المدير العام شو دونيو

اجتماع مجموعة الخبراء التابعة للأمم المتحدة بشأن الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة الملاحظات الافتتاحية

للدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة

26/03/2024

صباح الخير،

حضرات السيدات والسادة،

حضرات الزميلات والزملاء الكرام،

إنّ هذه لفترة هامة من أجل النظر في ما أحرزناه من تقدم وتقييمه واستعراضه وتحديد التحديات الحقيقية التي تنتظرنا والحلول المناسبة لها.

وأنا أتوقع منكم الحلول لأنكم مجموعة من الخبراء. فنحن بحاجة إلى اقتراحات قائمة على البيانات والأدلة - وليس إلى وثائق مديدة! نحن بحاجة إلى اقتراحات قائمة على الأدلة وموجزة ودقيقة - ولو حتى اقتراح واحد فقط أو اثنين، أو ثلاثة اقتراحات على الأكثر.

أنا من الصين، ولا أريد أن ألقي الخطابات فحسب، بل أريد أن أصغي إلى شواغلكم، وإلى ما تقترحون من أجل تبديدها. هذا هو النهج نفسه الذي اتبعته حين وضعت برنامج عملي من خلال عملية تشاورية واسعة النطاق.

ونحن بحاجة إلى مشاركة حقيقية وإلى نهج تشاركي - فهذه هي تعددية الأطراف الدولية بوجهها الحقيقي.

ويسعى الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة إلى القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة.

وإنّ إنتاج المزيد من الأغذية باستخدام قدر أقل من الموارد من أجل تغذية سكان العالم الآخذة أعدادهم في التزايد هو تحدٍ كبير. فالمطلوب ليس فقط أن ننتج المزيد من الأغذية، بل يجب علينا أيضًا أن نحسّن نوعية الحياة، فضلًا عن التوسع الحضري والتصنيع والرقمنة.

إنها سلسلة من الطلبات. والطلب يحدد العرض. وليس العكس. وكلما تحسّنت الحياة الحضرية، كلما زاد الطلب أكثر فأكثر، وكلما زاد تنوعه وارتفعت جودته. وهذا هو الطلب الثلاثي الأبعاد.

ويتحدث الكثير من الخبراء الاقتصاديين عن الزيادة الكمية. ومع ذلك، فقد زاد الأمن الغذائي. حيث أدت الصعوبات الاقتصادية واختلال سلسلة الإمدادات والصراعات إلى نشوء عقبات أمام توافر الأغذية وسهولة الوصول إليها والقدرة على تحمل كلفتها.

وهذه هي الجوانب الثلاثة الرئيسية للأمن الغذائي، أي توافر الأغذية وسهولة الوصول إليها والقدرة على تحمل كلفتها.

وينبغي لنا أن ننظر إلى هذه الجوانب منفردة لأنّ بعض البلدان يواجه تحديات أكبر في توافر الأغذية بينما يواجه البعض الآخر مزيدًا من التحديات بالنسبة إلى إمكانية الوصول إليها، في حين تواجه بلدان أخرى تحديات في القدرة على تحمل كلفتها، وتلك التحديات لا تؤثر على البلدان النامية فحسب.

ومنذ وصولي إلى المنظمة قبل خمس سنوات، ارتفعت أسعار الأغذية، أي الأغذية الرئيسية مثل الأرزّ والقمح والسباغيتي أيضًا، بنسبة 20 في المائة على الأقلّ – وتتراوح تلك النسبة في الواقع بين 20 و40 في المائة.

ويؤثر ذلك على الفئات السكانية الأشد ضعفًا، حتى هنا في إيطاليا. لا سيما الأسر الفقيرة التي لا يتعدّى دخلها 800 يورو في الشهر.

لكنّ الكثيرين لا يعيرون اهتمامًا لهؤلاء الأشخاص الفقراء وللأشخاص في البلدان النامية. فالصعوبة في تلك البلدان لا تكمن دائمًا في توافر الأغذية وسهولة الوصول إليها، بل إنّ نسبة 20 في المائة على الأقل من السكان غير قادرة على تحمل كلفتها.

أنظروا مثلًا إلى الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة من ناحية علمية أكثر، ومهنية أكثر، ولا تستخدموا البيانات الضخمة بشكل يخيف الناس ويخيف السياسيين والمجتمع. فأسلوب التخويف لا يأتي بنتائج طيبة، بل إنّ أكثر ما يمكن أن يحققه هو رفع مستوى الوعي العام. ولهذا السبب، أنا لا أستخدم على الإطلاق البيانات المخيفة لتخويف السياسيين.

ولدى السياسيين مصادر معلومات مختلفة. ولا يكمن هدفنا في نشر البيانات المخيفة وتمكين الوصول إليها، بل ينبغي لنا بصفتنا وكالة مهنية من وكالات الأمم المتحدة أن نقدّم الحلول. ما هو الحلّ الشامل البديل؟ وما هو الحلّ التكاملي؟ وما هو الحلّ المتسق؟

فغايتنا ليست إيجاد حلّ واحد فقط. إذ ليس هناك أي هدف أوحد من أهداف التنمية المستدامة يستوجب حلًا واحدًا فقط.

وإنّ الأحداث المناخية القصوى، مثل الأمطار الغزيرة والعواصف والأعاصير والفيضانات وحالات الجفاف، هي دوافع هامة تكمن وراء انعدام الأمن الغذائي في جميع أقاليم العالم. لكنّ الناس يتكلمون عن حالات الجفاف وحدها وينسون الفيضانات. ويجدر بنا أن نكوّن فهمًا دقيقًا ومهنيًا لأحوال الطقس. إذ إنّ الفيضانات تعيث دمارًا أكبر في العالم مقارنة بالجفاف.

وينبغي أيضًا إضافة ارتفاع أسعار الأغذية والوقود والأعلاف والأسمدة المستخدمة في الحقول، وكذلك انكماش القوة الشرائية، إلى التحديات الماثلة أمام تحويل النظم الزراعية والغذائية لكي تصبح أكثر كفاءة وشمولًا واستدامة وقدرة على الصمود.

ولا بدّ لنا من تسريع وتيرة العمل وتكثيفه وحفز الاستثمارات في العلوم والتكنولوجيا المتعلقة بالنظم الزراعية والغذائية والتنمية الريفية.

فالمسألة لا تتعلق بالاستدامة فحسب. والاستدامة هي هدف بحد ذاتها؛ لكننا بحاجة إلى الكفاءة والشمولية والقدرة على الصمود. وإلّا، فلن نتمكن من تحقيق هدف الاستدامة.

وقد انعقدت أول قمة بِشأن الاستدامة في عام 1991. واليوم، بعد مرور 33 عامًا، ما زلنا نتحدث عن الاستدامة لأننا لم نجد حلًا لها. ولم نجد الأدوات اللازمة لبلوغ ذاك الهدف.

وينبغي لنا، بل يجب علينا، ألّا نسمح لحالة انعدام الأمن الغذائي بأن تسوء أكثر وأكثر.

ولا يمكنكم أن تتذمروا بشأن السبب البيولوجي الطبيعي - مثل الجوائح وغيرها. فنحن بشر. ونحن أكثر المخلوقات ذكاءً على وجه الأرض؛ بل ينبغي لنا أن نجد حلًا قابلًا للتنفيذ.

ويقول الكثير من الأشخاص والسياسيين "إنّ هذا يعزى إلى الجائحة وذاك يعزى إلى الوضع الاقتصادي وذلك يعزى إلى التضخم ..." ولا أعتقد أن الوضع في السنوات الأربع أو الخمس المقبلة سيكون أفضل مما هو عليه الآن، إذا اتبعتم نهجًا سلبيًا.

لكن إذا نظرتم بصورة إيجابية إلى السنوات الخمس الماضية، سترون أننا أحرزنا قدرًا كبيرًا من التقدم في مجالي التكنولوجيا والرقمنة في كل الاقتصادات. فحين وصلتُ إلى المنظمة قبل خمس سنوات، كانت التجارة الإلكترونية بالكاد معروفة. أما الآن، فقد باتت واسعة الانتشار بصورة متزايدة.

ويتحدث الأشخاص دومًا عن الأسوأ. ولكنني لا أتحدث عن الأسوأ أبدًا. فقد استغلت المنظمة الجائحة والإغلاق التام واعتبرتهما فرصة سانحة. ولم يكن يعمل في المبنى سوى 20 شخصًا تقريبًا، أغلبهم من خدمات الأمن والتنظيف، فشرعنا في أعمال التنظيف وترميم المدخل والمقصف. وهذا أمر مستحيل اليوم مع وجود أكثر من 000 3 شخص يجولون في أرجاء المبنى كافة كل يوم!

خلاصة القول إنه ينبغي استغلال أي أزمة باعتبارها فرصة متاحة.

وينبغي أن تضع جميع البلدان حاليًا الصحة والأغذية في صدارة جداول أعمال السياسيين.

وينبغي لنا أن نسأل السياسيين عما إذا كان لدينا ما يكفي من الأغذية. ولدى معظمنا، أي نسبة 85 في المائة منا، ما يكفي من الأغذية. لكن ماذا عن نسبة 15 في المائة المتبقية؟

وماذا عن الدول الجزرية الصغيرة النامية؟ فحين زرتها قبل عامين، أخبرني جميع من التقيتهم أنهم كانوا يعتمدون على السيّاح، ولم يعيروا اهتمامًا للأغذية والزراعة.

لكن حين زرتها أول مرة قبل عشرين عامًا، عندما كنت نائب رئيس الأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية، لم يعتبر أحدهم مسألة توفير الأغذية مشكلة بالنسبة إليهم. لكني حذرتهم، ولم يصغوا إليّ. هكذا هم الناس، يتعلمون من أخطائهم.

لا تجعلوا للقلق سبيلًا إليكم، وكونوا سعداء!

وشكرًا جزيلا على حسن إصغائكم.