الصفحة السابقة بيان المحتوياتالصفحة المقبلة

تنظيم مصايد المياه العميقة وإدارتها

القضية

من الصعب وضع تعريف محدد للصيد في المياه العميقة. وارتأى مؤتمر البحار العميقة لعام 2003، الذي عقد مؤخرا في نيوزيلندا (53)، أن أسماك القاع تحديدا لا توجد في الظروف القارية أو في المياه القريبة من السطح، (أنظر الشكل 37). ووضعت مجموعة عمل مصايد المياه العميقة التابعة للمجلس ا لدولي لاستكشاف البحار الحد ما بين 400 و500 متر كتعريفا لمدى العمق. لكن سلوك العديد من الأسماك في البحار العميقة يعقد مثل هذا التعريف. فهناك أصناف عديدة تقوم بهجرات عمودية، وكل يوم تتحرك من المناطق شبه العميقة إلى المنطفة السطحية لتعتلف، وأصناف أخرى تنتقل ما بين ا لجروف ومنحدرات المياه.

وفي الماضي كانت الأعمال الشديدة التي تعيش فيها هذه الأسماك تحول دون عمليات الصيد أو تعيقها، لكن التطورات التكنولوجية قدمت حلولا ممكنة وإن كانت مرتبطة ببعض المشكلات الإدارية. وكانت التطورات سريعة خلال السنوات الخمسين الأخيرة وقد زادت كميات الإنزال من المياه العميقة (باستثناء الصين) من 1.2 في المائة من مجموع الإنزال في 1952 إلى 4.7 في المائة في 2002. وتشير تقارير الصين إلى أن كميات الإنزال من أسماك المياه العميقة تتكون في أغلبها من سمك القطلس كبير الرأس ( Trichiurus lepturus ) ، وحسب البيانات المقدمة، فقد بلغت نسبة هذا النوع 1.5 في المائة من مجموع الإنزال العالمي من الأسماك البحرية في عام 2002.

ومن بين أصناف المياه العميقة المستغلة تجاريا اليوم الروغي البرتقالي (Hoplostethus atlanticus) والأوريوس (Allocyttus spp., Neocyttus spp., Pseudocyttus spp.) والفونسينوس (Beryx spp.) والانقليس والبروتولاس (Ophidiidae) وبتاجونيان توثفيش (Dissostichus) (EIeginoides) والأسماك درعية الرأس في المياه السطحية (Pseudopentaceros wheeleri) وأسماك الرمال (Anoplopoma fimbria) وهلبوت غرينلاند (Reinhardtius hippoglossoides) وقد موريد (Notocanthidae & Moridae) وأصناف مختلقة من اسكاربونيدات (Scorpaenidae). وباستثناء أسماك المرتفعات البحرية تكثر أسماك كاديفورم (Gadiformes) بطيئة النمو مثل ماكروريد (Macrourids) ، وهي ذات خصائص أقل تطرفا من الصابوغيات (Trachichthyidae) والتي تصاد مع أسماك المرتفعات البحرية. وهناك أصناف عديدة من سلاحف المياه العميقة (Etelis spp.) وغيرها موجودة في المنحدرات القارية على عمق يتراوح بين 100و400 متر من خطوط العرض السفلى في المحيطين الهادي و الهندي، وهي أسماك ثمينة يصيدها صغار الصيادين. ونظرا لبطء نموها، فهي شديدة التعرض للنفاد.


الإطار7

مصايد المياه العميقة: لمحة تاريخية

شهدت مصايد المياه العميقة في شمال الأطلسي تنمية مكثفة على نطاق واسع، وسجلت كميات الإنزال من هذه المياه النسبة الغالبة من حجم الإنزال العالمي من حصيلة أنواع المياه العميقة (أنظر الشكل). وكانت كميات الإنزال من مصايد المحيط الهادي مهمة،غير أن تنميتها في هذه المنطقة تخلفت عن نظيرتها في المحيط الأطلسي. وخلال عقدي السبعينات والثمانينات، سجل القليل من عمليات الصيد في أعالي البحار، ذلك لأن العديد من البلدان المعنية في ذلك الوقت، كانت تفتقر إلى الصلاحيات القانونية أو الاهتمام لكي توثق بصورة دقيقة كميات المصيد وجهود الصيد لأساطيلها من سفن الجر التي تعمل في أعالي البحار وكان أحد تلك المصايد يركز على الأسماك السطحية في المحيط الهادي من النوع ذي الرأس المصفح. وفي عام 1969 بدأت سفن الجر الروسية واليابانية عمليات الصيد في سلسلة Emperor Seamount ومناطق أخرى شمالي هاواي. وليس من المعروف حجم المصيد الإجمالي، لكن التقديرات تشير إلى أن هذا الحجم يتراوح بين 36 ألفا و 48 ألف طن سنويا خلال الفترة 1967-1977. وكانت نسبة 90 في المائة من هذا المصيد من الأسماك السطحية ذات الرأس المصفح. لكن كميات الصيد الإجمالية انخفضت بعد 1977 إلى ما يتراوح بين 5800 و 9900 طن سنويا حتى اختفت تلك الثروة السمكية بحلول عام 1982 .

 


 

ويعتبر مصيد أسماك اسكابارد السوداء من أعماق البحار ( Aphanopus carbo ) في مادييرا واحدا من مصايد المياه العميقة التقليدية القليلة، لكن معظم مصايد المياه العميقة المهمة تجاريا تستغل حاليا باستخدام سفن الجر في مناطق المرتفعات والوديان البحرية.

وفي حالات عديدة تجاوز النمو السريع في مصايد المياه العميقة حجم المعارف اللازمة لنجاح إدارة الموارد. فالمعلومات المتعلقة ببيولوجيا العديد من الأصناف تظل غير كاملة. ورغم الطابع واسع النطاق لهذه المصايد، يبقى حجم المعلومات قليلا حول تأثير الصيد على أصناف المصيد الثانوي (من ذلك على سبيل المثال أسماك Elasmobranchs في المياه العميقة). وفي حالة تأثيرات القيعان، فإن المعلومات المستقاة من دراسات قليلة تدعو للقلق كما في حالة الشعب المرجانية في المياه العميقة.

ومن غير المستغرب أن تواجه مصايد المياه العميقة ذات المشاكل الموجودة في المصايد التقليدية. وفضلا عن ذلك هناك مشاكل أخرى تتعلق بطبيعتها الخاصة. ومن بين هذه المشاكل: ضعف قابلية ا ستدامة الموارد السمكية المعمرة، والمصيد الثانوي المرتجع، وتأثير عمليات الصيد على موائل القيعان، وخصوصا تلك التي تزود موائل تكاثر الأصناف المستغلة تجاريا. ونظرا لأن معظم عمليات الصيد في المياه العميقة يحدث في أعالي البحار، فإن قلقا إضافيا يتمثل في مقدرة (أو عجز الأنظمة والاتفاقات القانونية الدولية عن توفير إطار يفي بتحقيق إدارة فعالة لهذه الموارد السمكية.

الحلول الممكنة

إدارة المياه العميقة- الحاجة إلى المزيد من البيانات الدقيقة

تتطلب إدارة موارد المياه العميقة استراتيجيات لمعالجة طائفة من الأصناف، يتميز العديد منها بجوانب حيوية غير عادية. ومن بين حركة الأسماك المختلفة: أسماك شديدة الترحال يوميا، ومراحل ممتدة ليرقات الأسماك السطحية (كما هي الحالة في يرقات Oreos و Pentacerotidae )، والمجموعات التي لها منطقة تكاثر عامة أو جزء منها، وتلك التي تكون مناطق تكاثرها موضعية (مثال ذلك، الصابوغيات البرتقالية التي يطفو بيضها بسرعة على غير العادة لتسهيل بقاثها قرب موائل تكاثرها)، وتلك التي لها مراحل سلوكية لتكاثرها السنوي حيث تتجمع على نحو مكثف لوضع البيض في أوقات متقطعة. وبعض التجمعات في المياه العميقة مقيدة جغرافيا، في حين أن مجموعات أخرى لها توزيعات واسعة. وللعديد من أصناف المياه العميقة أعمار طويلة نسبيا (قرابة 100 سنة) ونضوج متأخر نوعا ما (15 إلى 20 سنة)، في حين أن مجموعات أخرى لها تواريخ حياتية لا تتباين عن الأرصدة السمكية الموجودة في مناطق الجرف القاري.

وليس من الغريب في ضوء هذه التحديات، أن نجد إدارة موارد المياه العميقة تحرز نجاحا أفضل بقليل من العديد من مصايد الجرف القاري. وحتى في حالات تطبيق مناهج تتسم بالحذر، فإن اللجان الاستشارية الفنية التي أنشئت دون معلومات محددة قد اتجهت في بداية الأمر إلى المغالاة في تقدير إنتاجية موارد البحار العميقة. وفي تلك الحالات فإن نظرية المصايد تنبأت بأن الإفراط في صيد الأصناف طويلة العمر ذات معدلات النمو المنخفضة والتكاثر العرضي يحتاج تعويضه إلى عدة أجيال. وهذا يؤكد على الحاجة إلى توافر مديرين للموارد- أين يوجدون، وعما إذا كانت لديهم صلاحيات وقدرات على العمل- ليدرسوا على وجه التحديد نتائج عدم كفاية المعلومات العلمية والمصيد الضئيل أو غير المتاح وبيانات جهود الصيد (54)، والمعلومات، وإن تكن قليلة، عن المصيد الثانوي ومسارات التطور السابقة غير المعروفة لمصايد المياه العميقة. وما كان معلوما هو أن إنتاجية العديد من هذه المصايد (إن لم يكن كلها) ستكون منخفضة، وهذا يرجع في جزء منه إلى الافتقار للأعلاف في الموائل بالمياه المتوسطة والعميقة. وفي ظل الفهم العملي للإدارة فإن مفاهيما مثل "منهج النظام الإيكولوجي " لإدارة مصايد المياه العميقة، سوف تستلزم دراسة واضحة لصيانة التنوع البيولوجي لأسماك القاع، وتعزيز الحد الأدنى من الكتلة الحيوية لإنتاج البيض مهما كانت الأسماك الصغيرة خاضعة لعزلة التكاثر.


الإطار8

البحار العميقة وبيئتها

البيئة التي تعيش فيها أسماك البحار العميقة واسعة النطاق (تزيد على 50 في المائة من مساحة الكرة الأرضية)، لكن حركة المحيطات والطبيعة الحيوية للمصايد والنظم الإيكولوجية فيها غير معروفة تماما. وخلال العقدين الأخيرين، أجريت دراسات تتناول هذه المناطق من حيث طبيعتها المذهلة ماديا وبيولوجيا. ومع أن معظم هذه المناطق مسطحة وذات قيعان مغطاة بالطمي والأوحال، فإن هناك مناطق أخرى تتميز بسلاسل من المرتفعات والوديان والهضاب البحرية. وقد تسنى منذ عهد قريب تفهم دور الرياح المضطربة التي تهب على مناطق الجرف القاري، في وديان ضيقة تربط ما بين أعماق البحار. وهناك ظواهر أخرى مثل ينابيع صغيرة في قاع البحر وفتحات مائية حارة أنتجت تجمعات كيميائية غريبة التركيب ومعقدة تعيش فيها نباتات بحرية غير مألوفة.

وتترافق النباتات البحرية المتنوعة طويلة العمر، وأكثرها وجودا الشعب المرجانية في المياه العميقة، مع معالم المرتفعات البحرية وشبيهتها في قيعان البحار. ويطول عمر الشعب المرجانية في المياه الباردة إلى ما يزيد عن 000 10عام. ونظرا لتركيبة هذه الشعب وهشاشة قاعدتها وسرعة انكسارها، فإنها تكون عرضة للتدمير بسبب سفن الجر عندما يترك الصيادون غير الخبراء جرافاتهم تلامس سطح تلك المرتفعات البحرية. والأمر الآخر الذي يستدعي القلق هو الإرتفاع الملحوظ في مستوى وبائية الأصناف في تلك الموائل التي خضعت للبحوث، وبالتالي ربما يكون تكاثر أصناف عديدة في مناطق مماثلة أخرى أقل مما هو متوقع.

