الصفحة السابقةالمحتوياتالصفحة التالية

 

السمات الخاصة

البيئة الجبلية وتعرض سكانها لنقص الأغذية

يعيش 13 في المائة من بين قرابة 5 مليارات نسمة في العالم النامي ورابطة الدول المستقلة في مناطق جبلية، ومعظم هذه المناطق يعاني العزلة والبيئة الهشة. وأدى التكدس إلى زيادة الضغط على الموارد، الأمر الذي أدى إلى الهجرة إلى المدن والأراضي المنخفضة، وتآكل نظم الحياة المعيشية التقليدية وزيادة انعدام الأمن الغذائي بين من بقى من السكان.

وقد استعانت الدراسة متعددة التخصصات التي قامت بها المنظمة إسهاما منها في الاحتفال بالسنة الدولية للجبال، ببيانات ظهرت حديثا لها مراجعها الجغرافية وخرائطها، لإنتاج معلومات تفصيلية عن أعداد ومواقع سكان المناطق الجبلية وحياتهم المعيشية ومدى تعرضهم لنقص الأغذية.

 

خصائص البيئات الجبلية

حدد المركز العالمي لرصد حفظ البيئة ستة أنواع من الجبال، تغطى جميعها نحو 22 في المائة من سطح الأرض. فالمناطق التي يبلغ ارتفاعها 2500 متر أو أكثر تصنف على أنها جبال. أما المناطق التي تتراوح ارتفاعاتها ما بين 305 و2500 متر فتسمى جبلية إذا كان بها منحدرات سحيقة أو توجد بها سلسلة عريضة من الارتفاعات في منطقهَ صغيرة (نطاق الارتفاع المحلي) أو كلاهما. وهناك الكثير من الوديان المرتفعة والهضاب التي تقل ارتفاعاتها عن 2500 متر ولا يوحد بها منحدرات أو نطاق ارتفاع محلي، ومع ذلك لا تصنف على أنها جبال.

ونظرا لأن درجات الحرارة تنخفض كلما زاد الارتفاع، فإن المناطق الجبلية توجد بها مجموعة من التنوع المناخي والنباتات الخضراء. كما تختلف النظم الايكولوجية الجبلية حسب طبيعة السلسلة الجبلية، ودرجة التعرض للشمس والرياح والارتفاعات التي توجد بها الأقاليم المعتدلة وشبه الاستوائية أو الاستوائية.

وعلى الرغم من ثراء تنوعها البيولوجي، فإن النظم الايكولوجية الجبلية عادة ما تكون هشة. ففي الارتفاعات العالية يتعرض كثير من المناطق الجبلية لرياح قوية وأمطار شديدة، في حين لا تتعرض مناطق أخرى لأي أمطار فعلية. وتشمل المخاطر الأخرى التعرض لأشعة الشمس القوية والكوارث الطبيعية مثل الانهيارات الجليدية والانهيارات الصخرية والهزات الأرضية والطوفان المحلي. وتساهم البرودة في كثير من المناطق الجبلية في بطء تكوين التربة ونمو النباتات الخضراء، أما المنحدرات فتساعد على تعرية التربة. والمعروف أن التربة الهزيلة هي من خصائص البيئات الجبلية.

 

أين يعيش سكان المناطق الجبلية

تفيد تقديرات المنظمة أن العدد الإجمالي لسكان المناطق الجبلية في العالم يبلغ 718 مليون نسمة في عام 2000. ويعيش منهم 625 مليون نسمة في البلدان النامية ورابطة الدول المستقلة. ويوجد 60 في المائة من مجموع المناطق الجبلية في هذه البلدان على ارتفاعات تقل عن 1500 متر، ويعيش فيها 70 في المائة من سكان المناطق الجبلية. وعلى النقيض من ذلك يوجد 15 في المائة فقط من المناطق الجبلية على ارتفاعات تزيد عن 3500 متر، ويعيش في هذه المناطق 2.5 في المائة فقط من السكان.

وعلى الرغم من أهمية التحضر والنمو اللذين تتمتع بهما المدن الجبلية في بعض الأقاليم، فان أكثر من ثلاثة أرباع سكان المناطق الجبلية في البلدان النامية وبلدان رابطة الدول المستقلة لا يزالون سكانا ريفيين. وحسبما درج عليه التقليد تقوم حياتهم على الزراعة والحراجة والرعي وصيد الأسماك وجمع النباتات البرية والصيد. أما السلع التي تناسب التنمية التجارية في النظم الايكولوجية الجبلية فتشمل الحبوب المحلية والمحاصيل الشجرية مثل الشاي والتفاح والأعشاب الطبية وغيرها من المنتجات الحرجية والأسماك النهرية.

وتفيد تقديرات المنظمة أن نحو 40 في المائة من المناطق الجبلية في البلدان النامية وبلدان رابطة الدول المستقلة تنتج أقل من 100 كيلوغرام من الحبوب للفرد سنويا. وهناك 30 في المائة من المناطق الجبلية عبارة عن غابات مغلقة أو محميات طبيعية. ومن الصععب على السكان الريفيين الذين يعيشون في هذه الأماكن أن يحصلوا من الزراعة على مقومات حياتهم المعيشية. وقد استخدمت المنظمة تقديرات أعدادهم، إلى حانب معلومات نوعية أخرى، للوصول إلى تقدير مبدئي لعدد سكان الجبال الذين يتعرضون لانعدام الأمن الغذائي.

 

 

 

تعرض سكان المناطق الجبلية لنقص الأغذية

استنادا إلى المعلومات المتوافرة حاليا، تفيد تقديرات المنظمة بأن أكثر من نصف سكان المناطق الجبلية (أي ما يتراوح بين 250 و 370 مليون نسمة) في البلدان النامية وبلدان رابطة الدول المستقلة يتعرضون لانعدام الأمن الغذائي. (يجب عدم الخلط بين التعرض لنقص الأغذية وتقديرات منظمة الأغذية والزراعة لناقصي الأغذية. فحوالي نصف من يوصفون بأنهم معرضون لنقص الأغذية يكونون في واقع الأمر ناقصي الأغذية).

بيد أنه وكما ذكر سلفا، فإن البيئات الجبلية تختلف اختلافا كبيرا حسب ارتفاعها ونطاقها وصعوبة السلاسل الجبلية. وهذه الاختلافات تؤثر على فرص الحياة المعيشية ومصادر التعرض بالنسبة لسكان المناطق الجبلية. وهناك عوامل كثيرة أخرى تلعب دورا مهما أيضا، بما في ذلك نقص البنية الأساسية، وصعوبة الوصول إلى الخدمات والأسواق في كثير من المناطق الجبلية، ودرجة اندماجها في المجتمعات القطرية وارتباطها بالاقتصاد القطري والأداء الاقتصادي بوجه عام.

وغالبا ما تكون التقاليد الثقافية في الأقاليم الجبلية قوية أو مرنة. غير أن نقص التنوع المحصولي والوصول المحدود إلى المعلومات والمعرفة بالتغذية الجيدة، وأساليب الرعاية الصحية هي عوامل تعرض سكان المناطق الجبلية لمعدلات عالية من سوء التغذية والأمراض. وقد تؤدي المواقف التقليدية والمعتقدات إلى إتباع السكان لأساليب في استخدام الأراضي لم تعد مناسبة للأحوال الجديدة في البيئات الجبلية.

وفي كثير من الأماكن لم تعد الاستراتيجيات المعيشية التقليدية قابلة للاستدامة بسبب زيادة الضغط الديمغرافي، والزيادة في معدل إزالة الغابات، والتعرية، وعدم جودة التربة. ولما كان الأمر كذلك أصبحت المنازعات من أجل السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي المحدودة وموارد المياه والغابات أمرا متكرر الحدوث.

وتتوافر بالمدن الجبلية الفرص الاقتصادية، ولكنها تأتي معها بالتلوث والحاجة المتزايدة إلى الأموال النقدية، وضعف المؤسسات المحلية الموجودة بالأراضي المرتفعة.

 

 

الموارد و الفرص المتاحة أمام سكان المناطق الجبلية المعرضين لنقص الأغذية

المياه- تعتبر المياه من الموارد الطبيعية المهمة الموجودة في المناطق المرتفعة. والينابيع الجبلية، وذوبان الجليد هما المصدران الرئيسيان للمياه. ويعتبر إدراك قيمة هذا المورد أمرا مهما بالنسبة لسكان المناطق الجبلية، حيث يأتي الجانب الأكبر من الطلب ممن يعيشون في الأراضي المنخفضة المحيطة. ومن الأمور الشائعة استخدام المياه الجبلية في توليد الكهرباء، وري المحاصيل، وبيع هذه المياه معبأة في زجاجات، وغير ذلك من الاستخدامات الصناعية. يبد أنه كثيرا ما تحدث منازعات بشأن حقوق الحصول على المياه بين المستخدمين للمياه في المناطق المنخفضة وسكان المناطق الجبلية الذين يعيشون عند مصدر المياه. ولا توجد سياسات عامة كافية لحسم هذه القضية.

الزراعة- على الرغم من وفرة المياه الجبلية، فإن الأراضي الجبلية الموجودة في مواقع مرتفعة يمكن أن تكون قاحلة إذا لم تتوافر لها الأمطار. وفي كثير من المناطق تمكن مزارعو الجبال من تطوير إدارة متقدمة جدا للمياه وتقنيات ري صغيرة. وحيثما أمكن المحافظة على جودة التربة وإحيائها اقتصاديا، تصبح الزراعة الجبلية إحدى الخيارات الجيدة. كما أن تربية الأحياء المائية في المناطق الجبلية تتيح الفرص أيضا أمام تنويع الدخل، وتساهم في توفير المنتجات البروتينية ذات الجودة العالية لنظم الأغذية في المناطق الجبلية.

المحافظة على البيئة والسياحة- يتيح الجمال الطبيعي والتنوع البيولوجي في كثير من البيئات الجبلية فرصا أمام تنمية السياحة الايكولوجية والعرقية، كما يتيح فرص العمل أمام القائمين على المناطق المحمية. ويتطلب الأمر إتاحة الاستثمارات الرأسمالية في مجال البنية الأساسية والقيام ببرامج تدريب لدعم صناعة السياحة.

 الحراجة ومناطق الرعي- هناك إمكانات كبيرة أمام التنمية الحرجية في كثير من المناطق الجبلية. إلا أن الذي يعوق استغلال هذه الإمكانات هو حاجة سكان المناطق الجبلية الماسة لاستخدام الأشجار كمصدر للدخل النقدي (حيث تباع كخشب للوقود أو للصناعات الخشبية، أو كعلف حيواني). ويعتبر إدخال أساليب الإدارة الحرجية، التي تتيح للسكان الحصول على تدفقات نقدية دون قطع الأشجار بمعدلات لا تحافظ على استدامتها، أحد متطلبات تحقيق النجاح.

الصناعات الجبلية- يتنامى إنشاء المراكز الحضرية بصورة طبيعية في المناطق الجبلية، وهو أمر يمكن تشجيع حدوثه في مناطق أخرى. ويؤدي ظهور هذه المراكز الحضرية إلى وجود فرص عمل متنوعة أمام سكان المناطق الجبلية ويمكن أن يساعد على وجود توازن بين سكان المناطق الجبلية وقدرة قاعدة الموارد الطبيعية على حملهم وإعاشتهم. ويمكن للاستثمارات في تنمية الصناعات، التي تضيف قيمة إلى الموارد المحلية وتخفض من حجم الكتل المعدة للشحن إلى الأسواق في المناطق غير الجبلية، أن تساهم في تطوير عمليات تحول المناطق الجبلية إلى مراكز حضرية.

 

مدى تعرض نظم المعيشة واستدامتها في المناطق الجبلية

ركزت الدراسة التي قامت بها المنظمة على 18 من السلاسل الجبلية يعيش فيها 90 في المائة من سكان المناطق الجبلية في البلدان النامية وبلدان رابطة الدول المستقلة.

ويتناول التحليل عددا من العوامل التي تحدد مدى قابلية الحياة المعيشية الجبلية للاستدامة والتعرض لنقص الأغذية. وهذه العوامل تشمل الارتفاع، والكثافة السكانية، ودرجة التحضر، وأنماط استغلال الأراضي، والإنتاجية الزراعية والتقاليد الثقافية.

وتوضح الخرائط الواردة في هذا التقرير المناطق الجبلية حسب نوع الجبال والكثافة السكانية وأنماط الغطاء الأرضي ونصيب الفرد من إنتاج الحبوب البعلية. أما النص فيوضح مصادر التعرض في كل سلسلة من السلاسل الجبلية الرئيسية ويبرز الجهود التي يمكن أن تساعد في التخفيف من وطأة هذا التعرض.

 

أمريكا الاتينية: سييرا مادرى والأنديز

يعتبرسكان المناطق الجبلية في أمريكا اللاتينية والكاريبي، البالغ عددهم 112 مليون نسمة، من أكثر الجماعات تحضرا وأقلها تعرضا لنقص الأغذية بوجه عام في العالم النامي. ويفتح قرب المدن الجبلية التي تتميز بالدينامية الاقتصادية المجال أمام المزيد من فرص توليد الدخل لمعظم سكان المناطق الجبلية في الإقليم. إلا أن الجماعات الصغيرة من السكان التي تعيش على ارتفاعات عالية في الأنديز لا تزال تعاني العزلة والتعرض الشديد لنقص الأغذية. كما يتعرض أيضا لنقص الأغذية سكان المناطق الجبلية الريفية في أمريكا الوسطى والمكسيك. وهناك توزع الأراضي الزراعية بطرق غير عادلة بالمرة، حيث يحظر على أعداد كبيرة من المزارعين تملك أقل مساحة من الأراضي ويضطرون للعمل كعمال زراعيين من أجل البقاء.

وفي الأنديز الشمالية، يعيش ثلثا سكان المناطق الجبلية في مدن كبيرة أو بالقرب منها. ويمارس معظم السكان الريفيين في المناطق الجبلية الزراعة الكثيفة التجارية على ارتفاعات متوسطة. وفي المنحدرات المنخفضة والوديان، يمارس كثير من المزارعين زراعة البن والمحاصيل البستانية لبيعها محليا وتصديرها. وفي الوديان العالية تنتشر زراعة الذرة ومحاصيل المناطق المعتدلة وتربية الخنازير. وتعتبر قابلية السكان للتعرض لانعدام الأمن الغذائي منخفضة نسبيا.

وينتشر التحضر بصورة كبيرة في أعالي الأنديز. إذ يعيش نحو نصف سكان المناطق الجبلية في المدن أو بالقرب منها أو على المنحدرات التي توجد على ارتفاعات منخفضة، حيث يتيسر وصولهم إلى الوظائف والأسواق مما يجعل تعرضهم لنقص الأغذية منخفضا نسبيا. أما النصف الثاني من السكان فيضم الأسر الزراعية المحلية الفقيرة للغاية التي تزرع الحبوب (الكينوا) والبطاطس وتربي الخراف واللامة في الوديان المنحدرة والأراضي الشاسعة التي تخلو من الأشجار وتوجد على ارتفاع 3500 متر. وقد أدت العزلة وضغط السكان وتآكل التربة إلى الإضرار بنظم حياتهم المعيشية التقليدية ضررا بالغا، وتزيد درجة تعرضهم لنقص الأغذية إلى حد كبير. وتوجد أسواق متخصصة لأصواف اللامة والألبكة، والسلع المنسوجة والكينوا ونوعيات مختارة من البطاطس. إلا أن هؤلاء السكان يفتقرون إلى المعلومات والمهارات التي يحتاجون إليها للمشاركة الفعالة.

وفي جبال سييرا مادرى في أمريكا الوسطى والمكسيك يعيش 40 في المائة من السكان في مناطق حضرية، حيث يشير أحدث المسوح إلى أن تعرضهم لنقص الأغذية منخفض إلى حد كبير. إلا أن معظم سكان المناطق الجبلية لا يحالفهم نفس هذه الدرجة من الحظ. إذ يعيش المزارعون هناك على زراعة الذرة والفاصوليا ويهاجرون في المواسم للعمل كأجراء في مزارع البن والسكر الكبيرة. ومع ذلك، فالدخل الذي يحصلون عليه قليل، كما أن الطلب على الأيدي العاملة المهاجرة في تناقص. وحتى يتسنى التعايش مع هذه الأوضاع، تقوم أسر كثيرة بإرسال أفرادها إلى المدن والبلدان المجاورة من أجل الحصول على الوظائف وإرسال التحويلات إلى ذويهم. وتهاجر أسر بأكملها إلى مناطق جديدة لإزالة الغابات والحصول على الأراضي. وبوجه عام، فإن نسبة التعرض لنقص الأغذية في هذا الإقليم الفرعي عالية للغاية.

ويواجه سكان المناطق الجبلية في أمريكا اللاتينية عددا من التحديات الرئيسية بما في ذلك تعذر الحصول على الأراضي واستغلال الأراضي بطرق غير قابلة للاستدامة، واندماج السكان المحليين بشكل هزيل في المجتمعات والاقتصادات القطرية، ونقص المهارات الفنية.

وقد تم إدخال نظم إصلاح الأراضي في بعض البلدان، ولن يكون لهذه النظم تأثير دائم على الفقر والجوع إلا إذا صاحبتها جهود أفضل في مجال الإرشاد الزراعي وخدمات التسويق من أجل صغار المزارعين في المناطق الجبلية. ومن الضروري أيضا التسليم بقدرة الثقافات المحلية على المساهمة في التنمية الجبلية المستدامة بل وتقديم الدعم لهذه القدرات. كما أن المهاجرين الجدد إلى المدن الجبلية يحتاجون إلى تقديم الدعم لهم.

 

 

أفريقيا الشرقية والجنوبية: الوادي المتصدع

يعيش أكثر من 95 في المائة من سكان المناطق الجبلية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والبالغ عددهم 88 مليون نسمة، في السلاسل الجبلية في الوادي المتصدع الأفريقي على ارتفاعات نادرا ما تتجاوز 2500 متر. وعلى الرغم من أن هذه السلاسل الجبلية تضم بعضا من أكثر المناطق الجبلية المأهولة بالسكان في العالم، فإن أقل من 15 في المائة من السكان يعيشون في المدن وتعتبر درجة تعرضهم لنقص الأغذية عالية إلى حد كبير.

ويعيش نحو نصف سكان المناطق الجبلية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على المرتفعات الأثيوبية كثيفة السكان. وفي هذه المنطقة التي كثيرا ما تتعرض للجفاف، تصبح نظم الزراعة التقليدية القائمة على زراعة الحبوب المحلية والبطاطس وتربية الخراف والماعز غير قادرة على إعاشة الأعداد الحالية أو المتوقعة من السكان. وترتفع نسبة تعرض السكان لانعدام الأمن الغذائي إلى درجة كبيرة. أما البقاء على المدى الطويل، فيعتمد على جهود المجتمع المحلى ألا وهي تدعيم الأنشطة غير الزراعية، والبنية الأساسية المحلية، ومرافق المجتمع المحلى.

وتبلغ الكنَافة السكانية ذروتها في جبال بوروندي ورواندا والجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتنتشر عمليات إزالة الغابات وتآكل التربة. وأحيانا ما تأخذ المنازعات بين المزارعين المستوطنين والرعاة صدورا عنيفة. أما نسبة التعرض لنقص الأغذية فهي مرتفعة للغاية، إلا أن ثلث السكان تقريبا يعيشون في مناطق حضرية تتيح لهم بعض الخيارات المعيشية. ويمكن أن يؤدي إتباع أساليب الإدارة المستدامة للأراضي الزراعية، والمراعى المفتوحة، واستصلاح أراضى المستنقعات إلى تحقيق مكاسب ملموسة في مجال الأمن الغذائي إذا ما صاحبت ذلك جهود قوية بهدف تحسين البنية الأساسية وخدمات الإرشاد.

ومن كينيا إلى زمبابوي، يشترك سكان المناطق الجبلية وغير الجبلية في نطاق زراعي واحد. إذ يقوم الجميع بزراعة الذرة والتبغ والقطن والبذور الزيتية لبيعها لقاء مقابل نقدي. إلا أن الإنتاجية تدهورت منذ أن أوقفت الإصلاحات الهيكلية الدعم الذي كان يقدم في صورة أسمدة. وقد أصيب النظام الزراعي بعدم الاستقرار بسبب موجات الجفاف والأمراض الحيوانية وندرة الأغذية وانتشار فيروس نقص المناعة البشرية/الايدز. وعلى الرغم من أن نسبة التعرض لنقص الأغذية عالية للغاية في الوقت الحاضر، فإن احتمالات التنمية المستدامة جيدة، إذا ما أتيحت الاستثمارات من أجل تحسين إدارة التربة وموارد المياه وتقديم خدمات الإرشاد القائمة على المشاركة إلى جانب تقديم الخدمات الريفية.

 

 

 

 

الشرق الأدنى وشمال أفريقيا: جبال أطلس وزاغروس والقوقاز

يعتبر سكان المناطق الجبلية في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا أقل أعداد سكان الجبال في العالم النامي. ويعيش أكثر من نصف سكان المناطق الجبلية البالغ عددهم 60 مليون نسمة في المدن. ولكن الزراعة والرعي اللذين يمارسهما سكان المناطق الجبلية الريفيون من المغرب إلى إيران تعرضا لجهد متزايد، لذلك فإن درجة تعرض هؤلاء السكان لانعدام الأمن الغذائي عالية إلى حد كبير.

ويقوم معظم سكان المناطق الجبلية الريفيين في الإقليم بزراعة الحبوب والمحاصيل العلفية كل خريف. وتظل هذه المحاصيل، وهي القمح والشعير والبقوليات التي تعتمد على مياه الأمطار، ساكنة طوال شهور الشتاء البارد، قبل أن تستكمل نموها في الربيع. وتزرع المحاصيل الشجرية والفاكهة والزيتون والكروم على الممرات. وتعتبر تربية الأغنام والمعز من الأنشطة المنتشرة في الإقليم، وعادة ما ترعى هذه القطعان في الأراضي التي يديرها المجتمع المحلي.

وتدهور البيئة أمر منتشر، وهو يحدث بسبب الصيانة الهزيلة للممرات وبسبب الإفراط في الرعي. وقد أدى انخفاض الإنتاجية الناشئ عن ذلك، إلى جانب طول المسافات إلى الأسواق، وزيادة المنافسة من السلع الغذائية المدعمة وتزايد حدوث الجفاف إلى زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي. وتهجر أعداد كبيرة من الرجال المناطق الجبلية بحثا عن فرص العمل، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحول عدد كبير من الأسر عن ممارسة الزراعة.

أما بالنسبة للأسر الباقية، فهناك عدد من التدابير يمكن أن تأتي بمكاسب مهمة في مجال الاستدامة والأمن الغذائي. فهناك حاجة إلى تخطيط جيد لمستجمعات المياه وإدارتها لحماية المستويات الحالية من الإنتاجية ومستخدمي المياه الريفيين والحضريين في المناطق المنخفضة. ومن شأن إدخال نظام الحرث السليم والتكامل الجيد بين المحاصيل إنتاج الثروة الحيوانية أن يؤديا إلى زيادة الإنتاجية والقابلية للاستدامة. كما تؤدى التشريعات الأكثر إنصافا والتحكم في مصادر الرعي العمومية (غالبا ما تصنف رسميا على أنها غابات مملوكة للدولة) إلى الحد من كل من الأضرار البيئية وانعدام الأمن الغذائي. كما يتطلب الأمر اتخاذ الإجراءات لتسهيل عمليات توحيد الأراضي وإقامة روابط قوية بين الاقتصادات الزراعية والاقتصادات غير الزراعية وتنشيط الأيدي العاملة المثلية غير ا لزراعية.

 

 

جنوب ووسط آسيا: جبال هندوكوش وباميرز والهيمالايا وهضبة التبت وجبال كونلون

تسيطر الجبال على الطبيعة في أفغانستان وباكستان وشمال الهند ونيبال وبوتان وشمال غرب الصين وجمهوريات آسيا الوسطى. وعلى الرغم من أنه يوجد في هذا الإقليم أعلى الجبال في العالم وأكثر البلدان ازدحاما بالسكان، فإن عدد سكان المناطق الجبلية في جنوب ووسط آسيا لا يزيد كثيرا عن سكان الوادي المتصدع في شرق أفريقيا. ويعيش نحو 90 في المائة من سكان المناطق الجبلية في سلاسل الجبال العالية في الشمال. وتعيش الغالبية العظمى من الريفيين على ارتفاعات تقل عن 3500 متر، حيث يمارسون الجمع بين زراعة المحاصيل والرعي. أما قابليتهم للتعرض لنقص الأغذية فهي عالية إلى حد كبير، ويزيد منها كما هو الحال في أماكن أخرى، تزايد الضغط السكاني والتدهور البيئي.

وتشكل إزالة الغابات تهديدا كبيرا في هذا الإقليم. فكلما زاد عدد السكان زادت إزالة ما تبقى من الغابات بمعدل سريع للحصول على أراض زراعية جديدة. وهذا يؤدي إلى تعرية التربة ونضوب رطوبتها، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية مما يضطر النساء إلى السير لمسافات طويلة للحصول على خشب الوقود والمياه.

وبالنسبة للثافات التقليدية فهي عميقة ا جذور وغالبا ما تملي أساليب محلية لاستخدام الأراضي وموارد المياه والغابات. إلا أنه مع هجرة أعداد كبيرة من الرجال بدأ يضعف الترابط الاجتماعي، مما يجعل من الصعب حسم المنازعات بشأن حيازة الأراضي واستخدام الموارد العامة. وزادت أهمية دور المرأة في العمل الزراعي والريادة الاجتماعية. ويعتبر تحسين وصولها إلى التدريب والموارد ضروريا للتغلب على هذه المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

وعلى الرغم من أن المناطق ذات الارتفاعات العالية تعاني التعرية الشديدة، فان الكثافة السكانية بها أقل ويوجد أمام سكانها المزيد من فرص الحياة المعيشية. وتمارس أسر ريفية كثيرة الرعي على المنحدرات العالية، أما زيادة دخولها الزراعية فتأتى عن طريق العمل في التجارة عبر الحدود والسياحة وتسلق الجبال. ومع ذلك يعتبر تعرض سكان هذه المناطق لنقص الأغذية عاليا إلى حد كبير.

ويسيطر النظام الرعوي على المناطق الجبلية في وسط آسيا وكذلك في الأراضي المسطحة العالية غير الجبلية. وترعى الأغنام والماشية في المراعى المفتوحة في المناطق الجبلية العالية أو المناطق الجافة المجاورة، في الوقت الذي تزرع فيه الحبوب ومحاصيل الأعلاف والبطاطس من أجل الإعاشة في الوديان الجبلية. وتعتبر اللحوم وإنتاج الصوف المصادر الرئيسية للدخل من هذا النشاط. إلا أن كثرة أعداد الماشية وأساليب الرعي الهزيلة أدت إلى تعرية المراعى المفتوحة وتدهورها بشكل خطير، وانخفض إنتاج الصوف انخفاضا حادا وزادت درجة تعرض السكان لانعدام الأمن الغذائي زيادة كبيرة في الوقت الحاضر. ويعتبر إحياء أراضي الرعي وإدارتها بطريقة قابلة للاستدامة أمرا ضروريا من أجل تحسين الأحوال المعيشية.

 

 

شرق و جنوب شرق آسيا: جبال ننغلنغ شان وترونغ صن

رغم أن جبال شرق وجنوب شرق آسيا ليست في طول أو في شهرة جبال الهيمالايا وهندوكوش، فهي أكثر اتساعا وأكثر ازدحاما بالسكان. ويعيش قرابة نصف سكان المناطق الجبلية في البلدان النامية وبلدان رابطة الدول المستقلة في جبال جنوب الصين وشبه جزيرة الهند الصينية والجزر الكبرى في المحيط الهادي. وأغلب هذه المناطق الجبلية كثيفة السكان ويغلب عليها الطابع الريفي، حيث تعيش أعداد قليلة من السكان في المدن. ونتيجة لذلك، فإن حيازات الأراضي صغيرة ونصيب الفرد من إنتاج المحاصيل فيها قليل، حيث يزيد نزوح المزارعين إلى أراضى المنحدرات الهامشية من أجل البقاء. أما أعداد السكان الذين يعيشون في الغابات والمناطق المحمية فهي كبيرة نسبيا. ويتعرض هؤلاء السكان لانعدام الأمن الغذائي بدرجة عالية للغاية حيث يصل عددهم ما بين 170 و 220 مليون نسمة.

وهناك تباين كبير في كثافة الإنتاج الزراعي والمحصولي. ففي جنوب الصين تمكن المزارعون من تطوير تقنيات متقدمة في إنشاء المصاطب وإدارة المياه، كما يقومون بالاستخدام الفعال للمخلفات المحصولية والحيوانية للحفاظ على جودة التربة. أما فيما عدا ذلك، فإن تكنولوجيات الإنتاج المكثف أقل تطورا، والإنتاجية أقل، ويتعرض سكان المناطق الجبلية الريفيون لنقص الأغذية على نطاق واسع.

وهناك نظامان متميزان للإنتاج الزراعي في جميع أرجاء الإقليم. ففي الارتفاعات المتوسطة والمنحدرات السهلة، يقوم المزارعون بزراعة مجموعة كبيرة من المحاصيل. ويعتبر الأرز الغذاء الأساسي للسكان في الجنوب، والقمح الغذاء الأساسي للسكان في الشمال. أما الحيوانات الزراعية، فتستخدم في الجر وفي إنتاج اللحوم وكثروة حيوانية. أما الخنازير والدواجن فهي مصدر مهم للدخل النقدي. ويمكن أن يحقق هذا النظام إنتاجية عالية، كما يتبين من نشاط مزارعي المناطق الجبلية في جنوب الصين، حيث تستفيد زراعاتهم الكثيفة من الروابط الجيدة بالأسواق التي يشترون منها مدخلاتهم ويبيعون فيها إنتاجهم. وفي أماكن أخرى توجد الزراعة شبه المعيشية التي تعتبر المبيعات المحدودة إحدى سماتها. ويمكن أن تكون هذه المناطق عالية الإنتاجية أيضا إذا ما حصلت على استثمارات في مجال البنية الأساسية وخدمات الإرشاد القائمة على المشاركة.

وفي المنحدرات العالية في المناطق الاستوائية تقوم الجماعات القبلية بزراعة مساحات شاسعة من الأراضي، باستخدام نظم الزراعة الدائمة والزراعة المتنقلة. وكالمعتاد يقومون بأنشطة تكميلية إضافة إلى زراعة المحاصيل، وهذه الأنشطة هي رعى الأبقار والجاموس في الغابات وجمع المنتجات الحرجية الأخرى للاستخدام المنزلي. غير أن هناك أمورا تعيق التقدم في هذه المناطق التي ينتشر فيها الفقر وينعدم الأمن الغذائي، مثل انعدام جودة التربة، وانخفاض مستوى المدخلات، والعزلة عن الأسواق. وتعتبر الإدارة المحسنة للغابات أفضل الاحتمالات أمام تحسين الأحوال المعيشية.

 

 

الصفحة السابقةاعلى هذه الصفحةالصفحة التالية