الصفحة السابقة بيان المحتوياتnext

الاستخدام الجائر والاستخدام الخاطئ

إن الطرق التي يتم بها استخدام موارد المياه العذبةءخاصة في الزراعة- تترك المجال للكثير مما يمكن عمله. ففي بعض الاماكن هناك استخدام جائر (استنزاف) لهذه الموارد، حيث يفوق الاستخدام معدلات التعويض للمياه المتجددة وليس من الممكن استمرار هذا الأسلوب إلى ما لا نهاية، وفي أماكن أخرى فإن الاستعمال الجائر في منطقة ما يعمل على هدر الماءويحرم المستخدمين في مناطق أخرى من حقهم فيه، مما ينتج عنه انحدارا ونقصا في الإنتاج الزراعي وضياعة للوظائف وفرص العمل. أما الاستعمال الخاطئ فيكون عندما تستخلص وتسحب المياه النظيفة ثم تعاد ثانية إلى النظام المائي في حالة غير قابلة للاستعمال. ويحدث هذا بالنسبة لمياه الري المستعملة (مياه الصرف الزراعي) والتي تكون غالبة ملوثة بالاملاح ومبيدات الافات والحشائش. كما تضخ المراكز الحضرية والصناعية أيضآ مياها ملوثة إلى كل من موارد المياه السطحية والجوفية.

ولعل واحدآ من أبرز مظاهر الاستخدام الجائر للمياه أن بعض الانهار الكبيرة مثل "الهوانج هي" ( HuangHe ) و"الكلولورادو" ( Colorado ) و الشبللي" ( Shebelli ) تجف الان قبل وصولها إلى البحر. ولقد فقد نهر" الامو داريا" ( Amu Darya ) والذي يغذي بحر الآرال (انظر الاطار) كل مصادر مخزونه المائي والتي ذهبت إلى زراعات القطن، كما أن" النهر الأصفر" ( Yellow River ) في الصين لم يكمل مساره إلى البحر لمدة سبعة أشهر كاملة في عام 1997 (انظر الاطار فى الصفحة 05).

وهذه الأنهار التي أصابها الجفاف عبارة عن أمثلة صارخة على الاستعمال الجائر لموارد المياه العذبة، علمآ بنر الاستعمال الجائر في مكان ما يعني الحرمان- من الماء- لمكان آخر. وقد كانت السهول الخصبة لدلتا كثير من الانهار في يوم ما مراكز للإنتاج الزراعي الوفير وحيثما تقف الأنهار عن التدفق لا تتوفر المياه للري وتنهار أعمال المزارعين ويفشل الانتاج المحلي.

والأسباب عادة هي "عمليات التطوير"، أو المشروعات في أعالي المجرى، ويتسبب قطع الأشجار وبناء الطرق والزراعة. على المجرى غالبا في زيادة انجراف وتحات التربة مما يؤدي إلى عمليات الترسيب، ويعمل هذا على غمر منطقة وسط المجرى وانخفاض التدفق في نهايته. كما تعمل عمليات الترسيب على انسداد خزانات المياه الكبرى في العالم والتي تقدر أنها تحوي حاليآ 6000 كم 3 من الماء- حيث يفقد الان حوالي 1% من هذه المياه سنويآ أي حوالي 60 كم 3 من الماءنتيجة لعمليات الترسيب هذه.

للزراعة المروية تأثير قاطع وواضح على البيئة، وأحد التأثيرات الايجابية أن الإنتاج العالمي من ري مساحة صغيرة من الأرض يمكن أن يعوض عن استعمال مساحة أكبر بكثير من الأراضي الهامشية لزراعة المحاصيل (بمعنى أنه يقلل من استعمال الأرض)، إلا أن سحب المياه واستخلاصها من الأنهار والبحيرات لأغراض الري، يمكن أن يعرض الأنظمة البيئية المائية كالأراضي المبتلة (الرطبة) للخطر مما يؤدي إلى خفض إنتاجيتها وتنوعها البيئي، وهل الامر له تبعات وآثار مهمة على السكان والمجتمعات البشرية ألتي اعتمدت في يوم ما على مصايد الأسماك الداخلية الكبرى والتي تعتمد بدورها، للاستمرار، على مثل تلك الأراضي (المبتلة) وأنظمتها البيئية وعلى الرشح الطبيعي منها، ولتلك الاراضي (المبتلة) -تاريخيا- دور كبير في تنقية جزء كبير من المياه العادمة بالعالم. وعادة ما يؤدي التخلص من الأراضي المبتلة- يغرض إحلال أنظمة الري- إلى نتائج يؤسف لها.

وتعمل الكيماويات الزراعية المستخدمة خلال أنظمة الزراعة المروية- في أغلب ا لا حيان- على تلويث المياه السطحية والجوفية، ويمكن لكل من عنصري البوتاسيوم والنيتروجين المستخدمين في عمليات التسميد، سواء في الزراعة المطرية أو المروية، يمكن لهما أن يغسلا إلى المياه الجوفية أو السطحية مما يؤدي إلى ظهور الطحالب وانتشارها وبالتالي ظاهرة "التأجين" (Eutrophication).

 

كما يمكن للري أيضÇ أن يعمل على تركيز الاملاح الموجودة طبيعيا في المياه والتي تصاحب تدفق الصرف المرتجع أو العائد إلى المياه الجوفية أو المجاري المائية السطحية والأنهار.

كما يمكن للري أيضا في المناطق الجافة، أن يغسل العناصر السامة الموجودة طبيعية في الأرض مثل السيلينيوم من التربة إلى المياه السطحية والمياه الجوفية. والإسراف في الري يمكن أن يؤدي إلى تشبع الأرض بالمياه مما يخفض الإنتاج ويقلل من المحصول بدرجة كبيرة.

وتستفحل هذه المشاكل كلما استخدمت المياه بكثافة أكثر. حيث أن ذلك قد يضطرنا إلى استخدام الموارد المائية غير التقليدية لدى نضوب موارد الماء التقليدي ونلجأ إلى استخدام المياه الملحية ومياه المجاري في عمليات الري وإذا لم تكن هناك إدارة ملائمة لهذه العمليات فإننا قد نعرض صحة الإنسان للخطر. هناك العديد من البلاد التي يفوق استخدامها للمياه معدلات التعويض لمياهها المتجددة. وفي هذه الحالة فإنها تقع في نطاق ما يسمى "بالعجز المائي" (Water Deficit)، ويتولد العجز الماثي أساسآ نتيجة لسحب المياه الجوفية بمعدل أكبر من تعويضها أو إعادة تغذيتها، ويشبه هذا الأمر في الواقع عمليات التعدين (mining) أي أننا نقوم بتعدين هذا المورد الطبيعي (السحب والاستخلاص دون تعويض كما في حالة استخراج المعادن ودون رجعه من المناجم في باطن الأرض)، وتعتمد بعض بلاد المناطق الجافة بدرجة كبيرة على عملية التعدين هذه (للمياه) وخاصة لاغراض الري (انظر الجدول). ويمثل هذا استخداما غير مستدام على الاطلاق ولا يتوقع له أن يستمر كثيرآ في المستقبل. الاستخدام الجاثر للمياه الجوفية كمورد لإنتاج الغذاء أمر له تبعات خطيرة. ولقد قامت الكثير من البلدان باستغلال جائر لتكويناتها المائية الأرضية، ويقدر حجم الاستنزاف السنوي في مجموع البلاد ذات العجز المائي الكبير بحوالي 160 كم 3 من المياه. ويشير هذا إلى أن حوالي 180 مليون طن من الحبوب، أو 10% من المحصول العالمي، يتم إنتاجها باستنزاف الموارد الماثية. وعلى الجانب الاخر فإن كمية من الانتاج الغذائي يعادل ما ذكر أعلاه أو أكبر، يهددها ارتفاع مستوى الماء الأرضي في أماكن تستعمل نظم الزراعة المروية ولكن بدون وجود نظم ملائمة للصرف.

وتزيد النفايات والعوادم من حدة الاستعمال الجائر لموارد المياه المحدودة، وتتواجد هذه العوادم عند كل نقطة يتداخل فيها الانسان ونشاطه البشري مع دورة الماء في الطبيعة (الدورة الهيدورولوجية). وعملية الري من العمليات المهدرة للمياه حيث يهدر الماء ويفقد عند كل نقطة في الدورة أو العملية تقريبآ، فهناك تسرب للمياه وهدر لها من القنوات التي تستخدم لنقل مياه الري، وذلك بالاضافة إلى الكميات الكبيرة من المياه التي تضاف إلى الأرض بلا فائدة نظرآ لعدم وجود محاصيل عليها أو أنها أكبر بكثير من احتياجات المحصول المنزرع، لذا فإن تحسين كفاءة الري- التي تقدر حاليا بأقل من 4% تعتبر من الأهداف المحورية والمهمة للمستقبل.

 

  الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحةnext