الصفحة السابقة بيان المحتوياتالصفحة المقبلة

الفياضانات و الجفاف

دائما ما تشكل المياه الكثيرة والزائدة عن الحاجة وتلك القليلة جدآ إلى كوارث طبيعية بالنسبة للزراعة. واليوم وبالرغم من التقدم الكبير للمعرفة بخصوص أنظمة الطقس واستخدام وسائل محاكاة المناخ وظواهره بواسطة الحاسوب يتعرض المزارعون إلى ظروف مناخية شديدة الحدة أكثر من ذي قبل، وبينما يزداد معدل ظهور هذه الظروف الحادة نتيجة للتغير المناخي، فإن قابلية المزارعين للتأثر بها سلبآ قد ازدادت نتيجة لأسباب أخرى منها: (1) زيادة الكثافة السكانية. (2) الارتفاع المتزايد لاستخدام الأراضي الهامشية من أجل إنتاج محاصيل غير ملائمة، ويزيد هذا الاستخدام من فرص انجراف الأرض وتحاتها والفيضانات المفاجئة: (3) عمليات استئصال الغابات وما ينتج عنها من تعرية الأراضي المنحدرة من الغطاء الخضلري الحامي لها. (4) استخدام وسائل الميكنة والآلات الضخمة التي تمكن لإزالة الغطاء الخضيم للارض في وقت أقل بكثير مما كانت تأخذه هذه العملية من قبل. (5 ) استخدام ممارسات صراعية غير مستدامة وغير مستقرة نتيجة للضغوط الاقتصادية التي تواجه المزارعين لزيادة إنتاجهم من خلال استخدام مدخلات زراعية عالية ومكلفة. ولقد ثبت أنه من غير الممكن الوصول بالإنتاج الزراعي إلى الحدود القصوى باستخدام موارد مائية محدودة ما لم يمكن تصحيح العوامل التي تعمل على زيادة حدة آثار الكوارث الطبيعية.

ووفقا للدراسات التي قام بها "تجمع ميونخ" ( Munich Re Group )، وجد أن عدد الكوارث الطبيعية- وخاصة الفيضانات والاعاصير والزلازل- قد زادت في أعوام التسعينات بمقدار 2 ر3 مرة عما كانت عليه في أعالام الستينات، وأن الدمار والخسائر الاقتصادية الناتجة عن ذلك قد زادت بمقدار 6 ر8 مرة.

 

ومما يلفت افنظار، وبشدة الزيادة في تكرارية خطورة الفيضانات وما يصاحبها عادة من "انزلاقات للكتل الطينية"، وخلال الأعوام 1998 - 1997 شكلت الفيضانات "الثلث " تقريبآ لكل الكوارث أو النوازل الطبيعية كما أنها كانت السبب لاكثر من نصف الذين قعدوا حياتهم من جراء هذه الكوارث، وكانت الفيضانات مسئولة أيضا عن "ثلث " الخسائر الاقتصادية الكلية لهذه النوازل الطبيعية. ولقد تأثر وبشدة عدد كبير من الناس من جراء الفيضانات، وقد ناهزت أعدادهم 130 مليون نسمة فيما بين 1993 و1997. ولقد زاد التدهور البيئي نتيجة لحالات الدمار الذي سببته الفيضانات. وهكذا فعل أيضا لفقر والتهميش وهي من الظروف التي تضطر الفقراء إلى المعيشة تحت ظروف غير ملائمة ومعرضة لأفعال الطبيعة.

ويشكل تدهور الأراضي سببا رئيسا يعمل على زيادة تبعات وآثار الفيضانات والجفاف على الإنسان والبيئة. ولتدهور الأراضي حاليآ تأثير كبير على حوالي 70% من الأراضي الجافة وهو ما يشمل سدس سكان العالم. وبينما يوجد هذا التدهور في معظم مناطق العالم، إلا أنه أكثر وضوحآ في المناطق الجافة وشبه الجافة والمناطق المعروفة بتأثرها بالجفاف في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. ولقد أدى كل من الجفاف والتصحر إلى هجرات كبيرة في البرازيل ومنطقة الساحل (الأفريقي)، وخلال العقود الثلاثة الماضية، فقد كثير من الناس سبل ووساثل عيشهم والتي كانت تعتمد على الزراعة، بالإضافة إلى الانتشار الكبير للمجاعات وسوء التغذية والهجرات.

