الصفحة السابقة بيان المحتويات الصفحة التالية

ملخص الورقة الخاصة بمستقبل ترتيبات التجارة التفضيلية بالنسبة للبلدان النامية وجولة المفاوضات الحالية التي تجريها منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة  (1)

كانت الأفضليات التجارية التي تُمنح للبلدان النامية من ملامح السياسات التجارية التي تطبقها البلدان الصناعية منذ ما يقرب من أربعين عاماً. بيد أن الأفضليات التعريفية بدأت تفقد أهميتها بالتدريج مع التحرير الشامل للتجارة. ومن ناحية أخرى، مازالت الأفضليات التعريفية تنطوي على قيمة كبيرة في مجال الزراعة لأن تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية تعد شديدة الارتفاع في كثير من الحالات، على الرغم من أنها أيضاً في سبيلها للتخفيض. ومع ذلك، فنظراً لأن السياسات الزراعية "حساسة" بطبيعتها، كانت البلدان المتقدمة لا تميل عادة إلى إعطاء أفضليات عميقة للمنتجات الزراعية. وفي نفس الوقت، فإن بعض نظم الأفضليات الخاصة أتاحت أفضليات تعريفية كبيرة لمنتجات زراعية مختارة، ولمجموعات محدودة من البلدان النامية، منها، على سبيل المثال، الأفضليات التي يمنحها الاتحاد الأوروبي لواردات السكر من مجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي. ومن هنا، تبدو الصورة شديدة التباين عند النظر إلى المعاملة التفضيلية للصادرات الزراعية من البلدان النامية.

وفي مثل هذه الأوضاع، يستطيع المرء أن يطرح عدداً من الأسئلة بشأن مستقبل الأفضليات التجارية في سياق الجولة الحالية لمفاوضات منظمة التجارة العالمية. فهل ينبغي للبلدان النامية أن تدافع بقوة عن الأفضليات التجارية التي تُعطى لها، وأن تحاول تحسينها؟ وما هي المنافع والأعباء التي تترتب على الأفضليات التجارية؟ وما هو الفرق بين الأفضليات التجارية وأشكال المساعدات الأخرى التي تحصل عليها البلدان النامية من أجل التنمية الاقتصادية؟ وهل ستفقد البلدان النامية الكثير مع زيادة تحرير تجارة المنتجات الزراعية وتآكل هوامش الأفضليات؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل من حقها الحصول على تعويضات، وما هو شكل هذه التعويضات؟ وما هو الدور الذي ينبغي أن تلعبه الأفضليات التجارية في الجولة المقبلة لمفاوضات منظمة التجارة العالمية الخاصة بالزراعة؟ وتحاول هذه الورقة إعطاء بعض الإجابات المبدئية على هذه الأسئلة. وعلاوة على ذلك، فمع تآكل تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية، تكتسب التدابير الأخرى التي تؤثر على التجارة، مثل المعايير، أهمية متزايدة كما أن معاملة البلدان النامية فيما يتعلق بهذه التدابير قد تصبح هي الأخرى أكثر أهمية في المستقبل. ومع ذلك، فإن هذا الموضوع لا يدخل في نطاق هذه الورقة على الرغم من أنه يستحق الدراسة.

وفيما يتعلق بطبيعة الترتيبات التفضيلية الخاصة بالبلدان النامية، يمكن التمييز بين ثلاثة أشكال رئيسية، هي النظام المعمم للأفضليات، والنظم التفضيلية الخاصة لمجموعات محددة من البلدان النامية (مثل مبادرة لومي/كوتونو أو مبادرة حوض الكاريبي)، ومناطق التجارة الحرة الإقليمية بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية. ومع ذلك، فإن الشكل الأخير، الذي يقوم على الأفضليات المتبادلة، لا ينتمي إلى فئة الأفضليات التجارية بالنسبة للبلدان النامية بالمعنى الضيق.

ولدى النظر في مفهوم الأفضليات التجارية كأحد عناصر العلاقات الاقتصادية بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة، يتبين أن منظور "التجارة بدلاً من المعونة" له شيء من الجاذبية من الناحية الاقتصادية. فالأفضليات التجارية يمكنها أن تساعد البلدان النامية في تعزيز التنمية الاقتصادية والاستمرار فيها بجهودها الذاتية، ويمكنها أيضاً أن تحل محل، وربما أيضاً تضيف إلى التحويلات الاقتصادية من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية في شكل مساعدات مالية. ومع ذلك، فإن ذلك لا يخلو من عدد من المشاكل أكثرها وضوحا وجود مقاومة من جانب المنتجين في البلدان المتقدمة، وأقلها وضوحاً، رغم أهميته، مشكلة توجيه هيكل الإنتاج في البلدان النامية في اتجاه لا يمكن أن يستمر مع تقدم عملية تحرير التجارة. وفي مثل هذه الحالات، ينبغي النظر في السياسات التي "تستفيد" من جزء من فوائد الخطط التفضيلية في البرامج التي تعود بالفائدة على المزارعين، بدلاً من خلق أنماط إنتاجية لا يُقدر لها البقاء مع تغير الأسعار العالمية في المستقبل بعد زيادة تحرير التجارة. وأخيراً، يوجد احتمال لحدوث انخفاض في مستوى الرفاهية العالمية نتيجة لتحويل التجارة.

يمكن أن تكون للأفضليات التجارية منافع عديدة للبلدان المُصدرة المعنية. ومن الصعب الوصول إلى تقديرات كمية قائمة على الملاحظة لحجم هذه المنافع في مجموعها، وبالتالي نادراً ما توجد تقديرات من هذا النوع. ومع ذلك، يعد هامش الأفضليات من المؤشرات التي من السهل نسبياً حسابها لتقدير المنافع المحتملة. وتشير التقديرات المتاحة عن هوامش الأفضليات إلى أنها يمكن أن تصل إلى حصص كبيرة من قيمة صادرات البلدان النامية المعنية. ومع ذلك، تعد هوامش الأفضليات من المعايير التي لا يمكن الاعتماد عليها كثيراً في تقدير المنافع الاقتصادية. فعادة تكون المكاسب العامة التي تعود على البلدان المُصدرة المعنية أقل كثيراً من هامش الأفضليات. وعلاوة على ذلك، ففي ظروف معينة، يكون هامش الأفضليات من نصيب الوكلاء في البلدان المستورِدة، بدلاً من أن يكون من نصيب البلدان المُصدرة. وفي غياب تحليلات شاملة للمنافع المترتبة على الأفضليات في البلدان المستفيدة كل على حدة، يكون أساس الحكم على مجموعات البلدان النامية التي "تستحق" الأفضليات أكثر من غيرها ضعيفاً نسبياً. ومع ذلك، توجد أسس بديهية قوية للقول بأن الأفضليات التجارية تعد ذات أهمية خاصة للبلدان شديدة الفقر وغيرها من البلدان النامية ذات الأوضاع شديدة الحساسية مثل البلدان الصغيرة، والبلدان الجزرية والبلدان غير الساحلية.

ومع ذلك، فإن الأفضليات التجارية يمكن أن تنطوي أيضاً على أعباء. فتحسين الأفضليات وتوسيع نطاقها يتطلب "رأسمال تفاوضي". ومع الجولات المتعاقبة من التخفيضات التي أدخِلت على تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية، فمن المؤكد أن قيمة الأفضليات سوف تنخفض، ومن المهم إجراء تقدير دقيق لـ "رأس المال التفاوضي" الذي ينبغي استثماره في عملية قد لا تكون مفيدة كثيراً في المدى البعيد. والإصرار على ألا تكون الأفضليات متبادلة يمكن أن يُضعِف التأثير العام للبلدان النامية في المفاوضات التجارية متعددة الأطراف. وفضلاً عن ذلك، فإن منح أفضليات محددة وعميقة من المحتمل أن يسفر عن هيكل للإنتاج في البلدان المستفيدة لا يمكن أن يستمر مع انخفاض تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية. إذ تؤدي الأفضليات إلى تحويل التجارة، بما يترتب على ذلك من أعباء على البلدان المُصدرة الأخرى. وأخيراً، فإن البلدان المستفيدة من الأفضليات قد تفقد اهتمامها بتخفيض تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية، وهذا يمثل عبئاً على نظام التجارة متعددة الأطراف ككل.

وفيما يتعلق بوضع الأفضليات التجارية في منظمة التجارة العالمية، فإن الأفضليات التجارية العامة التي تُعطى للواردات من جميع البلدان النامية، كما يحدث في إطار النظام المعمم للأفضليات، تتفق مع ما تقضي به اتفاقية الجات بموجب شرط التمكين. ويصدق نفس الشيء على الأفضليات السخية التي تمنح بصفة خاصة للبلدان الأقل نمواً. ومع ذلك، فإن البلدان المتقدمة ليست مُلزمة من الناحية القانونية بتقديم هذه الأفضليات، ولذلك فإنها تستطيع أن تقرر هوامش الأفضليات من جانب واحد، كما تستطيع أن تسحب الأفضليات دون أن تكون قد انتهكت التزاماتها في إطار اتفاقية الجات/منظمة التجارة العالمية. ومع ذلك، فإن الأفضليات التجارية الخاصة التي تمنح لمجموعات محدودة من البلدان النامية، مثل الأفضليات الممنوحة بموجب اتفاقية لومي أو قانون الإنعاش الاقتصادي لحوض الكاريبي، لا تتفق مع ما تنص عليه اتفاقية الجات. وعلى الرغم من ذلك، فقد منحت منظمة التجارة العالمية تنازلات في الماضي وسمحت للبلدان المعنية بالإبقاء على الأفضليات الخاصة.

وعند النظر في الخيارات المتاحة أمام الأفضليات التجارية في المستقبل في إطار منظمة التجارة العالمية، يطفو عدد من القضايا على سطح الذاكرة. فبدلاً من السعي من أجل التوسع في أفضليات "ضحلة" لجميع البلدان المتقدمة بموجب النظام المعمم للأفضليات، قد يكون البديل المغري هو السعي من أجل أفضليات "عميقة" للبلدان الأقل نمواُ والبلدان الأخرى ذات الأوضاع شديدة الحساسية. وفي هذا السياق، يمكن تعديل شرط التمكين بإضافة البلدان الصغيرة والبلدان الأخرى ذات الأوضاع شديدة الحساسية، بالإضافة إلى البلدان الأقل نمواً، ضمن فئة البلدان النامية التي يمكن أن تحصل على أفضليات "أعمق" مما يتيحه النظام المعمم للأفضليات. ومن المؤكد أن دور النظام المعمم للأفضليات ينبغي أن يبقى، ولكن من الممكن تحسينه عن طريق ربط الأفضليات في منظمة التجارة العالمية؛ وإزالة الشروط التي ترتبط بها، وتحديد التعريفات التفضيلية قياساً على تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية (بدلاً من تحديدها كقيم مطلقة)؛ وزيادة حصص التعريفة الجمركية؛ وتبسيط قواعد المنشأ؛ وتحسين مستوى الأفضليات حيثما تصل تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية إلى مستوى القمم وحيثما تكون هناك تعريفات تصاعدية.

وتعد قضية التعويض عن تآكل التعويض هوامش الأفضليات قضية شديدة التعقيد. فليس من الواضح تماماً أن جميع التخفيضات في تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية بالنسبة للمنتجات التي تتمتع بأفضليات في الوقت الحاضر تسفر عن تآكل (له أهميته من الناحية الاقتصادية) في هوامش الأفضليات. فهناك حالات تؤدي فيها التأثيرات المواتية التي يحدثها تحرير التجارة في الأسواق إلى تعويض (جزئي أو كلي) لتآكل هوامش الأفضليات. وعلاوة على ذلك، فحيثما يكون من الواضح أن تآكل الأفضليات يسفر عن تعرض البلدان المصدرة المعنية لخسائر اقتصادية، تنقسم الآراء بين مؤيد للتعويضات ومعارض لها. وبالإضافة إلى ذلك، ففي حالة قبول قضية التعويض، فليس من الواضح تماماً من الذي ينبغي له أن "يدفع" التعويض، ومن الذي ينبغي له أن "يحصل" عليه. ويمكن النظر في العديد من أشكال التعويض، دون أن تكون لأي منها أولوية قاطعة. وأخيراً، فسوف يكون من الصعب في كثير من الحالات الوصول إلى تقدير يُعول عليه للتأثيرات الاقتصادية المترتبة على تآكل الأفضليات، وبالتالي لضخامة التعويضات التي قد يكون لها ما يبررها.

بيد أن كل ذلك لا يعني القول: (1) إن تآكل الأفضليات لا يمثل قضية، (2) وإن التعويض عن تآكل الأفضليات لا ينبغي أن يُطرح في جولة المفاوضات التجارية متعددة الأطراف. ومع ذلك، فإن القضايا المطروحة للمناقشة هنا ينبغي أن تُحذر من اقتراح حلول بسيطة. ففي النهاية، ستكون التعويضات محل مفاوضات. وقد يكون من المفيد، كإطار عام مبدئي، في مناقشة قضية التعويضات، التمييز بين نوعين من الأفضليات، هما النظام المعمم للأفضليات من ناحية، والأفضليات المحددة العميقة التي تُمنح لمجموعات محدودة من البلدان النامية، من ناحية أخرى. وحيثما تتعرض أفضليات النظام المعمم للتآكل نتيجة لخفض التعريفات في مفاوضات متعددة الأطراف، قد تكون أفضل طريقة طبيعية للتفاوض بشأن التعويضات هي السعي من أجل وضع هيكل لإجراء تخفيضات إضافية في تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية تستفيد منه البلدان النامية المُصدرة. ومن ناحية أخرى، فحيثما يتعلق الأمر بأفضليات محددة جداً وعميقة لبلدان مُنفردة أو سلع مُنفردة، مثل الأفضليات التي يمنحها الاتحاد الأوروبي لواردات السكر من مجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي، يمكن إثارة قضية قوية نسبياً من أجل تقديم تعويضات نقدية.

ويخلص التحليل الذي تتضمنه هذه الورقة إلى عدد من التوصيات فيما يتعلق بمستقبل الأفضليات التجارية في جولة المفاوضات الحالية التي تجريها منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة:

تعليقات السيدة كاثي-آن براون،

ممثلة سانت لوسيا لدى منظمة التجارة العالمية(2)

رغـم التبـاين الـواضح فـي طمـوحاتنا، فـإن الـورقة الـتي أعدها السيد تانجرمان (Mr. Tangermann) تعد مثيرة للأفكار والتمحيص، حيث تعطي منظوراً إيجابياً بصفة عامة بينما تلقي الضوء على اقتراحات معينة أرى أنها تنطوي على حلول إيجابية تستحق الدراسة.

طبيعة الترتيبات التفضيلية الرئيسية

إنني ألاحظ باهتمام أن ترتيبات كوتونو/لومي ومبادرة حوض الكاريبي هما أكثر الترتيبات التفضيلية التي يشار إليها في هذه الورقة، مع وجود إشارات عابرة إلى قانون النمو في أفريقيا وترتيبات الأفضليات الأخرى، مثل ما هو قائم في أمريكا الجنوبية والشرق الأقصى. والسؤال البلاغي التي يثيره ذلك هو لماذا كل هذا التركيز على أفضليات لومي/مبادرة حوض الكاريبي.

وأنا أثير هذه القضية لأن البلدان النامية، التي يستفيد العديد منها من ترتيبات تفضيلية خاصة، كثيراً ما تبدي معارضتها لتقديم أفضليات لما يسمى بـ"مجموعة محدودة" من البلدان النامية. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضرورة توسيع المناقشة بشأن المنافع المترتبة على الأفضليات التي تمنح لقطاع أعرض من البلدان.

مفهوم الأفضليات التجارية كأحد عناصر العلاقات الاقتصادية بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة

وأول انحراف ملحوظ هو انحراف أيديولوجي وفلسفي يتصل بالمشورة الاقتصادية التي تتضمنها هذه الورقة. فالنموذج الذي تدعو له، وهو التحرير الكامل، لا ينطبق عليه أي هيكل مجتمعي، وطني أو عالمي، ما لم تكن هناك تدابير وقائية كافية تضمن البقاء لأكثر قطاعات المجتمع تعرضاً للمخاطر – وهو قطاع سوف يكون مُرغماً على دفع ثمن باهظ لكي يحافظ على بقائه. وربما يكون الوقت قد حان لأن نتذكر مقولة البقاء للأقوى وأن نتساءل عما إذا كان هذا هو النموذج الملائم لإقامة نظامنا التجاري متعدد الأطراف.

وهناك حاجة إلى زيادة الاعتراف بأن بعض البلدان النامية تعد أقل تعرضاً للمخاطر من غيرها. وتكمن الصعوبة في فهم لماذا تظل مثل هذه الحقيقة الواضحة محل تجاهل، بصرف النظر عن وضع البلدان الأقل نمواً في نظام منظمة التجارة العالمية الذي تحكمه القواعد.

وتتحدث الورقة أيضاً عن مخاطر الأفضليات التجارية حيثما تكون أنماط الإنتاج مما يستطيع المحافظة على بقائه في المدى البعيد في ضوء عملية التحرير التدريجية، وتقول إنه قد يكون من المفضل استعمال المساعدات المالية المباشرة في مثل هذه الحالات. ولا ينبغي تهميش عنصر "التجارة بدلاً من المعونة". وقد لاحظت أن السيد تانجرمان يعترف بالوضع الذي يستفيد فيه المستفيدون من جزء هامش الأفضليات ويستخدمون الريع في أغراض إنمائية لا تتصل اتصالاً مباشراً بنشاط التصدير القائم على الأفضليات. وفيما يتعلق بقضية الاستدامة: فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هذا المفهوم موضوعياً، أو أنه مفهوم ذاتي، ينبغي أن يتضمن العوامل المتصلة بإمكانية التعرض للمخاطر.

ولا تُسلم الورقة بإمكانية استخدام الأفضليات في سياق التنمية، وتقول أيضاً، بأسلوب واقعي، إن استبدال المساعدات المالية بالأفضليات التجارية لا يعد عملية بسيطة أو سهلة، لأنها تتطلب بعض المعايير السياسية التي لا يمكن تطبيقها في معظم الحالات.

وينبغي أن نلاحظ تزايد القلق بشأن ما إذا كان بلد مثل بلدي يستفيد من وجود ميزة تنافسية حقيقية في إنتاج أي سلعة. والقضية هنا هي صِغَر حجم الإنتاج وبالتالي عدم قدرة البلد على ملء طائرة أو سفينة شحن، بالإضافة إلى الحواجز والعقبات التي تُفرض على قدرتنا على المنافسة (وقد قال كومبتون، أحد رؤساء وزراء سانت لوسيا السابقين: "بدون الموز لن تكون لدينا سفن للشحن، وبدون سفن الشحن لن نحقق أي تنويع لصادراتناٍ").

إن تحويل المُزارع الذي يقوم بإنتاج الموز إلى مستثمر يُجري معاملاته في إطار التجارة الإلكترونية، بين عشية وضحاها، أمر يخرج عن نطاق الممكن؛ ومن الأمثلة الأخرى اللجوء إلى تنويع المنتجات المخصصة للتصدير، بما يترتب على ذلك من تحويل للأموال عن جيراننا الذين ضربوا لنا المثل بمنطقة الكاريبي. ومع ذلك، فمن المؤكد إن المبادئ التوجيهية التي وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن الضرائب قد قللت من تحمسنا ومن الخيارات المتاحة أمامنا في هذا الصدد.

وفي مناقشته لآثار الأفضليات من حيث تشويه التجارة وتأثير ذلك على البلدان النامية التي تفتقر إلى القدرة على المنافسة، يقارن تانجرمان بين الآثار "المعززة لرفع مستوى المعيشة" وتلك التي تؤدي إلى "خفض مستوى المعيشة". وقد كانت هذه القضية محل مناقشات مستفيضة في الأدبيات التي تتناول التجارة في السلع، ولكنها نادراً ما تعرضت للتجارة في الخدمات (في الغرب على الأقل).

كذلك يثير تانجرمان قضية معارضة المنتجين المحليين حيثما يكون الطلب مرناً إلى ما لانهاية وتنخفض الأسعار نتيجة للزيادة في العرض، وبالتالي فإن قضية معارضة المنتجين المحليين للأفضليات توضح أن تحرك الأسعار نحو الصعود كان نتيجة للأفضليات المعطاة للموردين غير الأكفاء و/أو ذوي الأوضاع المزعزعة. وبالإضافة إلى ذلك، فمن المحتمل ظهور معارضة من بلدان أخرى تتعرض صادراتها للمزاحمة.

والانتقادات التي تقول إن الأفضليات التجارية لا تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل تنطبق بالمثل على الترتيبات التفضيلية المتبادلة، وهذا ما توضحه على خير وجه جوانب القلق التي تبديها البلدان الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، والتي تبديها الولايات المتحدة بشأن واردات السكر من المكسيك. وينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن نصيب السوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي (الأرجنتين، والبرازيل، وباراغواي وأوروغواي) – وهي اتفاقية تقوم على ترتيبات للتجارة التفضيلية – من التجارة يتجاوز إجمالي نصيب مجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي (وهي أكثر من 70 دولة) التي تستفيد بموجب اتفاقية كوتونو. (وعلى الرغم من أن مجموعة البلدان الأخيرة تضم جنوب أفريقيا، فإن جنوب أفريقيا لا تستفيد من الأحكام الخاصة بالتجارة في اتفاقية كوتونو ولكنها طرف في اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.)

ومما لا يخلو من مغزى أن المادة 24 من اتفاقية الجات تطالب بتحرير "جميع التجارة تقريباً" (كما ينوه تانجرمان) وهذا يختلف عن الأفضليات التجارية المحدودة غير المتبادلة: إذ يقال إن الترتيبات التفضيلية المتبادلة من المرجح، ترتيباً على ذلك، أن تنطوي على تشويه التجارة. ولذلك، فمن المؤسف أن الدراسة لم تتطرق إلى النظم التجارية التي تقوم على ترتيبات متبادلة.

المنافع المترتبة على الأفضليات التجارية

من الواضح أن صعوبة تحديد وقياس المنافع المترتبة على الأفضليات التجارية هي من القضايا التي تثير مخاوف البعض. ويشير تانجرمان إلى حالة افتراضية لا توجد فيها أفضليات، ويقارن بين حجم المبيعات في أسواق البلدان المتقدمة التي لا تمنح بلداناً معينة أي أفضليات وحجم المبيعات في حالة نفاذ السلع إلى الأسواق بموجب نظام الأفضليات، باعتبار أن ذلك يمثل مؤشراً تقريبياً على قيمة الأفضليات. وإذا نحن طبقنا هذه المقارنة على جزر وندوارد لوجدنا أنها تكشف عن تناقض ملحوظ ويمكن أن ألا يترتب عليها أي عائد. إن اقتصادياتنا تعتمد اعتماداً كبيراً على الموز ومبيعاتنا لا وجود لها في أي أسواق أخرى بخلاف سوق واحدة هي سوق الاتحاد الأوروبي، التي نتمتع فيها بترتيبات تفضيلية خاصة. والرد، في حالتنا، واضح كل الوضوح، وهو أن الزيادة في صادراتنا نتيجة للترتيبات التفضيلية التي نتمتع بها في الاتحاد الأوروبي هي بنسبة 100 في المائة، وليس بنسبة 25 في المائة فقط كما تقول بعض الدراسات، وكما نوّه تانجرمان.

ونحن نلاحظ أن القضية المُحيرة التي تواجه الإحصائيين فيما يتعلق بمشكلة تحديد قيمة للأفضليات من منظور تجريبي مازالت تحتل وسط المسرح: إذ يوضح تانجرمان ما يعنيه بقوله إن "المقارنة بين التدفقات التجارية الفعلية بموجب المعاملة التفضيلية والهيكل التجاري الافتراضي الذي لا توجد فيه معاملة تفضيلية لا تكون ممكنة إلا بالاعتماد على النماذج الرياضية التجارية الكمية التي تستند إلى الافتراضات المتصلة بالمرونة".

ومع ذلك، فمن الواضح أنه يمكننا استقراء الحقيقة بالمنطق البسيط وليس بالتحليلات الاقتصادية القياسية. فالتحليلات التي تتناول الفوائد المترتبة على الأفضليات التجارية في سياق حصص التعريفة الجمركية تُبرز وجهة النظر التقليدية القائلة بأن ريع الحصص يعود، في واقع الأمر، على كيانات في الأسواق المستوردة وليس على المصدرين في البلد المستفيد من نظام الحصص. وهذا القول كثيراً ما يحتج به من يعارضون الأفضليات في مواجهة المستفيدين منها. وعلى الرغم من أن جانباً من هامش الأفضليات قد يبقى للمستوردين، تمثل الأفضليات أداة تمكين لا يكون بوسع المصدرين بدونها النفاذ إلى الأسواق بشروط مواتية. ويعترف تانجرمان ضمنياً بهذا الموقف عندما يقول، على سبيل المثال، إن الدراسات الكمية التي تُعنى بتقييم هوامش الأفضليات ليست دقيقة وتعتمد على افتراضات معينة "جذابة بطبيعتها".

وهو يقدم حقيقتين لهما مغزى خاص:

وهاتان حقيقتان مؤكدتان ينبغي الاعتراف بهما والتعامل معهما في نظامنا متعدد الأطراف الذي يقوم على قواعد.

أعباء الأفضليات التجارية

يستشهد تانجرمان بما يقوله روبرتسون من أن "الأفضليات التجارية في سبيلها إلى الزوال كجزء من عملية تحرير التجارة متعددة الأطراف، ومع ذلك فسوف تبقى جزءاً من فولكلور التنمية"، ويعلق على ذلك بأن "القضية التي تواجه البلدان النامية في هذه الظروف هي ما إذا كانت ستُحسِن استخدام ما لديها من "رأسمال تفاوضي" في مفاوضات منظمة التجارة العالمية من أجل إجراء مزيد من التخفيضات على تعريفات الدولة الأوْلى بالرعاية في مجال الزراعة، أو في محاولات تعميق الأفضليات التجارية بموجب خطط النظام المعمم للأفضليات، وتوسيع نطاق تغطية المنتجات، وزيادة حجم حصص التعريفة الجمركية في الحالات التي تمثل فيها الحصص قيداً على الأفضليات."

ويبدو أن النقطة الأساسية التي يحاول إبرازها هي أنه بصرف النظر عن الآثار الاقتصادية للأفضليات التجارية فإن الإصرار على عدم المعاملة بالمثل قد لا يكون في مصلحة البلدان النامية في المدى البعيد لأنه سيؤدي إلى تقويض ما لها من تأثير في النظام التجاري متعدد الأطراف. ويحق لنا أن نتساءل أي تأثير تتمتع به هذه البلدان عندما لا يكون المستفيدون من الترتيبات التفضيلية الخاصة عموماً ممن يمثلون الأطراف المؤثرة الرئيسية في مفاوضات منظمة التجارة العالمية – وهي حقيقة يؤكدها التفاهم الخاص بتفسير المادة 28 من اتفاقية الجات لعام 1994 التي تدعو إلى "إعادة توزيع حقوق التفاوض بما يكون في صالح الأعضاء المصدرين الصغار ومتوسطي الحجم".

ومع ذلك، فإنني لا أعترض على ما يقوله تانجرمان من أن المستفيدين قد يفقدون اهتمامهم بتحرير التعريفات الجمركية نتيجة للأفضليات، نظراً لأهمية الأفضليات في نفاذ البلدان النامية شديدة التعرض للمخاطر إلى الأسواق.

وضع الأفضليات التجارية في منظمة التجارة العالمية

لا تثير مناقشة وضع الأفضليات التجارية وعلاقتها بقواعد منظمة التجارة العالمية خلافات كبيرة لأنها تمثل عرضاً للحقائق. ومع ذلك، فإنني أود توسيع نطاق المناقشة بشأن اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الجديدة لكي أؤكد على أن الترتيبات التجارية البديلة يُنظر فيها لصالح مجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي غير الراغبة في، أو غير القادرة على الدخول في اتفاقيات الشراكة الاقتصادية – التي يُشار إليها كثيراً على أنها اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الإقليمية – وعلى الأخص معاملة البلدان الأقل نمواً في إطار وحدات التكامل شبه الإقليمية التي قد تختار التفاوض من أجل الدخول في مثل هذه الاتفاقيات مع المجموعة الأوروبية. فسوف تكون البلدان الأقل نمواً قد حصلت بالفعل على حق نفاذ جميع المنتجات باستثناء الأسلحة بدون رسوم جمركية، وبالتالي فمن الصعب تحديد المزايا التي تحصل عليها من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية.

وثمة قضية أخرى وهي أن هاييتي، وهي من مجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي كما أنها من البلدان الأقل نمواً، في سبيلها إلى الانضمام إلى مجموعة الكاريبي التي تضم 14 دولة. ويتجاوز عدد سكان هاييتي مجموع سكان البلدان الأعضاء في مجموعة الكاريبي مجتمعة، وبالتالي يمكن أن نتساءل أليس بوسع مجموعة الكاريبي أن تقترح إطلاق تسمية البلدان الأقل نمواً ليس فقط على بلدان منفردة بل كذلك على اتحادات جمركية، حيثما يكون ذلك مناسباً.

وتتعرض مناقشة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية لمدى الحاجة إلى إقامة ترتيبات تجارية مشتركة بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي تمشياً مع قواعد منظمة التجارة العالمية، وخصوصاً نظراً لصعوبة الحصول على تنازلات بالنسبة للترتيبات التجارية غير المتبادلة. ومع ذلك يُعد تعدد ترتيبات التجارة الحرة الإقليمية مصدراً للقلق المتزايد في منظمة التجارة العالمية وهناك بعض الشواهد على أن هيئة التظلمات قد تميل إلى فحص هذه الترتيبات بمزيد من العناية في المستقبل (أنظر، على سبيل المثال، تركيا – فرض قيود على الواردات من المنسوجات والملابس، القضية رقم WT/DS34/AB/R,1999).

الخيارات المتاحة أمام الأفضليات التجارية في المستقبل في إطار منظمة التجارة العالمية

يقترح تانجرمان في هذا القسم ما يمكن أن يسمى "صفقة سلام" بين البلدان النامية، بغرض المحافظة على تضامنها. وتعد هذا الاقتراحات تقدمية جداً. والقضية المهمة التي تطرح نفسها تتعلق بالاختيار بين أفضليات "ضحلة" لجميع البلدان النامية وأفضليات "عميقة" للبلدان الأقل نمواً وبعض البلدان الأخرى المعرضة للمخاطر، علماً بأن الفئة الأخيرة من البلدان يحدوها "هدف يوحي بمزيد من الأمل". والخيار المقترح هو تعديل تعريف البلدان الأقل نمواً في شرط التمكين لكي يمكن تصنيف البلدان النامية المعرضة للمخاطر، مثل البلدان الجزرية والبلدان غير الساحلية، بين البلدان النامية التي يمكن أن تنمح لها أفضليات أعمق مما ينص عليه النظام المعمم للأفضليات. و"يوازن" تانجرمان ذلك بالمقترحات التالية:

وثمة نقطة تثير بعض القلق وهي الأهمية النسبية للأفضليات التعريفية في حصص التعريفة الجمركية وفي المجالات المهمة الأخرى المتصلة بالإصلاح. وأشير بذلك إلى وجود قمم تعريفية فيما يتصل ببعض المنتجات الزراعية. وكما سبق التنويه (في تعليقي على الأفضليات التجارية)، ليس من المرجح أن يؤيد المستفيدون من الأفضليات المبادرات التي ستؤدي لا محالة إلى خفض قيمة الأفضليات، وبالتالي يذبحون "البطة التي تبيض ذهباً".

الخلاصة

يخلُص تانجرمان إلى أن "نفاذ البلدان الأقل نمواً وغيرها من البلدان المعرضة للمخاطر إلى الأسواق بدون رسوم جمركية يمثل سياسة جديرة بالمضي فيها". وإنني أتفق معه تماماً في ذلك وأهنئه على هذه الورقة المثيرة للتفكير والتي حرص فيها على عدم تجنب القضايا الخلافية عند الحديث عن اهتمامات البلدان النامية إذا كان في النية إدماجها في النظام التجاري متعدد الأطراف.



1 هذه الورقة تلخيصلدراسة طويلة أعدها البروفيسور ستيفان تانجرمان (Stefan Tangermann، الأستاذ بجامعة جوتنجين، وقدمتها منظمة الأغذية والزراعة في اجتماع المائدة المستديرة الذي عُقد في جنيف بشأن بعض القضايا الزراعية، في 21 مارس/آذار 2001. وللاطلاع على الدراسة بأكملها، يمكن الرجوع إلى:

FAO The Future of Preferential Trade Arrangements for Developing Countries and the Current Round of WTO Negotiations on Agriculture, Rome 2001.

2 آراء السيدة كاثي-آن براون لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر حكومة سانت لوسيا.


الصفحة السابقة الى أعلى هذه الصفحة الصفحة التالية