الصفحة السابقة بيان المحتويات الصفحة التالية

المؤسسات الحكومية لتجارة السلع الزراعية في البلدان النامية: بعض القضايا في سياق المفاوضات الجارية في منظمة التجارة العالمية  (1)

الغرض من هذه الورقة هو مناقشة الدور الذي قد ترغب البلدان النامية في الاحتفاظ به للمؤسسات التجارية الحكومية في القطاع الزراعي. إذ يطالب بعض أعضاء منظمة التجارة العالمية، في المفاوضات الجارية، بفرض مزيد من القيود على هذه المؤسسات مما قد يضر بمصالح البلدان النامية التي تقوم فيها هذه المؤسسات بدور أكبر بكثير مما هو الحال في البلدان المتقدمة – وربما يكون لذلك ما يبرره. وتناقش هذه الورقة تعريف المؤسسات التجارية الحكومية والقواعد التي تحكمها في منظمة التجارة العالمية والمشاكل المرتبطة بها والتي قد تطرح نفسها في المفاوضات الزراعية. وتتضمن الورقة تقييماً للدور الفعلي والمحتمل للمؤسسات التجارية الحكومية في البلدان النامية وتعرض قضية المطالبة بالسماح للبلدان النامية بمواصلة الاستفادة من هذه المؤسسات كخيار محتمل.

1. المؤسسات الحكومية لتجارة السلع الزراعية في سياق مفاوضات منظمة التجارة العالمية

إن نسبة 75 في المائة تقريباً من المؤسسات التجارية الحكومية التي أبلِغت منظمة التجارة العالمية بها، بموجب المادة 17 من اتفاقية الجات تزاول نشاطها في مجال الزراعة. وانتشار هذه المؤسسات على هذا النحو في القطاع الزراعي "يرجع إلى اعتقاد مؤداه أن هذه المؤسسات هي أنسب أداة تستطيع الحكومات عن طريقها تلبية أهداف السياسات الزراعية" (منظمة التجارة العالمية 1995، الفقرة 5). ويوجد معظم المؤسسات التجارية الحكومية التي تلعب دوراً مهماً في الأسواق العالمية، كما توجد جميع المؤسسات المشتغلة بالتصدير تقريباً في البلدان المتقدمة. وعلى الرغم من الاتجاه نحو الخصخصة في السنوات الأخيرة، بقيت المؤسسات التجارية الحكومية تمثل أدوات اقتصادية لها أهميتها في البلدان النامية، وإن كان القليل منها بالحجم الكافي للتأثير على الأسواق الدولية.

مبادئ الجات المتصلة بالمؤسسات التجارية الحكومية

جاء تعريف المؤسسات التجارية الحكومية طبقاً للتفاهم الذي أمكن التوصل إليه في جولة أوروغواي بشأن تفسير المادة 17 من اتفاقية الجات، كما يلي:

"المؤسسات التجارية الحكومية هي المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك مجالس التسويق، التي تنفرد بحقوق أو امتيازات خاصة، وتمتع بسلطات قانونية أو دستورية، تستطيع من خلالها التأثير على مستوى أو اتجاه الواردات أو الصادرات عن طريق المشتريات والمبيعات."

وتشترط هذه المادة أن تعمل المؤسسات التجارية الحكومية طبقاً لمبادئ عدم التمييز العامة المنصوص عليها في الاتفاقية. وتنص الفقرة 1(ب)، على وجه التحديد، على أن تكون المشتريات أو المبيعات التي تدخل فيها الواردات والصادرات "طبقاً للاعتبارات التجارية دون غيرها، بما في ذلك الأسعار، والنوعية، والتوافر، والتسويق، والنقل وغير ذلك من شروط الشراء والبيع، وتتيح لمؤسسات الأطراف المتعاقدة الأخرى فرصة كافية ...... للمنافسة من أجل المشاركة في المشتريات أو المبيعات". وتنص المادة على استثناء للمؤسسات التجارية الحكومية التي تحتكر الواردات التي ينظمها جدول الامتيازات التي يتمتع بها البلد طبقاً للمادة 2 من اتفاقية الجات. كذلك فإن المؤسسات التجارية الحكومية التي تعمل في مجال التصدير والتي تهتم باستقرار أسعار السلع الأولية في الأسواق المحلية تكون معفاة من شروط الرسوم التعويضية بموجب المادة 6 من اتفاقية الجات. ومعظم المؤسسات التجارية الحكومية العاملة في القطاع الزراعي ينطبق عليها أحد هذين الاستثناءين أو كلاهما.

أنواع المؤسسات التجارية الحكومية العاملة في القطاع الزراعي

مجالس التسويق، التي تُعرف أيضا بهيئات التسويق أو المجالس السلعية، هي أكثر أنواع المؤسسات التجارية الحكومية شيوعاً في القطاع الزراعي. وتتوخى هذه المجالس أحد الأهداف التالية أو جميعها: العمل على استقرار الأسعار المحلية، وتنظيم الأسواق، وتوجيه الصادرات والترويج لها. وعادة ما تكون هذه المؤسسات مؤسسات احتكارية يسيطر عليها المنتجون وتحميها الدولة وتتمتع بسلطة مطلقة بالنسبة لمجموعة كبيرة من أشكال التدخل في الأسواق، مثل تنظيم وشراء الإنتاج المحلي، وتحديد أسعار المستهلكين والمنتجين، وتوجيه التوزيع الداخلي وإدارة التجارة الخارجية. والمعتاد هو أن تكون لهذه المؤسسات السيطرة على حركة المنتجات الزراعية الخاضعة لها، وتسعيرها، ومستويات جودتها، وتسويقها. وتنحصر أهداف المؤسسات التجارية الحكومية الأخرى في عدد أقل من ذلك، كما أن أشكال تدخلها في الأسواق أقل. وعلى سبيل المثال، فإن المؤسسات والمجالس المختصة بالجوانب المالية تُعنى أساساً بتوجيه إنتاج وتسويق وتوزيع السلع التي تكون لها آثار ضريبية أو أثار على الصحة العامة، مثل الملح، والتبغ، والكحوليات. أما مؤسسات القطاع العام الاحتكارية، فتحتكر حقوق استيراد أو تصدير منتجات معينة بهدف استقرار الأسعار المحلية أو أسعار التوريد أو توزيع حصص النقد الأجنبي.

2. المؤسسات التجارية الحكومية في سياق مفاوضات منظمة التجارة العالمية الخاصة بالزراعة

ترتبط القضايا الرئيسية المتصلة بالمؤسسات التجارية الحكومية، في سياق مفاوضات منظمة التجارة العالمية الخاصة بالزراعة بمدى قدرتها على تقويض الضوابط والشفافية التي تنص عليها اتفاقية الزراعة. وتنشأ أهم جوانب القلق فيما يتعلق بالمؤسسات التجارية الحكومية المشتغلة بالتصدير من أن مؤسسات أو حكومات البلدان تنافس في أسواق الصادرات السلعية ظناً منها أن الأنشطة التجارية الحكومية تُستخدم في التهرب من الالتزامات الخاصة بدعم الصادرات. أما جوانب القلق التي تثار بشأن المؤسسات التجارية الحكومية المشتغلة بالاستيراد فتنشأ أساساً من المُصدرين الذين يظنون أنهم يمكن أن يُستخدموا في التهرب من التزامات النفاذ إلى الأسواق، وخصوصاً في إدارة حصص التعريفة الجمركية. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت أنشطة المؤسسات التجارية الحكومية في البلدان النامية هي بالضرورة من الأنشطة التي تؤدي إلى تشويه التجارة.

ويعتمد مدى ما يمكن أن تتسبب فيه المؤسسات التجارية الحكومية من تشويه للتجارة على عدة أمور من بينها: (1) مدى القوة التي تستطيع ممارستها في السوق؛ (2) ومدى استقلالها عن الحكومة من الناحية التنظيمية أو المؤسسية؛ (3) وتوجهاتها التجارية. وسوف يستخدم هذا التصنيف في مناقشة بعض القضايا التي قد تكون محل تركيز في المفاوضات الجارية.

قوة المؤسسات التجارية الحكومية في الأسواق

السيطرة الاحتكارية

تشير عبارة القوة في الأسواق إلى قدرة المؤسسة الاقتصادية على ممارسة السيطرة الاحتكارية أو احتكار عمليات الشراء في السوق المحلية أو الدولية. وكما سبق التنويه، يوجد جميع المؤسسات التجارية الحكومية المشتغلة بالتصدير تقريباً في البلدان المتقدمة، كما أن معظم المؤسسات التجارية الحكومية التي تحتكر الاستيراد والتي يكون حجمها كبيراً إلى درجة تؤثر على الأسواق الدولية يوجد أيضاً في هذه البلدان. وعلى النقيض من ذلك، تعد المعاملات التي تقوم بها المؤسسات التجارية الحكومية في البلدان النامية ضئيلة مقارنة بحجم المعاملات في الأسواق العالمية، وبالتالي، فليس من المرجح أن تؤثر على الأسعار العالمية أو على شروط تجارة السلع الزراعية. وعلى الرغم من أن هذه المؤسسات قد تخلق تشوهات في الأسواق المحلية، فإن هذه التشوهات، تكون عموماً أقل مما يؤثر في مستوى الأسعار العالمية.

السياسات التي تعمل في إطارها المؤسسات التجارية الحكومية

تعكس السياسات التي تعمل في إطارها المؤسسات التجارية الحكومية، إلى حد ما، درجة القوة التي تستطيع هذه المؤسسات ممارستها في السوق. فالمؤسسات التجارية الحكومية المشتغلة بالاستيراد والتي لا تتحكم في الأسعار أو الكميات التي تتم عليها المعاملات التجارية في السوق المحلية يجب أن تلجأ إلى أدوات أخرى لتنظيم السوق المحلية. وفي هذا الصدد، تكون التعريفات الجمركية هي الأداة التي تُحبذها منظمة التجارة العالمية وليس التحكم في الكميات، على أساس أنها أقل تشويها للأسواق ومن الأيسر تنظيمها.

نطاق المنتجات التي تسيطر عليها المؤسسات التجارية الحكومية

يعد نطاق المنتجات التي تكون المؤسسات التجارية الحكومية مسئولة عنها من المحددات المهمة لدرجة السيطرة التي تستطيع هذه المؤسسات ممارستها على الأسواق. فعندما تمارس المؤسسة تحكمها في السلع التي تطرح في الأسواق، وكذلك في بدائل هذه السلعة، تزداد قدرتها على تشويه التجارة من خلال الفرص التي تكون متاحة أمامها للتمييز بين المنتجات. وتنشأ فرص مماثلة للتلاعب بالأسواق إذا كانت سيطرتها تشمل إنتاج أو بيع السلع. وفي نفس الوقت، ينبغي الاعتراف بأن التكامل الرأسي والأفقي هو من سمات مؤسسات القطاع الخاص، وبأنه قد يكون لأسباب تجارية سليمة أو يكون نتيجة للضغوط التنافسية.

بيئة الأسواق

تعد بيئة السوق التي تعمل في إطارها المؤسسات التجارية الحكومية من العوامل الحاسمة أيضاً في تحديد ما إذا كانت الأنشطة التجارة الحكومية مناسبة. وتفترض معظم الدراسات التي تتناول هذه المؤسسات أن أسواق السلع الدولية تقوم على المنافسة تماماً في الجوانب الأخرى. وفي حقيقة الأمر، تقوم معظم أسواق السلع على شركات كبيرة تتعامل مع بلدان كثيرة ومنتجات كثيرة، وفي عدد من الأنشطة التي يوجد بينها تكامل رأسي. وبالتالي، يمكن القول إن المؤسسات التجارية الحكومية التي تعمل في سوق لا تقوم على المنافسة الكاملة قد يكون لها ما يبررها على أسس اقتصادية كأداة لمواجهة القوة الاحتكارية التي يمارسها الوكلاء التجاريون. ومن المطلوب دراسة كل حالة على حدة لتحديد ما إذا كانت أي من المؤسسات التجارية الحكومية مناهضة للمنافسة(2).

مدى استقلال المؤسسات التجارية الحكومية عن الحكومة

قيل في المناقشات التي تناولت مِلكية المؤسسات التجارية الحكومية وإدارتها إنه كلما كانت المؤسسة مستقلة عن الحكومة ازداد تقيدها بالمعايير التجارية، وبالتالي تقل احتمالات تشويه التجارة. ومن الواضح أن المؤسسات التجارية الحكومية تغطي مجالاً واسعاً من الاحتمالات في هذا الصدد، تتراوح بين المؤسسات التي تملكها وتديرها إحدى الجهات الحكومية والمؤسسات التي تكون مملوكة للقطاع الخاص ولكنها تعمل مع الحكومة بموجب عقد يمكن أن تحصل من خلاله على امتيازات تجارية. وتقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2000) إن التأثيرات المشوهَة للتجارة تتأتى، في معظم الحالات، من مستوى الأسعار المحلية واختيار أدوات السياسات التي تحددها الحكومات، وليس من المؤسسات التجارية الحكومية ذاتها. ولذلك، يمكن اعتبار المؤسسة التجارية الحكومية أداة من أدوات السياسات الحكومية وليس بالضرورة سبباً لتشويه التجارة، وبالتالي، فإن التدابير التي تضمن مطابقة الأنشطة التي تقوم بها هذه المؤسسات للمعايير التجارية يمكن أن تقلل من احتمالات تشويه التجارة.

التوجهات التجارية

تتأثر درجة احتمال تعرض التجارة للتشويه بما إذا كانت المؤسسة التجارية الحكومية معنية باستيراد أو تصدير السلع. وتقول بعض البلدان إن الضوابط الحالية التي تنص عليها منظمة التجارة العالمية بالنسبة للواردات التي تقوم بها المؤسسات التجارية الحكومية أكثر تشدداً من الضوابط الخاصة بالصادرات، وتنادي بتصحيح هذا الاختلال.

المؤسسات التجارية الحكومية المعنية بالتصدير

تتمحور الاهتمامات الخاصة بالمؤسسات التجارية الحكومية المعنية بالتصدير حول المزايا التنافسية التي قد تحصل عليها من واقع الحقوق والامتيازات الخاصة التي تتمتع بها وكذلك بحكم وضعها الرسمي. فقد يكون بوسع هذه المؤسسات دعم صادرات معينة من عائدات أنشطتها الاحتكارية، كما أنها قد تستخدم الأسعار المحلية في تسهيل عمليات التسعير في الأسواق العالمية على نحو ما يتراءى لها. وبالإضافة إلى ذلك، قد تتمتع هذه المؤسسات بمزيد من المزايا مثل: التأكد من مصادر الإمدادات بحكم ولايتها القانونية، وبالتالي يكون أمامها مجال أوسع لإبرام اتفاقات طويلة الأجل من البلدان المستوردة طبقاً لتقديراتها الخاصة؛ وقد يكون المجال أمامها أوسع فيما يتعلق بالتسعير الكيدي عن طريق خفض الأسعار بما يساعدها على درء المنافسة نظراً لسهولة حصولها على إعانات قصيرة الأجل من الحكومة؛ كذلك فهي تتمتع بإمكانية الاستفادة من أسعار الفائدة التفضيلية وغير ذلك من أشكال الإعانات الحكومية. ولما كانت اتفاقية الزراعة تُقيّد بالفعل من دعم الصادرات، فإن أنشطة المؤسسات التجارية الحكومية المعنية بالتصدير لن تؤدي إلى تشويه التجارة الدولية بدرجة كبيرة،(3) ومع ذلك فإن الافتقار إلى الشفافية في أنشطتها يمكن أن يساعد على التهرب من الضوابط الخاصة بدعم الصادرات.

المؤسسات التجارية الحكومية المعنية بالاستيراد

وفيما يتعلق بالمؤسسات التجارية الحكومية المعنية بالاستيراد، تركز الاهتمامات على مدى قدرتها على تشويه التجارة أو تقييد النفاذ إلى الأسواق. والأوضاع الاحتكارية التي تتمتع بها بعض هذه المؤسسات قد تجعل من الصعب التأكد مما إذا كانت الواردات تتحدد من واقع الطلب عليها في الأسواق أو أنها تخضع للسياسات والضوابط الحكومية. وبالتالي، قد يكون هناك تمييز على سبيل المثال في مجال توزيع حصص التعريفة الجمركية أو ضوابط ومعايير الجودة. وحيثما تتمتع نفس المؤسسة بالقدرة على التأثير على الأسعار والكميات المطروحة للتبادل التجاري على المستوى المحلي أو الدولي، يكون هناك احتمال قوي لحجب التكاليف الحقيقة المترتبة على أنشطتها وما تُدره هذه الأنشطة من إيرادات حقيقية، وبالتالي حجب درجة التشويه التي تتعرض لها السوق. ويمكن التغلب على هذه المخاوف والشواغل بالإصلاحات التي تقلل من القوة الاحتكارية التي تتمتع بها المؤسسات التجارية الحكومية المعنية بالاستيراد وتزيد من شفافية عملياتها.

3. دور المؤسسات التجارية الحكومية في البلدان النامية

تتجاوز أهداف المؤسسات التجارية الحكومية وأنشطتها في البلدان النامية مجرد التحكم في التجارة الخارجية وتمتد لتشمل اهتمامات أوسع مثل التنمية الريفية والأمن الغذائي. فكثيراً ما تحاول هذه المؤسسات تعويض الفشل الذي كثيراً ما تُمنى به الأسواق في البلدان النامية. فقد أعطت مرافق البنية الأساسية المادية والمعلوماتية غير المتطورة – وخصوصاً في أجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – وعدم وجود طبقة من التجار المحليين قوة دفع إضافية للأنشطة التجارية التي تقوم بها المؤسسات الحكومية. وتاريخياً، كان يُنظر إلى هذه الأنشطة على أنها تتطلب وجود جهاز حكومي يتدخل في الوقت المناسب ويقوم بتنفيذ المشتريات والمبيعات الضرورية. وبالتالي، شاركت مجالس التسويق في البلدان النامية في تقديم خدمات التسويق، وإدارة المخاطر، وتوفير مستلزمات الإنتاج مثل التسهيلات الائتمانية والأسمدة - وكلها مما قد لا يستطيع القطاع الخاص توفيره بالقدر الكافي. ويمكن تلخيص أسباب الاعتماد على المؤسسات التجارية الحكومية الواردة في البلاغات التي تلقتها منظمة التجارة العالمية فيما يلي:

التخفيف من حدة الفقر

تشمل الاهتمامات التقليدية المتصلة بالتخفيف من حدة الفقر تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الريفية، وخصوصاً عن طريق زيادة مستوى الدخول الزراعية والعمل على استقرارها. وتشمل الأنشطة المتصلة بالتخفيف من حدة الفقر تثبيت الأسعار التي يحصل عليها المنتجون وتنظيم الإمدادات الغذائية للمستهلكين في المناطق الحضرية لضمان إمدادات وافية بأسعار في متناول المستهلكين. وعلى سبيل المثال، جاء في بلاغ ناميبيا أن "المجالس السلعية أنشِئت …. بغرض تشجيع الإنتاج المحلي لكي يسهم في تحقيق الأمن الغذائي على مستوى الأسرة وفي توفير فرص العمل." فدعم الأسعار الدنيا يمكن أن يوفر شبكة أمان مهمة لدخول السكان بالمناطق الريفية، كما يوفر حافزاً على التوسع في الإمدادات الغذائية المحلية. وفي البلدان المستوردة للغذاء، تعد الضوابط الحدودية من الآليات الشائعة الاستخدام في تنظيم الإمدادات وحماية المنتجين المحليين.

الكفاءة التشغيلية

يمكن تحقيق المكاسب الناتجة عن زيادة الكفاءة عن طريق ترشيد العمليات التجارية، وخصوصاً فيما يتعلق بالتجارة الخارجية، حيث يفشل القطاع الخاص المحلي في القيام بهذه المهمة في الأسواق. وفيما يتعلق بتحقيق المكاسب الناتجة عن زيادة الكفاءة المرتبطة بحجم المعاملات التجارية والتكاليف المؤسسية، تستطيع المؤسسات التجارية الحكومية أن تكون وسيلة لتجميع جهود المُصدرين أو المستوردين، بما يسمح بإنجاز عمليات التصدير والاستيراد بمزيد من الكفاءة عن طريق خفض تكاليف الإدارة والمناولة. ويؤكد بلاغ ترينيداد وتوباغو إلى منظمة التجارة العالمية أن جوانب القوة الرئيسية في المؤسسة القومية للمطاحن تكمن في قدرتها على القيام بالعمل بكفاءة وتوفير طرق الإدارة المبتكرة عن طريق الأفراد المدربين والمتخصصين؛ وفي قدرتها على إدارة عمليات توفير الحبوب وتجهيزها؛ وامتلاكها لمطحن مجهز بتجهيزات حديثة ويقع في موقع استراتيجي.

الاعتبارات الاستراتيجية

تشمل هذه الاعتبارات القضايا المتصلة بالصحة العامة، وإمكانية الحصول على الموارد الاستثمارية والتحكم فيها، كما تتضمن التأثير على شروط التجارة، وكذلك تدبير الاعتمادات المالية بشكل مباشر عن طريق الضرائب المباشرة على الواردات والصادرات.

