الصفحة السابقة بيان المحتوياتلصفحة المقبلة

ثانيا: حصاد حبس الكربون عن طريق تغيير استخدام الأراض

وسيلة للخروج من الفقر في الريف ؟

مقدمة

المبدأ الرئيسي الذي أسفر عنه مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة التنمية عام 1991 هو ضرورة معالجة مشكلات التنمية ومشكلات البيئة في آن واحد.

أهم مبدأ في الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية الذيانعقد في ريو دي جانيرو في عام 1992، هو ضرورة معالجة مشكلات التنمية ومشكلات البيئة معا عند التصدي للمشكلات الملحة لتدهور البيئة في العالم. فقد أسفرت الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في ريو عن إنشاء نظام دولي جديد لإدارة البيئة في شكل عدة اتفاقيات بيئية متعددة الأطراف، مثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية التنوع البيولوجي، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني الجفاف الشديد و/أو التصحر، وبخاصة في أفريقيا. وبمقتضى هذه الإتفافيات وغيرها من الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف، تم اقتراح عدد من الآليات للترويج للمنافع والخدمات البيئية جنبا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية، بل إن هذه الاقتراحات نفذت في بعض الحالات.

وفي ما يلي سندرس التأثير المحتمل على تخفيف وطأة الفقر لواحدة من أهم الآليات المقترحة في ظل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ألا وهي فتح أسواق لأرصدة (نقط) انبعاثات الكربون، ومن أهم المجموعات بين المشاركين المحتملين في مثل هذه الأسواق مستخدمو الأراضي، بمن فيهم المزارعون وسكان الغابات، الذين قد يقدمون أرصدة لتقليل انبعاثات الكربون عن طريق إحداث تغيير في أساليب استخدامهم لأراضيهم. والدروس المستفادة من دراسة التأثير المحتمل لهذه الآلية على الحد من الفقر وتحقيق الأمن الغذائي بين مجموعات مستخدمي الأراضي، يمكن تطبيقها أيضا على فهم التأثيرات المحتملة للآليات المقترحة بمقتضى الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف الأخرى التي ستشتمل على تغييرات استخدام الأراضي.

تغير المناخ واستخدام الأراضي:

الأسباب والنتائج

معلومات أساسية عن مسألة تغير المناخ

ظل الجدل مستمرا حول تغير المناخ، ولكن هناك الآن اتفاقا متزايدا في الأراء على أن هذا التغير من صنع الإنسان.

كان هناك جدل عنيف حول درجة التغيرات المناخية وتأثيراتها المحتملة، حيث ادعى بعض المتفائلين أن الاحترار العالمي فرضية لا يقوم عليها دليل بل هو من وحي المتشائمين ومبالغاتهم (18) ، بينما يؤكد البعض الآخر أن معدلات الاحترار كبيرة، وأنها تتزايد باستمرار، وأن الأرجح أن يكون تأثيرها هائلا (19) . ويأتي أغلب الجدل حول تغيرات المناخ من صعوبة الفصل بين التغيرات التي تحدث بسبب النشاط الإنساني عن تلك التي تحدث بصورة طبيعية، إذ يقال أن تغير المناخ هو أتجاه تاريخي تسانده الأدلة من العصر الجليدي في الماضي. ومع ذلك، فإن تأثيرات التغير في المناخ لوحظت مؤخرا بزيادة في تواترها وشدتها. وأصبح هناك الآن اتفاق في الآراء بين العلماء على أنه يكاد يكون في حكم المؤكد أن الجزء الأكبر من التغيرات التي لوحظت خلال العقود القليلة الماضية يرجع إلى أنشطة إنسانية، وما يترتب عليها من انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي (20) . ويشكل ثاني أكسيد الكربون الجزء الأكبر من هذه الغازات، حيث أنه مسؤول عن 50 في المائة من ظاهرة الاحترار بين كل الغازات التي تؤثر على المناخ (21)، ولكن بعض الغازات الأخرى مثل الميثان وثالث أكسيد النيترات تساهم أيضا بقدر كبير في حبس الحرارة، لتزيد بذلك من ظاهرة الاحترار في العالم. ويؤكد التقرير الصادر عن الاجتماع الثالث للجماعة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه حدثت زيادة في متوسط درجة حرارة العالم في القرن العشرين بما يتراوح بين 2،0 درجة مئوية إلى + 0.6 درجة مئوية (22) ، وبالإضافة إلى ذلك فقد ارتفعت مستويات البحار لما يتراوح بين 15 إلى 20 سم تقريبا في مختلف أرجاء العالم، كما زادت الأمطار بنسبة 1 في المائة في المتوسط. ومع ذلك، فإذا كانت الأماكن الموجودة على ارتفاعات عالية تتعرض لزيادات كبيرة في كميات الأمطار، فإن المطر قد انخفض بالفعل في كثير من المناطق المدارية. وفي نفس الوقت، فإن تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي قد زادت بنحو 35 في المائة خلال القرنين الماضيين.

