الصفحة السابقة بيان المحتويات الصفحة التالية

المعونة الغذائية في سياق مفاوضات منظمة التجارة العالمية الخاصة بالزراعة  (40)

1. المفاهيم والتعاريف

المعونة الغذائية الدولية هي تقديم سلع غذائية من بلد لبلد آخر، بدون مقابل أو بشروط ميسرة جداً، لمساعدة البلد المتلقي على تلبية احتياجاته الغذائية. وعموماً، تأخذ المعونة الغذائية ثلاثة أشكال هي:

وحيثما لا تكون المعونة على شكل منحة خالصة ولكن بدرجات متفاوتة من الشروط المُيَسرة، يمكن أن يحدث خلط بينها وبين بعض المعاملات التجارية الأخرى التي تكون أيضاً بشروط مُيَسرة.

والأمر الذي تهتم به هذه الورقة هو المعونة الغذائية التي تُقدم في سياق اتفاقية الزراعة التي عقدتها منظمة التجارة العالمية. وهي تناقش الضوابط الدولية المفروضة على المعونة الغذائية وعلى المعاملات الدولية الأخرى التي لا تكون تجارية تماماً في طبيعتها وعلاقة هذه المعاملات الأخيرة بالمعونة الغذائية. وتمضي الورقة بعد ذلك لتناقش تأثير المعونة الغذائية على الإصلاحات الممكنة في سياق المفاوضات التي تجريها منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة.

2. أصول المعونة الغذائية: تصريف الفوائض في خمسينات القرن العشرين

ترجع أصول المعونة الغذائية، كشكل من أشكال المساعدات التي تقدم للبلدان النامية، إلى أوائل خمسينات القرن العشرين عندما ظهرت في الولايات المتحدة فوائض هيكلية من منتجات الحبوب. وهكذا، كانت المعونة الغذائية تُقدم في صورة عينية، أي على شكل سلع غذائية يتم تدبيرها من أسواق البلدان المانحة أو من الأسواق الدولية وشحنها بدون مقابل للبلدان المتلقية. وبالتالي، كانت المعونة الغذائية التي تُقدم على هذا النحو تمثل عنصراً إضافياً قوياً في هذا النوع من المساعدات، بمعنى أنها كانت تؤدي إلى زيادة في مجموع المعونات المقدمة ما كان لها أن تتأتى في حالة عدم وجود فوائض غذائية.

وقد ظل جانب كبير من المعونة الغذائية يرتبط بتصريف الفوائض أثناء ثمانينات وتسعينات القرن العشرين. ومع ذلك، فعندما ضعفت الضغوط المرتبطة بتصريف الفوائض وأصبحت برامج المعونة الغذائية التي تقدمها البلدان المانحة أكثر استجابة لاحتياجات البلدان المتلقية، بدأت تظهر بالتدريج أشكال أخرى من المعونة الغذائية. وكان من بين هذه الأشكال المعاملات الثلاثية، التي يتم فيها شراء الأغذية من إحدى البلدان النامية الأخرى وشحنها إلى البلد المستفيد، والمشتريات المحلية، التي تقوم فيها الجهة المانحة بشراء السلع الغذائية في البلد المستفيد نفسه (لاستخدامها عادة في الأغراض الإنسانية أو الإنمائية).

فهل حدث تحول عن مفهوم تصريف الفوائض، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الآثار التي ترتبت على هذا التحول؟ في الحقيقة، لم تعد المعونة الغذائية، إلى حد بعيد، تندرج ضمن عملية تصريف الفوائض، وأصبحت الآن بالنسبة لكثير من الجهات المانحة جزءاً رئيسياً عن ميزانية المساعدات الإنمائية العامة؛ حيث تستند القرارات الخاصة بحجم المعونة الغذائية على حاجة البلدان المتلقية لمثل هذه المساعدات وعلى اعتبارات أخرى تتعلق بمدى فعاليتها مقارنة بأشكال المساعدات الأخرى، أي هل سيكون الدولار الذي يُنفق على المعونة الغذائية أكثر جدوى من الدولار الذي يُنفق على أشكال المساعدات الأخرى؟ وهذا المنهاج ينم أيضاً عن أن أي زيادة في بند المعونة الغذائية في الميزانية سيقابله نقص في البند المخصص لشكل آخر من أشكال المساعدات. وبمعنى آخر، لم تعد المعونة الغذائية تمثل عنصراً إضافياً.

ومن ناحية أخرى، فبالنسبة للجهات المانحة التي مازالت تربط بين المعونة الغذائية وتصريف الفوائض، مازالت المعونة الغذائية تمثل عنصراً إضافياً من نوع ما. فإذا انخفضت معوناتها الغذائية فإن ذلك لا يعني تلقائياً ارتفاع المساعدات الإنمائية الأخرى بنفس القدر. وبمعنى آخر، إن تكلفة استمرار الربط بين المعونة الغذائية وتصريف الفوائض ربما يعوضها العنصر الإضافي الذي تمثله المعونات الغذائية المقدمة.

ولكن ما هو حجم هذا العنصر الإضافي؟ يمكن القول، من قبيل التبسيط، إن الحد الأدنى من الالتزامات بموجب اتفاقية المعونة الغذائية لا علاقة له بتصريف الفوائض، ولكن المعونة الغذائية التي يتم تقديمها بما يتجاوز هذا المستوى يمكن أن تكون مرتبطة، بدرجة ما، بمدى وفرة الفوائض في البلدان المانحة. ومع ذلك، فنتيجة لبرنامج الإصلاح في الزراعة، انخفضت المخزونات الحكومية من الفوائض الغذائية انخفاضاً كبيراً في البلدان المانحة وبالتالي فمن المتوقع أن يضعف الربط بين المعونة الغذائية وتصريف الفوائض.

3. الترتيبات المؤسسية الخاصة بالمعونة الغذائية

مبادئ منظمة الأغذية والزراعة الخاصة بتصريف الفوائض. مع ظهور فوائض غذائية متزايدة في أوائل خمسينات القرن العشرين، جرت مشاورات حكومية دولية حول تأثير المعونة الغذائية على التجارة وعلى الإنتاج الزراعي في البلدان المتلقية، وأسفرت هذه المشاورات عن اعتماد مبادئ تصريف الفوائض التي وضعتها منظمة الأغذية والزراعة وتشكيل اللجنة الاستشارية الفرعية لتصريف الفوائض في 1954(41). وتمثل مبادئ تصريف الفوائض مدونة للسلوك بالنسبة للحكومات في ما يتعلق بتقديم المعونة الغذائية. وهي تتوخى، في الأساس، التأكيد على أن تؤدي السلع الغذائية والسلع الزراعية الأخرى التي يتم تصديرها بشروط ميسرة إلى زيادة في الاستهلاك في البلدان المتلقية ولا تحل محل الواردات التجارية المعتادة، والتأكيد بالمثل على أن لا يكون في ذلك ما يُثبط الإنتاج المحلي أو التأثير عليه بشكل سيئ. وعلى الرغم من أن هذه المبادئ لا تمثل صكاً مُلزِماً، فإنها تمثل التزاماً من جانب البلدان الموقعة عليها. وهي تساعد الحكومات على التركيز على مسئولياتها كأطراف في معاملات تتم بشروط مُيسرة وعلى تجنب أي صعوبات أو خلافات محتملة.

