المدير العام شو دونيو

جامعة نابولي "فيديريكو الثاني" محاضرة "آفاق الأمن الغذائي العالمي - التحديات والفرص: تحويل النظم الزراعية والغذائية، من الاستراتيجية إلى العمل" للدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة

للدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة

18/07/2023

جامعة نابولي "فيديريكو الثاني"

محاضرة

"آفاق الأمن الغذائي العالمي- التحديات والفرص:

تحويل النظم الزراعية والغذائية، من الاستراتيجية إلى العمل"

للدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة

18 يوليو/تموز 2023

 

حضرة البروفسور Matteo Lorito، عميد جامعة نابولي،

حضرة البروفسور Danilo Ercolini، مدير قسم الزراعة في جامعة نابولي،

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرة السيدات والسادة،

الزملاء الأعزاء،

الطلاّب الأعزاء،

 

إنّه لمن دواعي شرفي وسروري العظيمين أن أقدِّم هذه المحاضرة حول "آفاق الأمن الغذائي العالمي - التحديات والفرص: تحويل النظم الزراعية والغذائية، من الاستراتيجية إلى العمل".

 

وأودّ أن أستهلّ محاضرتي بتذكيرٍ صغير بتاريخ منظمة الأغذية والزراعة (المنظمة).

 

في عام 1905، بادر David Lubin، وهو من سكان كاليفورنيا من أصول بولونية، إلى تأسيس المعهد الدولي للزراعة الذي اتخذ من روما، إيطاليا، مقرًا له. وتمثلت مهمّة هذا المعهد في مساعدة المزارعين على تبادل معارفهم، وإقامة نظام للاتحادات الائتمانية الريفية والتحكّم بمنتجاتهم في التجارة.

 

وفي الاجتماع الأول، كان 44 بلدًا ممثلًا. وتوقف المعهد الدولي للزراعة عن العمل في عام 1945 حين تولّت المنظمة ولاية التنسيق الدولي في مجال الزراعة. وسُميّت مكتبة المنظمة باسم David Lubin، حيث تُحفظ محفوظاته الشخصية، بما في ذلك مقالاته واتفاقياته.

 

وبعد ظهر 16 أكتوبر/تشرين الأول 1945، تأسست منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بعد أن وقّع أكثر من 20 دولة على دستورها.

 

وفي نهاية تلك الدورة الأولى للمؤتمر، التي انعقدت في شاتو فروتوناك (Chateau Frontenac) في كيبك، كندا، كانت 42 دولة قد انضمّت رسميًا إلى المنظمة، وبعد عامين من العمل المتفاني الذي اضطلعت به الهيئة المؤقتة، التي تشكّلت خلال مؤتمر هوت سبرنغز (Hot Springs) الذي عقده الرئيس روزفلت في مايو/أيار 1943، تحوّلت لتصبح أولى الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة بعد الحرب.

 

وكان المدير العام الأول للمنظمة عالمًا مشهورًا في مجال التغذية، السيد John Boyd Orr من المملكة المتحدة، وامتدت ولايته من أكتوبر/تشرين الأول 1945 إلى أبريل/نيسان 1948. وقد بيّنت أبحاثه وجود رابط بين الفقر وسوء التغذية، كما أجرى أبحاثًا عن جودة الأنماط الغذائية.

 

وإن تعيين أخصائي تغذية كأوّل مديرٍ عام للمنظمة يعكس الدور الأساسي الذي أُسند منذ البداية للمنظمة في مجال التغذية. فقد أنيطت بالمنظمة ولاية واضحة ومحددة جدًا في مجال التغذية، ألّا وهي رفع مستويات التغذية. وهذا مكرّس أيضًا في دستور المنظمة.

 

وقد عُقد الاحتفال بيوم الأغذية العالمي الأول في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1981 في روما، بحضور مستشار ألمانيا الغربية السابق Willy Brandt، الذي ألقى الكلمة الرئيسية بصفته رئيس اللجنة المستقلة المعنية بقضايا التنمية الدولية، في المقر الرئيسي للمنظمة.

 

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، خلال جائحة كوفيد-19، احتفلنا بيوم الأغذية العالمي لعام 2020 حيث تمّ بثّ العرض الفيديوي الجداري الترويجي الأول من نوعه للمنظمة على الكولوسيوم، وهو ما استقطب مليارات المشاهدات على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

واسمحوا لي أن أستهلّ جوهر مداخلتي بالإشارة إلى وضعنا الحالي والوضع الذي يجب أن نكون عليه بحلول عام 2030.

فنحن نعيش أوقاتًا حرجة. وبدأنا نشهد تضافر عوامل تهدد، في حال تم تجاهلها، بمنعنا من القضاء على الجوع وسوء التغذية بجميع أشكاله في العالم.

 

ولا تحقق نظمنا الغذائية النتائج المتوخاة في مجال الأمن الغذائي والتغذية فحسب، بل تعاني أيضًا في الوقت ذاته من التلوث وتخفّف من حلقات الآثار المرتدة الخطيرة التي تضرّ بصحتنا واقتصادنا وكوكبنا؛ وبالتالي، فهي تهدّد الأمن الغذائي والتغذية في المستقبل.