ولقد أورد تقرير منظمة الأغذية والزراعة "الماء من أجل الحياة" ( Water for Life )، الصادر بمناسبة يوم الأغذية العالمي لعام 1994، الاتي:

"في الكثبر من مناطق العالم، فإن اراضي الزراعة المطرية في حالة سيئة. ولمقد أدت الزيادة في السكان وكدنك في الثروة الحيوانية إلى تدهور الاراضي من خلال انجراف وتحات التربة والرعي الجاثز وحراثق الاحراش واقتلاع الغابات واستئصالها، با لاضافة إلى امتداد نظم الزراعة التقليدبة إلى الاراضي الهامشية غير الملائمة. وفي المناطق الجافة وشبه المجافة- والتي تغطي ثلت اراضي العالم- تؤدي صور التدهور هذه إلى التصحر. وتكون التكلفة او المقابل بحساب المعاناة الانسانية عاليا. ولقد أترت دورات او فترات الجفاف الافريقية في اعوام 1984وه 198، سلبا على 30 إلى 25 مليونآ من البشر. ويتحمل تدهور االراضي والتصحر وزر عشرة ملايين منهم عرفوا لاحقا بلاجئي البيئة- تم جلاؤهم من مواطنهم بصورة نهائية".

وفي عام 1988، تسببت أنماط الطقس المصاحبة لظاهرة "النينو" ( El Nino ) في جفاف المحاصيل في بعض المناطق، تمت إغراقها في مناطق أخرى، وقد ضرب إعصار "ميتش" ( Mitch ) أمريكا الوسطى وتسبب في فقدان أكثر من 9000 إنسان لحياتهم وترك ثلاثة ملايين تقريبا مشردين بلا مأوى، ولقد تلقت نيكاراغوا وهندوراس الضربة الأقوى حيث فقدت هندوراس أكثر من نصف محصولها من الذرة. وقد قدرت الخسائر في محصول البن ومحاصيل التصدير الاخرى بحوالي 480 مليون دولار أمريكي.

ولقد تسببت بعض العوامل من صنع الانسان في الزيادة الكبيرة لآثار وتبعات إعصار "ميتش" وتدفقت "الإنزلاقات الطينية" على المنحدرات التي تم تعريتها باستئصال ما كان عليها من غابات ووضبع أراضيها الهامشية تحت الزراعة. كما تعاظم التأثير السلبي للفيضانات نتيجة لسوء الإدارة لمساقط المياه. وتحاول الدول الأكثر تأثرآ معالجة المشاكل الهيكلية والمؤسسية التي أسهمت في الكارثة عن طريق فحص ممارسات حيازة الأراضي ودعم مشاريع إعادة التشجير (إعادة زرع الغابات) وتوفير التدريب الملائم لادارة مساقط المياه.

ولقد أدت الفيضانات الشديدة في دول آسيا والجفاف الاكثر قسوة في دول الشرق الأدنى إلى أسوأ التوقعات بالنسبة للأمن الغذائي. وكان من المتوقع أن يؤدي الجفاف إلى انخفاض محصول الحبوب بمقدار 6 ا% في منطقة الشرق الادنى في عام 1999. ويتوقع أن يكون الفقد أكبر بكثير في جمهورية إيران الإسلامية والعراق والأردن والجمهورية العربية السورية، ومما يدعو إلى الاحباط أنه لا يوجد دليل على أن هذه الانتكاسات هي مجرد انتكاسات مرحلية سواء في آسيا أو الشرق الادنى.

ولقد أصبح "التجفيف" لأسفل المجرى المائي من الامور التي تتصاعد وتتزايد مشاكلها في كثير من المناطق. والتاريخ المأساوي لبحر الآرال معروف جدآ. إلا أنه من الأمور غير المعروفة كثيرآ هو أن مصيرآ مماثلآ (لبحر الآرال) يواجه المزارعين في أراضي الدلتا لكثير من الأنهار حيث يستخدم ويستهلك الكثير من مياهها في مناطق المجاري العليا والوسطى لها ولا يتبقى إلا أقل القليل لهؤلاء الذين يعيشون ويزرعون المناطق أسفل المجرى.


 

  الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة