الصفحة السابقةبيان المحتوياتالصفحة المقبلة

الفصل الثاني

الزراعة، والتجارة والأمن الغذائي:

نظرة عامة على القضايا المطروحة

 

تحدث أمام الندوة قي هذا الموضوع ممثلة منظمة التجارة العالمية، وأمين عام الأونكتاد. كذلك، ألقى بروفيسورKirit S. Parikh ، مدير معهد إنديرا غاندي لبحوث التنمية، بالهند، كلمة رئيسية تناول فيها هذه القضايا.

 

بيان السيدة (Gretchen Stanton) (3) (ممثلة منظمة التجارة العالمية)

 

يمثل الأمن الغذائي احد الاهتمامات الخاصة للبلدان النامية، كما أنه يمثل إحدى المشاكل اليومية بالنسبة لشرائح من السكان. وينطوي تعزيز الأمن الغذائي على ستة تحديات على الأقل تتعلق بالسياسات. فنحن في حاجة الى : (1) سلام، (2) وتعزيز القوة الشرائية للفقراء، (3) وتحقيق مزيد من الكفاءة في إنتاج الأغذية وتوزيعها، (4) وتحقيق درجة كافية من النمو والاستقرار في الإمدادات الغذائية، (5) وزيادة القدرة على الحصول على الأغذية وتوفير مزيد من الضمانات لذلك، (6) وتوافر المعونة الغذائية بكميات كافية، وخصوصا" في حالات الطوارئ. وسوف أركز على جانب من أكثر الجوانب تعقيدا" في هذه القضية، ألا وهو العلاقة بين الأمن الغذائي والتجارة. ويمثل التقدم في مناقشة جدول أعمال التجارة في المفاوضات المقبلة لمنظمة التجارة العالمية جانبا" من الحل، لأنه يمكن أن يسهم في تحقيق تقدم على جميع الجبهات الستة.

 

واذا نحن اشبعدنا جانبآ الحروب والنزاعات المدنية، لوجدنا ان الفقر هو السبب الرئيسي لانعدام الأمن الغذائي. وهنا، يمكن أن يتغير الموقف بزيادة تحرير التجارة. فهناك الكثير من القرائن التجريبية على أن النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل نتيجة للانتعاش التجاري يمكن ان يعززا كثيرا من قدرة الناس على شراء الأغذية. كذلك فإن التوسع في تحرير التجارة يمكن أن يكون سلاحآ قويا في مكافحة الفقر. وفي هذا الصدد، فإن التخفيف من الحواجز التجارية المفرطة في الداخل لا يقل في أهميته عن تحسين القدرة على النفاذ إلى الأسواق في الخارج.

 

 وبطبيعة الحال، فإن تكلفة الغذاء تعد من العناصر المهمة وتعتمد اعتمادا" كبيرا" على كفاءة انتاج الأغذية وتوزيعها. وفي هذا الصدد، فإن زيادة التخفيف من الحواجز التجارية ومن أشكال الدعم التي تؤدي إلى تشويه التجارة في سياق مفاوضات منظمة التجارة العالمية يمكن ان يساعدا على زيادة إنتاج الأغذية في البلدان والأقاليم التي يمكن إنتاج الأغذية فيها بأقل التكاليف، بما في ذلك كثير من البلدان النامية التي تتأثر التنمية الزراعية فيها في الوقت الحافر بممارسات الدعم في الخارج. وسوف يؤدي انخفاض أسعار الأغذية إلى جعلها في متناول الناس، ولا سيما الفقراء.

 

وزيادة كفاءة استغلال الموارد العالمية المتاحة لإنتاج الأغذية يعزز، بطبيعة الحال، من القدرة على توفير الغذاء لسكان العالم الذين لا يكف عددهم عن التزايد. ومن منظور الأمن الغذائي، لا تنحصر القضية فقط في ما إذا كانت الإمدادات الغذائية العالمية ستواكب الطلب المتزايد على الغذاء، لأن استقرار الإمدادات والقدرة على الحصول عليها لا يقلان أيضا" عن ذلك في الأهمية.

 

وحتى في أفضل الظروف، فسوق تظل المعونة الغذائية مهمة، وخصوصا" في حالات الطوارئ، سواء كانت من جراء الكوارث الطبيعية أو الحروب. ومع ذلك، فإن أحد التحديات في هذا المجال هو التقليل الى أقصى حد ممكن من الآثار السيئة للمعونة الغذائية على التنمية الزراعية في البلدان أو المناطق المعنية. ولذلك، فقد كان من المناسب، في اتفاقية الزراعة، أن تكون المعونة الغذائية مستثناة من التزامات خفض الدعم على الصادرات، وإن كانت تخضع لشروط أخرى معينة، منها اشتراط أن تكون معاملات المعونة الغذائية طبقا" للمبادئ التي حددتها منظمة الأغذية والزراعة فيما يتعلق بتصريف الفوائض وطبقا" لالتزامات التشاور.

 

كذلك تتضمن اتفاقية الزراعة أحكاما" تتصل ببرامج الأمن الغذائي على المستوى المحلي، وخصومآ تغطية "الصندوق الأخضر" للمعونة الغذائية المحلية واحتفاظ القطاع العام بمخزونات لأغراض الأمن الغذائي. وتشمل الأحكام المتصلة بذلك المعاملة الخاصة والتفضيلية للبلدان النامية. وهكذا، تستطيع البلدان الأعضاء في منظمة التجارة العالمية إدارة هذه البرامج كما يتراءى لها، بشرط تطبيق المعايير المتصلة بذلك.

 

ويمكن للأمن الغذائي، على المستويين الدولي والقطري على السواء، أن يستفيد من زيادة تعزيز النظام التجاري متعدد الأطراف، بما في ذلك ريادة تحرير التجارة. ولقد أوضحت الأزمات المالية التي حدثت اخيرا" في آسيا وغيرها من المناطق أهمية وجود نظام تجاري قوي يدفع الاقتصاد العالمي إلى الأمام، بما في ذلك مساعدة البلدان التي انزلقت في هوة الكساد على الانتعاش. ولسنا بحاجة إلى خيال واسع لكي ندرك ما كان يمكن أن يحدث للتنمية الاقتصادية على المستوى العالمي بصفة عامة، والأمن الغذائي بصفة خاصة، لو أن هذه الأزمات المالية قد حركت موجة من تدابير الحماية في التجارة، كما سبق أن حدث ذات مرة في الماضي.

 

وسوف تعتمد مساهمة المفاوضات التي ستجري في نطاق منظمة التجارة العالمية في المستقبل، من حيث تعزيز الأمن الغذائي، على ما يمكن أن تسفر عنه فيما يتعلق بتعزيز النمو الاقتصاري وخلق فرص العملى، وخصوصا" في البلدان النامية. وسوف يعتمد ذلك بدوره على نطاق المفاوضات وعمق نتائجها. فتحرير التجارة والأمن الغذائي لا يتعارضان بطبيعة الحال. والعكس هو الصحيح. وهذا لا يعني بالضرورة أن النظام التجاري كما هو قائم اليوم يعد كاملا" في كافة جوانبه فيما يتعلق بالأمن الغذائي، ولكن المفاوضات التجارية توفر فرصة للتصدي لجوانب القصور.

 

ملاحظات السيد Rubens Ricupero (أمين عام الأونكتاد)

 

سوف أركز في حديثي على القضايا المتعلقة بتحرير تجارة المنتجات الزراعية. فالزراعة هي الاختبار الأهم لمصداقية النظام التجاري القائم على القواعد، وهو النظام الذي كان وراء الاعتقاد بأن التجارة الحرة تسهم في التخصيص الكفء للموارد. وإذا نحن قبلنا بهذا الاعتقاد، لن نجد ما يبرر بقاء الزراعة بعيدا" عن الضوابط التي يتضمنها النظم والقواعد التي تحكمه، كما كانت منذ عهد طويل. وكثيرآ ما نسمع شكاوى عن فترات الانتقال الطويلة التي تحتاجها البلدان النامية لتوفيق أوضاعها، علي سبيل المثال ، مع القواعد الجديدة الخاصة بحقوق الملكية الفكرية. ولكن الناس ينسون أن الزراعة في العالم ككل، وفي البلدان الصناعية بصفة خاصة، تمر بفترة انتقال منذ نصف قرن. واذا نحن لم نقبل بضرورة إخضاع الزراعة للنظام القائم على القواعد، فلن نكون جادين في محاولة فرض هذا النظام على الصناعة أو على الخدمات، أو على المجالات الأخرى. فليست هناك حجج فكرية أو نظرية تبرر استثناء الزراعة من النظم والقواعد.

 

وعندما كنت سفيرا" للبرازيل في واشنطن، وفي أول لقاء لي مع السيدة Carla Hills ، ممثلة الولايات المتحدة في مجال التجارة، في 1991، ألقت علي محاضرة عن أوجه القصور التي تعاني منها البرازيل فيما يتعلق بالتجارة وجميع التصرفات الخاطئة من جانبنا، واستشهدت بالحجج القوية التي يرددها الاقتصاديون الكلاسيكيون والتي مؤداها أننا نضر أنفسنا بعدم اتباع نصائح جميع أصحاب النظريات. وعندئذ، ألقيت عليها سؤلا" واحدا" فقط، "هل يمكن أن تدليني على فصل في كتابات ريفيد ريكاردو أو ادم سميث يستثني صراحة عصير البرتقال المركز المجمد من هذه النظريات الجميلة؟ " وهنا، ضحكت قائلة "لعلك تعرف أننا فيما يتعلق بعصير البرتقال المجمد عندنا المجموعة المدافعة عن مصالح فلوريدا.... ". وهذه هي المشكلة. فإما أن تكون متسقا" مع نفسك أو لا تكون.

 

والذي تحقق في الزراعة قليل جدا. ففي بداية جولة أوروغواي للمفاوضات الزراعية، كان من بين أول الاقتراحات التي تقدم بها الرئيس ريجان هي "خيار الصفر"، أي إلغاء الدعم المحلي، والغاء حواجز السوق، إلغاء دعم الصادرات. ولكن، ماذا استطعنا تحقيقه قياسا" من هذه الأهداف الطموحة؟ في الحقيقة، إنني لا أعرف، ولكنني أحيانآ أتساءل عما اذا كان من الخطأ أننا قيلنا بشيء قليل جدا" في الزراعة في نهاية الجولة.

 

وهناك قول آخر له علاقة بالتنمية. فنحن نرى بارتياح أن كثيرا" من المنظمات والشخصيات العامة تقول الآن إن علينا أن نصحح عدم التوازن في النظام التجاري. وفي الأسبوع الماضي عقدنا اجتماعا لمجموعة ال77 والصين، في مراكش، حيث انبرى السيدMoore مدير عام منظمة التجارة العالمية، مدافعا" عن الفكرة القائلة بأن جولة المفاوضات التجارية المقبلة ينبغي أن تكون جولة التنمية. ومما يبعث على كثير من التشجيع ان الجميع الآن يطالبون بأن تكون التنمية في بؤرة الاهتمام، ولكن ذلك أيضا" يرفع من مستوى التوقعات، وبالتالي ستكون خيبة الأمل مريرة لو أننا فشلنا مرة أخرى في ترجمة هذه الكلمات الى شيء له جدواه. ولابد من التسليم بأنه بعد خمس سنوات من بداية تنفيذ اتفاقية الزراعة، اصبح من الآراء الشائعة بين البلدان النامية أن الاتفاقية لم تكن ذات تأثيركبير في تحسين مشاركتها في تجارة المنتجات الزراعية العالمية. فقد بقيت التعريفات الجمركية على المنتجات الزراعية أعلى بشكل ملموس مما هي في القطاع الصناعي- أعلى بما يقرب من ست مرات قياسا" على الأساس المرجح للتجارة عموما". ومازالت مشاكل وصول التعريفات الجمركية إلى ذروتها والتعريفات التصاعدية قائمة، كما توضح ذلك دراسة اشتركت في اجرائها منظمة التجارة العالمية والأونكتاد. ومازال إجمالي مقياس الدعم الكلي الجاري الذي تطبقه بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مرتفعا" جدا، اذ يقترب من  100 مليار دولار، ويمثل الاتحاد الأوروبي وحده أكثر من نصف هذا المبلغ بينما تمثل اليابان أكثر من الربع، وبذلك يكون اكبر بكثير من الناتج المحلي الإجمالي بأكمله في بعض البلدان النامية ذات الدخل المتوسط.

 

كذلك فإن بعض الالتزامات التي زبطت بالمنافع التي يمكن ان تعود على البلدان النامية لم تنفذ بالكامل أو لم تنفذ بطريقة مرضية. ومن بين مشاكل التنفيذ عدم وفاء البلدان المتقدمة بتحسين فرص نفاذ صادرات البلدان النامية الى الأسواق. ومن الأمثلة الأخرى ارتفاع معدلات التعريفية الجمركية المطبقة على الحصص، وحصص التعريفة الجمركية القائمة على التمييز وعدم الشفافية، والطرق الإدارية، وكذلك، وهذا ما سبق التنويه إلية، تنفيذ القرر الوزاري الخاص بالبلدان التي تعد مستوردة صافية للغذاء بطريقة غيرمرضية.

 

وفي ضؤ هذه الاعتبارات، ما هو الهدف الذي ينبغي أن تتوجه نحوه المفاوضات المقبلة؟ ينبغي أن يكون هذا الهدف، بطبيعة الحال، هو إدخال القطاع الزراعي تماما" في النظام متعدد الأطراف. ومع ذلك، ينبغي أيضا"، من منظور البلدان النامية، صياغة الاتفاقية المقبلة بطريقة تجعلها تعكس بمزيد من الحرص احتياجات البلدان النامية وظروفها الخاصة، في الوقت الذي تحرص فيه على إقامة نظام لتجارة المنتجات الزراعية بحيث يكون هذا النظام منصفا ويقوم على آليات السوق. كذلك فإن تنفيذ هذا النظام ينبغي أن يضمن تخصيصا متوازنا" ومنصفا" للمنافع بين جميع البلدان. ومما يبعث على التشجيع، في هذا الصدد، أن البلدان النامية شاركت بمزيد من الجدية في المرحلة التحضيرية، وأن عددا كبيرا" من الاقتراحات التي بلغ مجموعها نحو 40 اقتراحا"، تقدمت به البلدان النامية التي استطاعت تكوين مجموعات من البلدان ذات الأفكار المتشابهة للعمل بنشاط على تحقيق أهدافها.

 

ونستطيع، عشية المفاوضات، أن نميز بين ثلاثة مواقف تفاوضية رئيسية. اولا"، هناك البلدان الصناعية الرئيسية، مثل بلدان الاتحاد الأوروبي واليابان، وسويسرا والنرويج، التي تؤكد على الطابع متعدد الوظائف الذي تتصف به الزراعة، أي أن هذه البلدان تؤكد على اهتماماتها غير التجارية. وهناك مجموعة ثانية تتكون من البلدان ذات الصوت المرتفع في المفاوضات- وعلى رأسها الولايات المتحدة، بالطبع، ومجموعة كايرينز التي تضم البلدان النامية التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الزراعة في تحسين أوضاعها التجارية. وأخيرا"، هناك مجموعة البلدان النامية التي تتجاوز فيها الزراعة مجرد كونها نشاطا" تحكمه قواعد السوق، لأنها تؤثرعلى نسبة كبيرة من السكان، تتجاوز عمومآ 50 أو 65 في المائة، كما تعد فيها مشاكل التخفيف من حدة الفقر أو تحقيق الأمن الغذائي من المشاكل شديدة الخطورة.

 

وإنني آخر من ينكر الصعوبات التي تكتنف عملية تحرير تجارة المنتجات الزراعية، ولكنني، في نفس الوقت، يجب أن أحذر من التعامل مع الزراعة على انها كائن مختلف تماما". وعلى سبيل المثال، يتحدث الناس عن تعدد الوظائف التي تقوم بها الزراعة. ولاشك في ان القول بأن الزراعة لا تتضمن فقط إنتاج السلع من أجل السوق، ولكنها أيضا" تثير القضايا المتصلة بحماية البيئة، والطابع العام للريف، والمحافظة على التنمية الريفية، وما إلى ذلك، صحيح تماما". وتكمن المشكلة فيما اذا كان العمل على تحقيق هذه الأهداف يقوم بالضرورة على سياسات تؤدي إلى تشويه التجارة.

 

وهذا الطابع متعدد الوظائف لا يقتصر على الزراعة دون غيرها. وانني في ذلك أعتمد على تجربتي كوزير للبيئة. ففي غابات منطقة الأمازون كثيرة الأمطار في البرازيل، ياتي التهديد من الزراعة على وجه التحديد، لأن الزراعة هي التي تحتم حرق الغابات وتحويل أراضيها إلى الاستخدامات الزراعية. ومنذ نحو 20 عاما أنشأنا منطقة حرة في العاصمة مانوس. وكان لذلك تأثير مدهش، لأن كثيرا" من الناس الذين كانوا يعيشون بالمناطق الريفية في الأمازون هاجروا إلى العاصمة، مما أدى إلى تخفيف الضغط على الغابات. ولذلك، يمكن القول في حالتنا ان الصناعة في الأمازون نشاط متعدد الوظائف، لأنها تساعد على المحافظة على الغابات.

 

ومازال علينا أن نعالج بجدية كثيرا" من المشاكل المتعلقة بالنفاذ إلى الأسواق: كالتعريفات الجمركية التي تصل إلى مستوى الذروة والتريفات التصاعدية، والقضايا المتعلقة باتفاقية الصحة والصحة النباتية، واتفاقية الحواجز الفنية أمام التجارة (عدم استثناء أي طرف من المعايير التي تعد ضرورية من وجهة النظر العلمية بل محاولة تحسين قدرة البلدان النامية على وضع هذه المعايير والتقيد بها)، وتخفيضات التعريفة الجمركية التي تمنح للدولة الأولى بالرعاية وتأثيرها على نظم المعاملة

 

التفضيلية، ونظام حصص التعريفة الجمركية. وفيما يتعلق بالدعم المحلي، ينبغي أن نناقش ما إذا كنا بحاجة الى "صندوق للتنمية" أم لا. ولكي يستطيع "صندوق التنمية" القيام بدوره المنشود، فمن اللازم ربط معاييره بمؤشرات إنمائية مناسبة، مثل النسبة المئوية لنصيب الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة السكان الذين يعانون من نقص التغذية، ومعدل النمو السكاني، ومعدل نمو الإنتاجية، ودرجة الاعتماد على الواردات في الحصول على المواد الغذائية الأساسية، وما إلى ذلك. وأخيرا" وليس آخرا" بأي حال من الأحوال، يجب ان نتعامل بخزم مع فضيحة دعم صادرات السلع الزراعية. فليس هناك أي مبرر على الإطلاق، في نظام تجاري يحظر دعم الصادرات من المنتجات الصناعية لمواصلة السماح للبلدان بحماية نصييها في الأسواق الزراعية العالمية معتمدة في ذلك على قدرتها المالية على تقديم الدعم للصادرات. وليست هذه المسألة مطروحة للمساومة. فإلغاء دعم الصادرات هو إحدى النتائج المترتبة على المبادئ الأساسية لقيام نظام تجاري سليم.

 

كلمة رئيسية للبروفيسور Kirit S. Parikh, Director ، مدير معهد إنديرا غاندي لبحوث التنمية، بالهند

 

إنني أتفق مع كثير من النقاط التي قدمتها السيدةStanton  وإن كنت أرى أن كفاءة نظام السوق تعتمد اعتادا" كبيرا" على التوزيع البدئي للدخل، وأن الأمر قد يستغرق وقتا" طويلا" قبل أن يصل تأثير النمو إلى الفقراء. يخلال فترة الانتقال التي أكد السيد Ricupero على انها يمكن أن تكون طويلة، يمكن أن يواجه كثير من الناس مشاكل خطيرة فيما يتعلق بالأمن الغذائي. ولا يمكننا أن نعتمد على السوق في حل هذه المشاكل، كما أن اتفاقية الزراعة لم تحفل كثيرا" بالحاجة إلى تحقيق الأمن الغذائي، وخصوصآ خلال مرحلة الانتقال.

 

وربما ينبغي علينا أن نضيف إلى تعريف الأمن الغذائي الذي وضعه مؤتمر القمة العالمية للأغذية، أن الغذاء لا ينبغي أن يكون متاحا" للجميع في جميع الأوقات فحسب، بل ينبغي أن يكون متاحا" للجميع كحق من حقوقهم، دون مذلة ودون فرض اي شروط تتصل بالمعونة الغذائية. والعامل الأساسي هنا هو القدرة الاقتصادية بم فالأمن الغذائي هو في الأساس مشكلة الفقراء. ونظام الغذاء العالمي لا يحفل إلا بمن يملك الما ل. فإذا نحن أعطينا المال للفقراء فسوف يزداد طلبهم على الغذاء، وبالتالي سوف يزداد الإنتاج لتلبية الطلب. ولكننا إذا أعطينا المال للمزارعين، أو قدمنا لهم حوافز من أجل انتاج مزيد من الغذاء، فلن يصل الغذاء للفقراء لأنهم لن يكونوا قادرين على شرائه. واليوم في الهند، تمثل المخزونات الاحتياطية الرسمية أكثر من 13 مليون طن، ومع ذلك فإن أكثر من مائتي مليون هندي يعانون من الجوع.