 

وهناك عدد من الدوافع الرئيسية والاتجاهات الكبرى المشتركة التي رسمت معالم نظمنا الزراعية والغذائية:

  • التوسّع الحضري والديناميكيات السكانية؛
  • والنمو الاقتصادي والتحوّل الهيكلي واستقرار الاقتصاد الكلي؛ 
  • وأوجه الترابط بين البلدان؛
  • وتوليد البيانات الضخمة والتحكّم بها واستخدامها وملكيتها؛
  • وانعدام الاستقرار الجغرافي السياسي وتزايد آثار النزاعات؛
  • وأوجه عدم اليقين- بما في ذلك جائحة كوفيد-19 وأزمة المناخ.

 

ويتعيّن علينا القيام بالأمور بشكل مختلف عمّا كان عليه الحال في الماضي، ومن البديهي أن نظمنا الزراعية والغذائية بحاجة إلى تحوّل.

 

فقد ازداد عدد الجياع في العالم خلال السنوات السبع الأخيرة؛ وفي عام 2022، استقر العدد عند مستوى عالٍ جدًا بعد جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا. وارتفع هذا العدد بما يصل إلى 119 مليون شخص مقارنة بعام 2019، قبل تفشي جائحة كوفيد-19.

 

وهذا التقييم المحدّث هو بمثابة لمحة سريعة عن العالم الذي ما زال يتعافى من جائحة عالمية، ويعاني اليوم من تداعيات الحرب في أوكرانيا وصدمات مناخية متكررة.

 

وقد أدى هذا "الوضع الطبيعي الجديد" من الأزمات المتعددة إلى استقرار مستويات الجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم بين عامي 2021 و2022 عند مستوى أعلى بكثير مقارنةً بالمستويات التي كانت سائدة قبل جائحة كوفيد-19؛ وهناك مناطق عديدة في العالم تواجه أزمات غذائية خطيرة وعميقة. وهذا الاستقرار العالمي يُخفي زيادات كبيرة في بعض الأقاليم والأقاليم الفرعية.

 

وبات تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة (القضاء على الجوع) بعيد المنال أكثر من أيّ وقت مضى، مع وجود 600 مليون شخص تقريبًا قد لا يزالون معرضين للجوع في عام 2030. كما يتأخر التقدم في تحقيق غايات التغذية العالمية.

 

وإن آخر المعلومات المتاحة عن كلفة نمط غذائي صحي والقدرة على تحمّلها في التقرير عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2023 تبيّن أن اتباع نمط غذائي صحي كان أمرًا بعيد المنال بالنسبة إلى أكثر من 3.1 مليار شخص في عام 2021.

 

ولا يزال معدل تقزّم الأطفال مرتفعًا بشكل غير مقبول، ويتواصل ارتفاع الوزن الزائد والسمنة في البلدان الغنية والفقيرة على السواء. وأمّا عدد الأشخاص الذين يعانون من السمنة، فقد تجاوز عدد الجياع في عام 2012. ويعجز أكثر من 3 مليارات شخص في العالم حتى عن تحمّل كلفة أرخص نمط غذائي صحي.

 

ويتمثل مؤشر هدف التنمية المستدامة المستخدم لقياس مستوى الجوع في معدل انتشار نقص التغذية.

 

وأسفر الانتعاش الاقتصادي المُسجّل بعد الجائحة عن آثار إيجابية ساعدت في احتواء موجة الجوع الآخذة في التزايد على المستوى العالمي، ولكن ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة، والنزاعات، والأحداث المتصلة بالمناخ، وأوجه انعدام المساواة المتجذرة بقوة، أعاقت إحراز تقدم.

 

كما تسبّبت جائحة كوفيد-19 في حدوث نكسة كبيرة في مجال مكافحة الجوع. وتفاقمت الأمور في عام 2022، إذ تأثرت وتيرة التعافي وآفاق النمو لما تبقى من العقد.

 

وقد يبقى حوالي 600 مليون شخص يعانون من الجوع في عام 2030.

 

وسينطوي عام 2022 وحده على آثار طويلة الأجل: فالعام الماضي وحده وضعنا على مسار ازدياد عدد الذين يعانون من نقص التغذية بما يصل إلى 23 مليون شخص إضافي في عام 2030، ما يجعل تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة أبعد منالًا.

 

وفي الوقت ذاته، تؤدي أنماط الاستهلاك الحالية ونظمنا الزراعية والغذائية الداعمة لها أيضًا إلى آثار بيئية وخيمة. فهي تساهم في مستوى عالٍ من الفاقد والمهدر من الأغذية، وتلوث الهواء، وانبعاثات غازات الدفيئة، وفقدان التنوّع البيولوجي؛ وتشكِّل مصدرًا متناميًا لانعدام المساواة.

 

وتسفر نظمنا الزراعية والغذائية عن تكاليف بشرية واقتصادية وبيئية باهظة تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات.

ولكننا ندرك ما يجب أن نبلغه بحلول عام 2030:

  • يجب خفض مستويات نقص التغذية في كل مكان إلى نسبة أقصاها 5 في المائة؛
  • ويجب أن تكون الأنماط الغذائية الصحية ميسورة الكلفة للجميع؛
  • ويجب خفض مستويات الوزن الزائد في كل مكان إلى مستويات 15 في المائة، على غرار ما كان عليه الحال في ثمانينات القرن العشرين؛
  • ويجب خفض مستويات السمنة إلى نسبة أقصاها 5 في المائة في أي بلد؛
  • ويجب تحسين حالة التقزّم لدى الأطفال بشكل كبير؛
  • ويتعين تعويض العقد الضائع في مجال مكافحة الفقر الريفي؛
  • ويجب خفض أوجه انعدام المساواة إلى حدّ كبير إذا أردنا تخفيض الفقر الريفي بشكل مستدام؛
  • وبالنسبة إلى الكوكب، يجب تحقيق الحياد في عدد من المجالات (الكربون، تدهور الأراضي)، وزيادة كفاءة استخدام المياه في الزراعة، كما ينبغي أن نحقق الهدف المنصوص عليه في اتفاق باريس وهو خفض انبعاثات غازات الدفيئة للحدّ من احترار المناخ في العالم بما يتراوح بين 1.5 ودرجتين مئويتين. 

 

ولبلوغ أهدافنا بحلول عام 2030، يجب أن نفهم التحديات الماثلة أمامنا عبر منظور للنظم الزراعية والغذائية وأن نتحرّك بشكل شامل.

 

وهذا يقتضي منّا الإقرار بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترابطة والمركّبة الناجمة عن نظمنا الزراعية والغذائية.

ومن منظور السياسات، ينطوي هذا الأمر على تداعيات هامة توفّر توجيهات حاسمة حول كيفية إيلاء الأولوية لإجراءاتنا واستثماراتنا.

 

كما ينبغي أن نبحث عن أوجه تآزر وعن إحراز النتائج في سعينا لإيجاد الحلول. ويمكن أن تكون منافع القيام بهذه الخطوات كبيرة.

 

فخضرنة النظم الزراعية والغذائية، على سبيل المثال، توفّر حلولًا عدة مفيدة للجميع بل وحتى ثلاثية المكاسب للقضاء على الجوع في العالم والتصدي لأزمة المناخ.

 

وثمة مجموعة من الحلول التي يمكن أن تخفّض بصمة الكربون وتضمن الاستدامة البيئية وأن تتصدى، في الوقت ذاته، للجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية من خلال ضمان توفير أنماط غذائية صحية وميسورة الكلفة للجميع.

 

وعلاوةً على ذلك، يمكن تصميم السياسات والحلول لتكون محرّكًا للتعافي الاقتصادي، ولخلق فرص عمل قابلة للاستمرار وسبل عيش مستدامة، والأهمّ من ذلك لمعالجة انعدام المساواة.

 

وعلينا أيضًا أن نتولّى إدارة العواقب. فعلى سبيل المثال، قد يتعيّن على بعض البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا زيادة بصمتها الكربونية لتلبية الاحتياجات الغذائية لسكانها، ولا سيما للوقاية من سوء التغذية.

 

وستكون الحلول الشاملة للنظم الزراعية والغذائية محدّدة السياق، وما زال هناك الكثير ممّا ينبغي فعله لتحديد هذه الحلول، ولكن من المهم للغاية أن نبدأ بإيجاد هذه الحلول وأن نفعل ذلك على نطاق واسع. 

 

ومن أجل بلوغ هذه الأهداف المنشودة بحلول عام 2030، يجب أن نركّز على تحويل نظمنا الزراعية والغذائية.

فهي لا تشكّل النظام الاقتصادي الأكبر فحسب، من حيث العمالة وسبل العيش والأثر على الكوكب، بل إنّنا نرى توطن الفقر وانعدام المساواة فيها.

 

وإذا قمنا بتحويل نظمنا الزراعية والغذائية على نحوٍ مستدام وشامل لتحقيق نتائج الأمن الغذائي والتغذية المنشودة، فإنها يمكن أن تصبح قوة نافذة تساهم في القضاء على الجوع وسوء التغذية بجميع أشكاله في العالم.

 

وهناك عدد من الدوافع الرئيسية والاتجاهات الكبرى الشاملة التي ما فتئت تغيّر نظمنا الزراعية والغذائية وترسم معالمها:

  • التغيرات السكانية، والحركات السكانية، والتوسّع الحضري؛
  • والتحوّل الصناعي، وارتفاع المداخيل ولكن اتساع رقعة انعدام المساواة؛
  • وتغيّر المناخ، وتحييد الكربون، وندرة الموارد؛
  • وتطوّر أفضليات الاستهلاك، والتغذية والصحة؛
  • والتغييرات التكنولوجية السريعة والابتكار؛
  • والرقمنة، وتوليد البيانات الضخمة، والتحكّم بها واستخدامها وملكيتها؛
  • وانعدام الاستقرار الجيوسياسي وتزايد آثار النزاعات؛
  • وأوجه عدم اليقين- بما في ذلك جائحة كوفيد-19 وأزمة المناخ؛

 

ويتعيّن علينا القيام بالأمور بشكل مختلف عمّا كان عليه الحال في الماضي، ويجب أن تتحوّل نظمنا الزراعية والغذائية.

واسمحوا لي أن أركّز على أربعة من هذه الاتجاهات التحوّلية الكبرى، وهي: الرقمنة، والتوسّع الحضري، والتحوّل الصناعي، وتحييد الكربون.

 

فبالنسبة إلى الرقمنة، ينبغي لنا أن ننظر في كيفية تطوّر العلاقة بين نسبة سكان الحضر من إجمالي السكان ونسبة الزراعة، بما في ذلك الغابات وصيد الأسماك، من إجمالي الناتج المحلي، بين عامي 1970 و2019 في أقاليم مختلفة.

 

وقد ارتفعت نسبة سكان الحضر، على المستوى العالمي، من 37 في المائة في عام 1970 إلى ما يُقدّر بنسبة 56 في المائة في عام 2019، في حين تراجعت نسبة الزراعة من إجمالي الناتج المحلي من 5.3 إلى 4.2 في المائة.  

 

ويبيّن تحليل أكثر تفصيلًا اتجاهات متنوعة جدًا في أقاليم مختلفة. فقد شهدت بالفعل البلدان المرتفعة الدخل وبلدان اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، وبدرجة أقل بلدان إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وإقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، تحوّلات بنيوية قبل عام 1970، حيث بلغت نسبة إجمالي الناتج المحلي الزراعي حوالي 10 في المائة أو أقل من إجمالي الناتج المحلي، في حين كان التوسّع الحضري متقدمًا جدًا، حيث كان سكان الحضر يمثلون أكثر من 50 في المائة من إجمالي السكان (أكثر من 70 في المائة في حالة البلدان المرتفعة الدخل).

 

ويُتوقع أن يستمرّ التوسّع الحضري في جميع أنحاء العالم، حيث من المرتقب أن يمثل سكان الريف أقل بقليل فقط من ثلث إجمالي السكان بحلول عام 2050.

 

 وعندها سيكون جنوب آسيا الإقليم الذي يضمّ النسبة الأعلى من سكان الريف، ويعزى ذلك جزئيًا إلى النوع المحدد من التوسّع الحضري في الموقع الذي يحدث هناك، تليه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يعيش أكثر من 40 في المائة من سكان الإقليمين في المناطق الريفية. وعلى العكس، بالكاد سينخفض عدد سكان الريف إلى ما لا يزيد عن 10 في المائة في البلدان المرتفعة الدخل وفي أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.

 

وقد تعلّمنا أنه يجب، بالإضافة إلى بناء القدرة على الصمود أمام الأزمات المتعددة، مراعاة اتجاه كبير، مثل التوسّع الحضري، في جميع جهودنا الرامية إلى التحوّل.

 

وهذا يعني أنه يجب الأخذ في الاعتبار الترابط المتنامي على امتداد السلسلة المتواصلة بين المناطق الريفية والحضرية، وضرورة أن تكون التدابير والسياسات والاستثمارات محددة الأهداف على امتداد هذه السلسلة.

 

وإذا عمدتم إلى مقاربة التصنيع باستخدام نسبة القيمة المضافة الزراعية من إجمالي الناتج المحلي ونسبة فرص العمل الزراعية، فعندها يمكننا، حسب الإقليم، ملاحظة ديناميكيات مختلفة.

 

وفي حين أن اليد العاملة قد تركت نسبيًا قطاع الزراعة في السنوات الثلاثين الماضية، وتحوّلت إلى التصنيع والخدمات في كل مكان تقريبًا، فإن إنتاجية اليد العاملة في هذه القطاعات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ظلّت ثابتة نوعًا ما، بينما ازدادت خلال التحوّل البنيوي في البلدان المرتفعة الدخل.

 

وبالفعل، ظلّت إنتاجية اليد العاملة في باقي القطاعات الاقتصادية في حالة ركود تقريبًا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وشرق آسيا والمحيط الهادئ، في حين ارتفعت بالكاد في جنوب آسيا وإقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. وعلى النقيض من ذلك، ازدادت إنتاجية اليد العاملة في هذه الأقاليم مقارنة بباقي القطاعات الاقتصادية.

 

وفي حين أن هذا الأمر قد لا يكون مشكلة في حدّ ذاته لأن العمليات الإنمائية قد تنطوي على نمو أسرع في الإنتاجية في قطاع واحد مقارنة بقطاع آخر، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هو القطاع الذي يمكنه أن يحقق نموًا مستدامًا في الإنتاجية ويستوعب اليد العاملة في الوقت ذاته.

 

وقد لا يكون النظام الزراعي والغذائي- ما لم يحدث تحوّل كبير- ملائمًا لهذا الغرض في الأجل الطويل.

 

فنحن نواجه تحديات جسام.

 

إذ يشهد أكثر من 30 في المائة من إجمالي أراضي العالم تدهورًا، ويعاني أكثر من 20 في المائة من مستجمعات المياه من استغلال مفرط، وبات تنوعّنا البيولوجي الزراعي مهدّدًا.

 

وهناك آثار دائرية ومترابطة عبر النظم الزراعية والغذائية ونظم أخرى، بما في ذلك النظم البيئية والصحية.

 

كما أن نظمنا الزراعية والغذائية ليست ضحيّة في هذه الحلقة المترابطة والدائرية فحسب، بل تولّد أيضًا تدهور الموارد الطبيعية والصحة، بما في ذلك الجوائح وغيرها من الأمراض.

 

وتساهم نظمنا الزراعية والغذائية في انبعاثات غازات الدفيئة في العالم - وهذا أحد التحديات العديدة الماثلة أمامنا!

 

فالزراعة تستخدم 40 في المائة من الأراضي على كوكب الأرض، وتساهم إلى حدّ كبير إلى جانب الطاقة والنقل، في انبعاثات غازات الدفيئة.

 

والأمر لا يتعلق فقط بالثروة الحيوانية ومصايد الأسماك، بل أيضًا بطريقة إنتاجنا للمحاصيل باستخدام الأسمدة. كما أن جوانب مختلفة من النظم الزراعية والغذائية تساهم في انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، وفي الاضطرابات المناخية التي نشهدها من حولنا. ولكن يجب أن نبحث في هذا الموضوع بمزيد من التفصيل لنحدّد القطاعات الفرعية المحتملة التي يمكن العمل معها، وكيف يمكن تحسين ذلك.

 

لذا، أثبت النهج المجزّأ عدم قدرته على معالجة الطابع المترابط لهذه التحديات.   

 

ومن الملحّ أن نعمل بشكل شامل، عبر مختلف القطاعات لتحويل نظمنا الزراعية والغذائية بحيث تصبح قوة إيجابية. قوة تحمي كوكبنا وصحتنا، وتضمن الأمن الغذائي والتغذية للجميع.

 

فقد أصدر النظام الزراعي والغذائي 16 مليار طن من مكافئات ثاني أكسيد الكربون عام 2020. وهذا يمثل 31 في المائة من الانبعاثات العالمية.

 

وكانت حوالي 50 في المائة من هذه الانبعاثات غازات من غير ثاني أكسيد الكربون نشأت في المزرعة، جراء أنشطة الإنتاج المحصولي والحيواني؛ و20 في المائة منها ناتجة عن عمليات تغيير استخدام الأراضي- لا سيما إزالة الغابات وتدهور أراضي المستنقعات العشبية الاستوائية (والشمالية)؛ و30 في المائة منها بفعل سلسلة الإمداد (جميع العمليات التي تتعدّى نطاق المزرعة مثل النقل، والتجهيز، والبيع بالتجزئة، واستهلاك الأسر والتخلّص من النفايات)، إضافةً إلى الانبعاثات المتأتية عن استخدام الطاقة لإنتاج الأسمدة والمبيدات.   

 

ويتعين تحويل نظمنا الزراعية والغذائية لتحقيق حياد الكربون؛ ولهذه الغاية، ينبغي لنا أن نحسّن حوكمة الموارد الطبيعية والإنتاجية (أي إنتاج المزيد بمدخلات أقلّ)، وأن نرتقي بممارسات الإنتاج وأنماط وسلوكيات الاستهلاك وأن نستخدم طاقة أنظف.

 

وينصب تركيز الإطار الاستراتيجي للمنظمة للفترة 2022-2031 بوضوح على هذه الأهداف من خلال الأفضليات الأربع: إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل.

 

ولئن كانت التكنولوجيات الناشئة تغيّر بالفعل نظمنا الزراعية والغذائية، فإنه يتعيّن على معظم الحكومات أو الجهات الفاعلة في نظمنا الزراعية والغذائية أن تسخّر إمكاناتها القوية.

 

وستؤدي مساعدة المزارعين على الاستفادة بالكامل من التكنولوجيات الجديدة مثل الزراعة الرقمية، التي تتراوح بين التجارة الإلكترونية وسجلات معاملات تقنية الكتل المتسلسلة واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين مكافحة الآفات والمواد الوراثية للمحاصيل، فضلًا عن الأدوات التي تسمح بتحسين إدارة الموارد الطبيعية والإنذار المبكر بالتهديدات التي تحدق بالأمن الغذائي، إلى المساهمة بشكل كبير في تحقيق التحوّل المتوخّى.

 

وتبيّن أحدث البيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات أن الإقبال على الإنترنت قد تسارع خلال الجائحة. ففي عام 2019، كان 4.1 مليار شخص (أو 54 في المائة من سكان العالم) يستخدمون الإنترنت. ومنذ ذلك الحين، شهد عدد المستخدمين طفرةً بما يصل إلى 782 مليون شخص ليصل العدد إلى 4.9 مليار شخص في عام 2021، أي 63 في المائة من السكان.

 

ولكن هذا يعني أن حوالي 2.9 مليارات من الأشخاص، 96 في المائة منهم في البلدان النامية، ما زالوا غير موصولين بالإنترنت. ويواجه الأشخاص الذين ما زالوا يتعذر عليهم الوصول إلى الإنترنت حواجز عديدة، بما في ذلك عدم توفّر القدرة على الوصول إلى الإنترنت. فحوالي 390 مليون شخص لا يحظون حتى بتغطية إشارة النطاق العريض المتنقل.

 

وقد ساهم هذا التباين في النمو في حدوث تضييق متواضع للفجوة القائمة بين البلدان الأكثر والأقل ربطًا بالإنترنت في العالم. فعلى سبيل المثال، تراجعت الفجوة بين الاقتصادات المتقدمة وأقل البلدان نموًا من 66 نقطة مئوية في عام 2017 إلى 63 نقطة مئوية في عام 2021. وهذا الأمر يتيح مرة أخرى فرصة جديدة أمام الزراعة الرقمية. 

 

ولكن لتحقيق هذا الهدف، لا بدّ من تخصيص استثمارات واتخاذ تدابير في مجالي البرامجيات والمعدات من مجالات التحوّل الرقمي. ويتسم التطوّر المنشود في مجال البرامجيات بأهمية حاسمة لاستخدام البنى التحتية المادية والتطورات التكنولوجية الأخرى بكفاءة وفعالية، وإحداث الآثار الإيجابية لهذه الابتكارات الرقمية للحدّ من الفقر والجوع.

 

وتوفّر البنية التحتية والسياسات الأساس الذي يقوم عليه نظام رقمي، أي البيئة التمكينية. ولمختلف البلدان بنيتها التحتية الفريدة وحلولها السياساتية، غير أنه لدى النظم الرقمية الفعالة للزراعة والتنمية الريفية بعض الميزات المشتركة.

 

وينبغي أن تكون منصات البيانات والمحتوى قابلة للتشغيل البيني. وسيتمّ دائمًا جمع البيانات ذات الصلة ونشرها بطرق مختلفة، ولكن المعلومات والخدمات تكون أكثر قيمة حين يتم الجمع بين مختلف البيانات الداعمة لها لتوفير أفكار أكثر كمالًا وتفصيلًا. وتتمثل بعض العناصر المهمة في خرائط الموارد الطبيعية (التربة والمياه والمناخ)، ورصد الآفات والأمراض، وملامح المزارعين، والتوقعات المناخية المحلية، والمعلومات عن أسعار الأسواق وخوارزميات التصنيف الائتماني.

 

وهناك ثلاثة عناصر أساسية:

 

القدرات: البلدان النامية، الأكثر حاجةً إلى التحوّل الرقمي، هي أيضًا البلدان الأقل قدرة على إدارة هذا التحوّل. ويعاني القطاع الزراعي بصورة خاصة من تأخر في هذه العملية. ويكمن الحلّ في تنمية القدرات على المستويات كافة، من الناحيتين الأفقية والعامودية.

 

المحتوى: الاشتراك في خلق المعارف، والتخصيص، والتكييف والاستخدام- وفي ما يتعلق بأصحاب الحيازات الصغيرة تولّي زمام الأمور على المستوى المحلي- وينبغي عدم استخدام الأدوات الرقمية لإغراق المنتجين المحليين بالمعلومات، بل بالأحرى لتيسير الاشتراك في خلق المعارف ودمج معارف السكان المحليين والأصليين.

 

وتوفّر الأدوات والتطبيقات منافع مباشرة للمزارعين. فالمزارعون بحاجة إلى المعلومات لاتخاذ القرارات الصحيحة في جميع المجالات، من المحاصيل إلى النباتات، وكيفية الاستفادة المثلى من فرص السوق لمنتجاتهم الزراعية. ويمكن للأدوات الرقمية أن توفّر في الوقت الفعلي معلومات ذات الصلة من شأنها أن تحسّن النتائج بالنسبة إلى المزارعين.

 

التركيز على تكيّف أصحاب الحيازات الصغيرة: يكمن التحدّي في أن الابتكارات التحوّلية والأدوات الحديثة لجعل النظم الزراعية أكثر كفاءة واستدامة غالبًا ما لا تكون مصمّمة لغرض استخدامها من جانب أصحاب الحيازات الصغيرة. وبالتالي، فإن التكيّف مع نطاقات أصغر يمثل تحديًا كبيرًا للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في البلدان النامية.

 

السياق: ما من حلّ واحد يناسب الجميع؛ لذلك، يجب مراعاة السياقات المحلية من حيث البنية التحتية، والترابطية، والقدرات المحلية، والممارسات الزراعية، وديناميكيات السوق، وغير ذلك في القرارات المتصلة بالاستثمارات والأعمال من أجل عرض حلول قابلة للتطبيق على المستوى المحلي، ويمكن الوصول إليها وميسورة التكلفة.

 

ونحن بحاجة أيضًا إلى العناصر الثلاثة التالية:

 

تبسيط الأمور: إن مستوى اعتماد صغار المنتجين للتكنولوجيات الرقمية، في الوقت الراهن، منخفض؛ ولذلك، غالبًا ما يتم استبعادهم.

 

وليس من الضروري أن تكون الحلول معقّدة لتُحدث أثرًا. فكلّما كانت أبسط، كانت أفضل وأكثر شمولًا. وتبيّن دراسة أجرتها جامعة هارفرد أن إدراج رسائل نصية صغيرة مبسّطة في الخدمات الإرشادية والاستشارية يحدث تغييرات كبيرة في سلوكيات المزارعين، ويحفّز الأشخاص إلى حدّ بعيد على استخدام المعلومات والتكنولوجيات الجديدة لتحسين ممارساتهم وغلاّتهم الزراعية بنسبة 4 في المائة.

 

الاستدامة. يمكن لرقمنة الزراعة والنظم الزراعية والغذائية إحداث آثار إيجابية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسساتية.

 

وينبغي للتحوّل الرقمي لقطاع الأغذية الزراعية أن يعتمد نهجًا شاملًا، وكفؤًا ومستدامًا. ويتطلّب هذا النهج من الحكومات اتخاذ إجراءات مهمة لوضع الأطر السياساتية التمكينية والحوافز الصحيحة. كما ينبغي دمج الحلول الرقمية في المؤسسات والبنى القائمة، بحيث لا تشكِّل عبئًا على الحكومة.

 

اعتماد نُهج نُظمية للتصدي للتحديات ودعم المنتجين الريفيين من أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يتمّ دمجهم، على أن تكون متكاملة وشاملة عبر الاختصاصات والقطاعات- فالرقمنة تعود بمنافع على جميع الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية.

 

وبإيجاز، تشكّل الرقمنة تطورًا مهمًا بالنسبة إلى النظام الزراعي والغذائي.

 

إذًا، أي استراتيجية للنظام الزراعي والغذائي ينبغي لنا وضعها؟

 

إن عالمًا تتفاقم فيه التهديدات يستوجب منّا أن نتحرّك على وجه السرعة للمحافظة على سبل العيش، وحماية مستقبل كوكبنا، وتثبيت النتائج المستدامة. وخطة التنمية المستدامة لعام 2030 موجودة لإرشادنا، لكن الإجماع التاريخي حول تبنّيها يجب أن يُقابله تصميمٌ سياسي على تنفيذها.

 

ونظرًا إلى أن العديد من أهداف التنمية المستدامة ليس على المسار الصحيح، فإن الحاجة إلى إشراك جميع الجهات الفاعلة على المستويات كافةً بات أكثر إلحاحًا.

 

وتتطلّب التحديات الراهنة تعاونًا ليس عبر الحدود فحسب، وإنما أيضًا عبر المجتمع بأسره. 

 

ويضع الإطار الاستراتيجي للمنظمة في صلبه السردية الاستراتيجية المتمثلة في عدم ترك أي أحد خلف الركب من خلال إقامة نظم زراعية وغذائية أكثر كفاءة وأكثر شمولًا وأكثر قدرة على الصمود وأكثر استدامة من أجل إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل.

 

وتمثّل الأفضليات الأربع مبدأً تنظيميًا يبيّن كيف تعتزم المنظمة المساهمة مباشرة في بلوغ، على سبيل الذكر لا الحصر، الهدف 1 (القضاء على الفقر) والهدف 2 (القضاء على الجوع) والهدف 10 (الحد من أوجه عدم المساواة) من أهداف التنمية المستدامة، ودعم تنفيذ خطة أهداف التنمية المستدامة الأوسع نطاقًا، وهذا أمر حاسم الأهمية لتحقيق الرؤية الشاملة للمنظمة.

 

وتعكس الأفضليات الأربع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترابطة للنظم الزراعية والغذائية. وهي، على هذا النحو، تشجّع على اتباع نهج استراتيجي وموجّه نحو النظم في جميع تدخلات المنظمة.

 

ومن أجل تسريع وتيرة التقدم المحرز وتعظيم جهودنا لبلوغ أهداف التنمية المستدامة وتحقيق تطلّعاتنا، ستطبّق المنظمة أربعة عوامل مسرّعة شاملة ومشتركة بين القطاعات، وهي: التكنولوجيا والابتكار والبيانات والعناصر المكمّلة (الحوكمة ورأس المال والمؤسسات) في جميع مجالات برنامج عملنا.

 

ويُعد إطعام ما يقارب 10 مليارات شخص بشكل مستدام بحلول عام 2050 تحدّيًا غير مسبوق. وهو يشير إلى الأهمية القصوى لتسريع أثر تدخلاتنا البرامجية وفي الوقت نفسه تقليل المقايضات. ويمكن للعوامل المسرّعة الأربعة أن تساعد على تحقيق الهدفين كليهما. ومن الأهمية بمكان أن تكون التكنولوجيا والابتكارات والبيانات شاملة ومراعية للمساواة بين الجنسين، وأن يتم استخدامها لتحفيز التنمية.

 

وقد أسندنا الأولوية لعشرين من مجالات الأولوية البرامجية التي تتمحور حول الأفضليات الأربع الواردة في سرديتنا الاستراتيجية الجديدة، وسيتم بلورتها بشكل تدريجي.

 

وتشمل مجالات الأولوية الرئيسية في إطار إنتاج أفضل: الابتكار الأفضل، والتحوّل الأزرق، ونهج صحة واحدة، وحصول صغار المنتجين على نحو منصف على الموارد والزراعة الرقمية.

 

وتشمل الأولويات التي تتمحور حول تغذية أفضل: الأنماط الغذائية الصحية للجميع، والتغذية للفئات الأشد ضعفًا، والأغذية الآمنة للجميع، والحد من الفاقد والمهدر من الأغذية، وشفافية الأسواق والتجارة.

 

وأمّا الأولويات في إطار بيئة أفضل فتشمل: مستوى أقل من التلوث، وإصلاح النظام الإيكولوجي وتحسين البيئة الزراعية التي ستشكّل خارطة طريق الجميع. وستساهم الزراعة بشكل عام في نهج صحة واحدة لكوكبنا. وكذلك، النظم الزراعية والغذائية التي تتكيف مع المناخ وتخفّف من آثاره، والاقتصاد الحيوي، والتنوّع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية للأغذية والزراعة.

 

وتساهم كل هذه العوامل في حياة أفضل. وتشمل مجالات الأولوية البرامجية ذات الصلة المساواة بين الجنسين وتمكين النساء الريفيات، والتحوّل الريفي الشامل، والنظم الغذائية الحضرية المستدامة، وحالات الطوارئ الزراعية والغذائية، والنظم الزراعية والغذائية القادرة على الصمود، فضلًا عن البرامج والمبادرات الخاصة المتمحورة حول تعزيز الاستثمارات، ومبادرة العمل يدًا بيد التي وضعتها المنظمة، والتي تركّز بصورة خاصة على ضمان تعزيز الإجراءات الجماعية باتجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة من أجل تحفيز التغيير التحوّلي في النظم الزراعية والغذائية.

 

وأمّا المواضيع الشاملة التي تتمحور حول المساواة بين الجنسين والشباب والشمول، فستضمن ألاّ نغض الطرف عن الفئات الضعيفة والمهمّشة في كل جوانب عملنا، من أجل عدم ترك أي أحد خلف الركب والمساهمة في تحقيق الأهداف 1 و2 و10 من أهداف التنمية المستدامة. 

 

الأصدقاء الأعزاء،

 

إن جائحة كوفيد-19 والنزاعات الدائرة حول العالم، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، وآثار أزمة المناخ، تعطينا إنذارًا صاعقًا ينبّهنا إلى مدى هشاشة الجوع.

 

ولكنها تتيح لنا أيضًا فرصةً لإعادة تقييم الطريقة التي نتصدّى بها للأسباب الجذرية للجوع وبناء القدرة على الصمود أمام التهديدات من أجل الانطلاق مجددًا قبل فوات الأوان، وقبل أن تصيبنا كارثة عالمية أخرى من الحجم ذاته أو أكبر حجمًا.

 

ويتطلّب هذا "التوقّف" أن ننظر بصراحة وصدق إلى نظمنا الزراعية والغذائية الحالية.

 

لندع العلم يتحدث أوّلًا.

 

ليس فقط عن الحقائق المتعلقة بالجوع، بل أيضًا عن الدوافع الكامنة وراء الاتجاهات السائدة وأوجه انعدام المساواة في الحصول على الأغذية والتي تكمن في صميم المشكلة.

 

وهذا يقتضي منّا أن نفهم الطبيعة المتشابكة للعوامل التي تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وأوجه القصور التي تتخلّل نظمنا الزراعية والغذائية.

 

لقد نجحنا في الماضي، ويجب أن ننجح الآن.

 

وما زال علينا إنجاز الكثير، لكن ما أنجزناه حتى الآن كان بفضل تعاوننا مع شركائنا، وخاصة بدعم من بلدنا المضيف، إيطاليا.

 

لذا اسمحوا لي باختتام مداخلتي بتوجيه الشكر إلى إيطاليا وجميع أعضائنا للثقة التي أولوها وما زالوا يولونها للمنظمة.

 

وسنواصل بذل قصارى جهدنا لنرقى إلى مستوى التوقعات العالمية، دعمًا للمزارعين في العالم.

 

وشكرًا لكم على حسن إصغائكم.