وما لم نفعل شيئا لتقليل هذه الانبعاثات، فمن المتوقع أن تزيد درجة حرارة العالم في عام 2100 بما يتراوح بين 1.4 و 5.8 درجة مئوية عن مستواها في عام 1990، وينتظر أن يزيد ارتفاع سطح البحر بما يتراوح بين 9 و88 سم. وقد زاد حجم التغيرات المتوقعة، التي تأخذ في حسبانها انبعاثات الأوزون والايروسول على أساس تقديرات نمو السكان، وتوظيف الطاقة، واستخدام الأراضي، والتغييرات التكنولوجية، زيادة كبيرة منذ التقرير الثاني للجماعة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناح في عام 1996 . ففي ذلك الحين، كانت الزيادة في درجة حرارة العالم تقدر بنحو 2 درجة مئوية، وقد تتراوح بين درجة مئوية واحدة و5،3 درجة مئوية (23) . وما لم تنخفض انبعاثات غازات الدفيئة، فسوف تستمر ظاهرة الاحترار العالمي.

ويفيد تقرير جديد صادر عن الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة أن غازات الدفيئة وغيرها من التغييرات البشرية في نظام المناخ قد تزيد من احتمالات أحداث مناخية ضخمة ومفاجئة، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، يصعب للغاية تقديرها، وإن كان من المؤكد أنه من المستحيل تفاديها (24) .

يساهم كل من قطاعي الزراعة و الغابات في تغير المناخ ويتأثران به.

ولقطاع الزراعة (2) أهمية بالغة في مسألة تغير المناخ، سواء كأحد مصادر المشكلة أو المتضرر بنتائجها. وحتى لو أخذنا في اعتبارنا أقل التوقعات لزيادة درجة الحرارة، وهي 1.4 درجة مئوية، فإن هناك آثارا خطيرة ستترتب عن ذلك على البنية الأساسية المادية والاقتصادية- الاجتماعية، وكذلك على الزراعة. ومن بين هذه النتائج:

والأرجح أن يكون الإحساس بالجزء الأكبر من تأثيرات تغير المناخ في البلدان النامية، بسبب موقعها الجغرافي، وبسبب اعتمادها الكبير على قطاع الزراعة، الذي يتسم بحساسية بالغة للظروف المناخية.

ويرتبط تركيز غازات الدفيئة وتزايده ارتباطا أساسيا بحرق الوقود الأحفوري وإنتاج الأسمنت، وهما نشاطان يجريان أساسا في البلدان الصناعية. والحقيقة أن هذه البلدان مسؤولة، كما تشير التقديرات، عن 70 في المائة تقريبا من انبعاثات غازات الدفيئة بفعل الإنسان. ولكن الانبعاثات من المصادر الزراعية كبيرة أيضا، وتمثل ما يتراوح بين 12 في المائة و 40 في المائة من الانبعاثات الحالية بفعل الإنسان (26) . فتقديرات الجماعة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تشير إلى أن الطرق المتبعة في الزراعة والغابات مسؤولة عن انبعاث 50 في المائة تقريبا من مجموع غاز الميثان، و75 في المائة من غاز ثالث أكسيد النيترات، و20 في المائة من غاز ثاني أكسيد الكربون (27) .

دور حبس الكربون باستخدام الأراضي في الحد من تغير المناخ

أغلب الكربون الموجود في العالم مخزون في التربة و الغابات، ولكن هناك كميات كبيرة منه أطلقت في الغلاف الجوي نتيجة الأنشطة الزراعية و الحرجية.

يمكن تغيير ذلك بزيادة مساحات الغبات و التحول إلى أساليب الزراعة التي تثبت الكربون في التربة.

يقدر العلماء أن 80 في المائة تقريبا من مخزونات الكربون العالمي مخزونة في التربة أو الغابات، وأن الكمية الكبيرة من الكربون الموجودة أصلا في التربة والغابات قد أطلقت إلى الغلاف الجوي نتيجة أنشطة الزراعة والغابات وقطع الأشجار (28) . وتقوم أساليب الزراعة والغابات بحبس الكربون وتثبيته في التربة والنباتات والأشجار من خلال ظاهرة التمثيل الضوئي، لتقلل بذلك من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. وبالتالي، فإن أي تغيير في استخدام الأراضي وأساليب إدارتها يمكن أن يؤدي إلى قدر كبير من إعادة تثبيت الكربون أو حبسه في التربة والأشجار (29) .

إن الحد من قطع الأشجار، وزراعة مساحات متزايدة من الغابات بالتوسع في المزارع الشجرية، والقيام بأنشطة للزراعة المختلطة بالغابات، والحد من تدهور التربة، وإصلاح الغابات المتدهورة، كلها أمثلة على التدابير التي يمكن أن تحبس الكربون، وبالتالي توازن تأثير الانبعاثات التي تحدث في أماكن أخرى (30).

ويقدر Dixon وآخرون أن الإمكانيات الاقتصادية العالمية لحبس الكربون عن طريق تغيير استخدامات الأراضي يتراوح بين 0.5 إلى 2 ميجا طن من الكربون سنويا خلال السنوات الخمسين القادمة (31). وطبقا لما قاله Lal وآخرون، فإن الأخذ بطريقة الحرث المحكوم وإثارة مخلفات المحاصيل يمكن أن يؤدي إلى زيادة بنسبة 49 في المائة في قدرة الزراعة على حبس الكربون،. وبالمثل يمكن تحقيق زيادة أخرى بنسبة 25 في المائة عن طريق تغيير أساليب الزراعة، و 13 في المائة بإصلاح الأراضي، و 7 في المائة بتغيير استخدامات الأراضي، و 6 في المائة بتحسين إدارة المياه (33).

وتشير الدراسة التي أجراها Tipper وأخرون إلى أن إقامة المزارع الشجرية على مناطق استخدمت من قبل كمراع قد تزيد من كمية الكربون المخزون في المزروعات بنحو 120 طنا من الكربون في كل هكتار، بينما إتباع أساليب الزراعة المختلطة بالغابات مثل زراعة أشجار خشبية أو أشجار فاكهة مع محاصيل سنوية بينية (مثل الذرة) أو المحاصيل الدائمة (مثل البن) يمكن أن يساهم بنحو 70 طن من الكربون في الهكتار (33). وأخيرا، فعندما تتعرض الغابات المغلقة إلى التهديد، فإن حمايتها قد تحول دون انبعاث نحو، 30 طن من الكربون في الهكتار، وعندما تتعرض هذه الغابات إلى التدهور بالفعل، فإن الإدارة الواعية وإصلاح هذه الغابات يمكن أن يزيدا تخزين الكربون بنحو 120 طنا في الهكتار.

آلية التنمية النظيفة وإمكانيات برامج التعويض التي تحفز على تغيير استخدامات الأراضي

بروتوكول كيوتو يدعو إلى الحد من انبعاث غابات الاحتباس الحراري وكذلك إلى التوسع في حبس الكربون في الغابات وفي التربة.

يمكن تعويض البلدان النامية عن خفض الانبعاثات الكربونية وزيادة حبس الكربون عن طريق آلية التنمية النظيفة.

ينص بروتوكول كيوتو على خفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري بحيث تصبح في عام 2008 أقل بنسبة 5.2 في المائة عن المستويات التي كفت عليها عام 1990 (34) . ويعترف البروتوكول بأن الانبعاثات الصافية يمكن تخفيضها إما بخفض معدل انبعاث الغازات إلى الغلاف الجوي أو بزيادة معدل التخلص من هذه الغازات عن طريق مناطق امتصاص الكربون. ويعتبر البروتوكول الطريقتين مكملتين لبعضهما البعض وبالتالي، هناك اعتراف بأن التوسع في عمليات حبس الكربون يعد من الوسائل التي تستطيع البلدان من خلالها مواجهة الانبعاثات الكربونية بمجموعة من الآليات. والآلية الأكثر أهمية في سياق التخفيف من حدة الفقر هي آلية التنمية النظيفة.

وآلية التنمية النظيفة هي نظام أقيم بموجب المادة 12من بروتوكول كيوتو يسمح للمستثمرين من البلدان المدرجة بالقائمة باء (البلدان الصناعية التي تعهدت بالتزامات قانونية بالحد من الانبعاث) التي تتجاوز فيها نسبة انبعاث غازات الاحتباس الحراري المستويات التي تنص عليها الالتزامات بالحصول على نقاط ( carbon credit ) من البلدان النامية، التي تعمل من جانبها أيضا على خفض الانبعاثات الكربونية فيها أو زيادة حبس الكربون عن طريق صيانة الغابات أو الاستثمار في التكنولوجيات النظيفة (35) . والذي يبدو في ظاهر الأمر هو أن آلية التنمية النظيفة سوف تسفر عن استثمارات من جانب البلدان الصناعية في المشروعات التي تساعد على التنمية المستدامة وعلى حبس الكربون في البلدان النامية (36). وتعد تكاليف الحد من انبعاث الكربون في البلدان النامية أقل كثيرا مما هي في البلدان الصناعية. وهذا هو الأساس الذي ترتكز عليه فكرة إقامة السوق. ومن المتصور أن المدفوعات التي ستدفع مقابل خفض الانبعاثات في البلدان النامية يمكن أن تستخدم في تمويل التنمية المستدامة، على الرغم من أن القواعد التي سيتم ذلك بموجبها ليست واضحة حتى الآن.

كانت فكرة إقامة آلية التنمية النظيفة مثيرة للجدل، شأنها في ذلك شأن السماح بحبس الكربون عن طريق تغيير استخدامات الأراضي كوسيلة لمعادلة الانبعاثات الكربونية بصفة عامة. وكانت الإعتراضات الرئيسية كما يلي:

نموذج للزراعة المختلطة بالغابات: زراعة الذرة الرفيعة تحت أشجار السنط في مالي

تساهم الزراعة المختلطة بالغابات في امتصاص عنصر الكربون من الجو، وقد تزيد في الوقت نفسه من دخل ا لمزارعين.

آليات التنمية النظيفة للتعويض عن حبس الكربون القائم على تغيير استخدامات الأرض غير واضحة حتى الآن، ومع ذلك فإن عمليات التشجير وإعادة التشجير ينطبق عليها في الوقت الحاضر مبدأ التعويض.

مشروعات حبس الكربون عن طريق تغيير استخدامات الأراضي يجرى تنفيذها بالفعل.

وعلى الرغم من المشاكل التي تحف بأنشطة حبس الكربون القائمة على تغيير إستخدامات الأراضي، مازال هناك اهتمام كبير بالمضي في سبل الحد من التغيرات المناخية، لأسباب عديدة على رأسها قلة التكاليف المترتبة على ذلك والإمكانيات التي يتيحها ذلك من حيث تحسين ممارسات استخدام الأراضي بطريقة مستدامة. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، وقع 178 بلدا على اتفاقات مراكش التي تحدد القواعد الأساسية لآليات الزراعة النظيفة وتؤكد أحقية البلدان في عمليات التشجير وإعادة التشجير باعتبارها من الممارسات المشروعة، ولكنها لا تنص على صيانة الغابات القائمة (أي أنها تحاشت إزالة الغابات) وعمليات حبس الكربون في التربة اعتمادا على الممارسات الزراعية، وإن كان ذلك على الأقل خلال فترة الالتزامات الأولى التي تنتهي في سنة 2012. كذلك تضمنت اتفاقات مراكش تحديد سقف للحد الأقصى للنقاط التي تعطي مقابل الحد من انبعاث الكربون نظير حبس الكربون بنحو 175 مليون طن من معادل ثاني أكسيد الكربون ( 37) .

وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الطلب على نقاط التعويض مقابل الحد من انبعاث الكربون بموجب آلية الزراعة النظيفة قد تكون أقل كثيرا مما كان متصورا في الأصل. فقد أثر انسحاب الولايات المتحدة من بروتوكول كيوتو إلى خفض الطلب المحتمل بما يتراوح بين 40 و55 في المائة. ومن القضايا الرئيسية الأخرى التي قد تقلل من الطلب على خفض انبعاث الكربون درجة دخول الاتحاد الروسي في السوق كمورد، وفي أي وقت سيدخل هذه السوق. فدخول الاتحاد الروسي على نطاق كامل على الفور في السوق يمكن أن يؤدي إلى انحفاض أسعار السوق بنسبة الثلث (38) . وتدل هده التطورات على أن أسعار الحد من انبعاث الكربون يمكن أن تنخفض إلى أن تصبح 3.60 دولار، لكل طن من الكربون.

ومازال هناك قدر كبير من عدم اليقين يحيط بالشكل النهائي الذي يمكن أن تكون عليه آلية التنمية النظيفة وبكيفية التعامل مع عمليات حبس الكربون التي تستند إلى تغيير استخدامات الأراضي. وقد نصت اتفاقات مراكش على إنشاء مجلس لآلية التنمية النظيفة يعكف في الوقت الحاضر على وضع مبادئ توجيهية وتحديد أفضل الممارسات. وفي نفس الوقت، هناك اهتمام كبير بزيادة النقاط التي يمكن الحصول عليها لتعزيز التنمية الزراعية المستدامة. وقد تم حتى الآن وضع أكثر من 30 مشروعا لمواجهة انبعاث الكربون عن طريق تغيير استخدامات الأراضي على أساس مدفوعات ثنائية، ومع ذلك فليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت ستنطبق عليها النقاط المقابلة القائمة على آلية التنمية النظيفة (39) . وتشمل هذه المشروعات عددا من المشروعات التي تستهدف على وجه التحديد أصحاب الحيازات الصغيرة والمنتجين محدودي الدخل. ومن أمثلة ذلك مشروع "سكوليل تى" بم k طقة شياباس بالمكسيك. وينص هذا المشروع على مقايضة النقاط التي تتجمع نتيجة للأنشطة الحرجية التي تقوم بها مجموعات صغار المزارعين ومجتمعاتهم المحلية عن طريق حساب أمانة يمكن أيضا في إطاره تقديم مساعدات تقنية ومالية للمشاركين. وتقدر تكاليف حبس الكربون في هذا المشروع لنحو 12 دولارا لكل طن من الكربون (40). ومن الأمثلة المهمة الأخرى مشروع "بروفافور" في إكوادور، ومشروع "تيست " في جمهورية تنزانيا المتحدة، وكلاهما يقومان على كسب نقاط مقابل الحد من انبعاث الكربون عن طريق الأنشطة الحرجية.

يعكف الكثير من الوكالات الإنمائية والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، مثل منظمة الأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ووزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة، والبنك الدولي ومؤسسة وينروك العالمية على تجميع المعلومات ذات الصلة أو وضع المشروعات التي تلبي أهداف التنمية المستدامة وحبس الكربون. ولا يقتصر الاهتمام على تحقيق منافع لآلية التنمية النظيفة عن طريق عزل الكربون بل يتعدى ذلك إلى البرامج التي يمكن تنفيذها في المستقبل مما يؤدي إلى زيادة مدفوعات التعويض عن الآثار المترتبة على تغير المناخ. ويقترح البنك الدولي في الوقت الحاضر إنشاء مجلس للكربون الحيوي، سيوضع تصميمه بالشكل الذي يمكنه من تحقيق انحفاض في انبعاث الكربون بشكل مجد من حيث التكاليف بالإضافة إلى تحقيق منافع عامة في مجالات التنوع الوراثي وإدارة الأراضي (41).

الفقر واستخدام الأراضي

هلى تساهم في التخفيف من حدة الفقر تلك التعويضات التي تقدم مقابل تلك حبس الكربون بالطرق القائمة على تغيير استخدامات الأراضي طبقا لآلية التنمية النظيفة؟

ليس من المؤكد بعد تأثير التغييرات الممكنة في استخدامات الأراضي لعرض حبس الكربون على مستخدمي الأراضي الفقراء. فلم يتم إجراء بحوث تجريبية كثيرة على اقتصاديات مستخدمي الأراضي الفقراء المشاركين بالفعل في ذلك. وتعد هذه القضايا ذات أهمية كبيرة نظرا لأن غالبية الفقراء في العالم من سكان المناطق الريفية الذين يتعيشون من استخدام الأراضي. ومن الضروري لفهم كيف يمكن أن تؤثر برامج مدفوعات الكربون على ما يقدر بنحو 800 مليون من سكان الريف الفقراء، النظر في أنماط استخدام الأراضي التي يمارسها مستخدمو الأراضي الفقراء وتأثيرها على انبعاث الكربون، وفي الأعباء والمنافع الخاصة والإجتماعية المحتملة المترتبة على الممارسات التي تساعد على خفض انبعاث الكربون وحبسه وتثبيته.

كانت العلاقة بين الفقر وإدارة الموارد الطبيعية محل الكثير من البحوث والمناقشات. ولقد قام الكثير من الاتفاقات التي أبرمت في أعقاب "قمة الأرض" سنة 1992 على النظرية القائلة بأن الفقر يعد من الأسباب الرئيسية لتدهور الموارد الطبيعية من جراء إزالة الغابات وتدهور حالة الغابات والأراضي. ومع ذلك، فقد أظهرت البحوث والتجارب المتعلقة بهذه البرامج على مدى السنوات العشر الماضية عدم وجود علاقة ارتباط واضحة لا لبس فيها أو علاقة سببية بين الفقر وتدهور الموارد.

ويمكن، في سياق المناقشة التالية، تقسيم استخدام الأراضي إلى الممارسات التي يكون لها تأثير على مناطق امتصاص الكربون ( carbon sinks ) فوق الأرض، وخصوصا الغابات، وتلك التي تؤثر على مناطق امتصاص الكربون داخل التربة. وقد اكتسبت الأنشطة القائمة على الغابات (43) أهمية أكبر في ضوء التطورات الأخيرة المتصلة بآلية التنمية النظيفة، على الرغم من أن حبس الكربون مازال يعتبر من الأمور المهمة. ومازال الإطار المؤسسي والقواعد التي تنظم الإدارة العالمية للتغيرات المناخية لم تتحدد بعد، وربما يكون حبس الكربون في التربة من الأنشطة المؤهلة لكسب نقاط بموجب آلية التنمية النظيفة في فترات الالتزامات المقبلة.

الغابات وأنواع استخدام الأراضي التي تؤثر على مناطق ا متصاص الكربون فوق الأرض

العلاقة بين إزالة الغابات و الفقر ليست واضحة.

يفيد استعراض شامل للقرائن الدالة على وجود علاقة بين النمو الإقتصادي الكلي وإزالة الغابات بأن النتائج عموما يحيطها الغموض: إذ ترتبط مستويات الدخل المرتفعة في بعض البلدان بارتفاع معدلات إزالة الغابات، بينما يعد العكس هو الصحيح في بلدان أخرى (43).

وهو يخلص من ذلك بأن النتيجة تعتمد على القوة النسبية للتأثيرات المتعارضة: أي نمو الثروات الطبيعية الرأسمالية، التي تمكن من إزالة الغابات، في مواجهة "التأثيرات التي تساعد على زيادة الأسعار" والتي يتضاءل في ظلها الإغراء على إزالة الغابات نظرا لارتفاع العائد الذي يمكن أن يترتب على أنشطة اقتصادية أخرى. وتتوقف القوة النسبية لهذه التأثيرات على الموارد الطبيعية التي يتمتع بها البلد وعلى نمط النمو الذي يفضله.

وبالمثل، فعلى مستوى الاقتصاد الجزئي تشير القرائن إلى أن العلاقة بين مستويات الدخل وإزالة الغابات معقدة، ولا يوجد اتجاه واضح على وجود علاقة سببية فيما بينهما. ومن ناحية أخرى، قد تؤدي زيادة مستويات الدخل إلى زيادة قدرة المنتجين على إزالة الغابات لسهولة الحصول على رأس المال بهذه الطريقة. وعلاوة على ذلك، يؤدي ارتفاع مستويات الفقر إلى حفض قيمة الأيدي العاملة وبالتالي زيادة الحافز على القيام بعمليات قطع الغابات- وهي عمليات تقوم على أعداد كبيرة من الأيدي العاملة. وقد يكون الفقر، في حالات كثيرة، أكثر ارتباطا بتدهور الغابات مما هو بالنسبة لإزالة الغابات، لأن إخلاء الأراضي من الغابات بشكل جزئي أو مؤقت أمر ممكن في إطار المعوقات التي تحيط بمستخدمي الأرأضي الفقراء. وفي حالات كثيرة، لا يستطيع مستخدمو الأراضي الفقراء الوصول إلى الموارد الحرجية إلا بعد قطع الأخشاب من الغابات على نطاق كبير، وهي الجهود التي تستلزم إقامة الطرق وغير ذلك من مرافق البنية التحتية الأساسية. فعندئد فقط يستطيع مستخدمو الأراضي الفقراء الانتقال إلى مناطق الغابات والمشاركة في إزالتها.

استخدامات الأراضي وتأثيرها على مناطق امتصاص الكربون داخل التربة

يحيط الغموض أيضا بالعلاقة بين تدهور الأراضي الزراعية والفقر.

التعويضات الخاصة بحبس الكربون عن طريق تغيير استخدامات الأراضي لن تشمل الفقراء بالضرورة ما لم تبذل جهود محددة لتحديد هؤلاء الفقراء وإشراكهم.

ينجم انبعاث الكربون أيضا من ممارسات إدارة الأراضي التي تسفر عن استنزاف موارد التربة عن طريق التعرية، أو عن التغيرات التي تطرأ على التركيب الكيماوي والبيولوجي للتربة. ومن العوامل الرئيسية المحددة لتأثير النظام الزراعي على مدى تعرض التربة للتعرية، مدى المحافظة على غطاء التربة، وخصوصا في أوقات هطول الأمطار، وخواص التربة ذاتها وطبيعة المنطقة من الناحية الطبوغرافية. ومن الأسباب الرئيسية لتعرض التربة للتعرية الطرق المتبعة في فلاحتها تمهيدا للإنتاج الزراعي، وخصوصا عند استخدام الطرق الآلية. ومن الممارسات الأخرى المستخدمة التي تساعد على التعرية زراعة المحاصيل الحولية في الأراضي المنحدرة، أو عدم إراحة الأرض لفترات كافية لاسيما في حالة الزراعة الكثيفة.

كثيرا ما يرتبط الفقر بالنظم الزراعية المتبعة في زراعة الأراضي شديدة الانحدار على سفوح التلال، أو بتقصير دورات تبوير الأرض، لأسباب عديدة أهمها وجود معوقات في الحصول على الأراضي. ومع ذلك فإن اتباع الطرق الآلية في فلاحة الأرض يرتبط ارتباطا سلبيا بالفقر، شأنه في ذلك شأن عمليات الفلاحة القائمة على حيوانات الجر. وبالتالي، توجد نفس العلاقة الغامضة في ما يتعلق بالفقر والممارسات التي تؤدي إلى تدهور الأراضي، فتوافر رأس المال يعد واحدا من الأساليب التي تؤدي إلى تدهور الأراضي، ولكن مستخدمي الأراضي الفقراء ليسوا طرفا في ذلك، وعندما تؤدي النظم الزراعية إلى استنزاف الأصول الرأسمالية الطبيعية التي تمثلها موارد التربة، يكون النظام الزراعي حينها مرتبطا بالفقر. وبالنسبة للتخفيف من حدة الفقر، فإن هذه النتائج لها تأثيرات عديدة على النتائج المحتملة التي يمكن أن تترتب على سامح التعويضات الخاصة بحبس الكربون. فالتعويضات التي تقوم على استخدام الأراضي لا تشمل بالضرورة مستخدمي الأراضي الفقراء. وعلى سبيل المثال، توجد حالات كثيرة لن يكون فيها الفقراء هم الأكثر قدرة على المنافسة أو الأقدر على حبس الكربون عن طريق تغيير استخدامات الأراضي. ومع ذلك، توجد بلدان وحالات يكون فيها العكس هو الصحيح، وإن كانت هذه البلدان والحالات في حاجة إلى تحديد واضح حتى يمكن تصميم خطط فعالة يمكن أن تساعد على حبس الكربون وتحقيق الأهداف الإنمائية. ولكن ذلك يقتضي التوصل إلى فهم أفضل للعوامل التي تجعل مستخدمي الأراضي الفقراء أكثر قدرة على الاستجابة والمنافسة في هذا الصدد.

مستخدمو الأراضي الفقراء كأطراف في كسب النقاط الخاصة بحبس الكربون

هل يستطيع الفقراء أن يكونوا موردين يتمتعون بالقدرة على المنافسة في مجال توريد الخدمات الخاصة بحبس الكربون؟

كيف يتخذ الفقراء قراراتهم الخاصة بإدارة الأراضي؟

تعتمد إمكانية تحقيق أسواق الكربون للتخفيف من حدة الفقر على مدى استعداد الفقراء لكسب النقاط ومدى قدرتهم التنافسية في هذا المجال.

وتعد تكاليف الفرص التي يواجهها مستخدمو الأراضي من العناصر الرئيسية التي تحدد الأطراف المستعدة للبيع والأسعار التي تورد بها. وتكاليف الفرص المرتبطة بحبس الكربون هي ببساطة المنافع التي سيكون على المنتجين أن يتنازلوا عنها من أجل حبس الكربون. ومع ذلك، فإن تحديد هذه الفرص ليس بالأمر البسيط الذي يعتمد فقط على مقارنة النظم الزراعية المختلفة، فهناك عدد من القضايا الأخرى- مثل درجة الأمن الغذائي التي يتيحها النظام الزراعي، والأيدي العاملة اللازمة وتوقيت توافرها- التي تعد من العناصر المهمة في تكاليف الفرص بالنسبة للمنتجين، والتي تحدد بدورها الأسعار التي سيقبلونها نظير تقديم خدمات حبس الكربون. وبالإضافة إلى ذلك، سوف تعتمد المكاسب المحتملة من حبس الكربون على معدل خدمات حبس الكربون وكميته الإجمالية- وهي من العوامل التي يكون للظروف الإيكولوجية الزراعية دور كبير في تحديدها. ويناقش القسم التالي كيف أن الفقر يمكن أن يؤثر على تكاليف الفرص وعلى إنتاجية عملية حبس الكربون، وبالتالي يؤثر على قدرة المنتجين الفقراء على المشاركة في أسواق الكربون.

تعتمد هذه المناقشة بشكل أساسي على إطار نظري عام مؤداه أن القرارات التي يتخذها مستخدمو الأراضي في ما يتعلق بإدارة الأراضي وتأثير هذه القرارات على تحقيق المنافع الخاصة والعامة. وفي نطاق هذا الإطار العام (الذي يوضحه الشكل رقم 39) تعتبر الأسرة المستخدمة للأرض هي الوحدة الرئيسية في اتخاذ القرارات. وتعمل الأسر في ظروف اجتماعية واقتصادية وبيئية معينة تحدد القرارات النهائية التي تتخذها بشأن استخدام الأراضي. وتشمل هذه الظروف العوامل المؤثرة على المستوى الكلي مثل درجة تكامل الأسواق، ووجود مرافق البنية الأساسية، والأحوال المناخية الزراعية. وسوف تؤثر هذه العوامل على الحوافز والمعوقات التي يصادفها مستخدمو الأراضي لدى اتخاذ قراراتهم. وعلاوة على ذلك، تتمتع الأسر بقدر معين من الموارد مثل الأرض، والأيدي العاملة ورأس المال- التي تخصصها للأنشطة المختلفة في إطار الجهود التي تبذلها من أجل توفير سبل المعيشة. ويمكن تقسيم هذه الأنشطة التي تساعد الأسر على توفير سبل المعيشة إلى أنشطة تقوم على استخدام الأراضي وأخرى لا تقوم على استخدام الأراضي. وقد يكون الهدف من الأنشطة المعتمدة على استخدام الأراضي هو تحقيق المنافع الإنتاجية الخاصة، أو توليد خدمات بيئية بمقابل. والطريقة التي تتبعها الأسر في تخصيص مواردها للأنشطة المعتمدة على استخدام الأراضي تؤدي الى نتائج خاصة وعامة: مثل المنافع الخاصة في شكل منتجات تستهلكها الأسر أو دخل من المنتجات التي تباع في السوق، ومنافع (أو تكاليف) عامة في شكل خدمات بيئية، وبعبارة أدق في شكل حبس للكربون (أو انبعاث للكربون).

الهوامش

  الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحة لصفحة المقبلة