الصفحة السابقةالمحتوياتالصفحة المقبلة

بذور النجاح

لا شك في أن ضمان توافر البذور و زيادتها يعتبرعنصرا أساسيا في الحد من الفقر والجوع. وهناك الكثيرمن الطرق منخفضة التكلفة التي يمكن للحكومات والمجتمع الدولي أن يدعم بها المزارعين الذين يعانون نقص الموارد في تنظيم أنفسهم لإكثار وتوزيع بذور الأصناف المحصولية الجديدة والتقليدية. وبديهي أن تحسين فرص حصول المزارعين على البذور جيدة النوعية من الأنواع المحصولية الأكثر إنتاجا والمتوائمة مع الظروف السائدة يعد من الوسائل الرئيسية التي تدفع عجلة التنمية وتساعد في تحسين الأمن الغذائي ومستوى معيشة سكان الريف الفقراء.

عينة من البذور التي قدمها مانحون ودوليون

فالجودة الوراثية أو الكامنة في أحد الأصناف هي التي تحدد نوعية الغلات ووفرتها. كما إنها العامل الرئيسي الذي يحدد مدى استجابة النبات للأسمدة وغيرذلك من المدخلات المستخدمة بغرض زيادة الإنتاجية، فضلا عن تحمل معوقات أخرى مثل الجفاف ورداءة الترية وهجمات الآفأت. والنوعية الفيزيائية والفسيولوجية للبذور هي التي تحدد مدى سلامتها وتؤثر تأثيرا قويا في مقاومة المحصول وثباته في الترية.

وترتبط مشكلة توافر البذور ارتباطا قويا بالفقر وانعدام الأمن الغذائي في الريف. ومع ذلك فقد نجح عدد قليل من البلدان النامية في مواجهة هذه المشكلة وتحسين نظم إمدادات البذور القطرية بصورة كافية. فبذور معظم المحاصيل الغذائية تزرع بواسطة المزارعين الذين يفتقرون إلى الموارد، وليس ما تنتجه الشركات الخاصة أو قطاع البذور العام. فالمزارعون أنفسهم يوفرون كمية البذور من كل

محصول لبذره في الموسم التالي. وفي ظل الظروف العادية، يحقق ذلك قدرا من الأمن الغذائي للأسرة. غير أن ذلك رهن دائما بظروف النمو الملائمة. فعندما تكون الغلات منخفضة، تتقلص المخزونات الغذائية، ويصبح من الصعب على الأسر الجائعة عدم استهلاك ما لديها من بذور. وقد تكون النتيجة هي نقص مزمن في البذور على امتداد المجتمع الزراعي. وعندما تحل كارثة طبيعية أو بشرية، فإن مخزونات البذور تنتهى كلية، أما بتعرضها للتلف أو باستهلاكها تماما.

القطاعان العام والخاص

تستنبط الأنواع الجديدة من المحاصيل الغذائية التي ينتجها المزارعون الفقراء عادة بواسطة مربى النباتات من القطاع العام، إلا أن حكومات الكثير من البلدان النامية لا تملك الموارد اللازمة لإكثار كميات كافية من هذه البذور وتوزيعها. ومن ناحية أخرى، فإن القطاع الخاص غير مستعد للإستثمار في توفير البذور لسوق لا تقدم سوى هوامش ربح منخفضة، وخاصة فيما يتعلق بالبذور التي يستطيع المزارعون إكثارها وتخزينها لأنفسهم.

وعندما تكون الظروف مواتية، قد يتيح نقص البذور فرصة لإدخال أنواع ومحاصيل جديدة وإقامة شبكة أفضل لإمدادات البذور. وعندما يكون الإنتاج المعيشي مسيطرا، تمنح الأنواع مفتوحة التلقيح المزارع حرية توفير بذوره الخاصة، مما يجعلها تحظى بالقبول على نطاق واسع. ويسري ذلك على معظم محاصيل الحبوب وعلى مناطق شاسعة من الريف في العديد من الأقاليم. أما في المناطق التي يسهل فيها الوصول إلى أسواق المدن، فحتى صغار المزارعين قد يرون في التحول نحو الأصناف المهجنة الحديثة خيارا جذابا نتيجة لارتفاع غلاتها. وفي هذه الحالة، تكون شركات القطاع الخاص هي المورد الرئيسي للبذور.

والقمح والذرة هما المحصولان الغذائيان الرئيسيان اللذان يضطلع فيهما القطاع الخاص في الوقت الحاضربدور مهم. غير أن بعض المحاصيل الغذائية مثل الفول السوداني والدخن اللؤلؤي، اللذين ينطويان على إمكانيات تصديرية وتجارية أخرى، يزيد آفاق مشاركة القطاع الخاص في المستقبل. وفي عدد قليل من البلدان، بما في ذلك الهند، ظهر بالفعل إلى الوجود قطاع خاص قوي لإمدادات البذور الخاصة ببعض المحاصيل الغذائية الأساسية مثل الدخن اللؤلؤي.

 

تلبية احتياجات الطوارئ

عندما تحدث حالات طوارئ، فإن وجود نظام لإكثار وتوزيع البذور ذات النوعية الجيدة يعتبر عنصرا مهما لاستعادة الأمن الغذائي. وفي مثل هذه الحالات تشترك وكالات الإغاثة الإنسانية الدولية ومراكز ومحطات البحوث وخدمات الإرشاد ومجموعات المزارعين المحليين في العمل معا. وخلال السنوات الأخيرة أمكن تعلم الكثير عن ضرورة توخي الدقة في حالة التدخل عند الطوارئ، على الرغم من الحاجة إلى السرعة. إذ يتعين مثلا تحديد الأنواع المحصولية التي يمكن مواءمتها لتصلح للظروف الأيكولوجية الزراعية المحلية سواء في البلد المعني أو في البلدان الأخرى التي تسودها نفس ظروف النمو. وبمجرد العثورعلى هذء الأصناف المحصولية لابد من تقييمها بواسطة الباحثين والمزارعين والمستهلكين للتأكد من صلاحيتها في الواقع لظروف النمو المحلية ومدى تقبل أذواق السكان المحليين لها. وأخيرا يتعين تدريب الموظفين الميدانيين التابعين للخدمات الإرشادية والمنظمات غير الحكومية لتوعية الأسر الزراعية المعنية بأساليب الزراعة الملائمة فضلا عن تحسين طرق التخزين والتجهيز.

دعم مبادرات المجتمع المحلي

وما أن تنتهي حالة الطوارئ أو حيثما يكون دور القطاع الخاص الرسمي ضعيفا، فإن أفضل طريقة لتشجيع عملية إنتاج البذور جيدة النوعية وتوزيعها هو دعم تطويرمنشآت البذور الصغيرة على مستوى المجتمع المحلي. ويمكن أن يتخذ ذلك أشكالا عديدة تشمل المجموعات النسائية والمجموعات الدينية وروابط المزارعين ولجان البحوث على مستوى المدرسة أو حتى مستوى القرية. غير أن هذه المؤسسات تلبي، حسب المعتاد، احتياجات نسبة ضئيلة فقط من المزارعين. إلا أن القرائن السابقة تشير إلى تزايد نشاطها وملء الفراغ الذي تركه القطاع العام الرسمي والقطاع الخاص. ومن الأمهر المهمة أن الكثير من المؤسسات الخاصة يلجأ إلى القطاع العام من أجل الحصول على دعم في شكل بذورأساسية للأصناف الجديدة والتدريب على إنتاج البذور. ولذا فإن هناك إمكانيات لأن تصبح هذه المؤسسات عنصرا تحفيزيا مهما في تطبيق الأنواع المحسنة على نطاق واسع.

وتشكل مؤسسات إنتاج البذور على مستوى المجتمع المحلي اللبنات الأولى للقطاع الخاص الناشئ لكي ينطلق من القاعدة إلى القمة في الكثير من البلدان النامية. ولذا، فإن وضع السياسات وتوفير البيئة المؤسسية المواتية يعتبر أن من العناصر المهمة لاستمرار تكوين هذه المؤسسات وازدهارها. ويعتبر الحصول على القروض، والخدمات المالية الصغيرة وخدمات البذور القملرية عالية الجودة والمواتية للمستخدمين، وتشجيع نشاطات الاستفادة من منظمات البحوث التابعة للقطاع العام بعض صكوك السياسات التي تضمن النجاح لهذه المهمة. ومن المهم بصورة خاصة تحفيز مربى النباتات والباحثين الآخرين على نشر التكنولوجيا الجديدة بدلا من مجرد تطويرها. وتعتمد فعالية النظم غير الرسمية المعنية بالبذور على الأشخاص المؤثرين في المجتمع المحلي والمعروفين بمهاراتهم في إدارة البذور الخاصة بهم. والخطوة الأولى في هذا المجال هي التعرف على هؤلاء الأشخاص كأساس لفهم النطام المحلي، ومن ثم تعزيز نشاطاتهم ونشر مهاراتهم.

وهناك الكثير من النماذج الناجحة في مجال إكثار البذور ونشرها للاختيار من بينها، فلا يوجد نموذج واحد يمكن تطبيقه على نطاق واسع. غير أنه يتعين زيادة إنتاج البذور وتوفيرها، على المستويين القطري والدولي، لجميع المزارعين الذين يفتقرون إلى الموارد في مختلف أنحاء العالم وليس إلى أقلية ضئيلة كما هو الحال في الوقت الحاضر. فتوافر البذور ذات النوعية الجيدة يعد الأساس الحقيقي للأمن الغذائي.

الصفحة السابقةاعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة