الصفحة السابقة بيان المحتوياتالصفحة المقبلة

الناس والماء

يوجد مكونان أساسيان لتعظيم الإنتاج الزراعي والوصول به إلى حدوده القصوى، تحت ظروف الموارد المائية المحدودة وهما الناس والتقانة. ومن بين هذين المكونين، فإن الناس أو البشر هم اثكثر أهمية، وان أفضل وسائل التقانة وأكثرها إبداعآ في العالم لن يكون له عائد أو فائدة إذا لم يستطع الناس استعماله بأنفسهم أو يروا مزاياه ويفهموها.

وإشراك الناس في إدارة المياه المستخدمة من أجل الزراعة، على المستوى المحلي، أمر ليس بالجديد، وفي الواقع، فإن هذا المفهوم يطبق وبنجاح في كثير من أنحاء العالم، ومثال ما يجري بالنسبة لأنظمة الرب في "بالي" شاهد على ذ لك على أنه يجب أن لا نقلل من تقديرنا للصعوبات التي تواجه المشاركة الحقيقية للناس والشفافية في اتخاذ القرارات في مجتمعات تعودت المركزية الشديدة وشاعت بها تعقيدات البيروقراطية، وهناك حاجة إلى تغييرات كبيرة بالنسبة للمؤسسمات التي تركزت بها- في الماضي- كل الصلاحيات وعوامل القوة. كما أن للأفراد (المواطنين) وجماعات المستخدمين، الذين ربما لعبوا دورآ هامشيآ في الماضي، دور مهم الان لتحقيق هذا التغيير. وبعض معالم هذا التغيير المطلوب مثبتة في الصندوق المرافق.

ولا يعني هذا أنه لم يعد هناك دور للأخصائيين، حيث أن الحماس والمشاركة على المستوى المحلي يمكنها دائمة أن تستفيد وتكتمل من خلال الخبرة الفنية في مجالات الادارة المستدامة، وتقانة الري وأنظمة توزيع المياه وإدارة مساقط المياه والمواضيع الاخرى ذات العلاقة. كما أن هناك حاجة إلى التدريب وإعطاء التسهيلات في مجالات منها- على سبيل المثال- لوضع الضوابط والاجراءات لحماية الانظمة البيئية للمياه العذبة وكذا لتمكين المجتمعات من حل الخلافات بين المتنافسين على استخدام الموارد واستغلالها.

المساواة في النوع (بين الجنسين) من الأمور الضرورية. النساءوالرجال لهم حقوق متكافئة في الحصول على المياه حتى في حالة وجود أدوار مختلفة بالنسبة لاستخدام موارد المياه والمحافظة عليها. إلا أن استخدام مثل هذا المدخل (المساواة في النوع) لادارة الموارد المائية يمكن أن يكون مثيرآ للخلاف، حيث أنه يتطلب أن يغير كل من النساء والرجال الطرق التي ينظرون بها إلى إدارة المياه وقضايا الزراعة، وبالتالي كيف يتعاملون فيما بينهم. وهناك حاجة إلى استخدام كل الاليات المتاحة، التقليدية والجديدة أو الابداعية، للتعامل مع وإيجاد الحلول لهذه القضايا.

المساواة الطبقية من الأمور الضرورية والحرجة أيضا. لا يوجد مكان في الادارة الكفؤة للمياه لدور نخبوي للأغنياء أو المتميزين والبارزين اجتماعيا. وغالبآ، فإن الناس الاكثر حاجة إلى أن يكون لهم رأي أو قول في كيفية إدارة المياه والذين يعلمون الاكثر عن ذلك هم النساء الفقراء من ذوي الملكيات الصغيرة.

 

تتوفر في الواقع، شواهد واضحة على أن إشراك الفقراء يمكن أن يؤدي إلى تحقيق نصيب من النمو الزراعي أكبر من حجمهم. حيث أوضحت الدراسات التي أجريت لتقويم تأثير مساحة الحيازة على إنتاجية الأرض بالنسبة لعديد من الحيازات متباينة المساحة حيث يتم استخدام السلالات والأسمدة ووسائل الري الحديثة. وأوضحت هذه الدراسات أن الحيازات الصغيرة أكثر إنتاجية من الحيازات الكبيرة. ولقد أظهرت البيانات والنتائج من مناطق الثورة الخضراء في الهند وبنجلاديش وباكستان والفليبين وسريلانكا أن الحيازات الصغيرة المروية كان لديها بعض التفوق لدى مقارنتها بالحيازات المروية الكبيرة في مجالات عدة منها: نسبة أكبر للمساحة المنزرعة من الأرض المروية، وكثافة محصولية أعلى، ومعدل أكبر لإضافة الأسمدة بالنسبة لوحدة الأرض المنزرعة، وزراعة أكثر لمحاصيل متنوعة ذات قيمة عالية والتي تحتاج إلى عمالة مكثفة، والحصول على إنتاج أكبر لكل محصول بالنسبة لوحدة الارض، ولقد أدت نتاثج الأبحاث في ساحل العاج وأمريكا اللاتينية إلى دحض الأسطورة القائلة بأن المزارعين الكبار أكثر كفا ءة من أولئك الصغار. وإذا أخذنا في الاعتبار نصيب الفرد من الأراضي المنزرعة، فإن أصحاب الحيازات الصغيرة يسهمون في إنتاج المحاصيل الرئيسية- وخاصة التقليدية منها- بطريقة تفوق حجمهم، وفي دراسة تناولت 55 دولة نامية، كان إنتاج أصحاب الحيازات الصغيرة في 39 منها أكبر بكثير مما يتوقع من نصيبهم من الأرÇضي المنزرعة.

وفي النهاية، فإن المطلوب هو عقد مائي جديد ولقد قامت الثورة الخضراء بمبادرة من العلماء ويجب أن تقوم الثورة الزرقاء على جعل استخدامات المياه وإدارتها هو شغل وعمل الجميع وأن يكون هدفها (الثورة الزرقاء) هو تعظيم إنتاج الغذاء وكذا فرص العمل لكل وحدة مياه تستهلك. مع العلم بأن تمكين الأفراد والمجتمعات من فهم بدائل التغيير أمامهم، والاختيار من بين هذه البدائل، وتحمل التبعات والمسئوليات التي تتضمنها هذه الاختيارات، ثم تحقيق هذه الاختيارات. فإن كل هذا يمكن له أن يغير- جذريآ- الطريقة التي يستعمل بها العالم موارده المائية المحدودة.

  الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحة الصفحة المقبلة