ومما يحمي مصالح البلدان المتلقية وجود تأكيد على أهمية زيادة الاستهلاك وليس الحد من الإمدادات. ومن ناحية أخرى، فإن مبادئ تصريف الفوائض تضمن أيضاً مصالح البلدان المصدرة عن طريق التعهد بأن لا يؤدي تصريف الفوائض إلى تأثيرات ضارة على الأنماط المعتادة للإنتاج والتجارة الدولية، وتعهد البلدان المتلقية بعدم إعادة بيع أو إعادة شحن السلع التي تحصل عليها بشروط مُيسرة، وكذلك عن طريق إدخال مفهوم "الاستهلاك الإضافي" الذي تم تعريفه على أنه الاستهلاك الذي ما كان له أن يتأتى بدون المعاملات القائمة على شروط ميسرة. وآلية ضمان "الاستهلاك الإضافي" هي "شروط التسويق المعتادة"، وهي المفهوم الذي اعتمدته منظمة الأغذية والزراعة في 1970: على شكل التزام من جانب البلدان المتلقية بالإبقاء على المستوى المعتاد من الواردات التجارية من السلع المعنية، بالإضافة إلى السلع التي تحصل عليها بموجب المعاملات المُيسرة. وقد أصبح هذا النص من العناصر الأساسية في اتفاقيات المساعدات الغذائية، مع استثناءات قليلة تبعاً لنوع المساعدات الغذائية المقدَّمة.

وتراقب اللجنة الاستشارية الفرعية لتصريف الفوائض، ومقرها واشنطن، مدى التقيد بالمبادئ عن طريق استعراض المعاملات الخاصة بالسلع التي تقدم في إطار المساعدات، ويكون ذلك عادة قبل التوقيع على اتفاقية المساعدات وشحن السلع. وعلى الرغم من أن هذه اللجنة تركز في عملها على مصالح البلدان المصدرة، فإنها تولي اهتماماً أيضاً لمصالح البلدان المتلقية، إذ تقوم مبادئ تصريف الفوائض على أن السلع يمكن أن تستخدم في تشجيع التنمية الاقتصادية، وتوزيع لأغراض الرعاية الاجتماعية الخاصة وللإغاثة في حالات الطوارئ. وعموماً، تمثل اللجنة الاستشارية الفرعية لتصريف الفوائض محفلاً لدراسة أي صعوبات قد تنشأ في ضوء هذه المبادئ. وقد تعهدت 41 دولة من الدول الأعضاء في منظمة الأغذية والزراعة بالالتزام بهذه المبادئ. وتحتفظ اللجنة بسجل لمعاملات المعونة الغذائية المحتملة التي تكون الجهات المانحة قد أبلغت عن تعهدات بشأنها. وكانت آخر مرة تمت فيها مراجعة هذا السجل في سنة 1997، لتنسيقه مع اتفاقية الزراعة (أنظر الملحق الأول).

برنامج الأغذية العالمي. في الأصل، كانت الولايات المتحدة هي الدولة الرئيسية التي تقدم المعونة الغذائية، بيد أن دولاً أخرى بدأت تحذو حذوها بالتدريج، وخصوصاً في سياق المساعدات الإنمائية الرسمية. وقد ساعد ذلك على قيام برنامج الأغذية العالمي في 1961، الذي كان الغرض منه هو توسيع قاعدة موارد المعونة الغذائية وإيجاد أساس متعدد الأطراف لتوجيه هذه المساعدات. ويعد برنامج الأغذية العالمي في الوقت الحاضر أكبر وكالة متعددة الأطراف لتقديم المعونة الغذائية.

اتفاقية المعونة الغذائية. أدى توقيع اتفاقية المعونة الغذائية في 1967 إلى زيادة تعزيز الأساس المؤسسي للمعونة الغذائية في سياق اتفاقية الحبوب الدولية. وقد تم تمديدأو تجديد اتفاقية المعونة الغذائية عدة مرات منذ ذلك الحين، وبدأ تنفيذ الاتفاقية الحالية في 1999، ومن المقرر لها أن تنتهي في 30 يونيو/حزيران 2002. وقد تعهدت الجهات المانحة، بموجب اتفاقية المعونة الغذائية بتوفير الحد الأدنى من المعونة الغذائية في شكل أطنان من المساعدات الغذائية (بما يعادلها من القمح). ويبلغ الحد الأدنى الحالي نحو 5 ملايين طن، مقابل 4,3 مليون طن في 1968-1980، ونحو 7,6 مليون طن في1980-1986، ونحو 7,5 مليون طن في 1986-1995، ونحو 5,3 مليون طن في 1995-1999.

والأحكام الرئيسية في اتفاقية المعونة الغذائية لعام 1999 واردة في المواد الثامنة والتاسعة والعاشرة، التي تتناول البلدان المستحقة للمعونة، والاحتياجات، وأشكال المعونة وشروطها، على التوالي (أنظر الملحق 2).

4. المعونة الغذائية، ودعم الصادرات والتسهيلات الائتمانية التصديرية في سياق منظمة التجارة العالمية

تعد المعونة الغذائية، ودعم الصادرات والتسهيلات الائتمانية التصديرية هي الطرائق الثلاث لتعديل الشروط المعتادة التي تتم بموجبها تجارة المنتجات الزراعية. والمادتان الرئيسيتان المتصلتان بذلك في اتفاقية الزراعة التي عقدتها منظمة التجارة العالمية هما المادتان التاسعة والعاشرة(42). وتتضمن المادة 9، الالتزامات الخاصة بالدعم المالي للصادرات، قائمة بأنواع دعم الصادرات التي تخضع لالتزامات الخفض، كما تحدد آليات التزامات الخفض والاستثناءات التي تطبق على البلدان النامية الأعضاء. أما المادة 10، الحيلولة دون التهرب من الالتزامات المتعلقة بالدعم المالي للصادرات، (أي أشكال الدعم التي تغطيها المادة 9)، فتتضمن الأحكام التالية:

ويمكن عموماً تجميع المعاملات الدولية التي تتم على المنتجات الزراعية ضمن أربع فئات، هي:
(1) معاملات بشروط تجارية؛
(2) معاملات تستفيد من دعم الصادرات؛
(3) معاملات تستفيد من التسهيلات الائتمانية التصديرية المدعومة رسمياً؛
(4) والمعونة الغذائية. ويمكن وصف المعاملات المشار إليها في الفئتين (2) و (4) بأنهما من المعاملات غير التجارية تماماً، لأنها تخضع للقواعد والمبادئ المنصوص عليها في المادة 9 والمادة 10 من اتفاقية الزراعة(43).

ولكن ما هو الفرق بين هذه الأشكال الثلاثة من المعاملات غير التجارية تماماً؟

أولاً، من حيث التحويلات المالية التي تنطوي عليها هذه المعاملات (التكاليف التي تتحملها ميزانيات حكومات البلدان المصدرة)، يُعد أهم عنصر هو الدعم المالي للصادرات، حيث يبلغ الحد الأقصى الذي حددته منظمة التجارة العالمية بموجب جولة أوروغواي في الوقت الحاضر 14 مليار دولار (بعد أن كان 21 مليار دولار في فترة الأساس)، على الرغم من أن هذا المبلغ لا يستخدم بالكامل في الوقت الحاضر. والعنصر التالي في الأهمية هو المعونة الغذائية. وتبلغ قيمة المعونة الغذائية، من الحبوب وغيرها، نحو 2,5 مليار دولار. وأخيراً، فإن عنصر الدعم الذي تمثله التسهيلات الائتمانية التصديرية بلغ نحو 300 مليون دولار في 1998، حسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (تقابله معاملات بلغت قيمتها الإجمالية نحو 7,9 مليار دولار) (أنظر الملحق الثالث، الجدول 1 والجدول 2). ومن الواضح أن هذه القِيم قد تختلف اختلافاً كبيراً من سنة لأخرى نظراً لاختلاف الكميات والتغيرات التي تطرأ على الأسعار العالمية. وأكثر العناصر عرضة للتغير من حيث القيمة هو دعم الصادرات والتسهيلات الائتمانية التصديرية، حيث يميل هذان العنصران إلى الارتفاع عندما تكون أسعار السوق منخفضة وإلى الانخفاض عندما تكون أسعار السوق مرتفعة. ومن ناحية أخرى، فإن قيمة المعونة الغذائية لا تتغير كثيراً في الوقت الحاضر لأن معظم الجهات المانحة تحدد معوناتها الغذائية بقيمتها النقدية. ومع ذلك، فمن النتائج التي تترتب على ذلك أن حجم المعونة الغذائية قد تطرأ عليه تغيرات كبيرة، حيث يرتفع عندما تكون الأسعار منخفضة وينخفض عندما تكون الأسعار مرتفعة (أنظر الملحق الثالث، الجدول 3 والجدول 4). وهذا التناسب العكسي بين المعونة الغذائية والأسعار ليس في صالح البلدان المتلقية لهذا النوع من المساعدات.

وثمة مقارنة أخرى من حيث درجة التيسيرات التي تمثلها المعاملات غير التجارية تماماً بالنسبة للبلدان المتلقية (وهذا يختلف عن التكلفة التي تتحملها ميزانيات للبلدان المصدرة). فهنا تأتي المعونة الغذائية في المقدمة، حيث تبلغ القيمة الإجمالية للمعونة الغذائية نحو 2,5 مليار دولار على شكل منح. وللأسف، فمن الصعب أن نحدد بشكل مسبق المنافع التي تعود على البلدان المستوردة من النوعين الآخرين من المعاملات، إذ يعتمد الجانب الأكبر على كيفية تنفيذهما في مجال التطبيق. ففي حالة دعم الصادرات (الذي يمثل أعلى تكلفة تتحملها ميزانيات البلدان المصدرة، كما سبق التنويه) يحصل عليه المنتجون/المصدرون في البلدان المصدرة نفسها في بعض أهم البلدان التي تدعم صادراتها على الجانب الأكبر من الدعم، لتعويض الفرق بين الأسعار في السوق العالمية والأسعار في السوق المحلية. ومع ذلك، ففي حالات أخرى ينتقل جزء من الدعم إلى البلد المتلقي في شكل أسعار منخفضة و/أو شروط أفضل، تبعاً لكيفية إدارة الدعم. وعلى سبيل المثال، ففي حالة الحبوب، بذلت منظمة الأغذية والزراعة محاولة لتقدير جانب الدعم الذي انتقل إلى البلدان المستفيدة في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، حينما كان دعم الصادرات في ذروته. وأشارت التقديرات إلى أن إجمالي التحويلات التي من المحتمل أن تكون قد انتقلت إلى جميع البلدان المتلقية للمعونة من الولايات المتحدة بموجب البرنامج الأمريكي لتعزيز الصادرات لا يمكن أن يكون قد تجاوز مليار دولار في أي سنة من السنوات، وأن متوسطه بلغ نحو 590 مليون في السنة في الفترة 1985-1995. وعلى الرغم من عدم إجراء تقديرات مماثلة بالنسبة للتسهيلات الائتمانية التصديرية، لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون قيمتها بالنسبة للبلدان المتلقية أكبر من عنصر دعم الصادرات في هذه المعاملات، وهو العنصر الذي بلغ نحو 300 مليون دولار في 1998(44)، حسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما سبق التنويه.

وأخيراً، يمكن أيضاً إجراء مقارنة أخرى بين أشكال المعاملات غير التجارية تماماً، من حيث تأثيراتها على تشويه الإنتاج والتجارة. وهنا، يمكن النظر إلى نوعين من التأثير: حدوث تشوهات في السوق، وانخفاض الأسعار في السوق. ويقول البعض إن أهم التأثيرات من حيث تشويه السوق يكون من جراء دعم الصادرات. ومع ذلك، يقول آخرون إن التسهيلات الائتمانية التصديرية تُحدِث أيضاً مشكلة كبيرة، خصوصاً لأنها ليس لها حد أقصى كما هو الحال بالنسبة لدعم الصادرات، كما أنها لم تخضع بعد لأي ضوابط تتسم بالشفافية. وكلا النوعين من المعاملات يمكن أن يكون لهما تأثيرات من حيث تشويه التجارة بمعنى أن البلدان التي تقدم الدعم ما كانت تستطيع تصدير مثل هذه الكميات بدون مساعدات حكومية. وبالتالي، فإنها تستطيع إزاحة صادرات البلدان المنافسة لها التي لا تقدم دعماً لصادراتها، كما أن ذلك يمكن أن يؤدي أيضاً إلى انخفاض الأسعار في الأسواق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دعم الصادرات والتسهيلات الائتمانية التصديرية يمكن أيضاً أن تثبط جهود الإنتاج في البلدان المتلقية لو أنها أدت إلى زيادة شديدة في الواردات تتجاوز كثيراً المستوى المعتاد لواردات هذه البلدان وتكون بأسعار لا قِبل للمنتجين المحليين بمنافستها.

وعلى النقيض من التسهيلات الائتمانية التصديرية ودعم الصادرات، تعد المعونة الغذائية أقل أشكال المعاملات غير التجارية تماماً تشويهاً للأسواق إذا أحسِن استخدماها، وخصوصاً لأن جانباً كبيراً منها يستخدم في حالات الطوارئ (تبلغ نسبته في الوقت الحاضر نحو 50 في المائة فضلاً عن أنها في تصاعد) وفي مشروعات التدخل لتحسين مستوى التغذية (نحو 25 في المائة). وشأنها شأن المعونة الغذائية التي تُقدم في حالات الطوارئ، لا يمكن القول إن مشروعات التغذية تؤدي إلى تشويه التجارة لأنها تمثل عادة استهلاكاً إضافياً للسكان الذين تعد قوتهم الشرائية ضعيفة جداً أو لا يتمتعون بقوة شرائية على الإطلاق. وتمثل النسبة المتبقية من المعونة الغذائية - وهي 25 في المائة - برنامج المعونة الذي يمكن أن يؤدي إلى تثبيط الإنتاج المحلي، وهنا ينبغي توخي اليقظة في العملية الاستشارية التي تجري في اللجنة الاستشارية الفرعية لتصريف الفوائض لضمان عدم تعرض الإنتاج أو التجارة لآثار ضارة.

5. المستقبل

منذ بداية نفاذ اتفاقية الزراعة، وقعت ثلاثة تطورات ذات تأثير على مستقبل المعونة الغذائية، هي:

وهذه التطورات لها تأثير على مستقبل المعونة الغذائية وغيرها من المعاملات غير التجارية تماماً. وكما جاء في المناقشة السابقة، توجد عدة طرق للربط بين دعم الصادرات، والتسهيلات الائتمانية التصديرية والمعونة الغذائية، ومن المتوقع أن تتناول المفاوضات المقبلة هذه الروابط(45). وفي هذا السياق، قد ينشأ عدد من القضايا، منها ما يلي:

  1. قد تسفر المفاوضات المقبلة عن التزامات بزيادة خفض دعم الصادرات وتشديد الضوابط على التسهيلات الائتمانية التصديرية. ومن المتوقع أن تكون النتيجة مزيداً من الضغوط من أجل تقديم مزيد من المساعدات في شكل معونات غذائية.
  2. ونظراً لاحتمال وجود تداخل بين بعض أشكال دعم الصادرات والتسهيلات الائتمانية التصديرية والمعونة الغذائية، فمن المهم تعديل تعاريف وضوابط المعونة الغذائية لكي لا تكون المعونة الغذائية شكلاً من أشكال التهرب من الضوابط المتفق عليها الخاصة بدعم الصادرات والتسهيلات الائتمانية التصديرية. وبصفة خاصة، فإن التغيرات في الضوابط التي تحكم دعم الصادرات والتسهيلات الائتمانية التصديرية يمكن أن تكون لها تأثيرات على سجل المعاملات الذي تحتفظ به منظمة الأغذية والزراعة.
  3. مع تشديد الضوابط على دعم الصادرات والتسهيلات الائتمانية التصديرية، لن تصبح المعونة الغذائية أكثر أهمية من حيث كمياتها بل أنها قد تصبح عرضة للتغير، حيث أنها ستستوعب ما كان يتم توجيهه فيما سبق من خلال دعم الصادرات والتسهيلات الائتمانية التصديرية، عند حدوث تقلبات في الأسعار في الأسواق العالمية. وبالتالي، فإن التناسب العكسي بين المعونة الغذائية والأسعار الذي شهدته السنوات الأخيرة يمكن أن يتفاقم في المستقبل.
  4. لمواجهة الآثار الضارة التي يمكن أن تترتب على تباين حجم المعونة الغذائية، سيكون من اللازم وضع آليات تضمن توافر حداً أدنى من المعونة الغذائية في السنوات التي ترتفع فيها الأسعار وكذلك لتطبيق ضوابط مشددة تضمن تقديم معونة غذائية حقيقية في السنوات التي تكون فيها الإمدادات وفيرة والأسعار منخفضة.
  5. من بين طرق تجنب التأثيرات المترتبة على التناسب العكسي بين المعونة الغذائية والأسعار استحداث آلية يمكن بموجبها ترحيل فائض الكميات المتاحة من المعونة الغذائية في السنوات التي تكون فيها الإمدادات وفيرة، وربما يكون ذلك في ارتباط مع الاحتياطيات الغذائية القطرية لدى البلدان المانحة، وتقدمها في السنوات التي تكون فيها إمدادات المعونة الغذائية شحيحة.
  6. وثمة قضية أخرى وهي دور المعونة الغذائية في سياق قرار مرّاكش في مساعدة البلدان الأقل نمواً والبلدان النامية المستوردة الصافية للغذاء. وسوف يكون للآليات التي قد تظهر في المستقبل، بما في ذلك الاقتراح الذي ينادي بإنشاء صندوق متجدد الموارد وكذلك أي معاملة خاصة قد تتمتع بها البلدان في سياق الضوابط الخاصة بالتسهيلات الائتمانية التصديرية، تأثير على دور المعونة الغذائية في سياق هذه القرار.
  7. من الضروري أن تكون لدى البلدان المتلقية فكرة أفضل عن القيمة الحقيقية التي تمثلها مختلف أنواع المعاملات بالنسبة لها والمخاطر المحتملة التي تمثلها بالنسبة للإنتاج المحلي. وهذه المقارنة لا يمكن أن تُجريها إلا البلدان المتلقية نفسها (لأن الآثار المترتبة تعتمد إلى حد كبير على تفاصيل كل نوع من المعاملات) بمساعدة المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية المعنية. وكلما ازداد الوعي بالمنافع والمخاطر المحتملة التي تنطوي عليها المعاملات المختلفة التي تتم بشروط مُيسرة، ستكون البلدان المتلقية في وضع أفضل يمكنها من التأثير على المفاوضات متعددة الأطراف فيها يتعلق بمدى رغبتها في مثل هذه المعاملات.
  8. وعموماً، فإن الضوابط الجديدة التي قد تتأتى نتيجة للمفاوضات الخاصة بالزراعة ينبغي أن يكون الهدف منها هو إحداث توازن بين اهتمامات ومصالح البلدان المصدرة فيما يتعلق بتعرض الأسواق للتشوهات واهتمامات ومصالح البلدان المستفيدة فيما يتعلق بتوقيت وشروط المساعدات الغذائية لكي تتوافق بشكل أفضل مع احتياجاتها وتجنب مخاطر الآثار الضارة على أسواقها المحلية.

الملحق الأول - سجل المعاملات التي ينبغي إبلاغها إلى اللجة الاستشارية الفرعية لتصريف الفوائض بمنظمة الأغذية والزراعة(46)

  1. الهبات من السلع المنتجة محلياُ من حكومة إلى حكومة بلد مستورِد، أو من منظمة حكومية دولية(47) أو من مؤسسة خاصة بغرض توزيعها مباشرة على المستهلكين النهائيين في البلد المستورِد.
  2. الهبات من السلع المنتجة محلياُ من حكومة إلى حكومة بلد مستورِد، أو من منظمة حكومية دولية أو من مؤسسة خاصة بغرض توزيعها عن طريق البيع في السوق المفتوحة بالبلد المستورِد.
  3. المنح النقدية التي تقدمها حكومة بلد مُصدِّر، بغرض محدد هو شراء سلعة من بلد مُصدِّر.
  4. المنح النقدية التي تقدمها حكومة إما لبلد مُوَرِّد (أو بلدان مُوَرِّدة) أو لبلد متلقي بغرض محدد هو شراء سلعة من بلد مُصدِّر (أو بلدان مُصدِّرة) أو من موردين محليين في البلد المتلقي لتسليمها إلى أو في بلد متلقي مُعين.
  5. المنح النقدية التي تقدمها حكومة إلى منظمة حكومية دولية أو إلى مؤسسة خاصة بغرض محدد هو شراء سلع في السوق المفتوحة (بما في ذلك المشتريات المحلية) لتسليمها إلى أو في بلدان متلقية تنطبق عليها الشروط (بلدان نامية).
  6. التحويلات السلعية التي تتم بموجب القواعد برنامج الأغذية العالمي وإجراءاته المقررة.
  7. المبيعات التي تتم مقابل عملة البلد المستورِد غير القابلة للتحويل والتي لا يكون من الممكن تحويلها إلى عملات أو سلع أو خدمات يمكن الاستفادة منها في البلد المانح.
  8. المبيعات التي تتم مقابل عملة البلد المستورِد القابلة للتحويل جزئياً إلى عملات أو سلع أو خدمات يمكن الاستفادة منها في البلد المانح.
  9. القروض التي تمولها الحكومات لتوريد سلع زراعية يمكن سدادها في صورة عينية.
  10. المبيعات(48) التي تتم بموجب تسهيلات ائتمانية ولا تكون فيها أسعار الفائدة، أو فترة السداد (بما في ذلك فترة السماح) أو غير ذلك من الشروط الأخرى مطابقة لأسعار الفائدة التجارية، أو فترات السداد أو الشروط الأخرى السائدة في السوق العالمية، نتيجة لتدخل الحكومة أو لوجود خطة تسويق مركزية. وفيما يتعلق بفترة السداد بصفة خاصة، تنقسم فترات السداد في المعاملات التي تتم بتسهيلات ائتمانية إلى: (أ) عشر سنوات أو أكثر؛ (ب) أكثر من ثلاث سنوات وأقل من عشر سنوات.
  11. المبيعات(3) التي يكون قد تم الحصول فيها على الأموال اللازمة لشراء السلع بموجب قرض من حكومة بلد مُصدِّر ويكون القرض مربوطاً بشراء تلك السلع، ويتم تمييزها على النحو التالي فيما يتعلق بفترة السداد: (أ) عشر سنوات أو أكثر؛ (ب) أكثر من ثلاث سنوات وأقل من عشر سنوات.
  12. المعاملات التي تندرج ضمن الفئات من 1 إلى 4 والفئات من 7 إلى 11، وتكون مشروطة بمتطلبات التسويق المعتادة المربوطة أو متطلبات الشراء التعويضية المربوطة.
  13. المعاملات التي تندرج ضمن الفئات من 1 إلى 4 والفئات من 7 إلى 11، وتكون مشروطة بشراء كميات محددة من نفس السلعة أو من سلعة أخرى من البلد المُصدِّر.
  14. المعاملات التي تتم بنظام المقايضة بتمويل من الحكومات أو من غير الحكومات وتتضمن تيسيرات سعرية.
  15. المعاملات التي تتم بنظام المقايضة بتمويل من غير الحكومات وتتضمن تيسيرات سعرية.
  16. المبيعات التي تتم بعملات غير قابلة للتحويل ولا تتضمن تيسيرات سعرية.

الملحق الثاني - اتفاقية المعونة الغذائية لعام 1999( المواد 7، 8 و 9)

المادة 7: البلدان المستحقة للمعونة

المادة 8: الاحتياجات

المادة 9: أشكال المعونة وشروطها