاوضات المتعددة الجهات والثنائية .

5- تعزيز إدراك المفاهيم الاقتصادية وقضايا السياسات بين مختلف الجهات المعنية بالإضافة إلى تطوير قطاع الأغذية الزراعية الحديث وأشكال الإنتاج الزراعي المستدامة . ومن أجل تحقيق هذا الهدف يمكن بذل جهود تطوير الإمكانات ، فعلى سبيل المثال يمكن تنفيذ الدورات التدريبية على تحليل السياسات .

6- العمل كمنتدى، مؤهل لحوار السياسات بين صانعي السياسات والمدراء والخبراء، يسعى إلى تحديد اهتمامات السياسات الحالية وصياغة الأبحاث في الوقت المناسب للعمل كأساس لاستعراض السياسات ووضع المقترحات . وقد يساهم هذا الأمر في خلق الجهود الجماعية بين مختلف المؤسسات والمجموعات في المجتمع أو قد يوفر ذخيرة المعارضة . وفي الواقع فيمكن لكل من صانعي السياسات ومجموعات المصالح الاستفادة من الأبحاث لاتخاذ موقف مؤيد حيث أن المواقف التي لاتستند إلى مبرر فني قد تتعرض لخطر تصنيفها على أنها مجموعة أخرى من الآراء فقط . ومع ذلك فإن تأييد السياسات يجب أن لايختلط مع الباحثين الذين يتراجعون ليلعبوا دور مؤيدي السياسات وخدمة المصالح السياسية لمستخدمي الأبحاث .

وفي الواقع فإن تعدد المهام يعكس عددا من "الزبائن" (المحتملين) والمهتمين بالاستفادة من نتائج تحليل السياسات . وتشارك العديد من الجهات في عملية صنع السياسات وتستخدم العديد من مصادر المعلومات لهذا الغرض . وقد أكدت نتائج الاستبيان أن المؤسسات التي تم الاتصال بها تقدم الخدمات للعديد من الجهات المعنية ابتداءً من الحكومة ومروراً بالمنتجين الزراعيين (المزارعين وشركات الأعمال الزراعية) والجامعات والمنظمات الدولية والمستهلكين وصولاً إلى الجمهور العام الذي يذكر بين المستخدمين النهائيين الرئيسيين (السؤالين 2-3 و 6-5) .

غالباً ماتناضل مؤسسات تحليل السياسات لتحقيق المعادلة بين أهداف متعددة وهو أمر له انعكاسات كبيرة على تنظيم البحث وتحديد أولويات خطة العمل . وحسب الإجابات التي تم تلقيها على الاستبيان (السؤالين 4-1 و 4-2) فإن أكثر الأهداف انتشاراً هو تعزيز وتدعيم الإمكانات لإنجاز واستخدام أبحاث السياسات وتطوير إمكانات المشاركة في عملية السياسات . أما الهدف الثاني فغالباً مايشار إليه بإعداد المراجعات النقدية لتقيم انعكاسات السياسات و تسهيل / تعزيز حوار السياسات بين الباحثين وصانعي السياسات والجهات المعنية الأخرى .

المنهجيات البديلة لتفسير عملية تحليل السياسات الغذائية والزراعية

من أجل توضيح السبب المحتمل لوجود تحليل السياسات الغذائية والزراعية من الضروري النظر إلى عملية السياسات . ففي الكثير من الحالات تفرض الطبيعة المعقدة للسياسات الغذائية والزراعية تحديات على من يرغبون بفهمها . وليس هناك نموذج واحد أو نظرية واحدة لتفسير جميع خبايا وخفايا السياسات المعقدة بطريقة مرضية . ومع ذلك فإذا لم يضع المرء نصب عينيه بعض التفسيرات للدوافع والإجراءات التي يقوم بها صانعوا القرار فعندئذ تصبح السياسات مجرد عملية اعتباطية16 حيث لا يتمكن محللو السياسات أن يلعبوا أي دور مفيد . وبالتالي فلا يتم تصنيف النظريات المختلفة من حيث قدرتها على فهم عمليات السياسات و إنما تتم مراجعة بعض مقاييس صنع القرار الرئيسية للحصول على أي تلميح يفيد في فهم فائدة تحليل السياسات .

يلخص النموذج المنطقي صنع السياسات على أنها عملية حل مشكلات متوازنة وموضوعية وتحليلية . وبالتالي يفترض أن يشكل تحليل السياسات السرعة الهادئة للمنطقية العلمية حيث يقدم معرفة غير قابلة للجدل تعزز الإمكانات الإدارية . ويتم اتخاذ القرارات في هذا النموذج من خلال سلسلة من المراحل المتتالية : "

  • معرفة وتحديد طبيعة المسألة التي يجب معالجتها .
  • تحديد مصادر الإجراءات الممكنة لمعالجة المسألة .
  • تحديد مزايا وعيوب كل من هذه البدائل .
  • اختيار البديل الذي يحقق أفضل الحلول .
  • تنفيذ السياسة .
  • تقييم النتائج" (Sutton 1999 - 9) .

ينظر إلى المعرفة على إنها مسألة حيادية أو غير سياسية ، لذا فسوف يتم إقناع صانعي القرار بالخيار الأكثر دقة أو الأكثر علمية . وينظر إلى عملية صنع القرار على أنها فعالية لحل المشكلات تتطلب مشاركة مكثفة للخبرات . وحتى ولو كانت درجة إقناع أو شمولية البحث ضعيفة لتشكل عاملاً محدداً لعملية صنع القرار فإن نتائج الأبحاث التراكمية تحول اهتمامات صانعي القرار عن الأسباب والمشكلات والانعكاسات المحتملة لتدخلات السياسات . وبالتالي فإن هذا المنظور يلخص العمليات التي يتم من خلالها تبسيط المعرفة ونقلها ولكنه لا يحلل ديناميكيات نوع المعرفة التي تجد طريقها إلى السياسات ومن يؤثر على المعرفة (Stone et al 2001) .

باستخدام مثل هذا الأساس المعياري فغالباً ما كان الخبراء الاقتصاديون يستخدمون منهج تحليل انعكاسات السياسات بافتراض أن مجموعة إجراءات السياسات داخلة ضمن نظام معين وتحقق وظائفها بشكل كامل من خلاله وتحقق الأهداف المطلوبة منها بشكل دقيق . وقد ركزت اقتصاديات الرفاه الحديثة بشكل كبير على النظرية المعيارية للخيار العام والتي تؤدي إلى توصيات سياسات تؤدي إلى زيادة بعض إجراءات الرفاه الاجتماعي . ومع ذلك فإن الإخفاقات الواسعة الانتشار للنموذج الخطي قد أدت إلى إدراك متزايد بأن مبدأ "إحصل على الحقائق الصحيحة أولاً" لم يعد يشكل استراتيجية مناسبة لتحليل السياسات .

يؤثر التركيز على حدود المعرفة على فهمنا لتحليل السياسات . فأولاً هناك إدراك متزايد لأن القرارات لايمكن أن تتخذ عند توفر المعرفة المناسبة فقط . وثانياً "وفي ضوء ماذكر أعلاه ، فإن تحليل السياسات قد يعنى بتحديد عدم توفر المعرفة بقدر مايعنى بتوفير تلك المعرفة . (Hajer 2003 – ص 185) . وثالثاً فإننا نتحرك خارج نطاق المفهوم القائل بأنه يجب النظر إلى التقليد السياسي والثقافة على أنهما "الصندوق الأسود" الذي لايعمل بطريقة سليمة . ويتم تبني السياسات بشكل فعلي وفي الواقع فهي غالباً ماينظر إليها على أنها تختلف عن مايروج له خبراء الاقتصاد الذين يعملون في مجال الرفاه ولكن ينظر الاقتصاديون للكثير من الفوارق على أنها فشل السياسيين في مقاومة الضغط الذي تقوم به الجهات المهتمة .

إن النماذج المنطقية وغير السياسية تشكل دليلاً ضعيفاً لحقيقة صنع السياسات . وإذا ما أقرت بأن هناك معوقات عملية لعملية صنع القرار العقلانى ("المنطقية المقيدة") ، فيجب أن يكون هناك إقرار بأن صانعي القرار يختارون تطبيق سياسات التعديل التي ترضي (بدلاً من أن تحقق بالشكل الأمثل) تحقيق الأهداف التنظيمية والتي تكون مقبولة في مواجهة الطلبات المنافسة . وتلقي النظرية الحديثة للخيار العام بعض الضوء على بعض الطلبات المنافسة وتنظر إلى الضغوطات الناجمة عن المصالح الخاصة على أنها الإجراءات المنطقية التي يقوم بها الأفراد والمجموعات لتحسين رفاهها بدلاً من أن تكون معوقاً للتشغيل المثالي للعملية السياسية . وعندئذ تقدم تلك النماذج إطاراً لتحليل أدوار السياسيين والبيروقراطيين ومجموعات المصالح في محاولة لتفسير إجراءات الحكومة : حيث يكون الموظفون الحكوميون والسياسيون عمليين وواقعيين بشكل كامل ويسعون إلى ضمان قدرة الحكومة على العمل والتكيف مع طلبات مجموعات الضغط ومع الأزمات عند نشوئها .




قد تبدو عملية التغير التي يتم تحقيقها من خلال هذا النوع من المساومة السياسية بطيئة بشكل كبير ولا يبدو أن هناك الكثير من المجال للمعرفة لتجد طريقها إلى السياسات . ويلخص ستون وزملائه (2001) الأسباب الرئيسية لتهميش الباحثين في عملية صنع القرار فيما يلي :

  • أن عمليات السياسات التراكمية تشجع القوى المؤيدة للواقع والمعارضة للتحديث.
  • أن الإبداع يخضع للإهمال و الإعاقة .
  • أن الأفكار أو الأبحاث الجديدة يمكن أن تهمل على أنها غير واقعية .
  • أن التركيز على تطوير الأهداف والخطط الواضحة منخفض .
  • أن المشكلات الصعبة التي تتطلب تغيرات كبيرة لحلها تتعرض للإهمال .
  • أن نتائج البحث الهامة قد تهمل بسبب الاستثمارات المكلفة للسياسات الحالية.
  • أنه لابد من الأزمات السياسية (الفضائح أو الأحداث المؤلمة) قبل أية عملية إعادة تقييم كبيرة للسياسات .

ومن ناحية أخرى فيمكن الإشارة إلى أن السياسات التي يتم التوصل إليها من خلال عملية المساومة والتوصل إلى إجماع والتعديل المشترك قد تكون أفضل نوعيةً من السياسات التي تعتمد على "المنطق" وتحليل التكاليف – المنفعة الشاملة . وفي الواقع إذا لم ينظر إلى الخبرات على أنها معرفة موضوعية وإنما على أنها معلومات متصارعة مما يدفع صنع السياسات لخوض حرب أفكار ويمكن للائتلافات المتنافسة أن تؤدي إلى طلب متزايد على تحليل السياسات . وإذا ماكانت نظم مشكلات السياسات و معتقدات السياسات تشكل نظماً اجتماعية فيتم التركيز على العمليات التي يتم من خلالها تطوير "المعرفة الموضوعة" (الفهم المشترك والآراء الجماعية) لتصبح قادرة على التغيير . ويمكن لنتائج تحليل السياسات التي تصبح "الحكمة التقليدية" أن تساعد على تحقيق الإجماع بين مختلف الجهات المعنية سواءً إذا كانت دولاً معنية بعملية المفاوضات الدولية أو صانعي السياسات في مجتمعات السياسات . وضمن هذا المنظور يمكن أن يكون البحث مفيداً في توفير "وصف" و "مناقشات" السياسات التي تدعم تفضيلات السياسات للقادة السياسيين أو في توفير الأساس اللازم للمناظرات والهويات البديلة و مواقع المقاومة (وسوف نعود إلى هذا الموضوع في القسم الثالث) . وإذا كان هذا الأمر صحيحاً فإن ما يحدد برنامج أعمال السياسات لا يقتصر على الأحداث الخارجية فقط وإنما يمتد ليشمل كيفية فهم تلك الأحداث أيضاً (Stone et al 2001).

الطرق التحليلية لقياس عوائد أبحاث السياسات

يشعر الكثير من محللي السياسات أن عملهم له قيمة ولكن قليل منهم من يقول ماهو مدى تلك القيمة . إن منهجيات تقييم انعكاس أبحاث العلوم الاجتماعية غير متطورة بشكل جيد . ومن المؤكد أن قياس تكاليف و فوائد تقنية معينة أكثر سهولة ومباشرةً من قياس تكاليف وفوائد نتيجة أو توصية من توصيات السياسات حيث تتدخل الكثير من العوامل والجهات السياسية لتعقيد الروابط بين نتائج أبحاث العلوم الاجتماعية وتأثيرات السياسات . ومع ذلك وبما أن الاهتمامات بتحديد المسؤولية في تزايد مستمر ، فتحتاج مؤسسات الأبحاث إلى تأكيد القيمة الاجتماعية والاقتصادية لأبحاثها أمام الجهات المانحة ومستخدمي الأبحاث ودافعي الضرائب . ويطلب المسؤولون الحكوميون بشكل متزايد دلائل على انعكاسات الأبحاث وذلك على وجه الخصوص في الدول النامية التي لا تتمكن من تقديم تكاليف الأبحاث التي تعتبرها من سلع "الرفاهية".

تؤكد الأدبيات الحديثة حول تقييم أبحاث العلوم الاجتماعية بما فيها تحليل السياسات على أن النتاج الأولي هو المعلومات . وعادةً ماتتبع الأطر التنظيمية النماذج التي يستخدمها الباحثون الاقتصاديون لقياس معدلات عوائد البحوث الزراعية اعتماداً على نماذج السوق أو تحليل الانحدار لتقدير تكاليف الاستثمار وقيمة الفوائد المحققة ( Ryanو Garrett 2003) . ومع ذلك فإن هناك إجماع قليل على المنهج المفضل للتقييم وقد كانت محاولات التقييم الكمي الواقعي محدودة (ويتضمن المرفق 1 المنهج الممكن لتقييم المعلومات التي يتم الحصول عليها من أبحاث السياسات) .

حسب Gardner (1999) فسوف يكون من المبالغة بمكان محاولة تقدير قيمة تحليل السياسات من خلال محاولة التقييم الكمي لمدى تأثر صنع قرارات السياسات بذلك التحليل وبالتالي تأثيرها على الدخل الحقيقي . وهناك أكثر من مؤشر مباشر لقيمة تحليل السياسات في هذا المجال ، وهو الاستعداد للدفع مقابل أبحاث السياسات التي تظهرها المؤسسات الحكومية التي تتعاقد مع الباحثين لأنها تعتقد أن فوائد النتائج تبرر تلك التكاليف . وبالتالي يوحي هذا المنهج بتقييم النتاج من خلال النظر إلى التكاليف كما يتم عادة في قياس خدمات المحامين والمحاسبين وأصحاب المهن المسلية ومن يقومون بتقديم الخدمات الأخرى غير الملموسة . ومع ذلك فإذا ماافترضنا بأن كل ما يدفع ثمنه يجب أن يكون ملائماً فسريعاً ما يدور النقاش في حلقة مفرغة.

 

وحتى فيما لو كانت هذه "الرغبة في الدفع من قبل القطاع العام" مفهوماً خاضعاً للنقاش فيجب أن لا يكون المرء سريعاً جداً في الإشارة إلى أن البحث لا يستحق ما يدفع مقابله ، حيث يتم تسديد الدفعة من قبل المتطوعين الذين يعتبرهم الاقتصاديون عادةً أناساً منطقيين . وبالتالي فمن المعقول استخدام ميزانية تكاليف تحليل السياسات لوضع حاجز أعلى على قيمة الخدمات المقدمة من قبل العلماء الاجتماعيين الذين تستأجرهم المؤسسات الحكومية17 . وهو حاجز أعلى لأن بعض الأبحاث والتحليلات الحكومية تنفذ بشكل كبير إن لم نقل بشكل كامل لتستجيب أو لتنفذ للتقييمات الاقتصادية التي تقوم بها مجموعات القطاع الخاص أو الحكومات الأجنبية . وإلى هذا الحد يجب أن يبقى الدخل المحلي ثابتاً إذا ماقامت كل من الجهتان بتخفيض جهودها18.

وأخيراً فهل يمكن لنظرية المعلومات إعلامنا ماإذا كان صانعوا القرار سيستثمرون الكثير أو القليل في مجال تحليل السياسات الغذائية والزراعية ؟ وحتى لو لم يكن ممكناً تغطية جميع النواحي الخاصة للمواقف المختلفة فهناك على الأقل بعض المؤشرات العامة (Hirshleifer وRiley 1992) :