وللمرتفعات البحرية خصائص تعد مهمة لمصايد الأسماك. أولها، تشكل الأصناف المهمة تجاريا تجمعات لوضع البيض وفقا لطبيعة المرتفعات بما يؤدي إلى تحقيق معدلات صيد مربحة، في حين تحقق التجمعات البعيدة عن المرتفعات البحرية أرباحا أقل بكثير. ثانيا، تجلب الرياح التي تهب على المرتفعات البحرية مياها غنية بالمغذيات إلى المنطقة الضوئية، وتعزز الإنتاج البيولوجي. ومن ثم تنشأ مناطق لاحتجاز يرقات السمك داخل موائل الأسماك البالغة بفعل ديناميكية ظاهرة "صفوف تايلور"(سميت هكذا نسبة إلى مكتشفها العالم تايلور) لدى مرورها على سطوح المرتفعات البحرية. ويحدث تعزيز أخر عندما تصعد العوالق البحرية إلى الطبقات السطحية العليا أثناء الليل ولا تستطيع أن تغوص عندما تصطدم بالتلال البحرية، وبالتالي توفر كتلة حيوية يمكن أن "تحتجزها" النظم الإيكولوجية المعتمدة على المرتفعات البحرية.


ويستلزم التقدير الناجح للموارد واستراتيجيات جني المحصول السمكي توافر ما يلي:

ومثل هذه الاعتبارات تستلزم الإبداع والقدرة على الاستفادة المثلى من أحدث التطورات في مجال إدارة الموارد السمكية. وتشمل هذه التطورات ما يلي:

كذلك يلزم بذل الجهود لمنع الصيادين المغامرين أو غير المتمرسين من الدخول إلى هذه المصايد، ذلك لأن افتقارهم إلى الخبرة يمكن أن يؤدي إلى إلحاق أضرار خطيرة بالكائنات الحية في القيعان وتنوعها البيولوجي. وقد تساعد الشهادات الممنوحة للعاملين على ظهر سفن الصيد، الذين يشاركون في أنشطة تلك المصايد، في ضمان مواصلة أعمالهم دون إلحاق أدنى حد من الضرر بكائنات القيعان.

إدارة مصايد المياه العميقة

بالرغم من إقرار العديد من الصكوك الدولية التي تستند إلى القانون الدولي للبحار والقانون الدولي للبيئة، وكذلك التقدم المحرز في الممارسات الجيدة في إطار الأجهزة أو الترتيبات الإقليمية للمصايد، لا يزال هناك العديد من جوانب القصور. ومن الممكن في واقع الأمر اعتبار معظم الموارد السمكية العالمية في المياه العميقة ومناطق أعالي البحار "غير منظمة" في الوقت الراهن. وكما أشار مؤتمر البحار العميقة لعام 2003، لا يبدو أن هناك وجهة نظر واحدة إزاء كيفية المضي على نحو أمثل في تنظيم وضمان الإدارة الجيدة لهذه الموارد واستنباط وتنفيذ صكوك جديدة ملزمة، أو تعديل الاتفاقات الموجودة ربما يستغرق وقتا طويلا حتى يمكن تطبيق الإجراءات العاجلة التي كثيرا ما تكون مطلوبة، إضافة إلى الصعوبات الأخرى التي من بينها عدم اليقين إزاء مستوى القبول بهذه الصكوك أو مدى الحاجة إلى تلافي تقويض بعض العناصر الرثيسية المعمول بها فعلا أثناء تطبيق هذه العملية. ويتخوف العديدون من إغفال صيانة العديد من النظم الإيكولوجية المهددة في المياه العميقة أو الإبقاء عليها. ولذا، فإن أفضل أسلوب لإدارة الموارد السمكية في المياه العميقة لأعالي البحار، كما يعتقد الكثيرون، يتمثل في الاستفادة الكلية من الإطار القانوني الموجود وضمان تنفيذه من قبل جميع الأطراف المعنية. وفي بعض الحالات فإن توسيع صلاحيات الأجهزة أو الترتيبات الإقليمية الموجودة المتعلقة بالمصايد يمكن اعتباره أمرا ضروريا لإنشاء أجهزة أو ترتيبات جديدة وربما لا يكفي إتباع منهج إقليمي أو منهج يعالج قضايا مصايد الأسماك كل على انفراد. ومن الضروري التأكد من أن مشكلات المصايد لا تنتقل ببساطة من منطقة بحرية إلى أخرى. كذلك من الضروري توافر منهج عالمي، مثل اتفاقية الامتثال التي وضعتها منظمة الأغذية والزراعة والتي تسعى للتأكد من أن هناك مراقبة فعالة من قبل دولة العلم على جميع سفن الصيد المستخدمة أو التي يعتزم استخدامها للصيد فى أعالي البحار. وبالإضافة إلى الإجراءات المتخذة من قبل دولة العلم ذاتها، تتضمن اتفاقية الامتثال نصوصا تتعلق بدول الميناء، بما يسمح لتلك الدول "بإخطار دولة العلم فورا" في حالة ما إذا كانت هناك "أسباب معقولة للاعتقاد بأن إحدى سفن الصيد قد استخدمت في عمل يقوض فعالية الاجراءات الدولية المتعلقة بالصيانة والإدارة". وهناك أنشطة أخرى لرصد أعالي البحار مثل نظم مراقبة السفن، ولربما تتيح نظم توثيق المصيد في المستقبل، فرصة أفضل لتحقيق النجاح إذا ما طبقت بأسلوب عالمي.

أحدث التطورات

ربما كان أول التطورات التي ساعدت في تنمية مصايد المياه العميقة يتمثل في وضع نظم تحديد المواقع الجغرافية بالأقمار الاصطناعية. وتساعد هذه النظم سفن الصيد في وضع شبكات الجر في حدود عشرات الأمتار من معالم قيعان البحار المفتوحة وتكرار عمليات الجر الناجحة بالشباك المثبتة عندما يكون توزيع الأسماك موضعيا إلى حد بعيد. وبالتالي، ومع أن هذه التكنولوجيا جعلت أصناف المياه العميقة متاحة للصيد، فإنها أيضا مكنت الصيادين من وضع تحديد دقيق للمواقع التي يضعون فيها معداتهم، وتجنب المناطق التي يتعذر فيها الصيد أو يكون فيها غير مرغوب.

والذي يضاهي هذه التكنولوجيا البحرية الآنفة الذكر، تزويد طرق القياس الصوتي عن بعد في سفن الصيد بالجر. وقد ساعد ذلك في توجيه الشباك، التي تكون أحيانا على بعد كيلومتر واحد من السفينة، في الوصول إلى المكان المناسب تماما باستخدام محوري الإحداثيات، وبذلك تتجنب التعلق بقاع البحر، وإطلاق معدات الصيد فى المياه قليلة العمق. ومما يكمل هذا الأسلوب، التقدم الذي طرأ في اكتشاف مواقع الأسماك بالمسبار التقليدي للصوت والصدى المستخدم في تحديد أماكن الأسماك قبالة سفن الصيد بالجر.

كذلك فإن وضع الخرائط لقاع البحر يمثل تطورا آخر في مجال استخدام الأجهزة الصوتية لسبر أعماق المياه بما يسهل استهداف موارد المياه العميقة الموجودة ضمن مناطق ضيقة وغير منتظمة. وتوفر هذه الأساليب صورا واضحة المعالم لملامح القاع، وتحديد المنطقة المستهدفة في عملية الصيد بالجر، بحيث يتلافى الصيادون المناطق التي يمكن أن تضيع فيها معدات الصيد، أو حيث يمكن الاصطدام بالقاع (أنظر الشكل 38). ويوفر هذا الأسلوب في رسم الخرائط المعادل لرسم الخرائط الجغرافية الأرضية، فائدة للعاملين في مجال الصيد.

والنجاج في عمليات صيد أسماك القاع في المياه العميقة يستلزم مجموعة من القدرات الخاصة. أولها أن الصيد بشبكات الجر يستلزم خبرات في المناورة بسفن الصيد والتحكم في المعدات لتحاشي إتلاف النباتات القاعية وفقدان معدات الصيد. وكما هو الشأن بالنسبة لكل الموارد البحرية، فإن إنتاجية مصايد المياه العميقة محدودة رغم أنها غير معروفة عادة ومن ثم فإن الإدارة الحذرة مطلوبة لضمان استدامة غلات الصيد والكتلة الحية للموارد. ومن جهة أخرى تظهر البيانات أن عمليات الإنزال المبلغ عنها من البحار العميقة لا تزال آخذة في الزيادة ربما في بعض الحالات من خلال التعمق في صيد الكتلة الحية للموارد وأيضا من خلال المكاسب في إنتاجية المصايد.

التوقعات

سيفيد التطور التكنولوجي في مساعدة أولئك الذين يحاولون مراقبة مصايد المياه العميقة في أعالي البحار، كما يمكن أن يقيد أولئك الذين يتولون تشغيل تلك المصايد. وهناك احتمال أن تتواصل الجهود لتعزيز الإدارة المتعلقة بمصايد أعالى البحار عموما ومصايد المياه العميقة على وجه خاص.

ويرى البعض أن أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، بما فى ذلك الحرية المقيدة للصيد فى أعالي البحار، سوف توفر إجابات شاملة للمشكلات المتصلة بإدارة الموارد السمكية في أعالي البحار، حيث يوجد الكثير من مصايد البحار العميقة. غير أن حرية الصيد في أعالي البحار والوصول الحر إلى الموارد السمكية قد أدى، من الناحية العملية، إلى العديد من المشكلات لعل أكثرها بروزا الافتفار إلى الحوافز لدى الأفراد لكبح جهود الصيد والتقيد بتدابير الصيانة.

وتقتصر نظم صيانة وإدارة مصايد الأسماك في أعالي البحار في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على الأرصدة السمكية المتداخلة والثدييات البحرية واستخدام الشباك العائمة. وهناك مشكلة أخرى مستمرة تتمثل في كيفية التنفيذ الفعال للصيانة والإدارة من خلال المنظمات الإقليمية لإدارة المصايد وبخاصة تطبيق حصص الصيد. ويتناول الإطار 9 هذه المسألة باستفاضة.

ورغم توسيع نظم صيانة وإدارة المصايد في أعالي البحار من خلال الترتيبات القانونية الصارمة والسهلة، فإن فعاليتها في ترويج وتسهيل إدارة وصيانة الموارد السمكية في أعالي البحار لا تزال أمرا مرجوا. وتتحقق الإدارة الفعالة لموارد أعالي البحار بتطبيق الإجراءات ذات الصلة بالصيانة والإدارة سواء كانت الدولة المعنية عضوا في منظمة إقليمية لإدارة المصايد أم لم تكن. وفي هذا السياق، فإن اتفاقية الامتثال التي وضعتها منظمة الأغذية والزراعة، بل والأكثر أهمية من ذلك، الأحكام ذات الصلة في اتفاقية الأرصدة السمكية، تستند إلى أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وتوفر الدعم لها.


الإطار9

الإدارة والمصايد في أعالي البحار

من الممكن اقتفاء أثرالفكرة الداعية إلى حرية الصيد في أعالي البحار،حيث يوجد معظم مصايد المياه العميقة،من أعمال Grotius في القرن السابع عشر بل لها جذور أقدم من ذلك،فقد وردت في نصوص القانون الروماني واستمرار قبول الفكرة في القرون التاليةأدى إلى إدراجها في قانون دولي عرقي،و من ثم إدراجهافي القانون الدولي في النصف الثاني من القرن العشرينولهذا فإن اتفاقية الأمم المتحدةلقانون البحار، التي دخلت حيز التنفيز في عام 1994، أي بعد مضي إثني عشرعاما من إقرارها وافتتاح التوقيع عليها في 1982 والتي ثوفر حجر الأساس للنظام القانوني الراهن لأعالي البحار، تؤكد من جديد بشدة في المادة 87 على مبدأ "الحرية في أعالي البحار". ومن بين الحريات المدرجة في هذه المادة "حرية الصيد". وينبغي التشديد على أن هذه الحرية ليست مطلقة أو غير مفيدة لأنها "تخضع للشروط الواردة في مواد القسم 2 من الجزء7"، والتي تحدد عددا من الإتزلمات التي يجب أن تحترمها الدول التي تمارس نشاط الصيد في أعالي البحار. وتنص بالإضافة إلى ذلك في المادة 87(2) على "وجوب ممارسة جميع الدول تلك الحرية مع المراعاة اللازمة لمصالح الدول الأخرى في ممارساتها للحرية في أعالي البحار"(1).

ومن المهم التأكيد على أن هذه الأحكام تنطبق على جميع البلدان، أي على أ طراف الاتفاقية وأيضا على غير الأطراف فيما يتعلق باشتراطاتها التي تعبر عن القانون الدولي العرفي الموجود. ولهذا فإن حقوق البلدان التي تمارس نشاط الصيد في أعالي البحارمشروطة بما يلي: (أ) التزاماتها بالمعاهدة (المادة 116(أ))، (ب) واجب تطبيق الإجراءات بشأن صيانة الموارد الحية (المادة 117)، (ج) واجب التعاون مع بقية الدول في صيانة وإدارة الموارد الحية في مناطق أعالي البحار (المادة 118)، (د) واجب اتخاذ الإجراءات لصيانة وتجديد التجمعات للسمكئة من الأصناف المستغلة لإنتاج أقصى غلة مستدامة (المادة 119(أ)).

ويمكن أن نتوقع بأن هذه الأحكام الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار توفر إطارا شاملا وصارما على نحو كاف يسمح بتحقيق إدارة فعالة للموارد السمكية في أعالي البحار، حيث يوجد العديد من مصايد المياه العميقة، وبخاصة تلافي المشكلات التي يمكن أن تنجم عن نظام غير مقيد للحرية. ومن جهة أخرى ومن الناحية العملية فإن وضع مثل هذه المجموعة من الالتزامات لم يتبعه تطوير وتنفيذ لها، وإن حرية الصيد في أعالي البحار وما رافقها في معظم الحالات من وصول حر واقعي إلى الموارد السمكيه قد أدت إلى ظهور أوضاع خطيرة ومحفوفة بالمشاكل تميزت بصورة أخص بالافتفار إلى الحوافز أمام الأفراد لتقييد مجهودات الصيد والالتزام بإجراءات الصيانة.

ومن بين المشكلات المتأصلة ما يتعلق بكيفية تطبيق إجراءات الصيانة والإدارة وخصوصا حصص الصيد وتتفيذها على نحو فعال من خلال المنظمات الإقليمية لإدارة المصايد إضافة إلى ذلك فإن القضايا المتعلقة بالصيانة والإدارة غالبا ما تحجبها تلك المتعلقة بكيفية تحقيق المنافع القصوى من موارد مصايد أعالي البحار، وأيضا كيفية حل مشكلات التخصيص التي كثيرا ما تظهر في ترتيبات إدارة المصايد وقد يجادل أولئك الذين ينتمون فعلا إلى إحدى المنظمات الإقليمية لإدارة المصياد بأن الموارد تدار على نحو فعال في أطر ترتيب الملكية المشتركة، أي أن الموارد تستغل على نحو مشترك فيما بين أولئك النين ارتضوا بلوائح هذه المنظمات أو ترتيبات الإدارة ومن جهة أخرى فإن توقعات المنتسبين الجدد عندما يصبحون أعضاء في إحدى المنظمات الإقليمية لإدارة المصايد، تتركز على المشاركة في استغلال المصيد المسموح يه. وإذا لم تكن هناك نصوص مقررة لتنظيم هذه الأوضاع، ومراقبة الوصول إلى الموارد السمكية أو جهود الصيد الإجمالية، وخصوصا عندما تكون هناك مرونة في السماح بالعضوية في المنظمات الإقليمية لإدارة المصايد وعن ثم تنفيذها، فلا يوجد هناك تمييز بين هذا الوضع ووضع آخر يكون الوصول فيه إلى الموارد حرا في واقع الأمر.

وشهد عقد التسعينات طرحا واضحا للمشكلات المتعلقة بإدارة، الأرصدة السمكية في أعالي البحار. ولمعالجة القضايا التي أثيرت في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بشأن إدارة مصايد الأسماك في أعالي البحار، نوقشت سلسلة من الصكوك الدولية وتم إقرارها، من بينها الفصل 17 من جدول أعمال القرن 21 لعام 1992، واتفاقية الأمتثال لمنظمة الأغذية والزراعة لعام 1993واتفاقية الأمم المتحدة للأرصدة السمكية لعام 1995 ، ومدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد التي صدرت عن منظمة الأغذية والزراعة في عام 1995(2)، والعديد من خطط العمل الدولية بما فيها خطة العمل الدولية لمنع الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم وردعه والقضاء عليه (3). ومع أن اتفاقية الامتثال واتفاقية الأرصدة السمكية تلزمان الدول الأطراف فيهما، فإن مدونة السلوك وخطة العمل الدولية المنبثقة عنها طوعية في طابعها. ومن جهة أخرى، فإن هذين الصكين رغم اختلافهما من حيث النطاق والطابع والمحتوى قد خضعا لمفاوضات مطولة لفترة مماثلة، ويمثلان خطوتين مهمتين في بلورة المبادئ والمعايير التي يمكن تطبيقها على صيانة وإدارة مصايد أعالي البحار.

وفضلا عن الحاجة إلى ضمان قبول واسع لهذه الصكوك وتنفيذها بصورة فعالة، فإن المسألة تكمن في مدى تطبيق غير الأطراف للنظم الدولية المقررة. وتستلزم الإدارة الفعالة للموارد السمكية في أعالي البحار تطبيق الإجراءات ذات الصلة بالصيانة والإدارة من قبل جميع الدول التي يصيد مواطنوها هذه الموارد، وذلك مثلا سواء كانوا أعضاء في المنظمة الإقليمية المؤهلة لإدارة المصايد أو لم يكونوا. وخلال الأعوام الأخيرة استنبطت عدة منظمات إقليمية لإدارة المصايد أسلوبا خاصا في هذا السياق لكي تضمن الامتثال من جانب البلدان غير الأعضاء بما في ذلك مثلا إدماج فئة"من المتعاونين غير الأعضاء". وبالإضافة إلى الأحكام ذات الصلة في اتفاقية الامتثال، تجدر الملاحظة أن اتفاقية الأمم المتحدة للأرصدة السمكية قد قصد منها أن تتجاوز الإدراج التقليدي لمسؤولية دولة العلم في العديد من أحكامها حول الامتثال والنفاذ، وإن كان هذا الجهد قد قوبل بتحفظ شديد من جانب عدد من البلدان.

(1)النص الكامل للاتفاقية متاح في الانترنت على العنوان التالي http://www.un.org/Depts/los/corwention_ agreements/texts/unclos/closindx.htm
(2) أنظر الهوامش 11و13و14؛وبالنسبة لجدول أعمال القرن 21، أنظر الإطار5،الهامش4
(3)نص خطة العمل متاح في الانترنت على العنوان التالي http://www.fao.org/DOCREP/003/y1224e/y1224e00.HTM

(53) الوثائق التى قدمت لمؤتمر البحار العميقة عام 2003 متاحة على الموقع التالي مند سبتمبر/أيلول 2004 http://www.deepsea.govt.nz
(54) تتمثل المشكلة الرئيسية في أن الكثير من البيانات السابقة عن المصيد لا تميز بين المنتجات أي بين السمك الكامل أو الشرائح السمكية.
 

الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة