NAPC) التابع لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بمساعدة مشروع منظمة الأغذية والزراعة GCP/SYR/006/ITA الممول من قبل الحكومة الإيطالية في دمشق خلال الفترة 6-7 كانون الأول 2003 . وقد ركزت المناقشات على الحاجة إلى المشاركة في التجارب وتطوير الإمكانات المؤسسية في مجال السياسات الغذائية والزراعية على المستوى القطري وتحديد النقاط المشتركة ومجالات التكامل مع مساعي التعاون الإقليمي والدولي . وتعرض هذه الوثيقة نتائج المناقشات التي تمت في ورشة العمل والأوراق المعدة من أجلها . وتشمل تلك الأوراق الواقع الحالي وقضايا وآفاق السياسات الغذائية والزراعية في منطقة الشرق الأدنى واستعراضاً لأدبيات وتجارب المتطلبات المؤسسية والمنهجيات المتبعة في مجال تحليل السياسات بما فيها تطوير الإمكانات . وأخيراً تم التعرض بالتفصيل إلى المركز الوطني للسياسات الزراعية كمثال حي للبناء المؤسسي وتطوير الإمكانات . ونأمل أن تتم متابعة القضايا التي تم طرحها والتوصيات التي تم التوصل إليها ضمن إطار شبكة السياسات الزراعية لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا (NENARNAP) التي تم إنشاؤها مؤخراً . ">

الصفحة السابقة بيان المحتويات الصفحة التالية


4- القضايا الأساسية للسياسات الزراعية في إقليم الشرق الأدنى

4-1 استخدام الموارد الطبيعية وإدارتها

إن إدارة الموارد الطبيعية بطريقة فعالة ومستدامة هي الآن واحدة من المسائل الأكثر حرجاً لإنتاج الغذاء في الإقليم . استثمرت معظم بلدان الإقليم كثيراً في الري خلال نصف القرن الأخير . حيثما وُجد الماء والأرض، أُسست مشاريع ري ضخمة تحتاج إلى الاستثمار العام الكبير مثل ماتم في الباكستان وإيران وتركيا ومصر وسوريا والمغرب والسودان . كما أُسست مشاريع صغيرة ومتوسطة في كل البلدان.

تظهر آخر التقييمات أن أداء الري من حيث إنتاجية الماء وكفاءة الري منخفض نتيجة للإدارة السيئة لمياه الري إذ ما تزال وسائل الري السطحية منتشرة وتصل إلى 80-90% من المناطق المروية (98% في إيران و96% في طاجكستان و87% في المغرب الخ). وارتبطت وسائل الري السطحي بالسلوكيات السيئة ونتج عنها خسارة كميات كبيرة من الماء.

أُدخلت وسائل الري الحديثة مثل الري بالرش والري بالتنقيط في الإقليم ، ولكنها ما تزال في مناطق محدودة باستثناء قبرص والأردن . في دول الخليج، خاصة السعودية، أكثر من 2/3 من مناطقها المروية مزودة بأنظمة حديثة خاصة المحاور المركزية . ولكن حتى في المناطق التي أُدخلت فيها الأنظمة فإن كفاءتها منخفضة بشكل عام بالمقارنة مع الممكن بسبب الإدارة السيئة في المزارع. تقدر كفاءة الري الإجمالي في الإقليم بـ 45-50% ، وهذا يعني ضياع قرابة 50% من كميات المياه المستخدمة للري. وبالرغم من أن جزء من ضياع الماء هذا يمكن إعادة استخدامه، فإن الباقي يضيع بلا رجعة . كما يؤدي ذلك إلى انخفاض جودة المياه واستنزاف البيئة (التربة والماء) وتخفيض أرباح المزارعين.

تشكل تكلفة المياه وتدني التقنية الحديثة مشكلة حقيقية في كثير من بلدان الإقليم . وتعتمد نسبة تَبَنّي النظام على درجة كبيرة على نسبة العائد من كل تقنية. العوائد المالية للتقنية الحديثة هي عمل كمية المياه المدخرة وتكلفة المياه للمزارعين. مثلاً ، في اليمن تكلفة الاستثمار العالي التي قيمتها 3100 دولار إلى 4000 دولار في الهكتار صعبة الاسترداد بقيمة منخفضة للماء المخزن ناتجة من الدعم المرتفع للديزل . تكلفة الإنتاج هي العمل الآخر الذي يحدد مستوى الاستثمار في تقنية الري الحديثة . وعندما يكون ربح المزارعين من بيع إنتاجهم قليل، يقل ميلهم للاستثمار.

تقدر منظمة الأغذية الزراعة في تقريرها (منظمة الأغذية الزراعة 2000آ) كفاءة الري لمجموعة من 93 بلداً نامياً بأنها تتراوح بين 26% في المناطق وافرة المياه (أمريكا اللاتينية) إلى 50% في إقليم الشرق الأدنى، حيث يدعو استخدام الماء إلى كفاءات أعلى. ومن المتوقع ارتفاع كفاءة الري في هذه البلدان كمجموعة من 43% في 7/1995 إلى 50% مع حلول 2030.

في إقليم الشرق الأدنى ، معظم البلدان حيث الزراعة المروية هامة ، تأتي المياه من أجل التوسع بشكل أساسي من المدخرات من المشاريع الموجودة . ومع وجود الحاجة لدعم الإنتاج الزراعي والنمو في هذه البلدان ، فإن أهمية الاستثمار في تقنيات وممارسات ادخار الماء واضحة.

كانت السمة المشتركة لمشاريع الري في العالم هي دعم تكلفة الماء المباع للمزارعين . أدى هذا إلى موارد غير كافية لصيانة النظام من جهة وطلب مفرط على الماء من جهة أخرى . إذا رفع سعر المياه لدرجة استرداد التكلفة ، فعلى المزارعين تكييف نموذج محصولهم وتقنياتهم بحيث يتطلبون مياه أقل ويقبلون بفوائد أقل من الري. ولكن يمكن لهذا أن يحدث أثراً عكسياً على إنتاج بعض المحاصيل ذات الاهتمام القومي.

4-2 الاستدامة والقضايا البيئية

إن التحكم بالتلوث والمشاكل البيئية الأخرى هي واحدة من الاهتمامات الرئيسية في إقليم الشرق الأدنى. الأكثر تهديداً بينها كارثة التملح وجنوب العراق مثال واضح . حصة الإقليم المتأثرة ملحياً في إجمالي الإقليم المروية 26%، 30% و33% في الباكستان وإيران ومصر على التتالي . المشكلة أيضاً ملحوظة في بلدان الخليج . إن للباكستان ودول حوض بحر الأورال مشكلتان من مشاكل التملح العالمية العسيرة المعالجة.

يتفاقم الوضع أكثر بالاستخدام المفرط للأسمدة والمبيدات الحشرية نتيجة لتكثيف المحاصيل ودعم الأسعار . ولكن استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية انخفض مؤخراً وتوجد حاجة حقيقية لتشجيع الاستخدام الأكبر للأسمدة البيولوجية ومبيدات الحشرات البيولوجية للحد من دمار البيئة.

لقد سبب القطع الزائد للأخشاب من أجل الوقود وسقوف المنازل في أفغانستان إلى تعرية حادة للتربة وأدى إلى استنزاف البيئة . وتفاقم الوضع خلال سنوات الحرب . وقد زاد الري المفرط ونقص التصريف في أذربيجان الملوحة في قرابة ثلثي الأرض المروية . علاوة على ذلك أسهم الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية بتلوث التربة والماء وسبّبت الإزالة المكثفة للحراج تعرية التربة في قرابة 40% من الأرض.

وقد تدهورت أراضي باكستان على مدى السنين . المادة العضوية في التربة منخفضة بقدر 0.3 إلى 0.5 بالمائة مقابل القيمة المعيارية البالغة 1.5% . الزراعة من دون اتباع الدورة الزراعية المناسبة للمحاصيل استنزف الأراضي، وهذا أثر سلباً على الإنتاج الزراعي-الصناعي . لذلك فإن استنزاف التربة خطر حقيقي على الأمن الغذائي.

إن الاستخدام المكثف للأسمدة الكيميائية وكيماويات حماية المحصول في الماضي في دول وسط آسيا أدى إلى تدهور كبير في التربة والمياه الجوفية . وتفاقم هذا الأذى البيئي بوسائل الري السيئة ونقص منشآت الصرف.

4-3 الفقر الريفي

الإحصائيات حول الفقر، خاصة الفقر الريفي ، ليست متوفرة الآن لكل بلدان إقليم الشرق الأدنى. علاوة على ذلك، وبالرغم من تقديرات معايير أعداد الفقراء ببعض البلدان ، فإن خطوط الفقر القومية والسنوات الأساس لهذه المعايير تختلف من بلد إلى آخر ، ولذلك فإن أية مقارنة بين البلدان يجب أن تؤخذ بحذر.

بالرغم من هذه العيوب ، المعتمدة على البنك الدولي والمعطيات المحلية في البلد، تدل التقديرات الأكثر تحفظاً أنه في يعيش 2001 حوالي 55 مليون من سكان الريف في فقر مدقع في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا (بدخل يقارب أو أقل من دولار أمريكي واحد في اليوم) . تقديرات الصندوق الدولي للتنمية الزراعية "إيفاد" اعتمدت على خطوط عالية للفقر (أقرب إلى دولارين أمريكيين في اليوم) أعطت قرابة 81 مليون فقيراً ريفياً يعيشون في الإقليم ( IFAD2002).

وفي منطقة منظمة التعاون الاقتصادي ، نجد أن الاختلافات في حصة المناطق المختلفة والمراتب الاجتماعية في الاستهلاك أو الدخل للبلدان واضحة ، إذ يتراوح عدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم بين 5.1% إلى قرابة 20% باستثناء أفغانستان حيث البيانات الضرورية غير متوفرة . وفي معظم بلدان الإقليم حصة الـ20% الأفقر في الدخل القومي أو الاستهلاك أقل من 9%، بينما حصة الـ20% الأغنى أكثر من 40%.

في كل الإقليم ، الوصول إلى البنى التحتية الاجتماعية والفيزيائية منحاز لمصلحة المناطق الحضرية . نتيجة لذلك ، تستمر المؤشرات الاجتماعية حول القطاع الريفي بالتخلف مقارنة مع القطاع الحضري . والموقف المتعلق بالوصول إلى مياه الشرب الآمنة وتسهيلات النظافة أسوأ بكثير في الريف مما هي عليه في البلدان والمدن . في سورية ، مثلاً ، يمكن لـ96% من السكان الحضر الوصول إلى الصرف الصحي بالمقارنة مع 31% من سكان الريف . في المغرب، يمكن لـ98% من السكان الحضر الوصول إلى الماء الآمن بالمقارنة مع 34% من سكان الريف . ولا تزال نسب الأمية مرتفعة في الكثير من البلدان خاصة بين النساء . في اليمن، قرابة 80% من النساء و 35% من الرجال أميين وفي المغرب النسب هي حوالي 66% للنساء و40% للرجال و تتركز الأمية بشكل أساسي في الريف . ففي معظم البلدان نسب الأمية أعلى بمرتين في مناطق الريف مما هي في مناطق الحضر.

وعلاوة على ذلك ، ينتشر الفقر في المناطق الريفية أكثر مما هو في المناطق الحضرية ويهيمن بشكل أساسي على الأسر المعتمدة على الزراعة والرعي والتي تشكل فيه الزراعة المورد الرئيسي للغذاء والرزق . ويتحكم الفقر بشكل رئيسي بعدم الوصول إلى التربة المحدودة وموارد المياه والإنتاج المنخفض ، ويتفاقم بهطل المطر العالي غير المتوقع ، خيارات الماشية والمحصول القليل نسبيا واستمرار استنزاف الموارد الطبيعية . لذلك فإن التوزيع الأفضل للدخل والموجودات على المستوى القومي قد يقود إلى الحد من الفقر والتركيز على وضع الأمن الغذائي في الإقليم . يجب لهذا أن يشكل أهمية كبرى في خطط التنمية المستقبلية.

4-4 الأمن الغذائي

وفقا لقمة الغذاء العالمي لعام 1996، للأمن الغذائي دعائم أربع، التوفر، الاستقرار، حرية الوصول، مقدار الطاقة الغذائية. في 1969 /1970 كان إنتاج الغذاء في إقليم الشرق الأدنى كاف تماما للاحتياجات. وكانت نسبة الاكتفاء الذاتي لكل الحبوب 90% تقريباً. لكن استمرت الفجوة الغذائية بالتوسع خلال العقود الثلاثة الأخيرة بسبب الفشل في توسيع الإنتاج الزراعي (النمو بمعدل 2.9% سنوياً) ليتماشى مع النمو السريع للطلب، لذلك فإن نسبة الاكتفاء الذاتي انحدرت . ووفق تقديرات منظمة الأغذية الزراعة فإنه يتوقع لهذه النزعة أن تستمر كما هو موضح في الجدول أدناه . ومع حلول 2010 ستعاني كل الأقاليم الفرعية في الشرق الأدنى من عجز كبير في الغذاء ، باستثناء تركيا التي فيها موارد زراعية كبيرة الجدول (1).

الأقاليم الفرعية الإنتاج الطلب العجز
الاتحاد المغاربي 4 49850 77654 27804
شمال شرق إفريقيا5 72045 88081 16027
شبه الجزيرة العربية6 17754 41811 42054
غرب آسيا7 26665 56729 20064
آسيا الوسطى8 157101 878935 21834
تركيا 107470 102515 (الفائض) 4955
إجمالي 2010 440885 545723 99883
إجمالي 1995 299659 364595 64936

لقد نما متوسط الإنتاج بالنسبة لإقليم الشرق الأدنى بثبات بالرغم من أنه أقل من النمو في الطلب . وتم التوصل إلى زيادات في إنتاج المحصول إما عن طريق توسيع المناطق المزروعة أو بزيادة إنتاج المحصول أو بزيادة كثافة المحصول . وخلال السنوات انتشرت الزراعة على الأراضي الجافة والهامشية . وباستثناء السودان وربما تركيا بقيت أراضي زراعية قليلة بلا زراعة . وأصبح نمو الإنتاج الزراعي بتزايد معتمداً على تكثيف الإنتاج لكل هكتار وكان تطور الري هاماً جداً في هذا المجال بسبب جفاف أغلب الإقليم . بالرغم من ذلك فإن الإنتاج الزراعي في الإقليم منخفض نسبياً بالمقارنة مع المعدل العالمي (الملحق 5).

يختلف إسهام الإنتاج بطلب الغذاء في أقاليم فرعية في الشرق الأدنى وفقاً لحجم سكانها بشكل واضح . تصل الفجوة الغذائية في وسط آسيا والتي فيها 45% من سكان الإقليم إلى 22% فقط. من جهة أخرى ، شبه الجزيرة العربية والتي فيها 7.5% من سكان الإقليم مسؤولة عن 24% من تلك الفجوة.

معظم دول الشرق الأدنى مستوردة للغذاء مع اعتماد كبير على المستوردات الغذائية. وبالنسبة للإقليم ككل اتسعت واردات الحبوب كنسبة من الاستهلاك السنوي من 15% في 1970-1975 إلى 37% في 1995-2001 . يختلف الاعتماد على الاستيراد بشكل كبير بين البلدان . في 1995-2000 مثلاً ، استوردت مصر والجزائر واليمن حوالي 44% - 70% - 90% على التوالي من مستلزماتها من الحبوب ودقيق الحبوب التي تشكل الغذاء الرئيسي في هذه البلدان.

وبالنسبة للحالة الغذائية ، فقد تقدمت بلدان الشرق الأدنى في تقوية استهلاك الغذاء9 لكل شخص حسب كيلو كالوري/شخص/يوم والتي هي المتغير الأساسي المستخدم لقياس وتقييم وضع الغذاء العالمي في كل العالم ومن ضمنه بلدان الشرق الأدنى وشمال إفريقيا وبلدان وسط آسيا . وكما يظهر (الجدول 3) أدناه، فإنه من المرجح أن مستويات معدل استهلاك الغذاء القومي لكل شخص في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا أن تزداد من 3006 كيلو كالوري في 97-99 إلى 3090 كيلو كالوري في 2015 وقرابة 3170 كيلو كالوري مع حلول 2030 . وهذا أفضل من المناطق المجاورة في أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية والكاريبي - الجدول 2.

الجدول 2: استهلاك الطعام لكل شخص (كيلو كالوري/شخص/يوم.

  1964/66 1974/76 1984/86 1997/99 2015 2030
العالم 2358 2435 2655 2803 2940 3050
البلدان النامية 2054 2152 2450 2681 2850 2980
شبه الصحارى الإفريقية 2058 2079 2057 2195 2360 2540
الشرق الأدنى/شمال إفريقيا 2290 2591 2953 3006 3090 3170
أمريكا اللاتينية والكاريبي 2393 2546 2689 2824 2980 3140
آسيا الجنوبية 2017 1986 2205 2403 3700 2900
شرق آسيا 1957 2105 2559 2921 3060 3190
البلدان الصناعية 2947 3065 3206 3380 3440 3500
بلدان التحول 3222 3385 3379 2906 3060 3180
عناصر المذكرة
1. العالم، باستثناء بلدان التحول 2261 2341 2589 2795 2930 3050
2. البلدان النامية باستثناء الصين 2104 2197 2381 2549 2740 2900
3. شرق آسيا باستثناء الصين 1988 2222 2431 2685 2830 2980
4. أفريقيا جنوب الصحراء باستثناء نيجيريا 2037 2076 2057 2052 2230 2420

ولكن مثل كل المعدلات، لا يروي هذا المؤشر كامل القصة، حيث أنه يخفي الاختلافات الكبيرة بين المجموعات المختلفة ضمن نفس البلد. فبينما معدل DEI في تركيا وصل إلى 3343 كيلو كالوري ، كانت نصف تلك الكمية في كل من أفغانستان وطاجكستان وتراوحت بين 2196 كيلو كالوري أو 66% و2931 كيلو كالوري أو 88% بالنسبة للدول السبعة الباقية . ولإكمال الصورة يعطي (الملحق 6) تقديرات لأرقام ونسب مئوية لأشخاص تحت خط التغذية في إقليم الشرق الأدنى (معدل للفترة بين 1998-2000) . فبينما تظهر النسبة المئوية العامة للأشخاص تحت خط التغذية في إقليم الشرق الأدنى أدناه نفسها للدول النامية، توجد خلافات كبيرة بين الدول الأعضاء. تراوحت هذه النسبة بين 0% في الإمارات العربية المتحدة وليبيا إلى أكثر من 70% في الصومال.

4-5 إصلاح وتحرير السياسات

أدخلت كل بلدان الشرق الأدنى تقريباً عملية من الإصلاح الاقتصادي الموجه نحو السوق بدرجات مختلفة من الالتزام والنجاح وبين صعوبات معتبرة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً في بعض الحالات . فقد ابتعدت الحكومات بشكل عام عن الممارسات الماضية من التدابير واسعة النطاق بشراء الحبوب من المنتجين بأسعار عالية ومدعومة . وقد بقي التزايد السنوي الداعم للسعر منخفضاً عمداً في العديد من بلدان الإقليم.

وقد أزيلت احتكارات الرعاة في الشراء والتسويق وشجع القطاع الخاص التنافس مع الرعاة في هذه النشاطات . نزعات مشابهة، خفض الدعم وازداد تعامل القطاع الخاص في تجارة التجزئة ، وتظهر أيضاً فيما يخص المدخلات مثل الأسمدة . البرامج الإصلاحية التي نفذت في مصر في السنوات الأربعة الأخيرة مثال رائد على هذه السياسات. شملت هذه الإصلاحات : إنهاء القيود على نماذج المحاصيل وإلغاء التسليم الإجباري للحبوب والأرز وتحرير القيود على قطاع النقل وطحن الأرز وإبطال الحظر على التسويق وإزالة التحكم عن إنتاج الخبز . والبرامج الليبرالية الرئيسية وفق خطوط مشابهة في تقدم في العديد من بلدان الشرق الأدنى.

وفي تقييم مدى عملية الإصلاح التي جرت في القطاعات الاقتصادية بشكل عام والزراعة بشكل خاص ، يمكن وضع الشرق الأدنى وفق ثلاث مجموعات رئيسية : المغرب وتركيا ومصر والأردن أخذت مقاييس عدة لتحرير قطاعاتها الزراعية . السعودية وبعض البلدان الأخرى المصدرة للنفط والتي تدعم الإنتاج المحلي بواسطة المساعدات الحكومية المباشرة وأسعار المنتج العالية تراجع برامجها الداعمة . وقد بدأت سوريا والجزائر ودول آسيا الوسطى مؤخراً بتحرير قطاعات الزراعة غير أن التدخل الحكومي لازال سائداً . وهذا صحيح بالذات بالنسبة للدول الاشتراكية السابقة بالنسبة للمنتجات الغذائية . أمثلة ذلك التدخل تتضمن أسعار الشراء المكفولة للحبوب والمساعدات التي تدفع لتصنيع وتوزيع دخول المزارع والآليات الزراعية في إيران أسعار الشراء المكفولة للحبوب وبرامج مساعدة الدخل للحبوب ، الأسمدة والكيماويات في كازاخستان ودعم أسعار المنتج ومساعدات الدخول والرصيد في تركيا ، التأخير في وضع برنامج أسعار عادل للحبوب في الباكستان.

ورغم ذلك ، تقدم معظم بلدان الإقليم مساعدات كبيرة للتشغيل والاستثمار في مياه الري . وفي بعض البلدان يقدم الماء للمزارعين مجاناً بينما عند الغالبية بالكاد تغطي تكاليف المياه تكاليف الصيانة والعمل . إن إزالة أو تخفيض مثل هذه المساعدة مشكلة اجتماعية وسياسية حساسة جداً في كل بلدان الإقليم تقريباً.

4-6 تحرير التجارة وتطور السوق

كثير من دول الشرق الأدنى تفتح حالياً أسواقها الزراعية وفق ثلاث مستويات متباينة ومتفاعلة مع بعضها : التحرير الأحادي الجانب كما نوقش أعلاه وخطط التكامل الإقليمي وتحرير التجارة المتعدد الجوانب.

على المستوى الإقليمي وشبه الإقليمي ، أقيمت العديد من الاتفاقيات التجارية الإقليمية بأهداف لتحرير التجارة الإقليمية متضمنة الزراعة . والغالبية العظمى من هذه الاتفاقيات بين الدول العربية (الجدول 3) . إنها تشمل اتفاق تسهيل وتشجيع التجارة في الوطن العربي - مجلس الوحدة الاقتصادية العربية - منظمة التعاون الاقتصادي - مجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي - ومؤخراً منطقة التجارة العربية الحرة . تشترك كل هذه المجموعات بهدف مشترك وهو تشجيع التجارة ضمن الإقليم ومن ضمنها التجارة الزراعية والتعاون بين الدول الأعضاء.

بالرغم من كل هذه الاتفاقيات التكاملية الإقليمية وشبه الإقليمية فإن أداء التجارة ضمن الإقليم ، ومن ضمنها التجارة الزراعية ، بقي منخفضاً وثابتاً . وهذه مجرد ظاهرة في الدول النامية والشرق الأدنى ليس استثناء منها . ولكن بالنسبة للشرق الأدنى ككل هناك طاقة كامنة للتجارة ضمن الإقليم بالمنتجات الزراعية والتي لم تستغَل بشكل كامل والتي يمكن لها أن تكون مفيدة خاصة في الحجم الصغير لأسواقها المحلية . واجهت كل هذه الجهود التجارية عقبات منهجية وتركيبية.

تتضمن العقبات الأساسية أمام التجارة ضمن الإقليم النقل الدولي وتسهيلات الاتصالات غير الكافية والمعلومات الضحلة عن الأسواق وفرص الاستثمار . علاوة على ذلك ، فإن وجود العقبات الإجرائية والإدارية للتجارة وغياب أو عدم مناسبة النظام من أجل الدعم المعياري وأنظمة التصنيف والتحكم بالنوعية على المستوى الإقليمي تستمر بإحباط الجهود الهادفة إلى توسع التجارة وتأسيس أنظمة معلومات واضحة . ومن بين المكونات المفقودة لترويج التجارة داخل الإقليم وخارجها التطوير والتناغم لأنظمة التفتيش والتوثيق . والعامل الآخر هو التمويل غير الكافي وكفالة الصادرات والواردات الإقليمية.

الجدول (3): الاتفاقيات التجارية الإقليمية الأساسية في الشرق الأدنى

المنظمة/الاتفاقية الدول الأعضاء تاريخ التأسيس الوضع الحالي للاتفاقية/المنظمة
اتفاقية تسهيل التجارة وتنظيم العبور بين أعضاء الجامعة العربية مصر، العراق، الأردن، لبنان، السعودية، سوريا 1953 غير فعالة
اتفاقية تيسير وتشجيع التجارة في الإقليم العربية كل أعضاء الجامعة العربية 1981 فعالة
مجلس الوحدة الاقتصادية العربية مصر، العراق، الأردن، الصومال، ليبيا، موريتانيا، السودان، سوريا، اليمن. 1957 فعالة
السوق العربية المشتركة مصر، العراق، الأردن، ليبيا، موريتانيا، سوريا، اليمن. 1964 أعيدت فعاليتها في 1998
مجلس التعاون الاقتصادي أفغانستان، أذربيجان، إيران، كازاخستان، كيرجستان، باكستان، طاجكستان، تركيا، تركمنستان. 1985 فعالة
مجلس التعاون الخليجي البحرين، الكويت، عمان، قطر، السعودية، الإمارات 1981 فعالة
اتحاد المغرب العربي الجزائر، ليبيا، موريتانية، المغرب، تونس. 1989 فعالة
مجلس التعاون العربي مصر، العراق، الأردن اليمن 1989 مجمدة

وعلى مستوى التجارة متعددة الجوانب انضمت عدة دول من الشرق الأدنى إلى منظمة التجارة العالمية وقدمت التزامات لتحرر زراعتها ضمن اتفاقاتها المتعددة خاصة الاتفاقية حول الزراعة. لهذه التطورات دلالات هامة للتجارة داخل وخارج الإقليم واستخدام الموارد الزراعية واستمرار التطور الزراعي في بلدان الشرق الأدنى.

ومن ضمن الثلاثين دولة في الشرق الأدنى، 16 منها حالياً أعضاء وتسعة مراقبون في منظمة التجارة العالمية . أن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يكتسب أرضية ومعظم الدول المتبقية تفكر جدياً بالتقدم للعضوية . وبشكل عام، لم تواجه دول الشرق الأدنى صعوبات مفرطة في تحقيق التزاماتها حول اتفاقية الزراعة في الفترة 1995-2002 . المعلومات حول المقاييس الصحية والصحة النباتية في دول الشرق الأدنى ضئيلة وغالباً غير متوفرة . على معظم بلدان الشرق الأدنى أن تتطور لسن قوانين حول حقوق الملكية تمشياً مع اتفاقية منظمة التجارة العالمية والسمات المتعلقة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية . إن الدعم المؤسسي الذي يخاطب منظمة التجارة العالمية ضعيف بشكل عام، وفي بعض الحالات غير موجود.

إحدى الخصائص البارزة للتجارة الزراعية الدولية في إقليم الشرق الأدنى هي الاعتماد الكبير على استيراد الغذاء . وبالنسبة للإقليم ككل ، الواردات هي : الحبوب كحصة من الاستهلاك السنوي الإجمالي، ازدادت من 15% في 1970-75 إلى 37% في 1995-2001 . ويختلف الاعتماد على الاستيراد كثيرا بين الدول . في عام 1995-2000 مثلاً استوردت مصر والجزائر واليمن حوالي 44% و70% و90% من احتياجاتها للحبوب ودقيق الحبوب التي تشكل الغذاء الرئيسي في هذه البلدان . مثل هذا الاعتماد كان مزعجاً لصانعي القرار الذين خشوا أن الاعتماد على التزويد الأجنبي كان "خطراً جداً" سواء اقتصادياً أو سياسياً.

يعني الاعتماد الكبير على واردات الغذاء أن الدول تتعرض لبعض المخاطر . القدرة على الاستيراد لذلك عنصر أساسي في الأمن الغذائي المستمر في الإقليم . وبسبب هذا الاعتماد العالي على الاستيراد فقد حفزت اتفاقية الأورغواي اهتماماً عاماً في الإقليم لأنه من المتوقع أن تخفض صادرات الطعام المساعدة مما يؤدي إلى زيادة أسعار الغذاء العالمية . وبالرغم من أنه من غير المحتمل بالنسبة لمصدري النفط أن يواجهوا تحديات جدية لقدرتهم على استيراد الغذاء، إلا أن الدول غير المصدرة للنفط تواجه تحديات أكبر . تواجه البلدان ذات العجز الغذائي والدخل المنخفض في الإقليم بشكل خاص صعوبات في تطوير كسب تبادل أجنبي كافٍ لتمويل استيراد الغذاء.

سمة أخرى للتجارة الزراعية في الإقليم هي الروابط الاقتصادية القوية مع البلدان المتطورة . ومن المحتم لكتلة الصادرات الزراعية أن تتجه إلى أسواق البلاد المتطورة والتي أكبرها الاتحاد الأوروبي. لذلك فشروط دخول السوق لهذه البلدان ذات أهمية حاسمة في تعريف فرص التجارة لصادرات الزراعة في الشرق الأدنى. ويشكل دعم الزراعة في هذه البلدان والأمان العالي المتزايد ومعايير النوعية التي تتبناها بالإضافة إلى التدهور التدريجي لأفضليات التجارة الصعوبات الأساسية التي تواجه بلدان الشرق الأدنى في محاولتها لتطوير دخولها إلى أسواق البلدان المتطورة.

بالرغم من التقدم الحاصل في تطبيق اتفاقية الأورغواي ، يستمر الدعم العالي للزراعة في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)(310 مليار دولار في 2001). قمم التعرفة لا تزال تسري على الكثير من المنتجات (مثل اللحم والمنتجات البستانية) وتصعيد التعرفة (تعرفة أكبر على المنتجات الأكثر معالجة التي تعطي حماية أكبر لصناعة المعالجة في الدول المستوردة) لا تزال تسود في الكثير من سلاسل المنتجات الهامة (مثل الفواكه والخضار واللحم وجلود الحيوانات والجلود) . بالإضافة لذلك فإن معظم الفواكه والخضار في السوق الأوروبية هي محمية بنظام "سعر الدخول" (متضمنة تعرفة عالية إذا تجاوز سعر التصدير مستوى محدد خلال فترات محددة من العام) ، بينما معظم مصدري الشرق الأدنى للفواكه والخضار إلى الاتحاد الأوروبي تحصل ضمن نظام التعرفة الذي يسمح بأفضليات الدخول لكميات محددة.

كل هذه المشاكل الآن عرضة للمفاوضات في منظمة التجارة العالمية الحالية حول الزراعة. الالتزام العام كما اتفق عليه في المؤتمر الوزاري في الدوحة في منظمة التجارة العالمية هو القيام بمناقشات حول الزراعة تهدف إلى تحسينات جوهرية في الدخول إلى السوق؛ تخفيض كل صيغ مساعدات التصدير وتخفيضات جوهرية في الدعم المحلي للتجارة . وبوجود التجربة الصعبة في المفاوضات الجارية لم ينتج أي من هذه الالتزامات في التزام تجاري للدول الأعضاء.

في محادثات منظمة التجارة العالمية الجارية حول الزراعة ، تبحث بلدان الشرق الأدنى عن تطور حقيقي في الدخول إلى السوق خاصة لتلك المنتجات ذات القيمة العالية والنمو العالي الكامن. وبذلك فهي مهتمة بتخفيض حماية الحد وتصعيد التعرفة في البلدان المتطورة والنامية. إن تقوية قدرات المفاوضات حول بلدان الشرق الأدنى والتنسيق والتناغم في مواقعهم في مشاكل منظمة التجارة العالمية هي مكونات أساسية للتوصل إلى تقدم ملموس في هذه الجبهة.

4-7 الميزات التفضيلية وتنافسية الزراعة

في بيئة المنافسة العالمية المتنامية وبسبب ندرة موارد الأراضي والمياه، يحتاج الإقليم إلى الإنتاج والتجارة وفقاً لمميزاتها النسبية . وهذا يعني تحسين فعاليتها النسبية في الإنتاج الذي يعتمد على ثلاثة عوامل :

  1. التقانة (والتي تحدد احتمالات الإنتاج وتؤثر في معدلات تحويل الإنتاج).

  2. منح المورد (والذي يؤثر على قيمة الموارد المحلية مثل الأرض والعمالة والمياه ورأس المال) .

  3. الأسعار الدولية (والتي تحدد بشكل مباشر قيمة المدخلات والمحاصيل التي يمكن المتاجرة فيها وتؤثر بشكل غير مباشر في قيمة الموارد المحلية).

وعلاوة على ذلك ، فإن الإقليم بحاجة لأن يتبع استراتيجية تنافسية لتشجيع الصادرات من المنتجات الزراعية البارزة مثل القطن والفواكه والخضار. وهذا يحتاج إلى مجموعة من السياسات التي تتضمن سياسات اقتصاد كلي راسخة لتقديم بيئة تنافسية : فيجب تبني السياسات المدفوعة نحو التصدير، كما ويتوجب تجميع رأس المال البشري والطبيعي . تتغير قواعد اللعبة مع عولمة الاقتصاد. فهي تعتمد على الاقتصاد العالمي حيث يمكن لأي شركة أو مصنع أن تحصل وبسهولة على المواد الأولية والعمالة الرخيصة لأن تكلفة التنقلات قد انخفضت إلى حد بعيد خلال السنوات الماضية . وهذا الأمر حقيقي خاصة بالنسبة للسلع ذات القيمة العالية مثل القطن . ولم تعد خاصية المكان بالأهمية التي كانت عليها في السابق. فكي تكون الشركات والمصانع منافسة، عليها أن تعرف وتتفهم أسواقها وزبائنها، وعليها أن تعرف ما يقوم به التنافس، وتحسين نوعية منتجاتها ومحاولة خلق أسواق لها . فقد أصبحت خيارات التسويق أهم من خيارات الإنتاج وهذا ما سيزداد في هذا القرن.

إن تحرير الأسواق العالمية يقدم فرصة كبيرة للشرق الأدنى، إذا ما تابعت دول الإقليم وسرّعت من عملية إعادة هيكلة اقتصادها وقطاعها الزراعي. فإعادة الهيكلة هذه يجب أن تتضمن تطوير التجارة الزراعية، وتطبيق تقانات حديثة ومبادئ إدارة . ويجب أن تركز الاستراتيجية على إنتاج المحاصيل حيث هناك احتمال لإزالة كلاً من العوائق الطبيعية والفيزيائية ، وخصوصاً كلفة التسويق المرتفعة . وفي ذات الوقت ، يجب أن توضع السياسات والبرامج لتنوع أساس الإنتاج ولتنمية محاصيل ذات قيمة أعلى من أجل التصدير . إن إنتاج المحاصيل ذات القيمة العالية (الفواكه، الخضار والمحاصيل الدوائية والعطرية يقدم فرصة مغرية . وعلى الحكومات أن تأسس نظام مراقبة للجودة وأنظمة فحص لضمان الجودة العالية للمنتجات باستمرار.

4-8 الإصلاح المؤسسي

تتجه غالبية بلدان الإقليم إلى الإصلاح المؤسسي وبناء القدرات كوسيلة للتنمية والتطور الفعالين. حيث أن الفهم الجديد لدور المؤسسات في الشرق الأدنى يؤكد على إعادة تصميم عملية التطوير وعلى بناء مؤسسات مناسبة لتنمية الأجيال . وتتضمن العملية الآتي :

4-8-1 الدور المتغير للدولة

لا ينتظر من الأدوار الجديدة للدولة أن تكون على جبهة إنتاج السلع والخدمات ولا أن تكون مشاركة في تصميم وتنفيذ السياسات التفصيلية . على العكس ، يتوقع من الأدوار الجديدة للدولة أن تتمثل في توجيه تصميم وتنفيذ التطوير، والعمل يداً بيد مع شركاء آخرين خاصين ومحليين عوضاً عن العمل لمصلحة المستفيدين من التنمية . إن إعادة تعريف دور الدولة في بيئة سوق مفتوح يتضمن انسحاب الدولة الشامل من الأدوار التقليدية والاضطلاع بأدوار جديدة فيما يتعلق بتعزيز واستكمال وتنظيم الأسواق . وهذا يطرح بشكل آلي مسألة الإرث التدخلي الطويل لكافة الدول تقريباً في الشرق الأدنى ويطرح الحاجة لكل من إعادة النظر وإعادة تعريف مفهوم السلع العامة . ويرى هذا التحول الدولة على أنها :

لا توجد قواعد واضحة المعالم تضع حدوداً للدور الجديد للدولة . فهذا يعتمد على خصوصيات كل دولة، خبراتها السابقة وحالة التعديلات الهيكلية فيها . وكقاعدة عامة ، على الدولة أن تتجنب القيام بأي شيء يمكن أن يؤديه القطاع الخاص بشكل أكثر فعالية.

4-8-2 تحسين المنظمات الريفية الشعبية

على عكس الدول المتقدمة، لعبت الحكومات في المناطق النامية بشكل دائم تقريباً دوراً أبوياً ومتحكماً في تطوير المنظمات الريفية والزراعية، بما فيها التعاونيات . وكانت النتيجة انبثاق عدد صغير نسبياً من المنظمات الريفية مع صلات تنظيمية ضعيفة وعدد قليل من الأعضاء المشاركين والمستوى العالي للاعتماد على مساعدة ودعم الحكومة وأداء تجاري ضعيف. وعلاوة على ذلك ، فإن البيئة الداعمة لهذه الهيكليات الريفية الضعيفة تتراجع بسرعة نتيجة لبرامج التكيف الهيكلي الجديدة وتحرير السوق.

وقد أشارت تجربة حديثة لإيفاد وغيرها من وكالات الأمم المتحدة (منظمة الأغذية والزراعة ، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، اليونيسيف ، وبرنامج الغذاء العالمي) في دعم مشاركة نموذجية (تطلقها أحياناً المجموعات المحلية الموجودة) تشير إلى أن هناك احتمال كبير لتعميم وزيادة حجم ودعم المناهج التشاركية (إيفاد 2002) . وإضافة إلى ذلك، فإن المزيد من المناهج التشاركية ، واللامركزية وتطوير سلطة كافة الطبقات أصبحت أكثر ضرورة كوسيلة لإعطاء المؤسسات المبنية على المجتمع صوتاً أقوى في عملية التطوير وجعل صنع القرار أقرب إلى الناس . وبكلمات عملية ، هي الحاجة لتعريف التعزيز المؤسسي ، وإعادة الإرشاد وتدريبات أخرى ستكون ضرورية لموظفي الحكومة، إضافة إلى ضمان أن المشاركة النافعة يمكنها أن تلعب دوراً هاماً في تنفيذ مشاريع جديدة.

وبالفعل ، فإن تجربة منظمة الأغذية والزراعة التي اكتسبت خلال العقد الماضي في أفريقيا وآسيا في تنفيذ مشاريع برنامج مشاركة الناس في غانا وكينيا وليسوتو وتانزانيا وسيراليون وزامبيا وزيمبابوي وسيريلانكا والباكستان وتايلاند قد قدمت رؤية جديدة فيما يخص مزايا استخدام مناهج للمزيد من المشاركة "من الأسفل للأعلى" لبناء منظمات مساعدة ذاتية للريفيين، بما فيها تعاونيات المزارعين ولكن بداية بالمجموعات الصغيرة غير الرسمية كلبنات البناء الأساسية . وعبر بناء المنظمة "من الأسفل للأعلى" قد تستغرق العملية وقتاً أطول، فقد أظهرت دلائل ميدانية أن المنظمات المشكلة أكثر استدامة واعتماداً على الذات من نظيراتها التي تفرضها الحكومة ذات نظام "من الأعلى للأسفل".

يتضمن التوجه الجديد منهج تطوير شمولي كنقيض للمناهج الجزئية والانتقائية في العقود الماضية . ومن ناحية المضمون ، فإنه يتناول كافة الموارد : البشرية والطبيعية والمالية والاجتماعية . أما من ناحية الغاية فإنه يؤكد على الفعالية الاقتصادية دون الأخذ بالحسبان الهموم غير الاقتصادية مثل الفقر والعدالة والمظاهر الخارجية قصيرة الأمد والتدويل طويل الأمد لهذه المظاهر الخارجية . أما فيما يخص العمليات ، فإن التفكير الجديد يؤكد على الترابط والتكامل ويتبنى تأويلاً أوسع من الذي يتبناه الفاعلون المعنيون . ويتطلب النموذج الجديد عمليات للعمل مع الناس عوضاً عن العمل من أجلهم . وأخيراً ، فإن التفكير الجديد يعزز المنظور العالمي للتطوير إلى حد أن التنمية على المستوى الإقليمي والدولة ليس مستثنى من البيئة الخارجية.

4-8-3 البنية التنظيمية لمؤسسات تحليل السياسات الزراعية

يوجد في إقليم الشرق الأدنى القليل من المؤسسات المتخصصة في تحليل السياسات الزراعية. وغالباً ما يعهد بهذه الوظائف إلى فروع الوزارات أكثر منه إلى المؤسسات المختصة مع اختلاف النظام الهرمي . ففي مصر والسودان واليمن على سبيل المثال ، يعتبر قسم السياسات الزراعية أحد أقسام إدارة التخطيط الزراعي . أما في الكويت والبحرين، فإن وحدة أو قسم السياسة غير موجود ويتولى مهامها قسم الإدارة والمالية وقسم العلاقات الدولية على التوالي.

وعموماً فإن المهام التنظيمية والترابط الداخلي بين مختلف الأقسام المخولة بتحليل السياسات ليست معروفة بشكل واضح وفعال . وعلاوة على ذلك، فإن التفويض والمسؤوليات داخل وزارات الزراعة متداخلة بين الأقسام والوحدات . فعلى سبيل المثال ، في بعض دول الإقليم يوجد أكثر من وزارة معنية بالنشاطات الزراعية مثل وزارة الري والموارد الحيوانية والبيئة. ويعوز هذه الوزارات الترابط المؤسسي الفعال فيما بينها . وعلاوة على ذلك، فإن القدرة المؤسسية لمختلف الأقسام والوحدات في هذه الوزارات ضعيفة جداً . فيتم تنفيذ السياسة والتخطيط في فراغ نسبي فيما يتعلق بالاحتياجات التي يتلمسها الناس لأن المناهج المبنية على أساس المجتمع المشارك لا تطبق لممارسة تحليل السياسة والتخطيط.

إن الوظائف الملائمة لتحليل السياسة، المشابهة لوظائف المركز الوطني للسياسات الزراعية في سورية ، غالباً ما تتولاها أقسام في المؤسسات مثل المعهد العربي للتخطيط في الكويت ، ومركز الأبحاث الزراعية ومعهد التخطيط القومي في مصر . وعلى أي حال ، ففي العديد من الدول ، سواء كان لديها مؤسسات معنية بتحليل السياسات الزراعية أم لا، فإن خدمات تحليل السياسات الزراعية لمتخذي القرار تقدم من عدة أفراد ومؤسسات (مثل الجامعات ومراكز الأبحاث).

4-8-4 مؤسسات السوق

تفتقد العديد من دول إقليم الشرق الأدنى إلى أسواق المدخلات والإنتاج . وفي الواقع فقد طرحت هذه الفجوة في نظام التسويق وعلى مدى عدة سنوات كجدل كبير يبرر تدخل الدول في السوق . وعلى أي حال ، فإن التحول الحديث إلى اقتصاد موجه نحو السوق يستلزم تغيرات كبيرة في التسويق والمؤسسات التجارية . فهناك حاجة لتفويض وتطوير الأسواق وآلية السوق كأداة أساسية للتنمية والتطوير. وهذا يقتضي انفتاح الأسواق وإلغاء عوائق الدخول والخروج إلى الأسواق والسماح لقوى السوق أن تؤثر في توزيع المصادر المحدودة بين الاحتياجات التنافسية والاستخدامات. إن توسيع فعالية الاقتصاد سوف يؤدي إلى تكاليف وعوائد معقولة ، وسلوك اقتصادي مستدام وسياسات غير تمييزية وغير مشوهة وإلى صنع القرار.

في نظام السوق المفتوح ، مع حرية الدخول والخروج ، يعتبر السعر أداة التقنين الرئيسية بمعنى آخر، تصبح الأسعار صحيحة. لذا، فإذا ماكانت الأسعار منخفضة بشكل متكلف، فإن التكلفة الحقيقية بالنسبة للمستهلكين سوف تنخفض ويزداد طلبهم الفعلي . ومؤخراً، تم تطوير نماذج مؤسسية جديدة. تهدف هذه النماذج إلى تصحيح هذا الخلل وذلك عبر التقليل من الأعباء المؤسسية الفائضة على الأسعار، وتدويل الكلفة الكاملة للمنتجات والخدمات وتخفيف الفجوة بين الأسعار الخارجية والمحلية .

ورغم حقيقة أن هذه النماذج تقع في مناطق سياسة معروفة مثل الوصول إلى المدخلات والأسواق والقروض، والوصول إلى الموارد وتطوير البنية التحتية البحث والإرشاد والتدريب ومشاركة الأشخاص وأولويات النوع الاجتماعي، إلا أنها تخلق إطار عمل جديد تماماً ومطلوب لتحليل السياسات مما يزيد بشكل كبير الحاجات المستمرة لتأسيس وبناء القدرات.

4-8-5 حقوق الملكية

يعتبر نظام التسعير أداة لتبادل حقوق الملكية. وتقتضي هذه الحقوق أن الشخص المخول تحديداً لديه السلطة لتقرير كيفية استخدام الموارد. لذلك فإن الأسواق المفتوحة ونظام التسعير الذي يعمل بشكل حر لا يمكن أن يؤسس إلا إذا تم تأسيس حقوق الملكية للموارد . وقد يبدو ممكناً أيضاً أن يكون الناس وغيرهم من العملاء الذين يستخدمون الموارد ميالون إلى تسويغ الاستخدام واستبقاء الموارد دون الاستحقاق لهذه الموارد . وهذا يرفع أهمية حقوق واضحة للملكية والحاجة لإجازة (تقنين) ملكية الموارد والحقوق غير الرسمية إضافة إلى تنظيم كيفية ممارسة مثل هذه الحقوق . وهذا يتعلق بشكل خاص بحقوق الأرض إذ أن الوصول إلى الأرض وأمن امتلاك الأرض هي عناصر أساسية في التخفيف من الفقر الريفي والتحرك نحو عالم يعتبر فيه الأمن الغذائي وغياب الجوع حقيقة بالنسبة للجميع . تحتاج هذه المشكلة إلى انتباه خاص في الدول التي تشهد تحولاً ، ولديها تأثيرات سلبية متعددة على صيانة وتطوير الأرض وخدمات الري وعلى المراعي والرعي الجائر في مناطق عديدة من الإقليم . وقد أدركت الحكومات في العالم هذه الظاهرة في قمة الغذاء العالمية في روما عام 1996.

4-8-6 توجيه الخدمات المالية الريفية لمساعدة الفقراء

تتنامى البيئة المؤدية إلى معالجة هذه القضية بسرعة . فالسلطات الحكومية أكثر استعداداً الآن للتسليم بأن التعداد السكاني الريفي يتضمن فقراء كثيرين ممن يحتاجون إلى الموارد المالية والخدمات . وهذا سوف يسهل عملية التنمية مع العدالة عبر تقديم فرص توليد الدخل للفقراء . ويتم الآن تشييد أساس ثابت لتصميم وتنفيذ مبادرات منظمة لتقديم قروض صغيرة وخدمات ادخار متصلة بمجموعة من النشاطات ونشاطات تقليدية مبنية على المجتمع وذلك عبر مبادرات نموذجية هامة مخططة ومستمرة يدعمها مانحين آخرين (إيفاد 2002) .



4  : الاتحاد المغاربي يشمل الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب وتونس.

5  شمال شرق إفريقيا تشمل جيبوتي ومصر والصومال والسودان.

6  شبه الجزيرة العربية تشمل السعودية والبحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة واليمن.

7  غرب آسيا يشمل العراق ولبنان والأردن وسوريا.

8  آسيا الوسطى تشمل كازاخستان و كيرجستان وطاجكستان وتركمستان وأوزبكستان.

9  التعبير الأكثر صحة لهذا المتغير هو "معدل استهلاك الطعام الواضح القومي"، كون البيانات تأتي من أوراق موازنة الغذاء القومي وليس من إحصائيات الاستهلاك.



الصفحة السابقة أعلى الصفحة الصفحة التالية