المدير العام شو دونيو

كيف نكفل عدم ترك أي أحد خلف الركب

14/10/2022

مقالة

يوم الأغذية العالمي لعام 2022

كيف نكفل عدم ترك أي أحد خلف الركب

بقلم السيد شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة)

لا تتركوا أي أحد خلف الركب - إنه موضوع هذه السنة ليوم الأغذية العالمي، وهو أيضًا دعوة ملحّة ليواجه العالم الواقع المقلق الذي يتجسّد في ارتفاع عدد السكّان المهملين وسط أزمة الأمن الغذائي العالمية التي تتفاقم بشكل مطرد نتيجة دوافع متعددة. وتشمل هذه الدوافع تداعيات الصراعات المستمرة والممتدة بما فيها الحرب في أوكرانيا وجائحة كوفيد-19 وأزمة المناخ. ويؤدي الارتفاع الحاد في معدلات التضخم والارتفاع الهائل في أسعار الأغذية والوقود والأسمدة والطاقة إلى تفاقم هذه المشاكل بدرجة أكبر، ما يهدّد بحدوث أزمة في الوقت الراهن على مستوى الحصول على الأغذية، وربما حتى بحدوث أزمة على صعيد توافر الأغذية خلال الموسم المقبل.

لقد أصيب الكثيرون بالصدمة لدى مشاهدة صور المستويات الكارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في أجزاء كثيرة من العالم خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة. وتشير التقديرات في آخر تقرير أصدرته منظمة الأغذية والزراعة وشركاؤها عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم إلى أنّ ما يصل إلى 828 مليون شخص كانوا يعانون من نقص التغذية المزمن في عام 2021 - أي بزيادة قدرها 46 مليون شخص إضافي مقارنة بعام 2020 و150 مليون شخص إضافي مقارنة بعام 2019 قبل جائحة كوفيد-19. وقد أدّت تأثيرات الجائحة بالفعل إلى اتّساع أوجه انعدام المساواة القائمة، وتزايد الفقر المدقع، وزادت من صعوبة القضاء على الجوع، ولا سيما في البلدان الضعيفة.

من الواضح أنّ أمامنا مهمّة شاقة لتحقيق الهدف المتمثل في عدم ترك أي أحد خلف الركب من ناحية توفير الأغذية لسكّان العالم، ناهيك عن توفير حياة يعمّها السلام والمساواة، وتحقيق مستقبل شامل ومستدام. ولكن، علينا ألّا نقف مكتوفي الأيدي يائسين، ولا أن نواصل القيام بالأمور بالطريقة نفسها وترقّب تحقيق نتائج مختلفة. فثمة طرق مجدية لمواجهة هذه التحديات. 

فلنأخذ أحد أكثر الأمثلة إلحاحًا: في ظلّ تزايد عدد حالات الطوارئ والصراعات والكوارث التي نواجهها، لا بدّ أن تتمثل إحدى أولوياتنا القصوى في ضمان توفير الدعم لسبل عيش أكثر الفئات السكانية تضررًا وأشدّها ضعفًا. ولا بدّ لهذا الدعم أن يكون أكبر حجمًا وأكثر تنسيقًا، وينبغي أن يقدّم في الوقت المناسب لمواسم الزراعة وتربية الثروة الحيوانية التي تكتسي أهمية بالغة. وما يصدم هو أنّ شخصين اثنين على الأقل من بين كل ثلاثة أشخاص يعانون من الجوع هما من صغار منتجي الأغذية في المناطق الريفية. وتتمثل المهمة الحاسمة في مساعدتهم على إطعام أنفسهم، وإطعامنا جميعًا. ومن السهل جدًا أن تُترك المجتمعات المحلية خلف الركب عندما تقع في الفجوات الفاصلة بين المعونة الطارئة وأعمال التنمية والجهود الرامية إلى تعزيز السلام في المناطق التي تشهد نزاعات، ويتعين علينا أن نحسّن تنسيق سبل تقديم الدعم واستهداف المستفيدين الذين هم في أمسّ الحاجة إليه.

 وتوطيد التضامن على المستوى العالمي أمر حيوي أيضًا. فعلى سبيل المثال، تحتاج أضعف الدول في العالم إلى دعم عالمي لمساعدتها على توفير الحماية الاجتماعية لأفقر سكّانها من أجل تزويدهم بالأدوات التي تعزز قدرتهم على الصمود قبل وقوع الكوارث. ويتعيّن على الحكومات أن تركّز على الخير العام وأن تتجنب التدابير الحمائية التي قد تؤثر على الأسواق الدولية إذا ما أردنا التخفيف من الصدمات المحتملة لنقص الإمدادات الغذائية من خلال إبقاء التجارة مفتوحة والمحافظة على أداء سلاسل الإمدادات.

وللحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني وجميع أصحاب المصلحة المعنيين الذين يعملون يدًا بيد دور في المساعدة على تمكين أضعف الفئات السكانية من خلال تحويل طرق إنتاج الأغذية وتسليمها واستهلاكها. ويكتسي في هذا الصدد تزويد الفئات السكانية الضعيفة، بما يشمل النساء والشباب بالإمدادات الأساسية من المدخلات الزراعية وبالتدريب المناسب، والحوافز والابتكار والتكنولوجيات أهمية حاسمة. وتكمن إحدى أولى زوايا مقاربة هذه المشكلة في الحاجة إلى قدر أكبر من المعلومات وبنوعية أفضل عن الذين يُتركون خلف الركب وأسباب ذلك. ومتى كان بحوزة الحكومات مزيد من البيانات والبحوث التي تتمحور حول السكان، تستطيع عندها أن تعمل استنادًا إلى هذه المعارف المستمدّة من التجربة لاعتماد ممارسات اجتماعية ومؤسسية شاملة وقادرة على الاستجابة وخاضعة للمساءلة. وتتمثل إحدى الخطوات الهامة في أن تقوم الحكومات بإدراج تعهدات بعدم ترك أي أحد خلف الركب في استراتيجياتها وخططها وميزانياتها لتحقيق خطة عام 2030 وأهداف التنمية المستدامة.

فما الذي يمكننا أن نفعله بصورة جماعية لتحقيق ذلك على مختلف المستويات؟ خلاصة القول إنه يمكننا جميعًا العمل بفعالية وكفاءة، بطريقة متسقة وبتعاطف أكبر، من خلال رفع الصوت والتأثير على صانعي القرار لضمان عدم ترك أي أحد خلف الركب. ويمكننا أيضًا أن نقلّص الفاقد من الأغذية، وأن نتناول الأغذية المغذية والموسمية وأن نعتني بمواردنا الطبيعية كالتربة والمياه. وفي هذا السياق، أودّ أن أشدّد على الدور المحوري الذي يضطلع به الشباب. فهم للسنة الثانية على التوالي في صلب منصة المنتدى العالمي للأغذية التي ننظّمها هذا الشهر في المقر الرئيسي للمنظمة في روما (17-21 أكتوبر/ تشرين الأول) والتي تضمّ منتدى عالميًا للشباب ومنتدى للعلوم والابتكار ومنتدى الاستثمار الخاص بمبادرة العمل يدًا بيد. فلا بدّ من أن تؤدي أفكارهم وحماسهم ومصالحهم في المستقبل دورًا رئيسيًا في ضمان أن يكون العمل والتضامن في صلب أفكارنا وشغفنا من أجل تحقيق الأفضليات الأربع، أي إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل للجميع، من دون ترك أي أحد خلف الركب!