التجارب الخاصة بإصلاح المؤسسات التجارية الحكومية

انحصر تأثير سياسات التكيف الهيكلي، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، خلال العقدين الماضيين، عموماً، في تحقيق خفض ملموس في نطاق التدخل في الأسواق وتنظيمها. وقد تم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في أمريكا اللاتينية عموماً قبل ذلك، وكانت هذه الإصلاحات أبعد أثراً إذ كانت تحدوها رغبة في تحقيق مزيد من الانفتاح في المعاملات التجارية متعددة الأطراف أكثر من الرغبة في تلافي نتائج الأزمات الاقتصادية الداخلية. أما في آسيا، فقد تباين بدرجة كبيرة المدى الذي وصلت إليه عمليات الخصخصة وتحرير الأسواق. وعموماً، كان الاتجاه نحو تحقيق مزيد من الانفتاح وإنهاء سطوة الاحتكارات وليس نحو التخلي عن مبدأ تدخل الدولة في أسواق السلع. وبالتالي، فعلى الرغم من وجود اتجاه في البلدان النامية نحو التقليل من سيطرة الدولة وتحقيق المزيد من الشفافية، مازالت المؤسسات التجارية الحكومية تقوم بدور مهم في كثير من الحالات.

وقد قيل إن التقليل من أهمية ودور المؤسسات التجارية الحكومية في أفريقيا نتيجة لتنفيذ برامج التكيف الهيكلي كان له تأثير سيئ على توافر مستلزمات الإنتاج الزراعي، وخصوصاً التسهيلات الائتمانية، حيث لم يستطع وسطاء القطاع الخاص القيام بعد بهذا الدور(4). ومن ناحية أخرى، فحيثما استطاع الوسطاء القيام بهذا الدور، وخصوصاً في آسيا، أدى ذلك إلى التقليل من هامش الربح وسمح بزيادة الإيرادات التي تؤول إلى المنتجين. وهذا ما أوضحه عدد من دراسات الحالة التي أجريت على تجارب التنمية الزراعية الناجحة، حيث تبين أن الأسعار ارتفعت في غيبة مجالس التسويق(5).

وتوضح أمثلة إصلاح المؤسسات التجارية الحكومية في البلدان النامية (أنظر الإطار) بجلاء أنه على الرغم من أن إبعاد الدولة عن توزيع وتسويق السلع الزراعية يمكن أن يؤدي إلى تحسين أداء القطاع الزراعي، فإن تقييد مجال المؤسسات التجارية الحكومية قد لا يكون مناسباً على الدوام، وخصوصاً عندما تكون هناك قيود على زيادة دور القطاع الخاص. ولذلك، فإن من الأسئلة التي تطرح نفسها بالنسبة للبلدان النامية ما إذا كانت المؤسسات التجارية الحكومية تمثل أنسب أداة لتحقيق الأهداف التي تتوخاها الحكومة. وعلى الرغم من أن هذه المسألة محل جدل، فإن الحكومات هي صاحبة القرار في ذلك، اللهم إلا إذا كان ذلك من الممكن أن يتنافى مع التعهدات متعددة الأطراف أو التعهدات الإقليمية. كذلك يمكن القول إن المنافع التي تعود على البلدان النامية من أنشطة المؤسسات التجارية الحكومية قد تبرر درجة من تشويه التجارة مما يندرج ضمن المعاملة الخاصة والتفضيلية.

4. مستقبل دور المؤسسات التجارية الحكومية في البلدان النامية: الاستنتاجات

تتصل المخاوف المتعلقة بالمؤسسات التجارية الحكومية في مفاوضات منظمة التجارة العالمية باحتمال أن تؤدي إلى الإخلال بالضوابط التي تنص عليها اتفاقية الزراعة فيما يتعلق بدعم الصادرات والنفاذ إلى الأسواق وتقلل من مستوى شفافية النظام التجاري. إذ تتوقف قدرة هذه المؤسسات على تشويه التجارة، في الأساس، على مدى تأثيرها على الأسواق، وعلاقتها بالحكومة، وبيئة السوق التي تعمل في نطاقها. وقد ألقت المناقشة السابقة الضوء على العديد من النقاط التي تعزز القول بأن البلدان النامية ينبغي أن يظل من حقها تسيير العمليات التجارية التي تتولاها الدولة، ومن هذه النقاط ما يلي:

وقد يدور جدل حول ما إذا كانت الأنشطة التجارية التي تقوم بها الدولة تعد الآلية المناسبة التي يمكن أن تلجأ إليها البلدان النامية في تحقيق أهدافها في القطاع الزراعي. وتشير دراسات الحالة إلى حالات عديدة كانت فيها الأنشطة التجارية التي تقوم بها الدولة مفيدة، وإن كان من الواضح أنها لم تكن كذلك على الدوام. وفي الحقيقة، فقد أدى التقليل من دور الدولة في التسويق الزراعي في السوق المحلية إلى تحسين أداء القطاع الزراعي في بعض البلدان. ومع ذلك، فقد يكون من غير المناسب تطبيق ذلك على جميع الحالات، أو في السياق الدولي، التي تكون فيها إمكانيات تطوير القطاع الخاص أقل من ذلك بكثير. ونظراً لطبيعة الحوار المفتوح بشأن منافع الأنشطة التجارية التي تقوم بها الدولة، ينبغي أن يظل الخيار في أيدي البلدان النامية، وخصوصاً في حالة عدم حدوث تشوهات تجارية جوهرية. ولهذه الأسباب، فمن المرغوب أن تظل قواعد منظمة التجارة العالمية تسمح للبلدان النامية بهذا الخيار الخاص بالاستفادة من المؤسسات التجارية الحكومية.

الإطار 1- أمثلة على إصلاح المؤسسات التجارية الحكومية في البلدان النامية

إندونيسيا: تتوخى مؤسسة الأرز في إندونيسيا (Badan Urusan Logistik (Bulog)) هدفاً مزدوجاً هو تثبيت أسعار عدد من السلع الغذائية وخصوصاً الأرز، في السوق المحلية، في مستويات تكون في متناول المستهلكين، ولكنها تكون في نفس الوقت كافية لتحفيز الإنتاج. ولقد كانت هذه المؤسسة عادة تحتكر السيطرة على تجارة الأرز الدولية ولكنها لم تكن تتحكم إلا في نسبة لا تتجاوز 10 في المائة من السوق المحلية. وعلى الرغم من أنها أصبحت تقوم بعمليات التصدير من حين لآخر كما أنها مازالت تعمل على استقرار الأسعار في السوق المحلية، فإنها لم تعد المستورد و/أو المُصدّر الوحيد للأرز، والسكر، والقمح، والدقيق، وفول الصويا، والثوم، وبذلك لم تعد تنفرد بأي امتيازات أو تتمتع بأي مزايا خاصة في سياق ما تدل عليه المادة 17 من اتفاقية الجات لسنة 1994.

الهـند: تضطلع مؤسسة الأغذية في الهـند بمسئولية كبيرة فيما يتعلق بالحبوب (باستثناء الذُرة المستخدمة في أغراض العلف) من حيث تثبيت الأسعار والتحكم في التجارة الخارجية. ولا تحتكر هذه المؤسسة عمليات الشراء في السوق المحلية، ولكنها تحتكر السيطرة على واردات الحبوب حتى يمكن لها تحقيق وفورات الحجم في العمليات التجارية وتضمن توافر إمدادات وافية من الأغذية. ويجوز لتجار القطاع الخاص العمل في الأسواق الخارجية بشرط الحصول على إذن بذلك.

إثيوبيا: تضاءل كثيراً نطاق التلاعب بالأسواق وحدث تحول ملموس نحو مزيد من الانفتاح، ومع ذلك تحتفظ الدولة بدور في التسويق الداخلي وتثبيت الأسعار، في تنافس مع القطاع الخاص. وتحتفظ الدولة أيضاً بمخزون استراتيجي من الحبوب وتوفر قناة لتصدير فائض الحبوب الذي بدأ يتحقق في الفترة الأخيرة.

جمهورية تنزانيا المتحدة: المؤسسة القومية للمطاحن في تنزانيا هي المؤسسة التجارية الحكومية الرئيسية التي أخضعت للإصلاح منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين. ويقتصر نشاطها في الوقت الحاضر على طحن الغلال على الرغم من أنها لم تعد تحتكر هذا النشاط، وقد أصبح من المقرر خصخصتها. وقد نُقلت مسئولية الاحتياطي الاستراتيجي من الغلال إلى وحدة الأمن الغذائي التابعة لوزارة الزراعة. وليس للحكومة أي ولاية فيما يتعلق بالتدخل من أجل تثبيت الأسعار، على الرغم من أنها تقوم بعمليات الشراء من المناطق التي لم ينشط القطاع الخاص كثيراً فيها. وقد انتقلت عمليات الاستيراد والتصدير إلى تجار القطاع الخاص.

ملاوي: تحتفظ الدولة بدور تنظيمي فقط في مجال التجارة الخارجية، على الرغم من أنها كانت تمارس سيطرة احتكارية في الماضي على جميع الأنشطة التجارية المتصلة بالذُرَة والأسمدة. وفي أثناء فترة الانتقال الصعبة على امتداد العقد الماضي، تضاءلت مسئوليات المؤسسة الحكومية كثيراً وأصبحت تقتصر على إدارة المخزون الاستراتيجي من الغلال وتقوم بدور "مشتري الملجأ الأخير" فيما يتعلق بالذُرِة، وهو دور من المتوقع أن يتضاءل كلما ازداد دور القطاع الخاص في التسويق.

تونس: يحتكر مجلس الغلال استيراد القمح والشعير. وبالإضافة إلى ذلك، يقوم المجلس بشراء القمح من الأسواق المحلية بأسعار ثابتة تحددها الحكومة، وبيعه للمستهلكين بأسعار مدعومة. ويجوز لتجار القطاع الخاص، في ظروف معينة، استيراد الحبوب نيابة عن مجلس الغلال، وفي هذه الحالة تتحدد أسعار الاستيراد عن طريق المفاوضات التجارية. وتكون أسعار إعادة بيع الحبوب المستوردة هي نفس أسعار بيع الإنتاج المحلي.

مـالي: ساعد تدخل الحكومة عن طريق الشركة العامة لتنمية المنسوجات – وهي شركة حكومية – على سرعة النهوض بقطاع القطن. وتتحكم هذه الشركة في إنتاج القطن وتدير إمدادات جميع المستلزمات اللازمة لإنتاجه، بما في ذلك البذور، والأسمدة، والمبيدات، وخدمات الإرشاد. وثمة عاملان ساعدا هذه الشركة الحكومية على تحقيق هذه النجاح، وهما: (1) أنها تستفيد من الإمكانيات المتكاملة لدى الأقلية الفرنسية من أصحاب الشأن في مجالات البحوث، والإنتاج وعمليات التسويق، وتوفير سوق مستقرة؛ (2) كما أنها تقوم، منذ عام 1988، بإدارة مؤسسة تجارية تابعة للقطاع الخاص بموجب اتفاق مع الحكومة. ويتضمن هذا الاتفاق: إنتاج وتسويق حصص من الإنتاج الغرض منها تحقيق الاستفادة القصوى من مصانع التجهيز التابعة للشركة العامة لتنمية المنسوجات؛ وتقديم حوافز للمزارعين لضمان الوفاء بالحصص؛ وممارسة الضوابط التنظيمية المتصلة بالتكاليف وتشمل تمديد موسم الزراعة وفوائد القروض الإنتاجية. وهذا يساعد الحكومة أيضاً في محاولاتها توفير الحماية لهذا القطاع من التقلبات التي تطرأ على الأسواق العالمية.

المـراجع

Dorward, A. & Morrison, J.A. 2000. The Agricultural Development Experience of the Past 30 Years: Lessons for LDCs. Background paper prepared for FAO.
Kydd, J., Dorward, A. & Poulton, C. 2000. The Baby and the Bathwater: Agricultural Parastatals Revisited. (mimeo). Imperial College, University of London.
OECD. 2000. State Trading in Agricultural Markets: A Conceptual Framework. COM/AGR/APM/TD/WP(2000)17.
Paddock, B. 1998. State Trading and International Trade Negotiations. Trade Research Series. Economic and Policy Analysis Directorate. Agriculture and Agri-Food Canada.
Veeman, M., Fulton, M., & B. Larue. 1999. International Trade in Agricultural and Food Products: The Role of State Trading Enterprises. Economic and Policy Analysis Directorate. Agriculture and Agri-Food Canada.
WTO. 1995. Operations of State Trading Enterprises as they Relate to International Trade, Background paper by the Secretariat, 26 October, G/STR/2.
Young, L. 1999. Prevalence and Reform of State Trading Importers in World Grain Markets. Research Discussion Paper No. 32. Montana State University.
WTO Notifications to the Working Party on State Trading Enterprises:



1 استناداً إلى ورقة اشترك في إعدادها كل من Richard Pearce و Jamie Morrison، بتكليف من قسم السلع والتجارة بمنظمة الأغذية والزراعة.

2 منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2000).

3 أفاض Dixit و Josling في شرح هذه النقطة (1997).

4 أنظر، على سبيل المثال: Kydd, et al (2000)

5 أنظر:

Dorward and Morrison (2000) review country level and subsectoral level cases of successful agricultural development during the past three decades.


الصفحة السابقة الى أعلى هذه الصفحة الصفحة التالية