 
  • يمكن أن يحدث الاستثمار المفرط في تحليل السياسات عندما يعتقد كل مشارك في عملية صنع القرار أن وجود الدلائل الإضافية سيقنع الآخرين بصحة رأيه .
  • يحدث الاستثمار غير الكافي عندما تعتمد الاتفاقات حول السياسات التي سيتم تنفيذها على "تعويض حالات عدم الاتفاق" في مختلف أبعاد عدم التأكد . وإذا افترضنا بأن وزارة الزراعة متأكدة تماماً من أن الطلب مرن وأن برنامج دعم الإنتاج يعمل بشكل أفضل في هذه الحالة . وقد تكون وزارة البيئة متأكدة كذلك من أن الطلب غير مرن وأن الطلب غير المرن يتطلب دعم إنتاج أيضاً ، فإن حل إحدى حالات عدم الاتفاق من خلال تمويل بحث السياسات الذي سيشير إلى أداة السياسات الواجب استخدامها في حالة مرونة الطلب سيجعل التوصل إلى الإجماع أمراً مستحيلاً . لذا فقد ترفض الدولة المعلومات التي ستحل حالة عدم الاتفاق من بعد واحد فقط حتى ولو كانت تلك المعلومات دقيقة ومجانية .
  • يحدث الاستثمار غير الكافي أيضاً عندما تحدث حالات من الاختلاف في الرأي وتعارض المصالح والتي ستجعل من العسير أن لم يكن من المستحيل التوصل إلى قرار حول سياسة يتوقع كل طرف أنه سيحقق المكاسب على حساب الأطراف الأخرى من خلالها .

إن الافتراض الأخير ملائم تماماً حيث أنه ليس هناك الكثير من حالات خيارات السياسات التي يمكن النظر إليها على أنها "مفيدة" للجميع . وعندئذ تكون النتيجة : عندما يكون هناك تعارض في المصالح فقد يفضل كل عنصر من عناصر المجموعة عدم كشف المعلومات التي قد تضر بفرصته في الاستفادة (حسب اعتقاده) معتقدات الآخرين الخاطئة .

 

وفي أية حال فيجب الإقرار بأن المنهجيات الكمية لا يمكن أن توفر النظرة العميقة لعملية السياسات وكيفية استخدام صانعي السياسات للمعلومات البحثية. ولا تشير هذه الطرق إلى كيفية تأثير تحليل السياسات على خيار السياسات أو تحديد الجهات العاملة في مجال السياسات التي يجب أن تستهدفها معلومات الأبحاث : "تبقى عملية صنع السياسات عبارة عن صندوق أسود يوفر فكرة طفيفة حول تأثير الأبحاث أو كيف يمكن تطوير تلك التأثيرات أو نقلها بشكل أكثر فعالية" (Ryan و Garrett 2003 – ص 3) .


3 - تحليل السياسات : الحوافز والأداء





10 - قسم العلوم الاقتصادية والاجتماعية – جامعة ديلغي ستودي – موليسه .

11 - مسؤولة دعم السياسات الزراعية رفيعة المستوى – قسم مساعدة السياسات – منظمة الأغذية والزراعة – روما

12 - تعكس هذه الوثيقة المعلومات المقدمة من خلال سبعة استبيانات تم استلامها أثناء إعدادها.

13 - يقدم دون مجموعة أخرى من التعريفات العامة المفيدة : "تحليل السياسات ضمن نظام العلوم الاجتماعية الذي يستخدم طرقاً متعددة للبحث والمناقشة لإعداد ونقل المعلومات ذات العلاقة بالسياسات والتي يمكن استخدامها ضمن الأطر السياسية لحل مشكلات السياسات" (هاجر 2003 – ص 181)

14 - إن هذا لايقتضي بالضرورة التوصية باتخاذ إجراءات خاصة حيث أن المنهج قد يكون من النوع " إذا كان س فيمكن أن يكون ع" .

15 - يتضمن القسم الثاني من هذه الوثيقة تصنيفاً لمهام تحليل السياسات .

16 - من الأمثلة على عملية السياسات الفوضوية مايسمى نموذج "سلة المهملات" الذي يشير إلى أنه يمكن اتخاذ القرارات عندما يصل صانعوا القرار إلى سلة المهملات وهم يحملون المشكلة بيد والحل باليد الأخرى ويتم الربط بين الأمرين مع بعضهما البعض (Stone et al 2001) .

17 - باستخدام هذا المنهج يقدر غراندر (1999) أن التكاليف السنوية (وبالتالي القيمة) لأبحاث السياسات الزراعية هي حوالي 40 مليون دولار في الولايات المتحدة الأمريكية .

18 - يمكن الإشارة إلى موضوع مشابه بشأن خدمات المحامين والترويج للعلامات التجارية والاستعداد العسكري .



الصفحة السابقة أعلى الصفحة الصفحة التالية