 

واذا كان الفقر هو سبب الجوع، فلكي نقلل من حدة الجوع لابد أن نقلل من حدة الفقر. فالفقراء ليس لديهم إلا القليل من الأرض، ورأس المال والمهارات، وينبغي علينا أن نزيد من امكانياتهم ومنتجاتهم لكي يستطيعوا تحسين دخولهم الحقيقية. ولكن كل ذلك يستغرق وقتا"، ومن هنا كانت اهمية فترة الانتقال.

 

ولقد قمنا بتحليل السيناريوهات المختلفة مستخدمين في ذلك نماذج سياسات التوازن العامة والتحليلات التي وضعها المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية، ولكي نتبين ما إذا كان وجود كميات إضافية كبيرة من الأغذية في السوق العالمية يمكن أن يساعد الفقراء أم لا، وضعنا نموذج محاكاة افترضنا فيه طرح 50 مليون طن اضافية من القمح في الأسواق العالمية كل سنة. ووجدنا أنه بعد10-15 سنة لن يصل اي قدر من هذه الكميات إلى الفقراء ويمثل استهلاكا اضافيا" لهم. فحتى اذا انخفضت الأسعار في السوق العالمية في البداية فإنها ستعود إلى الارتفاع، ثم تصل أخيرا" إلى مستوى الفترة المرجعية وبذلك يكون النظام قد وفق أوضاعه، فقد تغير الإنتاج والتركيب المحصولي والأنماط التجارية، ولكن استهلاك الفقراء لم يطرا عليه أي تغيير.

 

كذلك، هناك من يقولون إنه في حالة حدوث فشل في المحصول فإن التجارة الحرة ستمكن من النفاذ الى الأسواق العالمية. ومن المؤكد أن التجارة الحرة ستجعل النفاذ الى الأسواق ممكنا لمن عندهم مال. وفي نموذج محاكاة آخر، افترضا أولا" حدوث اضطرابات جوية تؤدي إلى خفض الإنتاج في بلدان الشمال الصناعية، ثم طبقنا نفس هذا الافتراض على البلدان النامية. ومهما كان نوع المحاصيل التي ستصاب بالفشل، فسوف يزداد عد د. الفقراء في البلدان النامية، لأن البلدان المتقدمة تملك من المال ما يكفي لشراء الأغذية من السوق الدولية. وسيكون من نتائج ذلك ارتفاع أسعار الأغذية في السوق العالمية، وستكون البلدان الفقيرة المستوردة للغذاء غير قادرة على استيراد ما يكفي لسد احتياجاتها، وسوف تنضب المعونة الغذائية، وهكذا. ولذلك، فحتى اذا هطلت الأمطار في الشمال، فسوف يزدار الجوع في الجنوب. وبالمثل، بطبيعة الحال، فعندما تفشل المحاصيل في الجنوب فإن الجوع سيزداد على أي حال. ولذلك، فإن هذا النظام لا يوفر الغذاء الا لمن لديهم المال الذي يمكنهم من شرائه.

 

ولقد درسنا أيضا" تأثر تحرير تجارة المنتجات الزراعية في سيفاريوهات مختلفة: مثل تحرير التجارة من جانب البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتحرير التجارة من جانب البلدان النامية، وتحرير التجارة على المستوى العالمي. والنقطة التي أود أن أؤكدها هي ان بعض البلدان تكسب وبعضها يخسر. ولا يمكن القول بشكل مطلق إن التجارة الحرة ستكون مفيدة لجميع البلدان. وقد خلصنا من ذلك الى أن بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عموما" تكسب نتيجة لتحرير

 

 التجارة، مهما كان السيناريو. وقد استفادت بعض البلدان النامية في سيناريوهات معينة، ولكن البلدان الفقيرة تخسرعموما". فهي تتعرض للضرر من جراء الخسائر المترتبة على معدل التبادل التجاري، وغير ذلك من أشكال التشوهات والمواقف الجامدة، وارتفاع أسعار الأغذية. ولذلك، يستطيع المرء أن يوافق على تحرير التجارة ولكن مع وجود سياسات تصحيحية. لتلافي هذه الخسائر.

 

وعلينا ان نمعن التفكير في بعض هذه القضايا. أولا"، يعد تتابع الإصلاحات امرا" في غاية الأهمية. فالبلدان النامية في حاجة إلى فرص كافية لنفاذ صادراتها إلى الأسواق، لكي يكون بوسعها أن تستورد احتياجاتها من الغذاء حتى وان ارتفعت الأسعار. ثانيا"، يعد استقرار الأسعار العالمية فهما" بالنسبة للبلدان التي تتعرض فجأة لتأثير الأسعار السائدة في السوق العالمية. وفي هذه الحالات، يمكننا أن نسمح بالمخزونات الاحتياطية وغيرها من العمليات، مثل التعريفات المتغيرة أو حزم الأسعار، لكي يمكن تجنب التأثيرات المباشرة والكاملة للأسعار العالمية.

 

وتتصل الوظائف المتعددة التي تقوم بها الزراعة، والتي أشار إليها السيد Ricuperc ، بقضية الاكتفاء الذاتي. فقد يكون من المرغوب وجود درجة معينة من الاكتفاء الذاتي لأسباب عديدة منها الأمن السياسي. والبديل لذلك، وهو بناء مخزونات احتياطية، ينطوي على تكلفة كبيرة، وقد لا يكون من الخيارات الميسورة، بحال من الأحوال، لكثير من البلدان النامية الفقيرة، لأن أعدادا كبيرة جدا" من الناس يعتمدون في معيشتهم على القطاع الزراعي. ولابد أن تسمح لمثل هذه البلدان بدرجة معقولة من الاكتفاء الذاتي لكي تحافظ على مستوى العمالة في الزراعة، ولكن دون تشويه للسوق العالمية.

 

ويفتقر الكثير من التدابير التي تنص عليها اتفاقية الزراعة إلى الإنصاف. فالبلدان النامية لا تعامل بشكل فنصيف فيما يتعلق بأثر الاتفاقية على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي. وفي بعض الحالات، لا تكون المعاملة الخاصة والتفضيلية كافية، وفي حالات أخرى تنشأ المشكلة بسبب عدم امتثال البلدان المتقدمة للاتفاقية التي وقعت عليها.

 

ونظرا" لأن كثيرين جدا في العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فمن الضروري أن يظل الأمن الغذائي في بؤرة الاهتمام في الجولة الجديدة لمفاوضات منظمة التجارة العالمية، وأن تصبح اتفاقية الزراعة أكثر إنصافا" للبلدان النامية وأكثر حساسية لاهتماماتها في هذا الصدد. ورغم حاجة البلدان الأقل نموا" إلى المرونة، فإنها لا يجب أن تنسى أن تشوهات السوق تكلفها الكثير وأن المستفيدين ليسوا بالضرورة هم الفقراء الذين تحدث التشوهات باسمهم. ويعد النمو من أفضل التدابير لمكافحة الفقر، وينبغي أن تحرص البلدان النامية على تحقيق اسرع نعو ممكن في القطاع الزراعي وفي الاقتصاد ككل. وفي نفس الوقت، قد يكون تحويل الدخل من خلال آليات للتوجيه الذاتي، والتكيف الذاتي والتصفية الذاتية من بين أفضل التدابير. ويمكن أن يكون من بين هذه الآليات خطة لضمان العمل، مثل الخطة التي طبقت بشيء من النجاح في ولاية ماهاراسترا بالهند في السنوات الخمس عشرة الأخيرة. إذ توضح التجارب أن عدر الناس الذين يتقدمون للعمل في السنوات السيئة والسنوات التي تعاني فيها البلاد من الأمطار الموسمية أكبر من عدد من يتقدمون للعمل في السنوات الجيدة.. ويقوم هذا البرنامج على آلية للتوجيه الذاتي لأن الفقراء فقط هم الذين يتقدمون للعمل ولأن الأغنياء ليسوا في حاجة إلى هذه الأجور. وعندما ينمو الاقتصاد وتتوافر فرص عمل بديلة، لن يتقدم الناس لأداء الأعمال التي تكون أجورها منخفضة نسبيا" في إطار خطط ضمان العمل. ولهذا، يمكن للمرء أن يفكر في وضع نظام للأمن الاجتماعي، أو شبكة أمان اجتماعية لتحقيق الأمن الغذائي، لا تؤدي بالضرورة إلى تشويه الزراعة. وتحقيقا" لذلك، ينبغي ان تحصل البلدان النامية على المساعدة، ومن المؤكد انها ستكون في حاجة إلى المساعدة في فترة الانتقال.

 

(3) مستشار منظمة التجارة العالمية.

 

 

الصفحة السابقةأعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة